صفحة 1 من 1

واقع الشباب في العالم الثالث

مرسل: الثلاثاء ديسمبر 11, 2012 10:00 pm
بواسطة شباب القحطاني81
واقع الشباب في دول العالم الثالث

د. علي بوعناقة
ما هو واقع الشباب في دول العالم الثالث؟ وما مستوى التوجه نحو إدماجه في البناء الإقتصادي؟
وهل هناك ما يطلق عليه التواصل الجيلي؟ أي نسبة محاولة دمج الشباب في النظام الإجتماعي، أم إن هناك صدى لإنطلاقه وإفساد مفعول طاقته؟
للإجابة عن هذه التساؤلات، سوف يعني هذا المقال بمحاولة رصد مجموعة من المؤشرات، يعتقد أنها تفرز مجتمعة اختلالات في البناء الإجتماعي، إن عرض هذه المؤشرات من دون سواها لا يعني التقليل من دورها في الحركة الإجتماعية، ولكن من الصعوبة تناول كل المؤشرات عبر جزئية محدودة من الدراسة، غير أن عرض هذه القضايا يعود في الأساس إلى كونها تشكل صفات متشابهة بين دول الأطراف.
العمل والتعليم والأسرة، ثلاث قضايا فاعلة في أنساق المجتمعات التي تبنت إصلاحا اقتصاديا، لا يجوز النظر إليها بعيدا عن الحركة الكلية للمجتمع، سواء تعلق الأمر بالعمل أو التعليم أو الأسرة، كما إن الشعار السياسي بمفرده لا يؤدي إلى تغيرات كبيرة ما لم يدمج بخطط اجتماعية واقتصادية.
أولا: في مجال العمل
من مسلمات الإقتصاد السياسي أن لكل سلعة قيمة استعمالية وقيمة تبادلية، تبعا لذلك فالعمل الذي يخلقها لا بد أن يكون له جانبان، ومنه أصبح يشكل نقطة محورية في حياة المجتمعات، لأنه- أي إن العمل المنتج- هو الذي يشكل قيمة السلعة بما يبذل في إنتاجها، كما إنه، أي العمل الإنساني وكميته وإتقانه والإختلاف في أدائه، يحدد قيمة السلعة، وعليه فمن البديهي، كما يذهب "ل. أبالكين"، أنه ليس هناك أي معنى لأن نحمل السوق سلعة ليست لها قيمة استعمالية، لأنه لن يكون هناك من يشتريها.
إذا كان العمل بحسب ما يذهب إليه ل. أبالكين، الشرط الطبيعي والأبدي للحياة الإنسانية، فإن طبيعته تتحدد وفقا للشكل السائد لملكية وسائل الإنتاج. هذه الأشكال التي خبرت تحولات وتبدلات كبيرة، صاحبها تطور في قوى الإنتاج الإجتماعي، والذي يعد تقسيم العمل واحدا من أبرز عوامله.
وتقسيم العمل ظاهرة قديمة تصدى لها المفكرون الإقتصاديون والإجتماعيون، ومنهم ابن خلدون الذي عالجها في مرحلة مبكرة تعد متقدمة على الرأسمالية، سواء في ما يخص التقسيم الإجتماعي العام بين بدو وحضر، أو في ما يخص التقسيم الإجتماعي المهني ما بين فلاحة وصناعة وتجارة وخدمة.
ذلك يوضح بجلاء أن التقسيم الإجتماعي للعمل، قد ساهم إسهاما فعلا في التقدم الإقتصادي والإجتماعي الذي تجني المجتمعات المتقدمة ثماره بمختلف أشكالها. "أما التشوهات والإنحرافات التي نتجت، وما زالت تنتج، عن تقسيم العمل، سواء ما يصيب الإنسان الفرد، أو البنية الإجتماعية أو العلاقات الدولية، فإن تقسيم العمل ليس المسؤول عنها بحد ذاته، وإنما هي ترجع إلى طبيعة النظام الإجتماعي والنظام الدولي القائم.
وفي ضوء ذلك يتجه السياق إلى عرض ملامح تقسيم العمل بإيجاز في دول العالم الثالث، ضمن اقتصاد تابع، ومشكلة التنمية التي تنعكس آثارها على الشرائح الإجتماعية، ومنها الشباب.
