- الأربعاء ديسمبر 12, 2012 4:56 pm
#56832
تتخلص المبادئ التي تحكم الحرب في ثلاثة مبادئ تضمنها الآية الكريمة: (( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين )) (البقرة: 190).
المبدأ الأول: أن يكون القتال في سبيل اللهبأن يخلص القصد منه إلى أن تكون كلمة الله هي العليا، فالمصلحة الشخصية أو القومية لا يبرر الحرب، بل تجعل الحرب غير شرعية في حكم الإسلام.وأهمية هذا المبدأ تظهر من أن القتال أو الجهاد نادراً ما يرد في القرآن دون تقييده بأن يكون في سبيل الله، وأحياناً يكون مقروناً بالأمر بالتقوى.و(التقوى) اصطلاح قرآني لا يوجد له مرادف في اللغة العربية، وربما لا يوجد في غيرها من اللغات، فهو يعني درجة عالية من الحساسية الخلقية، بأن يتصرَّف الإنسان وأوامر الله ونواهيه بين عينيه وأن يشعر بأن الله يراقبه في تصرفه ويراه، وأن الله إليه المآب والمصير.
ولكن من الناحية العملية متى يكون القتال في سبيل الله؟لقد عرضت الآيات الآتية صوراً يمكن الاهتداء بها لتحديد (ما هو في سبيل الله)، وما يوجد به شرط إباحة الحرب على النحو التالي:(أ) - رد العدوان:قال تعالى: (( الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين )) (البقرة: 194).وقال تعالى: (( الا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة )) (التوبة: 13).وقال تعالى: (( والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون )) (الشورى: 39).وقال تعالى: (( وجزاؤا سيئة سيئة مثلها )) (الشورى: 40).وقال تعالى: (( ولمن إنتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل )) (الشورى: 41).وقال تعالى: (( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين )) (التوبة: 36).وقال تعالى: (( فإن قاتلوكم فاقتلوهم )) (البقرة: 191).
(ب) - الدفاع ضد الظلم وحماية المظلومين:قال تعالى: (( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير (39) الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلآ أن يقولوا ربنا الله )) (الحج: 39-40).وقال تعالى: (( قالوا ما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا ديارنا وأبنائنا )) (البقرة: 24).وقال تعالى : (( إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم )) (الممتحنة: 9).وقال تعالى: (( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله )) (الحجرات: 9).وقال تعالى: (( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها وأجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا )) (النساء: 75).وقال تعالى: (( وإن إستنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق )) (الأنفال: 72 ).
(جـ) - الدفاع ضد الإفساد في الأرض:قال تعالى: (( إنما جزاؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا في الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم(33) إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم )) (المائدة: 33-34).وقال تعالى: (( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض )) (البقرة: 251).وقال تعالى: (( ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره )) (الحج: 40).(د) - القتال لحماية حق الإنسان في اختيار أن يكون الله هو إلهه، لا إله سواه.وهذا الحق يقع على رأس حقوق الإنسان في الإسلام، لأنه الغاية من الحياة.قال تعالى: (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )) (الذريات: 56).وقال تعالى: (( قل يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواءً بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله وأن لا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله )) (آل عمران: 64).وفد فهم المسلمون في القرون الأولى أن مهمتهم الكبرى إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، كما عبَّر عن ذلك الصحابي الجليل ربعي بن عامر في مفاوضات المسلمين مع الفرس، في حرب القادسية.قال تعالى: (( يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا )) (البقرة: 217).وقال تعالى : (( واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم )) (البقرة: 191).قال الإمام الطبري في تفسير قوله تعالى: (( والفتنة أشد من القتل )) : (( يعني الشرك بالله أشدُّ من القتل … وقد بينت أن أصل الفتنة الابتلاء والاختبار، فتأويل الكلام: وابتلاء المؤمن في دينه حتى يرجع عنه فيصير مشركاً بالله من بعد إسلامه أشدُّ عليه وأضرُّ من أن يقتل مقيماً على دينه متمسكا عليه محقا فيه )).وقال الإمام القرطبي في تفسيرها: (( أي: الفتنة التي حملوكم عليها وراموا رجوعكم بها إلى الكفر أشدُّ من القتل )). وقال في تفسير (( والفتنة أكبر من القتل )): (( قال مجاهد وغيره: الفتنة هنا الكفر… وقال الجمهور: معنى الفتنة هنا فتنة المسلمين عن دينهم حتى يهلكوا، أي: إن ذلك أشدُّ اجتراماً من قتلكم في الشهر الحرام )).ويلاحظ أنه لا خلاف بين التفسيرين، فمن فسَّر (( الفتنة )) بالشرك أو الكفر عنى النتيجة، ومن فسَّرها بتعذيب المسلم حتى يكفر عنى السبب.وقال تعالى: (( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله )) (البقرة: 193).أخرج البخاري في تفسير هذه الآية عن نافع أنَّ رجلاً أتى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن، ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: (( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله )) ؟ قال: فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الإسلام قليلاً فكان الرجل يُفتن عن دينه، إما قتلوه وإما يعذبونه، حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة.
