- الأحد مارس 22, 2009 6:01 pm
#13223
دوام الحكومة، وظيفة حكومية، ست ساعات وأمسك الباب، أمان وظيفي، خميس وجمعة، كل تلك كلمات يرددها العديد من العامة في إقناع شخص معين بمزايا الوظيفة الحكومية، وكأن الوظيفة الحكومية تخلو من الواجبات التي يجب على الموظف أن يلتزم بها أمام دينه ومليكه ووطنه وخدمة المراجعين للدوائر الحكومية.
نمر بأزمة حقيقية في الفهم الخاطئ للوظيفة الحكومية، وكأنها مجرد ضمان اجتماعي يستلمه الموظف في نهاية كل شهر، ولا يهتم ذلك الموظف إلا بإدارة مصالحه الشخصية في مقر عمله، بل ويستخدم الأجهزة والمعدات ومكانه الوظيفي لتسهيل مهامه الشخصية في الدوائر الحكومية والمؤسسات الأهلية، ويغضب عندما تتأخر معاملته الخاصة في خضم الفساد الإداري بدائرة حكومية أخرى.
إن الفساد الإداري ليس فسادا ماليا وتبديد الثروات العامة لأهداف شخصية فقط، بل هناك فساد إداري أكبر من الفساد المالي وهو الفساد في عدم إنجاز الأعمال الخاصة بالمراجعين مواطنين كانوا أم مقيمين.
ولأقرب المسألة، كان لي معاملة خاصة في وزارة الإعلام، ولن أقول اسم الجهة حفاظا على المقال من أن يكون هو الآخر في قائمة الفساد الإداري، ولكن لأقرب للقراء الكرام حجم هذا الفساد في وزارة مثل وزارة الإعلام، مثلها أيضا مثل باقي الوزارات الموقرة، وهذا الفساد هو أيضا نوع آخر من الفساد وهو فساد الموظفين أنفسهم إداريا.. كنت أراجع في معاملة لأكثر من ثلاثة أشهر وحتى الآن لم يحصل لها شيء، ليس بسبب المعاملة ولكن بسبب فساد الموظفين إداريا.
في المرة الأولى قال لي الموظف راجعنا بعد شهرين، قلت في نفسي ممتاز لأن تحديد الوقت مطلوب، وبهذا التحديد يختصر الموظف على المراجع الوقت ليحضر بعد شهرين، راجعت الموظف بعد شهرين فقال تعال بعد صلاة الظهر، قلت في نفسي تمام بعد الظهر الرجال الله يجزاه خير يريد أن يستعد للصلاة، رجعت له بعد الظهر قال الموظف النظام عطلان تعال بكرة، قلت في نفسي الشكوى لله بكرة.. بكرة، طلعت من مكتبه وقلت بكرة الخميس كيف يقول لي بكرة؟ فلا يوجد دوام يوم الخميس رجعت للموظف وقلت له عندكم دوام الخميس قال لا.. السبت، رجعت السبت الساعة 1.45 ظهرا فلم أجد أحدا في المكتب، ورأيت آخر الموظفين يخرجون من مقر عملهم، وكأن المقر أصبح مبنى للأشباح، قلت لعل أحدا في القسم الذي أريده والذي فيه معاملتي رأيت أنه لا يوجد في القسم أحد من الموظفين ولا موظف واحد، وفجأة رجع أحد الموظفين نسي أن يأخذ الصحف الخاصة به طبعا فسألته فقال الأجهزة كلها قفلت راجعنا بكرة.
المسألة كبيرة جدا وهي تسيب وظيفي في الدوائر الحكومية بشكل عام لا يوجد احترام أبدا لوقت الدوام ولا العمل المنوط بهم، ولنحسبها بحسبة بسيطة جدا كيف يبدأ الدوام الحكومي اليومي في العديد من الدوائر الحكومية، فمن أهم ما تابعته أثناء حياتي العملية حيث كنت موظفا حكوميا في وقت سابق هو الدوام، وليس الدوام بمعنى أصح بل هو التوقيع على الحضور والانصراف، الدوام الحكومي يبدأ الساعة السابعة والنصف صباحا وبعض الدوائر الحكومية تتساهل في مسألة توقيع الموظف على الحضور حتى الثامنة والنصف، والبعض الآخر يسمح بأن يوقع عنه زميله، وهذا واقع، يحضر الموظف لمكتبه في حدود الساعة الثامنة والنصف لينهي ما عنده من بعض المعاملات حتى الساعة التاسعة والنصف ومن ثم يأتي وقت الإفطار وتصبح المكاتب الحكومية أشبه بمطاعم الفول والتميس وتجمعات الموظفين على الإفطار مزرية جدا، فلو شاهدنا أحد الوفود الأجنبية لكتب عنا كتابا من ألف صفحة، ولن يكتفي بمقال صحافي واحد في صحيفة بارزة، وفي الساعة العاشرة وقت مستقطع لبعض الموظفين يستطيع أن ينهي فيه مشاغله الخارجية القريبة من وزارته، والساعة الحادية عشرة والنصف وقت خروج الزوجة من وظيفتها أو الأولاد من المدارس، ولو تم السؤال عن الزوجة لوجدنا أنها غير موظفة أصلا، ولو سألنا عن الأولاد لوجدنا أن مدرستهم بجانب البيت، ولكن هذا عذر مقبول للموظف ليخرج من الدوام، يعود الموظف الساعة الواحدة ظهرا ليستعد ويخرج الساعة الواحدة والنصف والساعة الثانية والنصف يكون غارقا في قيلولته المعتادة بعد الكبسة الدسمة وكأس اللبن.
