- الثلاثاء ديسمبر 11, 2012 4:59 pm
#56580
لقد كان هناك مجهود عظيم لأبرز مؤسسي الحركة الإسلامية المعاصرة يبرز من خلال التضامن من أجل إعادة تقييم للحركة الإسلامية بنقدها ذاتيا وبموضوعية للوقوف علي مكمن الخلل في مسيرتها سواء على صعيد القيادة أوالفكر أوالتفاعل بين الظروف والنصوص.. إلخ ومن خلال ماتمخض عنه هذا العمل نستطيع تلمس أسس التعددية في مجالات الحياة المتنوعة والمناداة بها يعكس ذلك أقوالهم في أعمق كتابين يدرسان هذا الموضوع هما كتاب دكتور خالص جلبي: "ضرورة النقد الذاتي للحركة الإسلامية" مؤسسة بيروت وكتاب (الحركة الإسلامية رؤية مستقبلية) والذي يضم فكر14 عالما عاملا في مجال الحركة الإسلامية وعن ضرورة هذا النقد الذاتي الذي يعد معبرا للتعددية عن طريق تصحيح الأخطاء يقول د.خالص جلبي: "إن النقد الذاتي حركة حية ديناميكية وأداة إنضاج للوعي الداخلى وتطهير أخلاقي في مستوى الفرد وهي بناء أسرة متماسكة والعيش في جو جماعة صحي وتطهير للوسط السياسي من الإرهاب والتسلط وبناء علاقات حسنة بين الجماعات البشرية"(3) وعن دلائل هذه التعددية في خطاب التيار الفكري الإسلامي
كتب د.عبداله أبو عزة* قائلا: يجب أن تشدد التربية على تبني أسلوب الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة وباحترام الرأي الأخر وبهذا يمكن تجنب أن تؤدي الإختبارات المختلفة إلى إنقسامات عميقة بل أن العكس سيكون صحيحا حيث يؤدي الوضوح والموضوعية والحوار بالحسنى وإحترام الرأي الآخر إلى التقارب التدريجي والتوحيد التدريجي المستند إلى أسس سليمة"(4) وفي موضوع آخر نجده يحض الحركات الإسلامية على ضرورة تبني نهج التصحيح والمراجعة المستمرة لأعمالها قائلا "لابد من تضافر الجهود الفكرية والعقلية لتمكين الحركات الإسلامية من إسقاط سلبياتها وإعلان التطهر والتبرؤ منها فإذا عجزت الحركات الإسلامية عن الإرتفاع إلى هذه الدرجة من نقد الذات ولوم النفس فإن مسيرة المد الإسلامي
ـــــــــــــــــــــــــ
*د.عبد الله محمد أبوزهرة تلقي تعليمه الجامعي في كل من جامعة القاهرة الجامعة الأمريكية في بيروت جامعة اكستر في بريطانيا التحق بحركة الإخوان المسلمين وعمل معها عشرين سنة ثم استقال نشر كتابين مع الحركة الإسلامية في الدول العربية، "الإسلام رسالته ، حضارته مستقبله له الكثير من الأبحاث العلمية" أوراق في النقد الذاتي ص177
(1) مجموعة الرسائل: رسالة إلى الشباب ص88، 89 حسن البنا
(2) "في النقد الذاتي: ضرورة النقد الذاتي للحركة الإسلامية": د.خالص جبلي ص164 بتصرف بسيط
(3) بحث، نحو حركة إسلامية علنية وسلمية": د. عبد الله أبو عزة ص192 من كتاب الحركة الإسلامية رؤية مستقبلية
(4) ينظر في هذا العدد إلى كتاب د.إدوارد غالي "حقوق غير المسلمين في المجتمع الإسلامي" وفيه أمثلة لاتحصى ودلائل على ذلك من تاريخنا وموقف علماء المسلمين ومفكريهم قديما وحديثا
سوف تفرز حركات إسلامية جديدة تتجاوز أخطاء الماضين وتستضئ بنور ربها وتقود العاملين للإسلام في الطريق الصحيح وإذا كانت بعض الأنظمة المعادية للإسلام عاجزة بحكم تكوينها وضيق رؤيتها عن تصحيح مواقفها وممارستها فإن حركة المد الإسلامي سوف تتصل بأمتنا ومجتمعتنا إلى الوضع الصحيح بإذن الله" (1)
فالأستاذ عبد الله أبوعزة نلمح من خلال كتاباته أنه "يؤمن بالشورى ويحترم الديمقراطية ويؤمن بالحوار واحترام الرأي الآخر وينفر من العنف والتزمت الفكري(2) وكل هذه قواعد أساسية للتعددية السليمة.