المبدأ الثاني: أن يكون القتال ضدَّ من يقاتلقال تعالى: (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وءاخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شئ في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون (60) وإن حنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم )) (الأنفال: 60-61).وقال تعالى: (( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين )) (البقرة: 193).قال الإمام الطبري: عن مجاهد (( فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين )) يقول: (( لا تقاتلوا إلا من يقاتلكم )).وقال في تفسير قوله تعالى: (( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين )) (البقرة: 190): عن سعيد بن عبد العزيز قال: (( كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطأة: إني وجدت آية في كتاب الله: (( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين )) ، أي: لا تقاتل من لا يقاتلك )). وردَّ الطبري على من قال بنسخ الآية بقوله: (( وأولى هذين القولين بالصواب القول الذي قاله عمر بن عبد العزيز، لأنَّ دعوى المدَّعي نسخ آية يحتمل أن تكون غير منسوخة بغير دلالة على صحة دعواه تحكُّمٌ، والتحكُّم لا يعجز عنه أحدٌ )).وقال تعالى: (( فإن إعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليها سبيلا )) (النساء: 90).قال ابن كثير: (( أي: فليس لكم أن تقاتلوهم ما دامت حالهم كذلك )).وقال تعالى: (( فإن لم يعتزلوكم وياقوا إليكم السلام ويكفوا أيديهم فخذزهم واقتلوهم حيث ثقفتوهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا )) (النساء: 91).فسَّر ابن كثير (( السلم )) بالمسالمة والمهادنة والمصالحة.وقال تعالى: (( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (8) إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم )) (الممتحنة: 8-9).
المبدأ الثالث: عدم تجاوز ضرورات الحربوهذا المبدأ قيد على قاعدة "المعاملة بالمثل"، فلا خيار للمسلم في عدم الالتزام بالمعايير الأخلاقية الإسلامية في معاملة العدو، وإن كان العدو لم يلتزم بها. ولا خيار للمسلم في عدم الوقوف عند حدود الله، وإن كان عدوه المحارب تجاوز هذه الحدود، فإذا مثَّل محاربو المسلمين بقتلى المسلمين فلا يجوز للمسلمين معاملتهم بالمثل، وإذا قتل الأعداء نساء المسلمين وصبيانهم أو غير المقاتلين منهم فلا يجوز للمسلمين أن يقتلوا نساء الأعداء أو صبيانهم أو غير المقاتلين منهم.وقد أفاض المفسرون عند تفسيرهم للآية السابقة: ((وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)) في ذكر ما ورد من النصوص عن الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه تطبيقاً لهذه الآية.من ذلك ما روى مسلم عن بريدة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان [ إذا بعث جيشاً ] يقول: (( اغْزُوا وَلاَ تغلوا، ولا تَغْدِرُوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الوليد، ولا أصحاب الصوامع )).وروى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر الصديق بعث جيوشاً إلى الشام فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان … فقال: (( إنَّك ستجد قوماً زعموا أنَّهم حبسوا أنفسهم لله، فذرهم وما زعموا، إنهم حبسوا أنفسهم له … وإني موصيك بعشر: لا تقتلنَّ امرأةً ولا صبياًّ ولا كبيرا هرماً، ولا تقطعنَّ شجراً مثمراً، ولا تخربنَّ عامراً، ولا تعقرنَّ شاةً ولا بعيراً إلا لمأكلةٍ، ولا تحرقنَّ نحلاً ولا تفرقنَّه ولا تغلل، ولا تجبن )).قال الطبري: عن يحيى الغساني قال: كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن قوله تعالى: (( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين )) قال: فكتب إليَّ أنَّ ذلك في النساء والذرية، ومن لم ينصب لك الحرب منهم.وعن ابن عباس في تفسير الآية: (( يقول: لا تقتلوا النساء ولا الصبيان ولا الشيخ الكبير، ولا من ألقى إليكم السلم وكفَّ يده، فإن فعلتم ذلك فقد اعتديتم )).