منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By ماجد العتيبي381
#56587
خلق الله الإنسان ومنحه عقلا يتعرف به على خالقه ويميز به بين الحق والباطل، والنافع والضار، ويكشف المجهول ويعمر الأرض. إلا أن الإنسان قد يخطئ أو يتحير فى الوصول إلى الحق والحقيقة ومعرفة خالقه وما يتعلق بعالم الغيب، فرحمة به أرسل الله رسلا أوحى إليهم بما يجب الإيمان به وما يجب أن يكون عليه الإيمان خلال حياته.
قال الله تعالى: (... لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) (1)، وقال تعالى ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)(2). فالبشرية بحاجة دائما إلى رسالات الأنبياء، فهى لم تستغن عنها فى الماضى، كما أنها لن تستغنى عنها أبدا فى الحاضر وفيما يستقبل من الزمان.
ما هو الإسلام؟

الإسلام هو الانقياد والاستسلام لغوياً، وأما اصطلاحاً فهو الدين الذى ارتضاه الله لعباده من يوم أن خلقهم وحتى آخر يوم من حياتهم، كما جاء ذلك فى القرآن الكريم ( إن الدين عند الله الإسلام) فكلمة الإسلام بمعناها الاصطلاحى للدين تحتوى على الأديان السماوية جميعها التى أنزلها الله على أنبيائه من آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم، والإسلام ليس خاصا بالدين الذى قام بتبليغه محمد صلى الله عليه وسلم فقط بل هو اسم مشترك لكل الأديان السماوية، فالدين الإسلامى فى جوهره واحد يهدف لسعادة الإنسان فى الدنيا والآخرة، كمأ جاء ذلك فى القرآن الكريم ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) (3). وقد ورد عن دين إبراهيم قوله تعالى: ( ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشكرين ) (4).
وجاء فى القرآن الكريم على لسان يوسف: ( رب قد آتيتنى من الملك وعلمتنى من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليى فى الدنيا والآخرة توفنى مسلماً والحقنى بالصالحين) (5). وكان خطاب نوح لقومه فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجرى إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين ) (6)
وفى هذا الإطار أمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر به الأنبياء السابقين قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) (7). وقد ركز الله سبحانه وتعالى على هذه الحقيقة بقوله تعالى: ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين) (8). كما أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم أشار إلى هذه الحقيقة من خلال مثال بقوله " إن مثلى ومثل الأنبياء من قبلى كمثل رجل بنى بنياناً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين " (9).
كان الهدف الأساسى من انبعاث الرسل عليهم السلام جميعاً هو بيان فضائل الأمور للناس، مثل البر والصواب والعدل، وإرشادهم إلى السعادة الحقيقية إلى جانب بيانهم فضائل الأخلاق الحميدة، وكيف يجب أن يكون عليه الإنسان الفاضل بما يطبقه فى حياته. وبذلك أصبحوا مُثلاَ عليا وأسوة حسنة لمن عاشروهم ولمن أتوا من بعدهم من أجيال .
وكان توالى الرسالات يراعى ظروف الناس عبر الأزمان التاريخية، ويكلفهم بما يحتاجون إليه من الدين، وفى هذا يقول الإمام محمد عبده فى كتابه (رسالة التوحيد ص 154): " إن الأديان الأولى خاطبت الحس يوم كانت الإنسانية فى طور الطفولة لا يعرف الإنسان فيها إلا ما يقع تحت حسه، ولا يتناول بذهنه من المعانى ما بعد عن لمسه. فلما سار ركب الإنسانية وجربت ولبست وتخالفت واتفقت وتقلبت فى السعادة والشقاء، ونما فيها الوجدان وبدت العواطف جاءها دين يتحدث عن الزهادة والصفاء وملكوت الله.
لكن البشرية فى صراعها لم تستطع أن تعيش على الإيثار، ولم يطل مقامها فى الصفاء فحلت القطيعة محل التراحم. وحل الخصام مكان المسالمة فجاء دين ينظم الشئون كلها ويرعى الحس والعاطفة، ويعنى بالعقل والقلب وينظم شئون دنياهم وآخرتهم (10) ذلكم هو الدين الإسلامى.