وعن محاربة الإستبداد الذي يركز كل السلطات في شخص القائد وهو الشكل الضارب في كل مواقع العمل في مجتمعاتنا وإهمال القاعدة العامة للشعب من حق ممارسة القرار والمشاركة في صنعه مما يقوض التعددية كتب دكتور عبد الله النفيس* "لابد من التفكير بصيغة تفتت مواقع السلطة الإدارية القيادية وتنقلها للقواعد وتفوضها للمستويات الأدنى من الهيئات الإدارية القيادية التي ينبغي التفكير باستحداثها فنحن اليوم في عصر كثرت فيه التساؤلات جراء الثورة المعرفية والمعلوماتية.. ولم يعد من الممكن القبول بفكرة (الإمام) المرشد الحجة ذو العلم المحيط الذي ينهل منه الناس الحكمة والمعرفة والرأي السديد. هذا زمن المؤسسات الكبيرة والنظم المرنة وتوفير متطلبات الإبتكار وسيطرة العلاقات أكثر من سيطرة الهيكل وتكثيف دور الإختصاصين لا تهميشهم وتفتيت السلطة لاتركيزها"(3)
وفي هذا الصدد كتب الأستاذ عدنان سعد الدين** قائلا: "..فليس ثمة مسوغ لأي تنظيم أوحزب يلتزم بمبادئ الإسلام أن يتخلى عن الديمقراطية أو يفتر في تأييدها أو يقف موقف المتفرج من إغتيالها أو التآمر عليها فالحرية كالكرامة لا تتجزأ والمبادئ لاتنتصر بالإكراه والإستبداد وإنما بالتفاف الشعب حولها وإقتناعهم بها ودفاعهم عنها فقد بعث محمد بن عبد الله بالرسالة فكان وحيدا فمازال يدعو ويحاور ويقنع ويبشر وينذر ويصبر ويصابر ويتحمل الأذى حتى فهم أعداؤه الذين حاربوه وقاتلوه بأنه على الحق المبين فآمنوا بحرية وإقناع وليس بجبر ولاإكراه ليكونوا خير أمة وليقيموا المجتمع المثالي والدولة الفاضلة" (4) ثم هو في موضع آخر يذكر أن هناك عناصر مشتركة وتقاطعا واسعا بين الديمقراطية والشورى فكلاهما يعارض الفردية والدكتاتورية والإستبداد.. وأنه لا مشاحة في الإصطلاح لأن العبرة للمضمون لا للشكل وللمعاني وليس للمباني (5)
ومن مظاهر التعددية الإنفتاح على التيارات الفكرية المغايرة ومحاولة التواصل معها ومنها التيار العلماني وفي هذا الصدد كتب د.محمد عمارة*** قائلا: "الأمر الذي لاشك فيه هو وجوب خروج الحركات الإسلامية من وضع رد الفعل للحركات العلمانية إلى وضع البديل الذى
ــــــــــــــــــــــــــ
*من مواليد الكويت حصل على بكالوريوس العلوم السياسية من الجامعة الأمريكية من بيروت وحصل على الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة كمبردج زاول التدريس في جامعة اكسرت والإمارات له عدة كتب منها مستقبل الصحوة الإسلامية، في السياسة الشرعية، العمل النسائي في الخليج الواقع والمرتجي..
**من مواليد 1929 مدينة حماة سوريا انضم لحركة الإخوان المسلمين واستمر على صلة بها منذ 1945 حتى يومنا هذا واستلم مهمة المراقب العام للإخوان في سوريا عام 1975 ومازال في مواقع قيادية ولاسيما في الحقل السياسي حتى الآن ص269، المرجع السابق
***مفكر إسلامي انجز دراسته العليا ماجستير ودكتوراه في كلية دار العلوم متفرغ للعمل الفكري قدم للمكتبة أكثر من سبعين كتابا مابين تأليف وتحقيق منها "الإسلام وحقوق الإنسان" العلمانية ونهضتنا الحديثة" المرجع السابق ص323
(1) المرجع السابق ص200
(2) المرجع السابق ص177
(3) "الإخوان المسلمون في مصر"بحث في كتاب أوراق في النقد الذاتي" د.عبد الله النفيس ص259
(4) بحث "من أصول العمل السياسي للحركة الإسلامية المعاصرة" عدنان سعد الدين ص283، 281 من كتاب أوراق في النقد الذاتي