وروى الطبري عن مجاهد في تفسير قوله تعالى: (( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلى على الظالمين )) قال: (( يقول: لا تقاتلوا إلا من قاتلكم )).وقال ابن كثير في تفسير الآية الكريمة (( ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا )) (المائدة: 2): (( معناها ظاهر، أي: لا يحملكم بغض قوم قد كانوا صدُّوكم عن المسجد الحرام … عن أن تعتدوا حكم الله فيهم، فتقتصوا منهم ظلما وعدواناً، بل احكموا بما أمركم الله من العدل في حق كل أحد … وهذه الآية كما سيأتي في قوله: (( ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا )) أي: لا يحملكم بغض قوم على ترك العدل، فإنَّ العدل واجبٌ على كلِّ أحدٍ لكلِّ أحدٍ في كلِّ حال )).وقال الإمام القرطبي في تفسير الآية الكريمة (( ولا يجرمنكم شنئان قوم على إلا تعدلوا )): (( دلَّت الآية أيضاً على أنَّ كفر الكافر لا يمنع من العدل عليه … وأنَّ المثلة بهم غير جائزةٍ، وإن قتلوا نساءنا وأطفالنا وغمُّونا بذلك فليس لنا أن نقتلَهم بمثله، قصداً لإيصال الهمِّ والحزن إليهم )).وقال في تفسير قوله تعالى: (( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا )) : (( قال ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومجاهد: هي محكمةٌ، أي: قاتلوا الذين هم بحالة من يقاتلونكم، ولا تعتدوا في قتل النساء والصبيان والرهبان وشبههم )).وقال عمر بن الخطاب: (( اتقوا الله في الذرية والفلاَّحين الذين لا ينصبون لكم الحرب )).وكان عمر بن عبد العزيز لا يقتل حرَّاثاً.ويدلُّ تاريخ الإسلام في كل العصور على أنَّ المسلمين الملتزمين طبَّقوا هذا المبدأ دون استثناء.
المبدأ الأول: أن يكون القتال في سبيل اللهبأن يخلص القصد منه إلى أن تكون كلمة الله هي العليا، فالمصلحة الشخصية أو القومية لا يبرر الحرب، بل تجعل الحرب غير شرعية في حكم الإسلام.وأهمية هذا المبدأ تظهر من أن القتال أو الجهاد نادراً ما يرد في القرآن دون تقييده بأن يكون في سبيل الله، وأحياناً يكون مقروناً بالأمر بالتقوى.و(التقوى) اصطلاح قرآني لا يوجد له مرادف في اللغة العربية، وربما لا يوجد في غيرها من اللغات، فهو يعني درجة عالية من الحساسية الخلقية، بأن يتصرَّف الإنسان وأوامر الله ونواهيه بين عينيه وأن يشعر بأن الله يراقبه في تصرفه ويراه، وأن الله إليه المآب والمصير.
ولكن من الناحية العملية متى يكون القتال في سبيل الله؟لقد عرضت الآيات الآتية صوراً يمكن الاهتداء بها لتحديد (ما هو في سبيل الله)، وما يوجد به شرط إباحة الحرب على النحو التالي:(أ) - رد العدوان:قال تعالى: (( الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين )) (البقرة: 194).وقال تعالى: (( الا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة )) (التوبة: 13).وقال تعالى: (( والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون )) (الشورى: 39).وقال تعالى: (( وجزاؤا سيئة سيئة مثلها )) (الشورى: 40).وقال تعالى: (( ولمن إنتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل )) (الشورى: 41).وقال تعالى: (( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين )) (التوبة: 36).وقال تعالى: (( فإن قاتلوكم فاقتلوهم )) (البقرة: 191).
(ب) - الدفاع ضد الظلم وحماية المظلومين:قال تعالى: (( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير (39) الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلآ أن يقولوا ربنا الله )) (الحج: 39-40).وقال تعالى: (( قالوا ما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا ديارنا وأبنائنا )) (البقرة: 24).وقال تعالى : (( إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم )) (الممتحنة: 9).وقال تعالى: (( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله )) (الحجرات: 9).وقال تعالى: (( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها وأجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا )) (النساء: 75).وقال تعالى: (( وإن إستنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق )) (الأنفال: 72 ).
