مكافحة الإرهاب بين السياسة والقانون
مرسل: الأربعاء ديسمبر 12, 2012 10:11 am
مكافحة الإرهاب بين السياسة والقانون
تنوء أرفف المكتبات بموضوع الإرهاب ومكافحته وأصبح محور إستراتيجيات على أعلى المستويات الدولية والكتاب الذي بين أيدينا لمؤلفه الأستاذ وقاف العياشي الباحث في العلوم القانونية بجامعة محمد بوضياف في ولاية المسيلة بالجزائر، هو خلاصة دراسات ورؤى تسعى لمعرفة أبعاد المواجهة الشاملة مع الشبح الذي يطلق عليه "الإرهاب" وأضحى صرعة عالمية تعطي الضوء الأخضر -حتى لأكثر الدول تشدقا بالديمقراطية– لإقرار قوانين وإجراءات تتعارض مع أبسط أسس الديمقراطية، وتتعارض مع نصوص الدساتير التي تقررها هذه البلاد.
وتبعا لذلك ارتأى المؤلف تقسيم الكتاب إلى ستة فصول متداخلة يرتبط أولها بتاليها ارتباط تسلسل الأفكار والتحليل، الأمر الذي جعل الطابع الاستقرائي سمة المنهج المتبع فيه.
الإرهاب .. المعنى والواقع
يشكل الإرهاب في نظر المؤلف مادة دسمة للخلاف، وإن توصلنا إلى تعريف مجرد للكلمة فإن إلباس هذا العظم لحما قد لا يجدي نفعا وقد يزيد من حجم دائرة الخلاف، خاصة بعد أن فرضت قضية العلاقة بين الجهاد والإرهاب على بساط الواقع.
ولذلك وجدت المؤسسات الدينية نفسها ملزمة بتحديد الفارق بين المفهومين من الناحية الشرعية، تجنبا للخلط بينهما ولإثبات حق الفلسطينيين -على وجه التحديد- في مواجهة الاحتلال والعدوان الإسرائيلي.
وهنا لا يجد المؤلف حرجا في الانزواء إلى ما قرره مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، من أن الإرهاب هو ترويع الآمنين وتدمير مصالحهم ومقومات حياتهم وكرامتهم الإنسانية بغيا وفسادا في الأرض، على خلاف الجهاد الذي هو دفاع عن الوطن ضد احتلال الأرض ونهب الثروات، وهو بذل الجهد لنصرة الحق ودفع الظلم وإقرار العدل والسلام، وأن التعايش هو السبيل إلى التعاون على البر والتقوى.
وعند هذه الفكرة تحديدا قد يتبادر إلى الذهن تساؤلات من قبيل: أين هو دور الجهاد في التبليغ؟ وهل واقعنا هو الذي فرض علينا إغفال هذا الدور أم هي الموالاة والركون إلى ما يقرره غيرنا من نصوص وقوانين؟
أما عن المواقف الرسمية للدول الإسلامية من خلال قراءة المؤلف لما جاء في قوانين بعض هذه الدول –الجزائر ومصر تحديدا– فإن الإرهاب يمثل كل فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية واستقرار المؤسسات وسيرها العادي، عن طريق بث الرعب والاعتداء على الرموز وعرقلة عمل السلطات وسير المؤسسات، أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين واللوائح.
وعليه فالواضح أن القوانين لا تعرج في بنودها على "فعل الجهاد" بل قد تتحدث عن "فعل الدفاع" في مواضع غير موضع ذكر الإرهاب.
وفي مقابل الرأي العربي يذكر الأستاذ وقاف العياشي موقف الطرف الغربي المتمثل في تعريف لجنة الإرهاب الدولي التابعة للأمم المتحدة، ومفاده أن الإرهاب عمل من أعمال العنف الخطيرة يصدر عن فرد أو جماعة بقصد تهديد الأشخاص أو التسبب في إصابتهم أو موتهم سواء كان يعمل بمفرده أو بالاشتراك مع أفراد آخرين، ويوجه ضد الأشخاص أو المنظمات أو المواقع السكنية أو بهدف إفساد علاقات الود والصداقة بين الدول أو بين مواطني الدول، أو ابتزاز تنازلات معينة من الدول في أي صورة كانت.
لذلك فإن التآمر على الارتكاب أو الاشتراك في الارتكاب يشكل أيضا تجسيدا لمفهوم الإرهاب.
