منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمعاهدات والمواثيق الدولية
By شباب القحطاني81
#56680
أبريل 2009

عقدت رابطة العمل الشيوعي، الفرع المغربي للتيار الماركسي الأممي، مؤتمرها الاول شهر ابريل 2009، ناقشت خلاله الوثيقتين السياسية والاقتصادية، وقد نشرت هاتين الوثيقتين في العدد الأول لجريدة الشيوعي، لسان حال رابطة العمل الشيوعي، لشهر اكتوبر 2009، ونعمل اليوم على نشر الوثيقة السياسية على أن نقوم غدا بنشر الوثيقة الاقتصادية.

الثورة المغربية بدأت!

يتميز الوضع السياسي بالمغرب منذ ثلاثة سنوات بانتهاء الأوهام حول الإصلاحات التي باشرها محمد السادس، والاكتساح الكثيف جدا لمسرح الأحداث من طرف الجماهير الشعبية، العمال والشباب على وجه الخصوص، كما يتميز الوضع بتردد صدى الأزمة العالمية.

لقد سبق لنا (انظر إلى أين يسير المغرب؟) أن شرحنا أن إصلاحات محمد السادس ليست سوى محاولة لإصلاح النظام من فوق من أجل الحيلولة دون حدوث ثورة من تحت. إن هدف الطبقة السائدة (محمد السادس والبضع عائلات القوية التي تقتسم أهم الثروات والسلطة) لم يكن أبدا تحويل المغرب إلى بلد ديمقراطي حقيقي. إنها كانت تريد في الواقع أن تبدل أساليبها وأشكال السيطرة الرأسمالية من أجل الحفاظ على مصالحها المهددة بإمكانية حدوث انفجار ثوري في أعقاب وفاة الحسن الثاني. كان لسان حالها يردد المقولة الشهيرة التي قالها تانكريدي فالكونيري [أحد شخصيات رواية غيبارد، لغويسبي توماتش دي لمبيدوسا.]: "يجب تغيير كل شيء من أجل أن يبقى كل شيء كما كان في السابق". وقد تعرضت الإصلاحات الجد محتشمة للفشل. بينما بقيت الأخرى حبرا على ورق. وتوقفت جميع محاولات الإصلاح من فوق، والجماهير بدأت توجه أنظارها نحو آفاق أخرى. الشوارع بدأت تزمجر! سبق لأليكسيس توكفيل، المتتبع النبيه للثورة الفرنسية، أن لاحظ أن أكثر اللحظات خطرا بالنسبة لنظام الحكم الفردي هي تلك التي ينخرط خلالها في طريق الإصلاحات. حيث ينفتح مجال جديد من الإمكانيات السياسية المجهولة والتي يمكنها أن تعرض النظام نفسه للخطر. وها نحن نشهد انفتاح مرحلة كل أنواع المخاطر بالنسبة للنظام الدكتاتوري المغربي. لقد دخلت المملكة في منطقة اضطرابات قوية.

دخول الجماهير إلى مسرح الأحداث

لقد أدى تبدد الأوهام حول الإصلاحات من فوق إلى حدوث انفجار اجتماعي غير مسبوق. والانتظارية النسبية التي ميزت السنوات الأولى لحكم محمد السادس تركت مكانها لقيام الجماهير الفقيرة والمستغلة بأخذ مصيرها بين أيديها. هذه هي الميزة الأكثر بروزا للظرفية الحالية في المغرب. وهذه هي التباشير الأولى للثورة الاشتراكية في المغرب. لقد سبق لتروتسكي، القائد الثوري العظيم، أن حدد المسلسل الثوري باعتباره اكتساح الجماهير المضطهدة للمسرح السياسي. وهو الشيء الذي نشهده اليوم بالمغرب. في الماضي شهدنا الانتفاضة البطولية يوم 23 مارس 1965 بالدار البيضاء، وانتفاضة مراكش وتطوان والناضور والحسيمة والقصر الكبير سنة 1984، والانفجار الاجتماعي في طنجة وفاس سنة 1990. لكننا لم نشهد أبدا حركة على الصعيد الوطني من المظاهرات والنضالات التي يخوضها العمال وربات البيوت والطلاب والفلاحون مثل هذه التي بدأت خلال شهر شتنبر 2006. كان السبب المباشر وراء اندلاع هذه التحركات هو النضال ضد غلاء المعيشة وخاصة غلاء فاتورة الماء والكهرباء بعد خصخصة القطاع. لقد جاءت هذه الحركة الغير مسبوقة في أعقاب موجة من الإضرابات في المصانع منذ سنة ونصف واستمرت لحدود الفترة الأخيرة. إن هذه التحركات التي تتناسل في المغرب دليل على أن الجماهير لا تنقصها الكفاحية أو البطولة. إن ما ينقص هو وجود قيادة ثورية حقيقية تمتلك برنامجا ماركسيا لتحويل كل هذه الكفاحية والرغبة في التغيير العميق إلى ثورة اشتراكية حقيقية. وهذه هي المهمة التي وضعتها رابطة العمل الشيوعي، الفرع المغربي للتيار الماركسي الأممي، هدفا لها.