لا يقنع بالجهل والتجاهل لما لدى الآخر وإنما يسعى جاهدا لإمتلاك الوعي بما لدى الآخر سواء منه مايدخل في إطار النافع الذي يستلهم أو الضار الذي يعين الإدراك له على فعالية التحصن من الوقوع في حبائله وعلى جدوى النقد له.."(1)
أي أنه مهما كانت درجة الإختلاف فإنه لابد من نبذ العزلة والإنكفاء على الذات لأنه لاشك أن هناك نقاط اتفاق كثيرة يلتقي عندها الطرفان هي في مصلحة الأمة وفي هذا يقول: لقد وقعت أغلب الحركات الإسلامية من هؤلاء العلمانيين القابضيين على أغلب وسائل التأثير والتوجيه في الواقع الإسلامي موقف الجهل بدوافعهم إلى العلمانية والتجاهل للإضافات الهامة التي يمكن أن يضيفوها إلى المشروع الإسلامي إن هم فهوا حقيقتة فكان الإنصراف عن الجهد المطلوب لاكتشاف نقاط الإتفاق وتنميتها ومحاصرة وتقليص لنقاط الخلاف مع هذا الأخر العلماني*.. ومحاولة الإنتقال به إلى صفوف الأصدقاء المتفهمين أو المحايدين"(2)
وعن التعددية في مجال الدعوات والحركات والجماعات الساعية لنهضة الأمة الإسلامية كتب دكتور محمد عمارة في كتابه الطريق إلى اليقظة الإسلامية قائلا: "إذا كان الإسلام هو ايديولوجية الأمة وإذا كانت هذه الأمة تتفق على أصوله وأركانه.. فإن قضية الحضارة العربية الإسلامية سياسة وإجتماعا واقتصادا وعمرانا وعلوها إنسانية هى مما تتعدد فيها الرؤى وتتمايز فيها الإتجاهات بل وتمايز جماهير الأمة ومفكريها إزاء هذه المعضلات فالتعدد إذن.. هو ظاهرة طبيعية بل صحية .. فإن الإجتهاد ومن ثم التعددية هما السبيل الطبيعية بل الواجبة لتنمية الإبداع الذي هو السبيل إلى بناء الحضارة.."(3)
وعن الأثر الذي يحدثه الدين في صورته ومنابعه النقية المباشرة من الكتاب والسنة في تحريك الأمة لمعركة النهوض كما حدث في بدايتها الأولى واشتراك كل أفرادها على تنوعاتهم
وفي هذا الصدد يقول محمد عبده: "لورزق الله المسلمين حاكما يعرف دينه ويأخذهما بأحكامه لرأيتهم قد نهضوا والقرآن الكريم في إحدى اليدين وماقرر الأولون وما اكتشف الآخرين في اليد الأخرى ذلك لآخرتهم وهذا لدنياهم ولساروا يزاحمون الأوربيين فيزحمونهم.."(4)
وكتب الأستاذ جمال البنا عن هذا قائلا: "إن التحدى العملي الذي يجابه الدول الإسلامية اليوم هو التخلف اقتصاديا وعسكريا وسياسيا وإجتماعيا ولايمكن وقف هذا التخلف إلا يجعل التنمية معركة حضارية تتم تحت لواء الإسلام ..واستنفار كل أفراد الشعب للمشاركة فيها من وضع الخطة حتى نهايتها وتقيمها(5)
أي أننا نستطيع بإقرار التعددية بمظاهرها المتعددة أن نلتقي بأفراد المجتمع على كلمة سواء تذوب عندها كل ما من شأنه أن يكون سبب للتنافر والتباعد من أجل هذه القضية الجوهرية كما فهمنا من كلام مفكرينا سابقا فهي ليست دعوة لطمس التمايز والتعدد وإنما التعاون على ما لم نختلف عليه والتجاوز والترفع عما عداه.
الممارسة العملية للتعددية عند الحركات الإسلامية
إذا كانت الشورى هى إحدى أبرز صور التعددية فإننا بالدلائل نجزم بأنه "قد انتهت معظم
ـــــــــــــــــــــــــــ
*مما لاشك فيه أنه في الأونة الأخيرة شهد مجتمعنا المصري على سبيل المثال تقليص للفجوة بين التيارات الفكرية المتباينة في محاولة لتضافرجهودها في سبيل الإصلاح وتمثل ذلك بصور عملية "في حركة كقاية" والجبهة الوطنية للتغيير والتي تضم كافة الفئات المعارضة للحكم السياسي بإختلاف طوائفها ومذاهبها الفكرية كالإخوان المسلمون والمسيحيون وعلمانيون واليساريون.