وأمام هذا كله يؤكد المؤلف أن المشكلة التي تعيق التوافق على تعريف محدد للإرهاب هي التي تتعلق بحركات المقاومة التي تقوم بها الشعوب المحتلة ضد القوى الأجنبية التي تستعمرها، وفي مقدمتها إسرائيل التي فتحت شهيتها لتطالب بإدانة المنظمات الفلسطينية التي تقاوم الاحتلال بحجة أنها منظمات إرهابية.
أسباب الإرهاب ودواعيه
في حديثه عن أسباب الظاهرة ودواعيها، يقرر المؤلف أن أسباب بروز "الإرهاب" تختلف من بلد إلى آخر ومن إقليم إلى آخر، فقد تكون الأسباب سياسية في مكان واقتصادية في مكان آخر، وقد تكون ثقافية في إقليم وعرقية في إقليم آخر.
غير أن العامل المشترك في كل مكان وفي كل إقليم هو ممارسة العنف والقوة والإقصاء والتهميش، وغلق أبواب الحوار من قبل أحد الأطراف سواء كان دولة أو معارضة، وهذا ما يؤجج ويسعر من نار الظاهرة، فالعنف لا يولد إلا عنفا.
ويقرر العياشي ابتداء أن معظم "العمليات الإرهابية" ذات الدافع السياسي تحدث بعد إغلاق كافة الطرق السلمية القانونية الشرعية، ومن هنا يجد الطرف المظلوم نفسه مضطرا للجوء إلى مثل هذه الأعمال لأنها السبيل الوحيد للتعبير عن رأيه وإعلان قضيته, فالظلم والاستبداد السياسي والاستئثار بالسلطة أوصل واقعنا إلى الدرك الأسفل من الانحطاط.
وعليه فإن المنهج القانوني وحده لن يجدي في مقاومة الإرهاب، ولا مفر من انتهاج سياسات للتنمية وإشاعة العدالة والقانون في العلاقات بين الناس والحكومات.
إن الرغبة في إخضاع الدول الضعيفة لإدارة الدول الكبرى ما زالت قائمة، وإن سلب الحقوق الأساسية لإنسان العالم الثالث وضرب كل محاولات التحرر والاستقلال الاقتصادي والاجتماعي ومن ثم السياسي هي في حقيقة الأمر أهداف إستراتيجية مرسومة من قبل الدول الرأسمالية ضد دول العالم الثالث وشعوبها.
ومهما أبدت دول الإرهاب الاقتصادي من استعداد للحوار فإن ممارستها في إفقار دول العالم الثالث ونقض موازناتها ونهب سيولتها تبرز كأدلة بينة واضحة في مفرداتها.
وعن واقعنا العربي يشير المؤلف إلى أن اتساع الفجوة بين واقع الأمة وحكامها أدى إلى نشوء اختلالات اقتصادية واجتماعية غذت مشاعر التضحية بالذات من أجل وضع حد لرحلة البحث المضنية عن مخرج آمن من بؤس العيش والفاقة الفاقدة للكرامة.
كما أن البطالة المرتفعة والتسرب المدرسي والانحلال الخلقي وضعف القدرة الشرائية للمواطن والرشوة والبيروقراطية الإدارية هي جذور تغذي الإرهاب والعنف وتنميه وتفقد ثقة المواطن في دولته وتجعله غير قادر على التكيف معها والخضوع لسلطانها ومنحها الولاء والطاعة واحترام قوانينها.
فهي ببساطة تتصادم مع تكوينه العقائدي والثقافي والحضاري.. إنها دولة غريبة عنه ذات منشأ غير أصيل وتنتمي إلى مرجعية حضارية وفكرية فرضتها ظروف الهيمنة الاستعمارية، وقد انعكست نتيجة هذا الوضع على السلطة التي تعبر عن نفسها في جهاز قمعي إكراهي لا يستمد شرعيته من مصدر دستوري قانوني، بل من واقع القوة وحيازة أدواتها.
وهنا ينتهي المؤلف إلى أن المواطن العادي في هذا النوع من النظام السياسي مواطن بالاسم لا سلطة له على ذاته أو على القرارات المتعلقة بالمجتمع.
مكافحة الإرهاب في ميزان حقوق الإنسان
يعد موضوع حقوق الإنسان والإشكاليات التي يطرحها من أهم الموضوعات التي تستقطب اهتمام المنشغلين بالسياسة والدين والأخلاق والعلاقات الاجتماعية، كما أنها تشكل أحد أهم اهتمامات دارسي القانون بصفة عامة وفقهاء القانون الدولي والعلاقات الدولية بصفة خاصة.
فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وما خلفته من حقائق دامغة من انتهاكات حقوق الإنسان دخلت المسألة جدول أعمال الأمم المتحدة ونصوصها وبدأ الاهتمام التقني بها، وصارت موضوعاتها تفرض نفسها على الفكر القانوني والسياسي والتنظيم الدولي حتى أضحت معيارا لمدى تقدم الدولة أو تأخرها.
وهنا يؤكد المؤلف أن الوضع الدولي في مجال حقوق الإنسان مع مطلع هذا القرن يوحي بتوسع دائرة انتهاكاتها، ليس من قبل الأنظمة القمعية والدكتاتورية في دول العالم الثالث فحسب، بل من قبل دول عملاقة مثل الولايات المتحدة الأميركية.
الأمر الذي تجلت مظاهره في فضائح عديدة ومتتالية منذ أن صممت الولايات المتحدة على تدشين القرن الجديد بخوض حرب هوجاء ضد ما أسمته الإرهاب، فمن "باغرام إلى غوانتانامو إلى أبوغريب... تكون السياسة الأميركية قد شابهت سياسة الدول الدكتاتورية لاسيما العربية.
فسياسة الحلول الأمنية والعسكرية وفتح المعتقلات والسجون سياسة مارستها الدول العربية، ولعل عولمة مواجهة الإرهاب تقتضي عولمة السجون والمعتقلات، أو لعلها تنتج دكتاتورية عالمية تحكم العالم في هذا القرن؟
أما عن حقوق الإنسان في الوطن العربي فيشير الأستاذ العياشي إلى أن التقارير الدولية في مجال حقوق الإنسان تفيد أن الدول العربية هي الأكثر انتهاكا لحقوق الإنسان، وأن الحكومات العربية شكلت أكثر من 50% من أسماء قائمة أسوء الدكتاتوريات في العالم.
إن صحة هذا التقرير من عدمه لا تمحي عار انحدار مكانة الإنسان العربي وامتهان كرامته، فالمبادئ التي طالما صدرت للناس يعاد تصديرها إلينا على أنها كشف إنساني ما عرفناه يوما ولا عشناه دهرا.
وعلى الرغم من رياح التغيير التي اجتاحت كل أصقاع العالم –فقد بات من المعروف للجميع- أن التركيبة التسلطية القمعية هي تركيبة تشترك فيها معظم الدول العربية إن لم تكن جميعها.
وترتب عن هذا تقييد الحريات المدنية والسياسية للأفراد وانتهاك حقوق المواطنة الأساسية وغيرها من الممارسات القمعية التي تتم باسم القانون والأمن والنظام العام والمصلحة الوطنية والقومية وغيرها من الأغطية الزائفة التي أدت إلى إرهاق الشعوب وإضعاف طاقتها على الاستجابة، إلى درجة أنها شوهدت في بعض الأحيان وكأنها جثة هامدة ليس فيها حراك، وهو ما يعد عملية قتل متعمد للروح الجماعية وإرادة المقاومة والتحدي.
وهنا يحق لنا أن نتساءل: هل فعلا للحكومات دور في تخلف شعوبها؟ و هل إرادة التغيير تكبح جماحها بموقف و قرار حكومي؟
في آخر الكتاب يؤكد المؤلف أن النهوض بعبء التخلص من آفة الإرهاب لا يتطلب تغليب شرعية مكافحة الإرهاب على شرعية حقوق الإنسان وشرعية حق الشعوب في تقرير المصير أو على شرعية الدفاع عن النفس، وإنما يتطلب من المجتمع الدولي عملا جديا دؤوبا من أجل إرساء القواعد اللازمة لتعايش دولي سمته استحداث آليات مكافحة الفقر والظلم والجشع والقهر, وبدون ذلك تكون حملة مكافحة الإرهاب في العالم خبط عشواء، لأنها ستبدو مجرد تكريس للأمر الواقع.
فالحرب ضد الإرهاب ينبغي أن تكون ضمن خطة تغيير واسعة النطاق، تهدف إلى اجتثاث عناصر الخلل التي تفرز ذلك الإرهاب، وتحتاج إلى تحليل علمي موضوعي محايد، يربط المقدمات بالنتائج ويصل بمتابعة الأعراض إلى أسلوب العلاج، وأيا كان القائم بالأعمال الإرهابية – دولة أم أفرادا أم جماعات- فلا يجب الحياد عن هذه الخطة.