وهذا بالضبط ما كنا قد أكدنا عليه سابقا في مقال الربيع المغربي: "الأكيد أن هذه الموجة من النضالات الجماهيرية الرائعة قد دقت نهاية مرحلة وبداية أخرى من الصراع الطبقي في المغرب، أعطت خلالها الجماهير، ولا زالت تعطي، الدليل على رغبتها في تغيير الأوضاع تغييرا جذريا وقدرتها على ذلك. لو توفر حزب ماركسي، يمتلك برنامجا ثوريا علميا ونفوذا ومصداقية بين العمال والكادحين، لصار من الممكن توجيه ضربة قاصمة لنظام الاستغلال والقهر القائم. لكن هذا بالضبط هو ما ينقص، إن كل الأزمة الحالية هي أزمة القيادة الثورية. وهنا بالضبط تكمن مهمة المناضلين الثوريين. المناضلون الثوريون ليس دورهم مجرد إتباع التيار والانفعال بالأحداث، بل عليهم التحضير الجدي لتنظيم الجماهير وتمكينها من برنامج ثوري حقيقي ومنظورات علمية. عليهم بناء الحزب العمالي الثوري، حتى لا تضيع هباء التضحيات العظمى التي تقدمها الجماهير الكادحة".

إن النظام الدكتاتوري واع بالتآكل السريع لقاعدة الدعم التي يرتكز عليها وبالخطر الذي تشكله عليه هذه الموجة من المظاهرات والنضالات. وقد عمل خلال مظاهرات فاتح ماي 2007 على الكشف عن وجهه الحقيقي من خلال قمعه الشديد لبعضها. كما قام البوليس أيضا باعتقال العديد من المشاركين فيها، وحكموا بسنوات عديدة من السجن بتهمة إهانة شخص الملك، لأنهم طالبوا بسقوط الملكية! إن الهدف من وراء ذلك القمع كان هو إرهاب الحركة من أجل تجميدها. لكن الجماهير قد تجاوزت أصلا هذه المرحلة. فلم يؤدي ذلك إلا إلى المزيد من تصليب إرادة الاحتجاج. سياسة الردع لم تؤتي أكلها. إن موجة القمع والاعتقالات والمحاكمات هاته لا تدل على قوة النظام ودولته، بل دليل على عصبيتهما.

خلال بداية سنة 2008، قالت جريدة الأيام إن الحكومة المغربية اشترت تجهيزات خاصة لمكافحة ‘الشغب’ لجهاز بوليسها، وقد قامت الحكومة الإسبانية، بزعامة الاشتراكي الديمقراطي ثباطيرو، ببيعها إياها. ويحتل المغرب المرتبة الأولى في قائمة البلدان التي تشتري هذا النوع من التجهيزات من إسبانيا.

لم يكن من المصادفة أن مظاهرات فاتح ماي لسنة 2008 كانت من بين الأكثر كفاحية من نوعها. وقد ساهم انسحاب ممثلي الكنفدرالية الديمقراطية للشغل من الغرفة الثانية في تعزيز هذا المزاج. من حيث الجوهر ليست قيادة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل مختلفة عن قيادات باقي النقابات. إنها قيادة إصلاحية وبيروقراطية. وهي تشكل في آخر التحليل سندا للرأسمالية وللنظام الأوتوقراطي في المغرب. لكنها ومن أجل الحيلولة دون تجاوزها من طرف قواعدها، ومن أجل التحكم في الحركة والحفاظ على مكانتها أمام نظام يهمشها، كانت مضطرة لأن تعكس ولو جزئيا المزاج السائد في أماكن العمل.

بعد أسابيع من ذلك دعت الكنفدرالية إلى خوض إضراب عام يوم 21 ماي. والذي كان أول إضراب عام منذ أكثر من عشرين سنة. وبالرغم من محدودية تأثير الإضراب بسبب التكسير الذي تعرض له من طرف قادة النقابات الأخرى، فإن معاقل الكنفدرالية التقليدية انخرطت فيه وأدت الدعوة إلى إيقاظ جزء من العمال الشباب. وقد سجلت بعض قطاعات الكنفدرالية نسبة مشاركة وصلت إلى 100%! في شركة سلام غاز لتعبئة الغاز على سبيل المثال. إن الكنفدرالية تسيطر على قطاعات اقتصادية أساسية: الموانئ، الغاز، النقل، حيث سجل الإضراب العام نسبة أكثر من 60%. وقد تجاوزت نسبة المشاركين في الإضراب في القطاع العام والمدارس والإعداديات والثانويات، نسبة 60%. حتى التجار شاركوا في الإضراب خاصة في الدار البيضاء وفاس وأكادير... لكن قادة الكنفدرالية لم يقدموا لهذا الإضراب أي منظور مما أدى إلى إضاعة فرصة هامة. لكن سوف تكون هناك العديد من الفرص الأخرى في المستقبل.