إن ما يحدث في الدوائر الحكومية من تسيب وإهمال وظيفي لم يعد يطاق؛ فمعاملات المواطنين تتأخر والسبب المدام والأولاد وفطور الصبح ومشاغل سعادة الموظف الشخصية، ولو حسبنا الدوام الفعلي للموظفين الحكوميين هو ست ساعات يوميا بمعنى ثلاثين ساعة أسبوعيا أي 120 ساعة شهريا ومجموعها 1440 ساعة سنويا، لو أنجز من الست ساعات يوميا ساعتين فقط، فهذا يعني أن هناك 480 ساعة سنويا تم فيها إنجاز الأعمال بينما تم إهدار 960 ساعة بدون فائدة، وهذا في قانون العمل السليم غير منطقي بالمرة.
960 ساعة إهدار سنوي من مال الدولة العام على الموظف المتسيب الواحد فقط، وهذا أيضا غير منطقي فلابد من متابعة الموظفين المتسيبين ومحاسبتهم، فلا يعقل هذا التسيب الوظيفي بهذا الشكل خصوصا أن فيه تعطيلا لمصالح المراجعين، والعجيب أن الموظف المتسيب نفسه يتذمر ويغضب عندما يراجع دائرة حكومية أخرى أكثر من غيره من المراجعين غير الموظفين في القطاع الحكومي لأنه يعلم ما هو السبب الحقيقي في عدم إنجاز معاملاته الشخصية إلى درجة أن جميع المراجعين يعلمون أنه موظفا حكوميا من شدة الغضبة التي غضبها سعادة الموظف الحكومي في الدائرة الحكومية المجاورة.
عبدالله الذيب
صحافي سعودي
[email protected]
خاص بصحيفة (سبق) الالكترونية
نمر بأزمة حقيقية في الفهم الخاطئ للوظيفة الحكومية، وكأنها مجرد ضمان اجتماعي يستلمه الموظف في نهاية كل شهر، ولا يهتم ذلك الموظف إلا بإدارة مصالحه الشخصية في مقر عمله، بل ويستخدم الأجهزة والمعدات ومكانه الوظيفي لتسهيل مهامه الشخصية في الدوائر الحكومية والمؤسسات الأهلية، ويغضب عندما تتأخر معاملته الخاصة في خضم الفساد الإداري بدائرة حكومية أخرى.
إن الفساد الإداري ليس فسادا ماليا وتبديد الثروات العامة لأهداف شخصية فقط، بل هناك فساد إداري أكبر من الفساد المالي وهو الفساد في عدم إنجاز الأعمال الخاصة بالمراجعين مواطنين كانوا أم مقيمين.
ولأقرب المسألة، كان لي معاملة خاصة في وزارة الإعلام، ولن أقول اسم الجهة حفاظا على المقال من أن يكون هو الآخر في قائمة الفساد الإداري، ولكن لأقرب للقراء الكرام حجم هذا الفساد في وزارة مثل وزارة الإعلام، مثلها أيضا مثل باقي الوزارات الموقرة، وهذا الفساد هو أيضا نوع آخر من الفساد وهو فساد الموظفين أنفسهم إداريا.. كنت أراجع في معاملة لأكثر من ثلاثة أشهر وحتى الآن لم يحصل لها شيء، ليس بسبب المعاملة ولكن بسبب فساد الموظفين إداريا.