تنوء أرفف المكتبات بموضوع الإرهاب ومكافحته وأصبح محور إستراتيجيات على أعلى المستويات الدولية والكتاب الذي بين أيدينا لمؤلفه الأستاذ وقاف العياشي الباحث في العلوم القانونية بجامعة محمد بوضياف في ولاية المسيلة بالجزائر، هو خلاصة دراسات ورؤى تسعى لمعرفة أبعاد المواجهة الشاملة مع الشبح الذي يطلق عليه "الإرهاب" وأضحى صرعة عالمية تعطي الضوء الأخضر -حتى لأكثر الدول تشدقا بالديمقراطية– لإقرار قوانين وإجراءات تتعارض مع أبسط أسس الديمقراطية، وتتعارض مع نصوص الدساتير التي تقررها هذه البلاد.
وتبعا لذلك ارتأى المؤلف تقسيم الكتاب إلى ستة فصول متداخلة يرتبط أولها بتاليها ارتباط تسلسل الأفكار والتحليل، الأمر الذي جعل الطابع الاستقرائي سمة المنهج المتبع فيه.
الإرهاب .. المعنى والواقع
يشكل الإرهاب في نظر المؤلف مادة دسمة للخلاف، وإن توصلنا إلى تعريف مجرد للكلمة فإن إلباس هذا العظم لحما قد لا يجدي نفعا وقد يزيد من حجم دائرة الخلاف، خاصة بعد أن فرضت قضية العلاقة بين الجهاد والإرهاب على بساط الواقع.
ولذلك وجدت المؤسسات الدينية نفسها ملزمة بتحديد الفارق بين المفهومين من الناحية الشرعية، تجنبا للخلط بينهما ولإثبات حق الفلسطينيين -على وجه التحديد- في مواجهة الاحتلال والعدوان الإسرائيلي.
وهنا لا يجد المؤلف حرجا في الانزواء إلى ما قرره مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، من أن الإرهاب هو ترويع الآمنين وتدمير مصالحهم ومقومات حياتهم وكرامتهم الإنسانية بغيا وفسادا في الأرض، على خلاف الجهاد الذي هو دفاع عن الوطن ضد احتلال الأرض ونهب الثروات، وهو بذل الجهد لنصرة الحق ودفع الظلم وإقرار العدل والسلام، وأن التعايش هو السبيل إلى التعاون على البر والتقوى.
وعند هذه الفكرة تحديدا قد يتبادر إلى الذهن تساؤلات من قبيل: أين هو دور الجهاد في التبليغ؟ وهل واقعنا هو الذي فرض علينا إغفال هذا الدور أم هي الموالاة والركون إلى ما يقرره غيرنا من نصوص وقوانين؟
أما عن المواقف الرسمية للدول الإسلامية من خلال قراءة المؤلف لما جاء في قوانين بعض هذه الدول –الجزائر ومصر تحديدا– فإن الإرهاب يمثل كل فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية واستقرار المؤسسات وسيرها العادي، عن طريق بث الرعب والاعتداء على الرموز وعرقلة عمل السلطات وسير المؤسسات، أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين واللوائح.
وعليه فالواضح أن القوانين لا تعرج في بنودها على "فعل الجهاد" بل قد تتحدث عن "فعل الدفاع" في مواضع غير موضع ذكر الإرهاب.
وفي مقابل الرأي العربي يذكر الأستاذ وقاف العياشي موقف الطرف الغربي المتمثل في تعريف لجنة الإرهاب الدولي التابعة للأمم المتحدة، ومفاده أن الإرهاب عمل من أعمال العنف الخطيرة يصدر عن فرد أو جماعة بقصد تهديد الأشخاص أو التسبب في إصابتهم أو موتهم سواء كان يعمل بمفرده أو بالاشتراك مع أفراد آخرين، ويوجه ضد الأشخاص أو المنظمات أو المواقع السكنية أو بهدف إفساد علاقات الود والصداقة بين الدول أو بين مواطني الدول، أو ابتزاز تنازلات معينة من الدول في أي صورة كانت.
لذلك فإن التآمر على الارتكاب أو الاشتراك في الارتكاب يشكل أيضا تجسيدا لمفهوم الإرهاب.