(جـ) - الدفاع ضد الإفساد في الأرض:قال تعالى: (( إنما جزاؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا في الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم(33) إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم )) (المائدة: 33-34).وقال تعالى: (( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض )) (البقرة: 251).وقال تعالى: (( ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره )) (الحج: 40).(د) - القتال لحماية حق الإنسان في اختيار أن يكون الله هو إلهه، لا إله سواه.وهذا الحق يقع على رأس حقوق الإنسان في الإسلام، لأنه الغاية من الحياة.قال تعالى: (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )) (الذريات: 56).وقال تعالى: (( قل يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواءً بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله وأن لا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله )) (آل عمران: 64).وفد فهم المسلمون في القرون الأولى أن مهمتهم الكبرى إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، كما عبَّر عن ذلك الصحابي الجليل ربعي بن عامر في مفاوضات المسلمين مع الفرس، في حرب القادسية.قال تعالى: (( يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا )) (البقرة: 217).وقال تعالى : (( واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم )) (البقرة: 191).قال الإمام الطبري في تفسير قوله تعالى: (( والفتنة أشد من القتل )) : (( يعني الشرك بالله أشدُّ من القتل … وقد بينت أن أصل الفتنة الابتلاء والاختبار، فتأويل الكلام: وابتلاء المؤمن في دينه حتى يرجع عنه فيصير مشركاً بالله من بعد إسلامه أشدُّ عليه وأضرُّ من أن يقتل مقيماً على دينه متمسكا عليه محقا فيه )).وقال الإمام القرطبي في تفسيرها: (( أي: الفتنة التي حملوكم عليها وراموا رجوعكم بها إلى الكفر أشدُّ من القتل )). وقال في تفسير (( والفتنة أكبر من القتل )): (( قال مجاهد وغيره: الفتنة هنا الكفر… وقال الجمهور: معنى الفتنة هنا فتنة المسلمين عن دينهم حتى يهلكوا، أي: إن ذلك أشدُّ اجتراماً من قتلكم في الشهر الحرام )).ويلاحظ أنه لا خلاف بين التفسيرين، فمن فسَّر (( الفتنة )) بالشرك أو الكفر عنى النتيجة، ومن فسَّرها بتعذيب المسلم حتى يكفر عنى السبب.وقال تعالى: (( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله )) (البقرة: 193).أخرج البخاري في تفسير هذه الآية عن نافع أنَّ رجلاً أتى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن، ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: (( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله )) ؟ قال: فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الإسلام قليلاً فكان الرجل يُفتن عن دينه، إما قتلوه وإما يعذبونه، حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة.
المبدأ الثاني: أن يكون القتال ضدَّ من يقاتلقال تعالى: (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وءاخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شئ في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون (60) وإن حنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم )) (الأنفال: 60-61).وقال تعالى: (( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين )) (البقرة: 193).قال الإمام الطبري: عن مجاهد (( فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين )) يقول: (( لا تقاتلوا إلا من يقاتلكم )).وقال في تفسير قوله تعالى: (( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين )) (البقرة: 190): عن سعيد بن عبد العزيز قال: (( كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطأة: إني وجدت آية في كتاب الله: (( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين )) ، أي: لا تقاتل من لا يقاتلك )). وردَّ الطبري على من قال بنسخ الآية بقوله: (( وأولى هذين القولين بالصواب القول الذي قاله عمر بن عبد العزيز، لأنَّ دعوى المدَّعي نسخ آية يحتمل أن تكون غير منسوخة بغير دلالة على صحة دعواه تحكُّمٌ، والتحكُّم لا يعجز عنه أحدٌ )).وقال تعالى: (( فإن إعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليها سبيلا )) (النساء: 90).قال ابن كثير: (( أي: فليس لكم أن تقاتلوهم ما دامت حالهم كذلك )).وقال تعالى: (( فإن لم يعتزلوكم وياقوا إليكم السلام ويكفوا أيديهم فخذزهم واقتلوهم حيث ثقفتوهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا )) (النساء: 91).فسَّر ابن كثير (( السلم )) بالمسالمة والمهادنة والمصالحة.وقال تعالى: (( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (8) إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم )) (الممتحنة: 8-9).