في المرة الأولى قال لي الموظف راجعنا بعد شهرين، قلت في نفسي ممتاز لأن تحديد الوقت مطلوب، وبهذا التحديد يختصر الموظف على المراجع الوقت ليحضر بعد شهرين، راجعت الموظف بعد شهرين فقال تعال بعد صلاة الظهر، قلت في نفسي تمام بعد الظهر الرجال الله يجزاه خير يريد أن يستعد للصلاة، رجعت له بعد الظهر قال الموظف النظام عطلان تعال بكرة، قلت في نفسي الشكوى لله بكرة.. بكرة، طلعت من مكتبه وقلت بكرة الخميس كيف يقول لي بكرة؟ فلا يوجد دوام يوم الخميس رجعت للموظف وقلت له عندكم دوام الخميس قال لا.. السبت، رجعت السبت الساعة 1.45 ظهرا فلم أجد أحدا في المكتب، ورأيت آخر الموظفين يخرجون من مقر عملهم، وكأن المقر أصبح مبنى للأشباح، قلت لعل أحدا في القسم الذي أريده والذي فيه معاملتي رأيت أنه لا يوجد في القسم أحد من الموظفين ولا موظف واحد، وفجأة رجع أحد الموظفين نسي أن يأخذ الصحف الخاصة به طبعا فسألته فقال الأجهزة كلها قفلت راجعنا بكرة.
المسألة كبيرة جدا وهي تسيب وظيفي في الدوائر الحكومية بشكل عام لا يوجد احترام أبدا لوقت الدوام ولا العمل المنوط بهم، ولنحسبها بحسبة بسيطة جدا كيف يبدأ الدوام الحكومي اليومي في العديد من الدوائر الحكومية، فمن أهم ما تابعته أثناء حياتي العملية حيث كنت موظفا حكوميا في وقت سابق هو الدوام، وليس الدوام بمعنى أصح بل هو التوقيع على الحضور والانصراف، الدوام الحكومي يبدأ الساعة السابعة والنصف صباحا وبعض الدوائر الحكومية تتساهل في مسألة توقيع الموظف على الحضور حتى الثامنة والنصف، والبعض الآخر يسمح بأن يوقع عنه زميله، وهذا واقع، يحضر الموظف لمكتبه في حدود الساعة الثامنة والنصف لينهي ما عنده من بعض المعاملات حتى الساعة التاسعة والنصف ومن ثم يأتي وقت الإفطار وتصبح المكاتب الحكومية أشبه بمطاعم الفول والتميس وتجمعات الموظفين على الإفطار مزرية جدا، فلو شاهدنا أحد الوفود الأجنبية لكتب عنا كتابا من ألف صفحة، ولن يكتفي بمقال صحافي واحد في صحيفة بارزة، وفي الساعة العاشرة وقت مستقطع لبعض الموظفين يستطيع أن ينهي فيه مشاغله الخارجية القريبة من وزارته، والساعة الحادية عشرة والنصف وقت خروج الزوجة من وظيفتها أو الأولاد من المدارس، ولو تم السؤال عن الزوجة لوجدنا أنها غير موظفة أصلا، ولو سألنا عن الأولاد لوجدنا أن مدرستهم بجانب البيت، ولكن هذا عذر مقبول للموظف ليخرج من الدوام، يعود الموظف الساعة الواحدة ظهرا ليستعد ويخرج الساعة الواحدة والنصف والساعة الثانية والنصف يكون غارقا في قيلولته المعتادة بعد الكبسة الدسمة وكأس اللبن.
إن ما يحدث في الدوائر الحكومية من تسيب وإهمال وظيفي لم يعد يطاق؛ فمعاملات المواطنين تتأخر والسبب المدام والأولاد وفطور الصبح ومشاغل سعادة الموظف الشخصية، ولو حسبنا الدوام الفعلي للموظفين الحكوميين هو ست ساعات يوميا بمعنى ثلاثين ساعة أسبوعيا أي 120 ساعة شهريا ومجموعها 1440 ساعة سنويا، لو أنجز من الست ساعات يوميا ساعتين فقط، فهذا يعني أن هناك 480 ساعة سنويا تم فيها إنجاز الأعمال بينما تم إهدار 960 ساعة بدون فائدة، وهذا في قانون العمل السليم غير منطقي بالمرة.
960 ساعة إهدار سنوي من مال الدولة العام على الموظف المتسيب الواحد فقط، وهذا أيضا غير منطقي فلابد من متابعة الموظفين المتسيبين ومحاسبتهم، فلا يعقل هذا التسيب الوظيفي بهذا الشكل خصوصا أن فيه تعطيلا لمصالح المراجعين، والعجيب أن الموظف المتسيب نفسه يتذمر ويغضب عندما يراجع دائرة حكومية أخرى أكثر من غيره من المراجعين غير الموظفين في القطاع الحكومي لأنه يعلم ما هو السبب الحقيقي في عدم إنجاز معاملاته الشخصية إلى درجة أن جميع المراجعين يعلمون أنه موظفا حكوميا من شدة الغضبة التي غضبها سعادة الموظف الحكومي في الدائرة الحكومية المجاورة.
عبدالله الذيب
صحافي سعودي
[email protected]
خاص بصحيفة (سبق) الالكترونية