(1) بحث من مظاهر الخلل في الحركات الإسلامية المعاصرة ص323 من كتاب "أوراق في النقد الذاتي"
(2) المرجع السابق ص334
(3) الطريق إلى اليقظة الإسلامية، ص145، 146
(4) الأعمال الكاملة لمحمد عبده ج3 ص231 محمد عمارة
(5) استراتيجية الدعوة الإسلامية في القرن 21 جمال البنا ص38
الجماعات الإسلامية المعاصرة إلى الأخذ بمبدأ الشورى الملزمة وأدخلته في أنظمتها وطبقته في ممارستها كالجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية وتنظيم جماعة الإخوان المسلمين في البلاد العربية وغيرها من التنظيمات القائمة في السودان وأفريقيا وفي الدول الأسيويية كماليزيا واندونيسيا وغيرها(1) ومنها الإيمان بالتعددية الحزبية* ونذكر في هذا الصدد على سبيل المثال لا الحصر ما كان بين المودودي وأبو الحسن النووي
فالعلامة أبو الحسن الندوي عندما أصدر كتابه "التفسير السياسي للإسلام" وانتقد فيه بعض مفاهيم المودودي خاصة ماجاء في كتاب "المصطلحات الأربعة" فكتب إليه المودودي: "يطيب لى أن أشكركم لأنكم قمتم بالنقد والتعليق على مااطلعتم عليه مما كتبت والذي يؤدي في تصوركم إلى أخطار كثيرة وأرجو منكم أن تقوموا بالنقد بلا تردد أو تكلف لما ترون في كتاباتي مما يجر الضرر أو الخطر على الدين وأهله وإني لم أر نفسي قط فوق النقد ولا أنكره..(2) .
التركيز على الحرية وفي هذا تقول "حركة النهضة التونسية" على لسان. مؤسسها راشد الغنوشي في حوار معه ".. لذا نحن دخلنا الحياة السياسية في تونس من أجل تحقيق الحريات في تونس وليس من أجل إقامة حكم إسلامي يجب أن نحترم إرادة الجماهير إذا اختارت منهجا غير منهجنا فنحن لانشكل وصاية على المجتمع فإذا اختار مجتمعنا أن يكون يوما ملحدا أو شيوعيا فما نملك نحن(3)
وعن الشوريون التعاونيون في اليمن فإننا نجد فيها وكما يقول" أستاذ جمال البنا أفضل مافي السنة والشيعة على السواء ويكفي في التدليل على ذلك أمران: الأول: فتح باب الإجتهاد من العهود الأولى حتى الآن والثاني: وجوب الثورة على الأنظمة واعتبار السكوت عليهم نوع من الإستخذاء(4) إذا كان ما سبق يمثل التعددية لدي الحركات الإسلامية في صورتها السياسية متمثلة في تبني نهج الحرية والشوري واحترام النقد والرأي الآخر المعارض والحوار إلى ما هناك فإن هناك تعددية فقهية لدى الحركات الإسلامية أيضا
التعددية الفقهية لدي الحركات الإسلامية
وفي هذا الصدد يقول المستشار طارق البشري: "ومع القابلية للتحديد ترد القابلية للتنوع داخل الوعاء الفسيح للفكر الإسلامي .. ويمكن أن نضيف إلى هذا الإختلاف وجوها أخرى للتنوع داخل الجماعة السياسية الواحدة.. ومن ذلك على سبيل المثال الإجتهادات المتنوعة حول حق الملكية ومايتيحه من سلطات وصلاحيات إجتماعية والإجتهادات المتعلقة بمقاومة الجور أو حفظ النظام والإستقرار وهكذا: وهو تنوع يعبر عن وجوه الإختلاف في الأوضاع السياسية والإجتماعية داخل الجماعة السياسية الواحدة" (5)
ومن دلائل الإقرار بالتعددية الفقهية عند حركة الإخوان المسلمين قول حسن البنا إحدى رسائله: "إن الإجماع في أمر واحد في فروع الدين مطلب مستحيل بل هو يتنافي مع طبيعة الدين وإنما يريد الله لهذا الدين أن يبقى ويخلد ويساير العصور ويماشي الأزمان وهو لهذا سهل مرن هين لين لاجمود فيه ولاتشدد"(6)
ـــــــــــــــــــــ
*ولمزيد في هذا الصدد ينظر إلى ص289 : 298 المرجع السابق
(1) من أصول العمل السياسي للحركة الإسلامية ، عدنان سعد الدين ص287 من كتاب أوراق في النقد الذاتي
(2) رسالة إلى الدعةات الإسلامية: جمال البنا ص68