وأمام هذا كله يؤكد المؤلف أن المشكلة التي تعيق التوافق على تعريف محدد للإرهاب هي التي تتعلق بحركات المقاومة التي تقوم بها الشعوب المحتلة ضد القوى الأجنبية التي تستعمرها، وفي مقدمتها إسرائيل التي فتحت شهيتها لتطالب بإدانة المنظمات الفلسطينية التي تقاوم الاحتلال بحجة أنها منظمات إرهابية.
أسباب الإرهاب ودواعيه
في حديثه عن أسباب الظاهرة ودواعيها، يقرر المؤلف أن أسباب بروز "الإرهاب" تختلف من بلد إلى آخر ومن إقليم إلى آخر، فقد تكون الأسباب سياسية في مكان واقتصادية في مكان آخر، وقد تكون ثقافية في إقليم وعرقية في إقليم آخر.
غير أن العامل المشترك في كل مكان وفي كل إقليم هو ممارسة العنف والقوة والإقصاء والتهميش، وغلق أبواب الحوار من قبل أحد الأطراف سواء كان دولة أو معارضة، وهذا ما يؤجج ويسعر من نار الظاهرة، فالعنف لا يولد إلا عنفا.
ويقرر العياشي ابتداء أن معظم "العمليات الإرهابية" ذات الدافع السياسي تحدث بعد إغلاق كافة الطرق السلمية القانونية الشرعية، ومن هنا يجد الطرف المظلوم نفسه مضطرا للجوء إلى مثل هذه الأعمال لأنها السبيل الوحيد للتعبير عن رأيه وإعلان قضيته, فالظلم والاستبداد السياسي والاستئثار بالسلطة أوصل واقعنا إلى الدرك الأسفل من الانحطاط.
وعليه فإن المنهج القانوني وحده لن يجدي في مقاومة الإرهاب، ولا مفر من انتهاج سياسات للتنمية وإشاعة العدالة والقانون في العلاقات بين الناس والحكومات.
إن الرغبة في إخضاع الدول الضعيفة لإدارة الدول الكبرى ما زالت قائمة، وإن سلب الحقوق الأساسية لإنسان العالم الثالث وضرب كل محاولات التحرر والاستقلال الاقتصادي والاجتماعي ومن ثم السياسي هي في حقيقة الأمر أهداف إستراتيجية مرسومة من قبل الدول الرأسمالية ضد دول العالم الثالث وشعوبها.
ومهما أبدت دول الإرهاب الاقتصادي من استعداد للحوار فإن ممارستها في إفقار دول العالم الثالث ونقض موازناتها ونهب سيولتها تبرز كأدلة بينة واضحة في مفرداتها.
وعن واقعنا العربي يشير المؤلف إلى أن اتساع الفجوة بين واقع الأمة وحكامها أدى إلى نشوء اختلالات اقتصادية واجتماعية غذت مشاعر التضحية بالذات من أجل وضع حد لرحلة البحث المضنية عن مخرج آمن من بؤس العيش والفاقة الفاقدة للكرامة.
كما أن البطالة المرتفعة والتسرب المدرسي والانحلال الخلقي وضعف القدرة الشرائية للمواطن والرشوة والبيروقراطية الإدارية هي جذور تغذي الإرهاب والعنف وتنميه وتفقد ثقة المواطن في دولته وتجعله غير قادر على التكيف معها والخضوع لسلطانها ومنحها الولاء والطاعة واحترام قوانينها.
فهي ببساطة تتصادم مع تكوينه العقائدي والثقافي والحضاري.. إنها دولة غريبة عنه ذات منشأ غير أصيل وتنتمي إلى مرجعية حضارية وفكرية فرضتها ظروف الهيمنة الاستعمارية، وقد انعكست نتيجة هذا الوضع على السلطة التي تعبر عن نفسها في جهاز قمعي إكراهي لا يستمد شرعيته من مصدر دستوري قانوني، بل من واقع القوة وحيازة أدواتها.
وهنا ينتهي المؤلف إلى أن المواطن العادي في هذا النوع من النظام السياسي مواطن بالاسم لا سلطة له على ذاته أو على القرارات المتعلقة بالمجتمع.
مكافحة الإرهاب في ميزان حقوق الإنسان
يعد موضوع حقوق الإنسان والإشكاليات التي يطرحها من أهم الموضوعات التي تستقطب اهتمام المنشغلين بالسياسة والدين والأخلاق والعلاقات الاجتماعية، كما أنها تشكل أحد أهم اهتمامات دارسي القانون بصفة عامة وفقهاء القانون الدولي والعلاقات الدولية بصفة خاصة.
فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وما خلفته من حقائق دامغة من انتهاكات حقوق الإنسان دخلت المسألة جدول أعمال الأمم المتحدة ونصوصها وبدأ الاهتمام التقني بها، وصارت موضوعاتها تفرض نفسها على الفكر القانوني والسياسي والتنظيم الدولي حتى أضحت معيارا لمدى تقدم الدولة أو تأخرها.
وهنا يؤكد المؤلف أن الوضع الدولي في مجال حقوق الإنسان مع مطلع هذا القرن يوحي بتوسع دائرة انتهاكاتها، ليس من قبل الأنظمة القمعية والدكتاتورية في دول العالم الثالث فحسب، بل من قبل دول عملاقة مثل الولايات المتحدة الأميركية.
الأمر الذي تجلت مظاهره في فضائح عديدة ومتتالية منذ أن صممت الولايات المتحدة على تدشين القرن الجديد بخوض حرب هوجاء ضد ما أسمته الإرهاب، فمن "باغرام إلى غوانتانامو إلى أبوغريب... تكون السياسة الأميركية قد شابهت سياسة الدول الدكتاتورية لاسيما العربية.
فسياسة الحلول الأمنية والعسكرية وفتح المعتقلات والسجون سياسة مارستها الدول العربية، ولعل عولمة مواجهة الإرهاب تقتضي عولمة السجون والمعتقلات، أو لعلها تنتج دكتاتورية عالمية تحكم العالم في هذا القرن؟
أما عن حقوق الإنسان في الوطن العربي فيشير الأستاذ العياشي إلى أن التقارير الدولية في مجال حقوق الإنسان تفيد أن الدول العربية هي الأكثر انتهاكا لحقوق الإنسان، وأن الحكومات العربية شكلت أكثر من 50% من أسماء قائمة أسوء الدكتاتوريات في العالم.
إن صحة هذا التقرير من عدمه لا تمحي عار انحدار مكانة الإنسان العربي وامتهان كرامته، فالمبادئ التي طالما صدرت للناس يعاد تصديرها إلينا على أنها كشف إنساني ما عرفناه يوما ولا عشناه دهرا.
وعلى الرغم من رياح التغيير التي اجتاحت كل أصقاع العالم –فقد بات من المعروف للجميع- أن التركيبة التسلطية القمعية هي تركيبة تشترك فيها معظم الدول العربية إن لم تكن جميعها.
وترتب عن هذا تقييد الحريات المدنية والسياسية للأفراد وانتهاك حقوق المواطنة الأساسية وغيرها من الممارسات القمعية التي تتم باسم القانون والأمن والنظام العام والمصلحة الوطنية والقومية وغيرها من الأغطية الزائفة التي أدت إلى إرهاق الشعوب وإضعاف طاقتها على الاستجابة، إلى درجة أنها شوهدت في بعض الأحيان وكأنها جثة هامدة ليس فيها حراك، وهو ما يعد عملية قتل متعمد للروح الجماعية وإرادة المقاومة والتحدي.
وهنا يحق لنا أن نتساءل: هل فعلا للحكومات دور في تخلف شعوبها؟ و هل إرادة التغيير تكبح جماحها بموقف و قرار حكومي؟
في آخر الكتاب يؤكد المؤلف أن النهوض بعبء التخلص من آفة الإرهاب لا يتطلب تغليب شرعية مكافحة الإرهاب على شرعية حقوق الإنسان وشرعية حق الشعوب في تقرير المصير أو على شرعية الدفاع عن النفس، وإنما يتطلب من المجتمع الدولي عملا جديا دؤوبا من أجل إرساء القواعد اللازمة لتعايش دولي سمته استحداث آليات مكافحة الفقر والظلم والجشع والقهر, وبدون ذلك تكون حملة مكافحة الإرهاب في العالم خبط عشواء، لأنها ستبدو مجرد تكريس للأمر الواقع.
فالحرب ضد الإرهاب ينبغي أن تكون ضمن خطة تغيير واسعة النطاق، تهدف إلى اجتثاث عناصر الخلل التي تفرز ذلك الإرهاب، وتحتاج إلى تحليل علمي موضوعي محايد، يربط المقدمات بالنتائج ويصل بمتابعة الأعراض إلى أسلوب العلاج، وأيا كان القائم بالأعمال الإرهابية – دولة أم أفرادا أم جماعات- فلا يجب الحياد عن هذه الخطة.