إن الإسلام باعتباره خاتم الرسالات لم يكتف بتثبيت وتوثيق صلة الإنسان بالله فحسب بل بين وجه صلته مع من حوله من الناس أيضاً، كما أن الإسلام لم يكتف ببيان الحسن والقبح خلقا، والخطأ والصواب شرعاً بل أعد للإنسان الجو الروحى الذى يستطيع فيه الإنسان القيام بفعل ما هو حسن وترك ما هو قبيح، فالإسلام حين أمر بتقديم العون للفقراء أمر أيضاً بالصوم شهراً من كل عام لاستشعار الغنى ما يسببه الفقر فعلا من جوع وظمأ، كما أن الإسلام حين بين ضرورة تأسيس العلاقات الحسنة مع الآخرين أعلن العيد فى كل عام مرتين ليمكن بذلك توثيق عرى الوفاق بين أفراد المجتمع، وتأمين الجو المناسب لتأسيس علاقات جيدة كادت أن تنفصم.
يختلف الإسلام عن الأديان السماوية الأخرى فى مرحلة تكوين الإيمان، ففى الدين المسيحى نجد أن الاعتقاد ببعض الأمور الدينية نتيجة اضطرارية، أى أن العقل مضطر لأن يؤمن به لعدم قدرته على فهمها. وقد عبر المفكرون من علماء المسيحية بقولهم: " يجب أن تؤمن لأنه محال عقلا". It is to believed because it is absuid
أما الإسلام فلا يطالب الإنسان بما يعتبره العقل عبثا بل يطلب من الإنسان أن ينظر ويفكر فى هذا الكون الذى يعيش فيه، فى أرضه وفى سمائه وفى أعماق نفسه حتى يخرج من خلاله بضرورة الاعتراف بالله والإيمان بما يجب الإيمان به.
ويختلف الإسلام عن الأديان السماوية الأخرى كذلك فى بعض تشريعات، وكذلك الأمر بالنسبة للأديان السماوية الأخرى فهى تختلف بعضها عن البعض الآخر أيضاً ( ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات)(11)
إلا أن الإسلام رغم هذا الاختلاف فى وجهات النظر وفى الأمور التشريعية المنفصلة طالب بالنهى عن التعرض لغير المسلمين فى معتقداتهم كما جاء ذلك فى قوله تعالى: ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عَدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون) (12). وأمر الإسلام بالتعايش السلمى بين أبناء البشرية جمعاء على أساس الخير والعدل والتعاون البناء فقال تعالى: ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) (13).
يقول الأستاذ محمد فريد وجدى فى كتابه (مقدمة المصحف المفسر):
" فالمسلم المطلوب منه التخلق بأخلاق الله، يجب عليه أن ينهج هذا المنهاج فى معاملته للخلق، فلا يألوهم نصيحة ولا يدخر عنهم موعظة، ولا يقصر لهم فى التربية والتكميل بالوسائل الممكنة على حسب الأحوال المناسبة، قال الله تعالى ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) (14).
ومن الأحكام العامة التى جاء بها القرآن الكريم " العدل " فإن الله تعالى شامل جميع عباده فى ظلال عدله، فلا يظلم أحداً، لا فرق فى ذلك بين مسلم وكافر، فمن عمل صالحة للدنيا وجدها فيها، ومن عمل صالحة للأخرى وكان مصيبا فى الوجهة انتهى إليها وتمتع بثوابه( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) (15).
التعايش وليس التواحد :
إن الحقيقة التى لا مناص من الاعتراف بها هى وجود الاختلاف فى المعتقدات بين الناس وهو من سنة الله حيث قال سبحانه وتعالى( لكل جعلنا منكم شرعا ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة 000) (16) الله تعالى: (لكم دينكم ولى دين) (17) وهذا الاختلاف فى المعتقدات لا يمانع التسامح والتعايش بين الأديان طالما أن الأديان نفسها نادت بهما، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو المشرع للدين عاشر أهل الكتاب وتعامل معهم بالحسنى، وأن السيرة النبوية خير دليل على ذلك، فقد روى أبو عبيد (فى الأموال) عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدق بصدقة على أهل بيت من اليهود فهى تجرى عليهم (18). وروى البخارى عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم عاد يهودياً وعرض عليه الإسلام فأسلم. وقد قبل النبى صلى الله عليه وسلم الهدايا من غير المسلمين واستعان فى سلمه وحربه بغير المسلمين حيث ضمن ولاءهم لهم ولم يخش منهم شراً ولا كيداً. ومرت عليه جنازة فقام صلى الله عليه وسلم لها واقفاً فقيل له إنها جنازة يهودى ، فقال عليه الصلاة والسلام: "أليست نفسا؟ " وتتجلى هذه السماحة كذلك فى معاملة الصحابة والتابعين لغير المسلمين، كما تتجلى كذلك فى مواقف كثير من الأئمة والفقهاء فى الدفاع عن أهل الذمة واعتبار أعراضهم وحرماتهم كحرمات المسلمين.