(3) مقتطف من حوار للأستاذ الفنوشي مع مجلة المجتمع الكويتية سنة1981 مشار إليه في المرجع السابق ص192
(4) رسالة إلى الدعةات الإسلامية ص196
(5) الملامح العامة للفكر السياسي الإسلامي ص50، 51 بتصرف بسيط
(6 ) مجموعة الرسائل – رسالة دعوتنا، ص23، 24
وعن الرفض لأن يكون الإختلاف في الفروع سببا للتفرق والعداوة يقول حسن البنا: "الخلاف الفقهي في الفروع لايكون سببا للتفرق في الدين ولايؤدي إلى خصومة ولا بغضاء ولكل مجتهد أجره ولامانع من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخلاف في ظل الحب في الله والتعاون على الوصول إلى الحقيقة من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم والتعصب(1) وكنموذج لأحد المسائل الفقهية المختلف فيها والتي تعددت فيها الأراء والإجتهادات الغناء وسماع الموسيقى(2) فهناك من يحرمه كالإتجاه السلفي ويري الإخوان أنه من المسائل الخلافية وأن التوسط في سماع الغناء بشرط الحق والأولى أن يتبع الأزهر الذي يري أن الإستماع إلى أصوات الغناء مباح والحرمة تأتي من غيره مما يصاحبه" فإذا كان الصوت مستقيما عفيفا غير منكر وغير مثير للفتنة وكانت المعاني التي يتضمنها الغناء عفيفة شريفة وتبعث الهمة والنجدة وفضائل الأخلاق فلا يحرم..(3)
كتب د.عبداله أبو عزة* قائلا: يجب أن تشدد التربية على تبني أسلوب الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة وباحترام الرأي الأخر وبهذا يمكن تجنب أن تؤدي الإختبارات المختلفة إلى إنقسامات عميقة بل أن العكس سيكون صحيحا حيث يؤدي الوضوح والموضوعية والحوار بالحسنى وإحترام الرأي الآخر إلى التقارب التدريجي والتوحيد التدريجي المستند إلى أسس سليمة"(4) وفي موضوع آخر نجده يحض الحركات الإسلامية على ضرورة تبني نهج التصحيح والمراجعة المستمرة لأعمالها قائلا "لابد من تضافر الجهود الفكرية والعقلية لتمكين الحركات الإسلامية من إسقاط سلبياتها وإعلان التطهر والتبرؤ منها فإذا عجزت الحركات الإسلامية عن الإرتفاع إلى هذه الدرجة من نقد الذات ولوم النفس فإن مسيرة المد الإسلامي
ـــــــــــــــــــــــــ
*د.عبد الله محمد أبوزهرة تلقي تعليمه الجامعي في كل من جامعة القاهرة الجامعة الأمريكية في بيروت جامعة اكستر في بريطانيا التحق بحركة الإخوان المسلمين وعمل معها عشرين سنة ثم استقال نشر كتابين مع الحركة الإسلامية في الدول العربية، "الإسلام رسالته ، حضارته مستقبله له الكثير من الأبحاث العلمية" أوراق في النقد الذاتي ص177
(1) مجموعة الرسائل: رسالة إلى الشباب ص88، 89 حسن البنا
(2) "في النقد الذاتي: ضرورة النقد الذاتي للحركة الإسلامية": د.خالص جبلي ص164 بتصرف بسيط
(3) بحث، نحو حركة إسلامية علنية وسلمية": د. عبد الله أبو عزة ص192 من كتاب الحركة الإسلامية رؤية مستقبلية
(4) ينظر في هذا العدد إلى كتاب د.إدوارد غالي "حقوق غير المسلمين في المجتمع الإسلامي" وفيه أمثلة لاتحصى ودلائل على ذلك من تاريخنا وموقف علماء المسلمين ومفكريهم قديما وحديثا
سوف تفرز حركات إسلامية جديدة تتجاوز أخطاء الماضين وتستضئ بنور ربها وتقود العاملين للإسلام في الطريق الصحيح وإذا كانت بعض الأنظمة المعادية للإسلام عاجزة بحكم تكوينها وضيق رؤيتها عن تصحيح مواقفها وممارستها فإن حركة المد الإسلامي سوف تتصل بأمتنا ومجتمعتنا إلى الوضع الصحيح بإذن الله" (1)
فالأستاذ عبد الله أبوعزة نلمح من خلال كتاباته أنه "يؤمن بالشورى ويحترم الديمقراطية ويؤمن بالحوار واحترام الرأي الآخر وينفر من العنف والتزمت الفكري(2) وكل هذه قواعد أساسية للتعددية السليمة.
