- الأربعاء ديسمبر 12, 2012 4:42 pm
#56811
التعصب بالأمس واليوم وغداً
لا نعلم على وجه الدقة التاريخ الحقيقي لبداية لمسألة التعصب، غير أن كثيراً من أحداث التاريخ العربي تحمل في طياتها سواء ظاهراً أم باطناً شكلاً واحداً على الأقل من أشكال التعصب، ولعل البداية كانت بعد وفاة النبي مباشرة بإعلان احتكار قريش للسلطة مروراً بالاحتكار الأموي ومن ثم العباسي للحكم أضف إلى ذلك المئات من الدويلات التي قامت كلها على مبدأ العائلة أو القبيلة الواحدة، الأمر الذي دفع مفكراً مثل ابن خلدون إلى اعتبار العصبية أحد مقومات الدولة. لماذا لم يستطع العرب والمسلمون حتى اليوم التخلص من هذا الأمر في حين استطاع غيرهم؟ ولعل الأدهى في هذا الموضوع أن العصبية لم تتم على مستوى الممارسة وحسب بل وصلت إلى مستوى النظرية أيضاً، ففيما عدا أبي حنيفة يصر الفقهاء المسلمون على أن "الإمارة لا تكون إلا لقرشي" وزاد أحدهم بقوله "حتى إذا غلب عليها بالسيف وجبت له الطاعة" وهو ما تم تطبيقه وتداوله رغم أن القرشيين أنفسهم لم يكونوا عصبية واحدة، فالمذابح التي قادها العباسيون ضد الأمويين كانت على درجة من الشناعة وصلت حد نبش قبور الخلفاء الأمويين في دمشق، ناهيك عما قام به قبل ذلك فرعا بني أمية لدى انتقال الخلافة من أبناء أبي سفيان إلى مروان بن الحكم وأبنائه فيما بعد وغير ذلك كثير.
ما أستغربه في الواقع هو الطوباوية التي يصف المؤرخون بها التاريخ الإسلامي عبر قيامهم بالحديث عن قيم التسامح والمساواة والعدالة والتي يبدو أنها لم توجد سوى في فترة حكم عمر بن الخطاب، فإذا أضفنا إليها المرحلة المدنية من عهد النبي كان المجموع 22 عاماً من أصل 1423 عاماً هي التاريخ الإسلامي حتى اليوم وهنا يبرز حجم هذا الإرث الثقيل والمثقل بالأخطاء والتجاوزات التي تم التغاضي عنها ببساطة لأن المؤرخين والمنظرين والمفكرين كانوا على الدوام أبناء بيئتهم وعصرهم وعاشوا في جو الإرهاب الفكري ذاته الذي يعيشه مؤرخو ومنظرو ومفكرو اليوم مع أطنان إضافية من غسيل الدماغ والنفاق وسيعيشه هؤلاء غداً طالما انتفت إرادة التغيير.
يقول الشيخ أمين الخولي: "التجديد هو قتل القديم بحثاً" وبالنظر إلى الحجم الهائل لهذا القديم والذي يعيش في الهواء الذي نتنفسه وفي الطعام الذي نأكله وفي الماء الذي نشربه، يبدو أن الأمر بات يحتاج إلى ثورة اجتماعية من نوع خاص، ثورة تقضي على الموروثات الفاسدة والعصبية والقبلية لتنشئ مفهوماً جديداً للسياسة والحياة، مفهوماً للمجتمع يقوم على قيم العدالة والمساواة لا على قيم القرابة والنسب. إن مجتمع "أكرمكم عند الله أتقاكم" يبدو بعيد المنال كما كان دائماً ولكن التاريخ مليء بالتضحيات التي قدمها رجال ونساء كثيرون في سبيل أفكارهم وعلى رأسهم الأنبياء أنفسهم. هل نبدأ اليوم بخطوة في مشوار المليون ميل؟ يبدو أن الوقت قد حان.
أضف تعليقك
لا نعلم على وجه الدقة التاريخ الحقيقي لبداية لمسألة التعصب، غير أن كثيراً من أحداث التاريخ العربي تحمل في طياتها سواء ظاهراً أم باطناً شكلاً واحداً على الأقل من أشكال التعصب، ولعل البداية كانت بعد وفاة النبي مباشرة بإعلان احتكار قريش للسلطة مروراً بالاحتكار الأموي ومن ثم العباسي للحكم أضف إلى ذلك المئات من الدويلات التي قامت كلها على مبدأ العائلة أو القبيلة الواحدة، الأمر الذي دفع مفكراً مثل ابن خلدون إلى اعتبار العصبية أحد مقومات الدولة. لماذا لم يستطع العرب والمسلمون حتى اليوم التخلص من هذا الأمر في حين استطاع غيرهم؟ ولعل الأدهى في هذا الموضوع أن العصبية لم تتم على مستوى الممارسة وحسب بل وصلت إلى مستوى النظرية أيضاً، ففيما عدا أبي حنيفة يصر الفقهاء المسلمون على أن "الإمارة لا تكون إلا لقرشي" وزاد أحدهم بقوله "حتى إذا غلب عليها بالسيف وجبت له الطاعة" وهو ما تم تطبيقه وتداوله رغم أن القرشيين أنفسهم لم يكونوا عصبية واحدة، فالمذابح التي قادها العباسيون ضد الأمويين كانت على درجة من الشناعة وصلت حد نبش قبور الخلفاء الأمويين في دمشق، ناهيك عما قام به قبل ذلك فرعا بني أمية لدى انتقال الخلافة من أبناء أبي سفيان إلى مروان بن الحكم وأبنائه فيما بعد وغير ذلك كثير.
ما أستغربه في الواقع هو الطوباوية التي يصف المؤرخون بها التاريخ الإسلامي عبر قيامهم بالحديث عن قيم التسامح والمساواة والعدالة والتي يبدو أنها لم توجد سوى في فترة حكم عمر بن الخطاب، فإذا أضفنا إليها المرحلة المدنية من عهد النبي كان المجموع 22 عاماً من أصل 1423 عاماً هي التاريخ الإسلامي حتى اليوم وهنا يبرز حجم هذا الإرث الثقيل والمثقل بالأخطاء والتجاوزات التي تم التغاضي عنها ببساطة لأن المؤرخين والمنظرين والمفكرين كانوا على الدوام أبناء بيئتهم وعصرهم وعاشوا في جو الإرهاب الفكري ذاته الذي يعيشه مؤرخو ومنظرو ومفكرو اليوم مع أطنان إضافية من غسيل الدماغ والنفاق وسيعيشه هؤلاء غداً طالما انتفت إرادة التغيير.
يقول الشيخ أمين الخولي: "التجديد هو قتل القديم بحثاً" وبالنظر إلى الحجم الهائل لهذا القديم والذي يعيش في الهواء الذي نتنفسه وفي الطعام الذي نأكله وفي الماء الذي نشربه، يبدو أن الأمر بات يحتاج إلى ثورة اجتماعية من نوع خاص، ثورة تقضي على الموروثات الفاسدة والعصبية والقبلية لتنشئ مفهوماً جديداً للسياسة والحياة، مفهوماً للمجتمع يقوم على قيم العدالة والمساواة لا على قيم القرابة والنسب. إن مجتمع "أكرمكم عند الله أتقاكم" يبدو بعيد المنال كما كان دائماً ولكن التاريخ مليء بالتضحيات التي قدمها رجال ونساء كثيرون في سبيل أفكارهم وعلى رأسهم الأنبياء أنفسهم. هل نبدأ اليوم بخطوة في مشوار المليون ميل؟ يبدو أن الوقت قد حان.
أضف تعليقك