1- العمل في القطاع الزراعي
أوضحت كل المؤشرات والمعطيات المتداولة أن دول العالم الثالث، دول زراعية، حيث تعمل الأكثرية من السكان في القطاع الزراعي، بواقع بلغ الثلثين أو أكثر من ذلك. غير أن هذا الكم الكبير من الإستخدام لا يؤشر على تطور الإنتاج الزراعي الذي ما زال- وبخاصة في السنوات الأخيرة- لا يفي بمتطلبات السوق الداخلية، ما أدى بهذه الدول إلى اللجوء إلى السوق الخارجية للحصول على غذائها الأساسي الذي هو القمح، وهذا لا يتفق مع نسبة حجم العمالة في القطاع الزراعي.
والواقع أن المحولات والجهود المبذولة لإصلاح الريف التي طبقت في دول العالم الثالث، لم تؤد إلى تطوير الزراعة، الذي يعني تطورا في أدوات الإنتاج وازدياد الفاعلية الإنتاجية، وخلق الفائض الإنتاجي، ففي أفريقيا حيث "تتوزع القوة العاملة التي تشكل نحو نصف إجمالي السكان على الأنشطة الإنتاجية على نحو يعكس الإختلاف في الهيكل الإقتصادي، فالزراعة وحدها تستحوذ على 80 في المئة من القوة العاملة، في حين تتوزع باقي النسبة على مجموع النشاطات المتمركزة في المناطق الحضرية".
إن عدم التوازن في الهيكل الإقتصادي لدول العالم الثالث، سمة تجد تجلياتها في العديد من الدول النامية؛ ففي الجزائر- البلد الزراعي الذي كان إلى وقت قريب أكبر قطر في أفريقيا يصدر القمح إلى أوروبا- كان القطاع الزراعي من أهم القطاعات الإقتصادية من خلال إسهامه في قوة العمل، وفي كل من الدخل القومي، والناتج الإجمالي المحلي، وبالفعل كانت نسبة العمال الزراعيين تمثل 65 في المئة بعدد إجمالي بلغ 200,000 عامل عام 1964، في قطاع الدولة، في حين بلغ عدد العمال الزراعيين الموسميين 400،000 عامل.
غير أنه- ومع سنوات الإصلاح الزراعي- بدأ انخفاض نسبة العاملين في الزراعة، إذ سجلت الإحصاءات فائضا من العاطلين، بلغ مليون عامل لا أرض ولا عمل لهم، إلا أنهم عدوا من الروافض التي حجمت المشكلة الحضرية.
لا تختلف الوضعية في مصر عن مثيلاتها من الدول التي تعيش الإختلال في التوازن بين قطاعاتها، فبعد أن كانت في مرحلة الستينيات تكفي نفسها من القمح، أصبحت من أكثر الدول استيرادا له.
هذا الخلل يعكسه توزيع السكان بين القطاع الزراعي، والقطاع الحضري، ففي هذا السياق تشير الدراسات إلى أن الهجرة الداخلية في مصر من الريف إلى المدن لم تقل، بدليل أن نسبة سكان الحضر كانت تمثل 38 في المئة من مجموع السكان عام 1960، وحوالي 44 في المئة عام 1976.
إن التحليل السابق لسوق العمل في مصر وغيرها من الدول، وميكانيزمات التوازن فيه، يؤكد بوضوح أن عمق مشكلة البطالة تتجسد في الإختلال والتشوه الذي انتاب هيكل الإقتصاد، "فإنخفاض خصوبة الأرض وضعف إنتاجيتها، أدى إلى تدهور حاد في إسهام قطاع الزراعة في توليد الناتج المحلي الإجمالي 89،6 في المئة عام 1981- 1982، إلى 16،7 في المئة عام 1986- 1987. كما تناقصت قدرته على استيعاب العمالة من 58 في المئة إجمالي قوة العمل في عام 1960، إلى 36،2 في المئة عام 1981/ 1982.