وعن محاربة الإستبداد الذي يركز كل السلطات في شخص القائد وهو الشكل الضارب في كل مواقع العمل في مجتمعاتنا وإهمال القاعدة العامة للشعب من حق ممارسة القرار والمشاركة في صنعه مما يقوض التعددية كتب دكتور عبد الله النفيس* "لابد من التفكير بصيغة تفتت مواقع السلطة الإدارية القيادية وتنقلها للقواعد وتفوضها للمستويات الأدنى من الهيئات الإدارية القيادية التي ينبغي التفكير باستحداثها فنحن اليوم في عصر كثرت فيه التساؤلات جراء الثورة المعرفية والمعلوماتية.. ولم يعد من الممكن القبول بفكرة (الإمام) المرشد الحجة ذو العلم المحيط الذي ينهل منه الناس الحكمة والمعرفة والرأي السديد. هذا زمن المؤسسات الكبيرة والنظم المرنة وتوفير متطلبات الإبتكار وسيطرة العلاقات أكثر من سيطرة الهيكل وتكثيف دور الإختصاصين لا تهميشهم وتفتيت السلطة لاتركيزها"(3)
وفي هذا الصدد كتب الأستاذ عدنان سعد الدين** قائلا: "..فليس ثمة مسوغ لأي تنظيم أوحزب يلتزم بمبادئ الإسلام أن يتخلى عن الديمقراطية أو يفتر في تأييدها أو يقف موقف المتفرج من إغتيالها أو التآمر عليها فالحرية كالكرامة لا تتجزأ والمبادئ لاتنتصر بالإكراه والإستبداد وإنما بالتفاف الشعب حولها وإقتناعهم بها ودفاعهم عنها فقد بعث محمد بن عبد الله بالرسالة فكان وحيدا فمازال يدعو ويحاور ويقنع ويبشر وينذر ويصبر ويصابر ويتحمل الأذى حتى فهم أعداؤه الذين حاربوه وقاتلوه بأنه على الحق المبين فآمنوا بحرية وإقناع وليس بجبر ولاإكراه ليكونوا خير أمة وليقيموا المجتمع المثالي والدولة الفاضلة" (4) ثم هو في موضع آخر يذكر أن هناك عناصر مشتركة وتقاطعا واسعا بين الديمقراطية والشورى فكلاهما يعارض الفردية والدكتاتورية والإستبداد.. وأنه لا مشاحة في الإصطلاح لأن العبرة للمضمون لا للشكل وللمعاني وليس للمباني (5)
ومن مظاهر التعددية الإنفتاح على التيارات الفكرية المغايرة ومحاولة التواصل معها ومنها التيار العلماني وفي هذا الصدد كتب د.محمد عمارة*** قائلا: "الأمر الذي لاشك فيه هو وجوب خروج الحركات الإسلامية من وضع رد الفعل للحركات العلمانية إلى وضع البديل الذى
ــــــــــــــــــــــــــ
*من مواليد الكويت حصل على بكالوريوس العلوم السياسية من الجامعة الأمريكية من بيروت وحصل على الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة كمبردج زاول التدريس في جامعة اكسرت والإمارات له عدة كتب منها مستقبل الصحوة الإسلامية، في السياسة الشرعية، العمل النسائي في الخليج الواقع والمرتجي..
**من مواليد 1929 مدينة حماة سوريا انضم لحركة الإخوان المسلمين واستمر على صلة بها منذ 1945 حتى يومنا هذا واستلم مهمة المراقب العام للإخوان في سوريا عام 1975 ومازال في مواقع قيادية ولاسيما في الحقل السياسي حتى الآن ص269، المرجع السابق
***مفكر إسلامي انجز دراسته العليا ماجستير ودكتوراه في كلية دار العلوم متفرغ للعمل الفكري قدم للمكتبة أكثر من سبعين كتابا مابين تأليف وتحقيق منها "الإسلام وحقوق الإنسان" العلمانية ونهضتنا الحديثة" المرجع السابق ص323
(1) المرجع السابق ص200
(2) المرجع السابق ص177
(3) "الإخوان المسلمون في مصر"بحث في كتاب أوراق في النقد الذاتي" د.عبد الله النفيس ص259
(4) بحث "من أصول العمل السياسي للحركة الإسلامية المعاصرة" عدنان سعد الدين ص283، 281 من كتاب أوراق في النقد الذاتي
لا يقنع بالجهل والتجاهل لما لدى الآخر وإنما يسعى جاهدا لإمتلاك الوعي بما لدى الآخر سواء منه مايدخل في إطار النافع الذي يستلهم أو الضار الذي يعين الإدراك له على فعالية التحصن من الوقوع في حبائله وعلى جدوى النقد له.."(1)
أي أنه مهما كانت درجة الإختلاف فإنه لابد من نبذ العزلة والإنكفاء على الذات لأنه لاشك أن هناك نقاط اتفاق كثيرة يلتقي عندها الطرفان هي في مصلحة الأمة وفي هذا يقول: لقد وقعت أغلب الحركات الإسلامية من هؤلاء العلمانيين القابضيين على أغلب وسائل التأثير والتوجيه في الواقع الإسلامي موقف الجهل بدوافعهم إلى العلمانية والتجاهل للإضافات الهامة التي يمكن أن يضيفوها إلى المشروع الإسلامي إن هم فهوا حقيقتة فكان الإنصراف عن الجهد المطلوب لاكتشاف نقاط الإتفاق وتنميتها ومحاصرة وتقليص لنقاط الخلاف مع هذا الأخر العلماني*.. ومحاولة الإنتقال به إلى صفوف الأصدقاء المتفهمين أو المحايدين"(2)