هذه هي أولى مؤشرات استيقاظ الطبقة العاملة المنظمة. طبقة عاملة فرضت عليها قيادتها الخمول والجمود مدة طويلة. وكما هي الحالة مع شخص يستيقظ لتوه بعد نوم طويل، يكون أول شيء يقوم به قبل النهوض هو تمديد يديه ورجليه وجسمه المخدر بفعل خمول طويل. إن هذا الإضراب العام ليس في الواقع سوى خطوة في سيرورة تحدث في سياق نهوض الطبقة العاملة. ها هو مثال عن كيف تنظر إحدى الصحف للنضال الإضرابي:

"في الوقت الذي يبدو فيه أن القطاع الخاص بالمغرب يعيش فترة هدنة، حيث أن عدد الإضرابات عرفت تقلصا ملموسا خلال السنوات الأخيرة، فإن الأرقام الأخيرة التي أصدرتها وزارة العمل مثيرة للقلق. ففي غضون تسعة أشهر من السنة الماضية، اندلع ما لا يقل عن 148 إضرابا في 118 مؤسسة مقابل 113 إضرابا في 88 مؤسسة خلال تسعة أشهر من 2007، مما يشكل ارتفاعا بـ 30,97% و34,09% على التوالي. للأزمة الاقتصادية العالمية دور في ذلك، لأن السبب الأساسي وراء هذه المواجهات اختلاف العمال مع المشغلين حول الإجراءات الواجب اتخاذها في مواجهة نقص الطلب على وجه الخصوص...

والدليل على السخط الاجتماعي الذي تصاعد سنة 2008، هو أنه من بين 32,786 عامل شارك 19,888 عامل في الإضرابات وهو ما يشكل نسبة مشاركة تساوي 60,66%. وقد ترجم هذا الرقم بفقدان 79,074 يوم عمل.

هنا أيضا يعتبر قطاع صناعة الملابس هو الأكثر تضررا. لقد شهد 10,81% من الإضرابات، ثم قطاع الصناعة الغذائية (10,14%) وصناعة المنتجات المعدنية والغير معدنية بـ 8,78%. وأدت وساطة مفتشي الشغل، إلى تفادي نشوب 474 إضرابا في 397 مؤسسة، مما يعني إنقاذ أكثر من 50,000 يوم عمل" (Reporter, 8 février 2009)

إن ظروف العمل القاسية والتي تواصل التدهور، تشكل السبب الحقيقي لهذه الموجة من الإضرابات. وقد فضح حريق مصنع روسامور بالدارالبيضاء، حيث احترق عشرات العمال أحياء نتيجة للإهمال الإجرامي لرب العمل، الواقع الرهيب الذي يعيشه العمال.

غليان في بعض المدن

لدينا سيدي إفني، حيث قامت الجماهير العاملة والطلاب بهذه المدينة الشاطئية، بانتفاضة يوم 7 يونيو 2008 ضد البطالة الكثيفة التي تضرب هذه المنطقة، وضد الفساد. منذ 2005 والمدينة تعيش وضعا انتفاضيا، حيث تنظم باستمرار المظاهرات والتجمعات، واللجان الخ. من أجل الاحتجاج ضد تهميش منطقتهم.

وقد عملت الدولة المغربية أيضا على إرسال قواتها القمعية (4000 من الجيش ورجال الدرك والقوات المساعدة) من أجل ‘معاقبة’ الجماهير، حيث عملوا على نهب المنازل وتسببوا في سقوط العديد من الجرحى والكثير من المعتقلين. وما يزال لحد اللحظة 26 شخصا من قادة الحركة يرزحون في السجون من بينهم 12 لا يزالون ينتظرون المحاكمة. والتهمة؟ هي الاحتجاج ضد الفساد والمطالبة، بطريقة ديمقراطية، بحقهم في الشغل والكرامة.

بعضهم أصيب بأمراض مزمنة زادت من خطورتها ظروف الاعتقال السيئة والإضراب عن الطعام الذي خاضوه يوم 7 يناير. كان ذلك الإضراب موجها للاحتجاج على وضعهم، ولم يتم إيقافه إلا يوم 16 يناير. خارج المعتقل انتظمت عائلات المعتقلين في لجان، وتم تنظيم العديد من القافلات التضامنية التي انطلقت من عدة مدن مغربية نحو سيدي إفني.

ويأتي نهوض الطبقة العاملة المغربية هذا متناغما مع نشاط النضالات الاجتماعية في العالم العربي من قفصة إلى القاهرة مرورا بوهران.