هكذا توحي البيانات المتوافرة بأن القطاع الزراعي في دول العالم الثالث، يحتفظ بموقعه في الإقتصاد القومي، على الرغم من أن به فيضا سكانيا، لعل ذلك يتيح تكوين فكرة مؤداها أن الإصلاح الذي طبق في هذه الدول، لم يؤد إلى تطوير وتحديث الزراعة بشكل جذري، بل أدى إلى تدهور العلاقة بين الفلاح والأرض، الذي يمكن التعبير عنه، من خلال زوال صغار الفلاحين ذوي الملكيات صغيرة الحجم، يعني تخلف القطاع الزراعي جعله عاجزا عن توفير العمل لنسبة عالية من السكان، للعوامل التالية:
أ‌- ساهم تفتيت الحيازات وتجريد السكان من الأرض في خلق فائض من السكان، وهي ظاهرة غيرت من معالم الريف الذي كان يوفر الشغل لثلثي السكان.
ب‌- كان لهبوط نسبة العاملين في الزراعة ونمو فرص العمل في القطاعات غير الزراعية، أثره الواضح في عملية النزوح الريفي.
ت‌- من (أ)، (ب)، تتضح أهمية العامل الإقتصادي في الهجرة من خلال بيان نسبة العاملين من إجمالي المهاجرين، التي بلغت في الجزائر 69 في المئة، أغلبهم من السكان النشيطين، في سن العمل والإنتاج.
ث‌- إن بيان أن العمل من أهم دوافع الهجرة في الجزائر، توضح نسبة 81 في المئة من المهاجرين ممن تراوحت أعمارهم بين 15، 29 سنة، وهو ذو دلالة على استقطاب المدن للمهاجرين الريفيين، بسبب ما آل إليه العمل الزراعي، الذي لم يعد يستوعب أكثر من 6 في المئة من الفئة النشيطة.
ج‌- الإستخلاص الأساسي الذي يمكن إبداؤه هنا يفيد بأن الهجرة في دول العالم الثالث، لم تندرج ضمن سياق علاقة الهجرة بالتغيرات الهيكلية في الإقتصاد القومي، الذي يدل على توزيع الفائض بين القطاعات من خلال عملية التنمية، حيث تكون عملية توزيع قوة العمل على القطاعات الأخرى تسير في إطار يحافظ على التوازن الإجتماعي والإقتصادي، هذه المعالم تتوضح من خلال التعرض للعمل في القطاع الصناعي والخدمات.
2- العمل في القطاع الصناعي والخدمات
كان للنموذج التنموي الغربي الذي أخذت به دول العالم الثالث دور محدود الفاعلية في تغيير الملامح الإقتصادية والإجتماعية، التي كان سائدة بها، بل أدى- كما تبين- إلى إحداث العديد من الإختلالات في النسق العام، ومنه ظلت ثوابت الفقر والبطالة والأمية وتحقيق المستوى الصحي، ملمحا عاما خصوصا لدى القطاعات والفئات الإجتماعية التي حرمت من فرص النمو كما يرى محمد الجوهري.
والنموذج الجديد للإستثمار، لا يؤدي إلى تحقيق التكامل الداخلي للبنية الإجتماعية والإقتصادية، بل يفضي بحكم اعتماده على "تكنيك رأس المال المستورد الذي يتسم بمستوى تكنيكي عال نسبيا، إلى تضاؤل طاقة القطاع الصناعي على استيعاب وامتصاص قوة العمل"، حيث أصبح كل واحد من اثنين من العاملين في المدن عاطلا عن العمل.
نجم ذلك عن اختلال التوازن في سوق العمل، نتيجة اعتماده على آليات خاصة ومؤقتة، فتأخر الريف وعدم توافر إمكانية العمل فيه، دفع بالأعداد المتزايدة من القادرين على العمل إلى البحث عنه في المدن، بما تحويه من مصانع وخدمات. غير أن مبادرة التصنيع في دول العالم الثالث بما تحمله من مصاعب، لم تتوافق مع حجم المتعطلين، الذي بلغ في الجزائر 15 في المئة عام 1987، من إجمالي قوة العمل.
كما إن الطاقة الاستيعابية لقطاع الخدمات الذي يضم العمال غير الماهرين قد تجاوز حدوده القصوى، وهو ما يعني أن العمالة وعرض العمل في هذه المجتمعات، ستظل في تزايد مستمر من جراء البنية المشوهة للنظام الإقتصادي، وانخفاض مستوى القوى المنتجة.