وعن التعددية في مجال الدعوات والحركات والجماعات الساعية لنهضة الأمة الإسلامية كتب دكتور محمد عمارة في كتابه الطريق إلى اليقظة الإسلامية قائلا: "إذا كان الإسلام هو ايديولوجية الأمة وإذا كانت هذه الأمة تتفق على أصوله وأركانه.. فإن قضية الحضارة العربية الإسلامية سياسة وإجتماعا واقتصادا وعمرانا وعلوها إنسانية هى مما تتعدد فيها الرؤى وتتمايز فيها الإتجاهات بل وتمايز جماهير الأمة ومفكريها إزاء هذه المعضلات فالتعدد إذن.. هو ظاهرة طبيعية بل صحية .. فإن الإجتهاد ومن ثم التعددية هما السبيل الطبيعية بل الواجبة لتنمية الإبداع الذي هو السبيل إلى بناء الحضارة.."(3)
وعن الأثر الذي يحدثه الدين في صورته ومنابعه النقية المباشرة من الكتاب والسنة في تحريك الأمة لمعركة النهوض كما حدث في بدايتها الأولى واشتراك كل أفرادها على تنوعاتهم
وفي هذا الصدد يقول محمد عبده: "لورزق الله المسلمين حاكما يعرف دينه ويأخذهما بأحكامه لرأيتهم قد نهضوا والقرآن الكريم في إحدى اليدين وماقرر الأولون وما اكتشف الآخرين في اليد الأخرى ذلك لآخرتهم وهذا لدنياهم ولساروا يزاحمون الأوربيين فيزحمونهم.."(4)
وكتب الأستاذ جمال البنا عن هذا قائلا: "إن التحدى العملي الذي يجابه الدول الإسلامية اليوم هو التخلف اقتصاديا وعسكريا وسياسيا وإجتماعيا ولايمكن وقف هذا التخلف إلا يجعل التنمية معركة حضارية تتم تحت لواء الإسلام ..واستنفار كل أفراد الشعب للمشاركة فيها من وضع الخطة حتى نهايتها وتقيمها(5)
أي أننا نستطيع بإقرار التعددية بمظاهرها المتعددة أن نلتقي بأفراد المجتمع على كلمة سواء تذوب عندها كل ما من شأنه أن يكون سبب للتنافر والتباعد من أجل هذه القضية الجوهرية كما فهمنا من كلام مفكرينا سابقا فهي ليست دعوة لطمس التمايز والتعدد وإنما التعاون على ما لم نختلف عليه والتجاوز والترفع عما عداه.
الممارسة العملية للتعددية عند الحركات الإسلامية
إذا كانت الشورى هى إحدى أبرز صور التعددية فإننا بالدلائل نجزم بأنه "قد انتهت معظم
ـــــــــــــــــــــــــــ
*مما لاشك فيه أنه في الأونة الأخيرة شهد مجتمعنا المصري على سبيل المثال تقليص للفجوة بين التيارات الفكرية المتباينة في محاولة لتضافرجهودها في سبيل الإصلاح وتمثل ذلك بصور عملية "في حركة كقاية" والجبهة الوطنية للتغيير والتي تضم كافة الفئات المعارضة للحكم السياسي بإختلاف طوائفها ومذاهبها الفكرية كالإخوان المسلمون والمسيحيون وعلمانيون واليساريون.
(1) بحث من مظاهر الخلل في الحركات الإسلامية المعاصرة ص323 من كتاب "أوراق في النقد الذاتي"
(2) المرجع السابق ص334
(3) الطريق إلى اليقظة الإسلامية، ص145، 146
(4) الأعمال الكاملة لمحمد عبده ج3 ص231 محمد عمارة
(5) استراتيجية الدعوة الإسلامية في القرن 21 جمال البنا ص38
الجماعات الإسلامية المعاصرة إلى الأخذ بمبدأ الشورى الملزمة وأدخلته في أنظمتها وطبقته في ممارستها كالجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية وتنظيم جماعة الإخوان المسلمين في البلاد العربية وغيرها من التنظيمات القائمة في السودان وأفريقيا وفي الدول الأسيويية كماليزيا واندونيسيا وغيرها(1) ومنها الإيمان بالتعددية الحزبية* ونذكر في هذا الصدد على سبيل المثال لا الحصر ما كان بين المودودي وأبو الحسن النووي
فالعلامة أبو الحسن الندوي عندما أصدر كتابه "التفسير السياسي للإسلام" وانتقد فيه بعض مفاهيم المودودي خاصة ماجاء في كتاب "المصطلحات الأربعة" فكتب إليه المودودي: "يطيب لى أن أشكركم لأنكم قمتم بالنقد والتعليق على مااطلعتم عليه مما كتبت والذي يؤدي في تصوركم إلى أخطار كثيرة وأرجو منكم أن تقوموا بالنقد بلا تردد أو تكلف لما ترون في كتاباتي مما يجر الضرر أو الخطر على الدين وأهله وإني لم أر نفسي قط فوق النقد ولا أنكره..(2) .