وفى مجال المعرفة التقى الفكر الإسلامى بالفلسفة الغربية فى كثير من مراحل تاريخه الطويل حيث درس علماء المسلمين ومفكروهم الفلسفة اليونانية وطوروها لينتفع بها المسلمون وغيرهم، أمثال الإمام الغزالى والفارابى وابن سينا وغيرهم.
ولم تنحصر العلاقات الحسنة بين المسلمين وبين العالم الغربى فى مجال الفكر فحسب بل تعايش أهل الأديان الثلاثة من المسلمين والمسيحيين واليهود فى أمن وسلام فى ظل السلطات الإسلامية الحكيمة التى تظللها المبادئ الإسلامية السمحة فى كل من الأندلس والقدس واسطنبول على امتداد قرون طويلة. فعندما فتح محمد الفاتح اسطنبول عام 1453 م وقضى على السلطة البيزنطية فيها أمن للرعية المسيحية كامل حقوقهم وحرياتهم فى جو يسوده التسامح والتعاطف مع مراعاة سياسة الاستيطان فى اسطنبول لباقى الجماعات المسيحية الأخرى الذين يعتنقون مذاهب مختلفة.
إن المسيحيين من أهل اسطنبول الذين لاقوا شتى أنواع الاضطهاد من إخوانهم فى الدين من المذهب الكاثوليكى قبل محمد الفاتح بثلاثة قرون عاشوا بعد الفتح مع الأتراك فى أمن وسلام متمتعين بكامل حقوقهم ومكتسباتهم فى القطاعات التجارية والصناعية والفنية.
ولقد كانت الدولة الأموية فى الأندلس تنافس الدولة العباسية المسيطرة على أكثر البلاد الإسلامية، إلا أن العلاقات التجارية والثقافية لم تنقطع بينهما بل تطورت تطوراً كبيراً مما أدى إلى تنشيط حركة الحياة والتقدم فى شتى أوجه الحياة. وقد اعتاد أهل أسبانيا وصقلية على التمسك بالحضارة الإسلامية فى مختلف مظاهرها. يقول الأستاذ مونتوكومرى وات: " قام السكان الأصليون الأسبان بمشاركة المسلمين فى مظاهر حياتهم المرفهة التى كانوا قد اعتادوها- فى بلاد الشام على قدر الإمكان إعجابا بهم. كما كان ذلك اخيراً بين الكولونيات الأوروبية فى القرن التاسع عشر ".
وفى اعتقادنا أنه لا توجد ثمة معوقات تمنع ملاءمة الفكر الإسلامى لطبيعة المجتمعات البشرية، لا سيما الغربية منها مادامت تسير فى طريق الحضارة الحقيقية البناءة فى خدمة البشرية ومن أجل سعادة الإنسان ذاته من الناحيتين المادية و الروحية، فالإسلام دين يتمتع بالوسطية والاتزان والموضوعية مما أكسبته قدرة هائلة على تكيف البشرية مع أحكامه وتعاليمه وقواعده بسهولة ويسر، والأدلة كثيرة عبر تاريخ الإسلام نفسه فقد ذاقت شعوب البلدان التى فتحها المسلمون طعم الطمأنينة والسعادة بتكيفها مع الحضارة الإسلامية، وحققت به تقدماً علمياً ورقياً حضارياً سجلهما التاريخ بكل فخر واعتزاز.
إن الإسلام يوجه جل اهتمامه إلى إنسانية الإنسان، فهى قاعدة ارتكاز ينطلق منها الإسلام انطلاقه الحضارى منذ البداية. وإذا قمنا بتحليل موضوعى عبر وقائع التاريخ وأحداثه- إلى جانب ما فى الإسلام من أحكام وتشريعات- نجد أن الإسلام قدم منهجا يعرف الإنسان كيف يرقى بإنسانيته بفضل التقوى، وبفضل منهج التحلى بالقيم والمثل العليا. ونحن نرى أيضاً القدوة فى السلوك الأمثل للمسلم فى العصر النبوى، كذلك فى فترات تلت ذلك العصر الخالد.
إن أساس المسيرة الحضارية للإسلام كان- ولا يزال- رقى الإنسان واحترام إنسانيته قبل أى شىء آخر حتى ولو كان ذلك الإنسان غير مسلم. فحضارة الإسلام هى حضارة إنسانية بكل معنى الكلمة فى نطاق منهجه المثالى، فهى حضارة تحقق للإنسان العزة والكرامة، وتحفظ له كافة حقوقه المادية منها والمعنوية فى إطار احترام العقيدة الإسلامية التى هى ركيزة منهاج الإسلام فى مسيرته الحضارية.