المبدأ الثالث: عدم تجاوز ضرورات الحربوهذا المبدأ قيد على قاعدة "المعاملة بالمثل"، فلا خيار للمسلم في عدم الالتزام بالمعايير الأخلاقية الإسلامية في معاملة العدو، وإن كان العدو لم يلتزم بها. ولا خيار للمسلم في عدم الوقوف عند حدود الله، وإن كان عدوه المحارب تجاوز هذه الحدود، فإذا مثَّل محاربو المسلمين بقتلى المسلمين فلا يجوز للمسلمين معاملتهم بالمثل، وإذا قتل الأعداء نساء المسلمين وصبيانهم أو غير المقاتلين منهم فلا يجوز للمسلمين أن يقتلوا نساء الأعداء أو صبيانهم أو غير المقاتلين منهم.وقد أفاض المفسرون عند تفسيرهم للآية السابقة: ((وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)) في ذكر ما ورد من النصوص عن الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه تطبيقاً لهذه الآية.من ذلك ما روى مسلم عن بريدة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان [ إذا بعث جيشاً ] يقول: (( اغْزُوا وَلاَ تغلوا، ولا تَغْدِرُوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الوليد، ولا أصحاب الصوامع )).وروى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر الصديق بعث جيوشاً إلى الشام فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان … فقال: (( إنَّك ستجد قوماً زعموا أنَّهم حبسوا أنفسهم لله، فذرهم وما زعموا، إنهم حبسوا أنفسهم له … وإني موصيك بعشر: لا تقتلنَّ امرأةً ولا صبياًّ ولا كبيرا هرماً، ولا تقطعنَّ شجراً مثمراً، ولا تخربنَّ عامراً، ولا تعقرنَّ شاةً ولا بعيراً إلا لمأكلةٍ، ولا تحرقنَّ نحلاً ولا تفرقنَّه ولا تغلل، ولا تجبن )).قال الطبري: عن يحيى الغساني قال: كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن قوله تعالى: (( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين )) قال: فكتب إليَّ أنَّ ذلك في النساء والذرية، ومن لم ينصب لك الحرب منهم.وعن ابن عباس في تفسير الآية: (( يقول: لا تقتلوا النساء ولا الصبيان ولا الشيخ الكبير، ولا من ألقى إليكم السلم وكفَّ يده، فإن فعلتم ذلك فقد اعتديتم )).وروى الطبري عن مجاهد في تفسير قوله تعالى: (( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلى على الظالمين )) قال: (( يقول: لا تقاتلوا إلا من قاتلكم )).وقال ابن كثير في تفسير الآية الكريمة (( ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا )) (المائدة: 2): (( معناها ظاهر، أي: لا يحملكم بغض قوم قد كانوا صدُّوكم عن المسجد الحرام … عن أن تعتدوا حكم الله فيهم، فتقتصوا منهم ظلما وعدواناً، بل احكموا بما أمركم الله من العدل في حق كل أحد … وهذه الآية كما سيأتي في قوله: (( ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا )) أي: لا يحملكم بغض قوم على ترك العدل، فإنَّ العدل واجبٌ على كلِّ أحدٍ لكلِّ أحدٍ في كلِّ حال )).وقال الإمام القرطبي في تفسير الآية الكريمة (( ولا يجرمنكم شنئان قوم على إلا تعدلوا )): (( دلَّت الآية أيضاً على أنَّ كفر الكافر لا يمنع من العدل عليه … وأنَّ المثلة بهم غير جائزةٍ، وإن قتلوا نساءنا وأطفالنا وغمُّونا بذلك فليس لنا أن نقتلَهم بمثله، قصداً لإيصال الهمِّ والحزن إليهم )).وقال في تفسير قوله تعالى: (( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا )) : (( قال ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومجاهد: هي محكمةٌ، أي: قاتلوا الذين هم بحالة من يقاتلونكم، ولا تعتدوا في قتل النساء والصبيان والرهبان وشبههم )).وقال عمر بن الخطاب: (( اتقوا الله في الذرية والفلاَّحين الذين لا ينصبون لكم الحرب )).وكان عمر بن عبد العزيز لا يقتل حرَّاثاً.ويدلُّ تاريخ الإسلام في كل العصور على أنَّ المسلمين الملتزمين طبَّقوا هذا المبدأ دون استثناء.