التركيز على الحرية وفي هذا تقول "حركة النهضة التونسية" على لسان. مؤسسها راشد الغنوشي في حوار معه ".. لذا نحن دخلنا الحياة السياسية في تونس من أجل تحقيق الحريات في تونس وليس من أجل إقامة حكم إسلامي يجب أن نحترم إرادة الجماهير إذا اختارت منهجا غير منهجنا فنحن لانشكل وصاية على المجتمع فإذا اختار مجتمعنا أن يكون يوما ملحدا أو شيوعيا فما نملك نحن(3)
وعن الشوريون التعاونيون في اليمن فإننا نجد فيها وكما يقول" أستاذ جمال البنا أفضل مافي السنة والشيعة على السواء ويكفي في التدليل على ذلك أمران: الأول: فتح باب الإجتهاد من العهود الأولى حتى الآن والثاني: وجوب الثورة على الأنظمة واعتبار السكوت عليهم نوع من الإستخذاء(4) إذا كان ما سبق يمثل التعددية لدي الحركات الإسلامية في صورتها السياسية متمثلة في تبني نهج الحرية والشوري واحترام النقد والرأي الآخر المعارض والحوار إلى ما هناك فإن هناك تعددية فقهية لدى الحركات الإسلامية أيضا
التعددية الفقهية لدي الحركات الإسلامية
وفي هذا الصدد يقول المستشار طارق البشري: "ومع القابلية للتحديد ترد القابلية للتنوع داخل الوعاء الفسيح للفكر الإسلامي .. ويمكن أن نضيف إلى هذا الإختلاف وجوها أخرى للتنوع داخل الجماعة السياسية الواحدة.. ومن ذلك على سبيل المثال الإجتهادات المتنوعة حول حق الملكية ومايتيحه من سلطات وصلاحيات إجتماعية والإجتهادات المتعلقة بمقاومة الجور أو حفظ النظام والإستقرار وهكذا: وهو تنوع يعبر عن وجوه الإختلاف في الأوضاع السياسية والإجتماعية داخل الجماعة السياسية الواحدة" (5)
ومن دلائل الإقرار بالتعددية الفقهية عند حركة الإخوان المسلمين قول حسن البنا إحدى رسائله: "إن الإجماع في أمر واحد في فروع الدين مطلب مستحيل بل هو يتنافي مع طبيعة الدين وإنما يريد الله لهذا الدين أن يبقى ويخلد ويساير العصور ويماشي الأزمان وهو لهذا سهل مرن هين لين لاجمود فيه ولاتشدد"(6)
ـــــــــــــــــــــ
*ولمزيد في هذا الصدد ينظر إلى ص289 : 298 المرجع السابق
(1) من أصول العمل السياسي للحركة الإسلامية ، عدنان سعد الدين ص287 من كتاب أوراق في النقد الذاتي
(2) رسالة إلى الدعةات الإسلامية: جمال البنا ص68
(3) مقتطف من حوار للأستاذ الفنوشي مع مجلة المجتمع الكويتية سنة1981 مشار إليه في المرجع السابق ص192
(4) رسالة إلى الدعةات الإسلامية ص196
(5) الملامح العامة للفكر السياسي الإسلامي ص50، 51 بتصرف بسيط
(6 ) مجموعة الرسائل – رسالة دعوتنا، ص23، 24
وعن الرفض لأن يكون الإختلاف في الفروع سببا للتفرق والعداوة يقول حسن البنا: "الخلاف الفقهي في الفروع لايكون سببا للتفرق في الدين ولايؤدي إلى خصومة ولا بغضاء ولكل مجتهد أجره ولامانع من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخلاف في ظل الحب في الله والتعاون على الوصول إلى الحقيقة من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم والتعصب(1) وكنموذج لأحد المسائل الفقهية المختلف فيها والتي تعددت فيها الأراء والإجتهادات الغناء وسماع الموسيقى(2) فهناك من يحرمه كالإتجاه السلفي ويري الإخوان أنه من المسائل الخلافية وأن التوسط في سماع الغناء بشرط الحق والأولى أن يتبع الأزهر الذي يري أن الإستماع إلى أصوات الغناء مباح والحرمة تأتي من غيره مما يصاحبه" فإذا كان الصوت مستقيما عفيفا غير منكر وغير مثير للفتنة وكانت المعاني التي يتضمنها الغناء عفيفة شريفة وتبعث الهمة والنجدة وفضائل الأخلاق فلا يحرم..(3)