نهاية حلم وبداية آخر
مرسل: الأربعاء ديسمبر 12, 2012 4:59 pm
نهاية حلم وبداية آخر
كتـب المقال د. عصام العريان
أثار فوز «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) بثلثي مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني أصداءً عالمية واسعة، وأثبت الفلسطينيون أنهم قادرون دوماً على إثارة إعجاب العالم كله. وليست هناك ذريعة لأحد: فالمشاركة عالية جداً، والفوز ضخم، والحركة لها برنامج ورؤية واضحان أيدهما جمهور الناخبين الذين صوتوا لمصلحة مشروع المقاومة الشاملة على كل الأصعدة: تشريعية، وتفاوضية، ومسلحة. مشروع يقف ضد الفساد والانفراد بالقرار الفلسطيني، وضد الخذلان العربي لقضية فلسطين، وضد النفاق العالمي والاستجداء الدولي أمام الجبروت الصهيوني·
هاهم الفلسطينيون يثبتون للعالمين العربي والإسلامي أن الديموقراطية والانتخابات قادرة على تحقيق ما لم تستطع الثورات والانقلابات العسكرية تحقيقه، وهو الحصول على احترام العالم والبدء في إصلاح ما أفسده الثوريون الانقلابيون. التهنئة هنا واجبة للسيد محمود عباس، وحركة «فتح»، والسلطة، وأمنها، الذين اثبتوا أن الإرادة الشعبية هي حجر الزاوية في أي انتخابات حرة ديموقراطية سليمة.
فتح فوز «حماس» والديموقراطية الفلسطينية ملفات مؤجلة في الشارع العربي والإسلامي والدولي: ملف الصراع العربي - الإسلامي – الصهيوني، والملفات الداخلية الفلسطينية: محاربة الفساد المالي والإداري، والتنمية الشاملة، والإصلاح السياسي والإداري، والوحدة الوطنية، وتحقيق الحلم الفلسطيني في دولة ليست عبارة عن علم ونشيد وسجادة في المطارات.
هناك دروس أخرى للحركات الإسلامية، ونموذج جاد للتحول من حركة إلى سلطة وما يفرضه من تداعيات، وتأثير فوز «حماس» في الشباب المندفع إلى تيار العنف للعنف الذي يحرم العمل السياسي ولا يرى أفقاً في المشاركة. وهناك داخل «حماس» نفسها ملفات مؤجلة بسبب توجيه الصراع نحو هدف واحد وهو مقاومة الاحتلال سياسياً وفكرياً وعسكرياً. الآن هناك أدوار جديدة، وهناك مستقلون انضموا إلى قوائم الحركة ودخلوا المجلس التشريعي، وهناك الداخل والخارج وفلسطينيو 1948.
مارس الفلسطينيون نضالاً طويلاً منذ بدأت الهجمة الصهيونية في بواكير القرن الماضي، ومروا بمراحل عدة عليهم اليوم أن يسترجعوها لأن الذاكرة الوطنية والقومية ضرورية في هذه المرحلة الخطرة.·
ولعب المجتمع الدولي بالعواطف الفلسطينية طويلاً ولم يحقق شيئاً يذكر طيلة قرن كامل إلا الاستيلاء على أرض الفلسطينيين ومقدساتهم والتسويف عبر القرارات الدولية التي انتهت إلى مجرد «خريطة طريق».
ولا ينسى الفلسطينيون، حتى ولو نسي العالم كله، أن الاستيلاء على أرضهم تم بقرار دولي وحماية أممية وتواطؤ عالمي وسكوت إسلامي وعجز عربي.
كان شعار منظمة التحرير الفلسطينية في وقت ما ولمدة طويلة: دولة ديموقراطية واحدة يعيش فيها الجميع على قدم المساواة. وكان الادعاء الصهيوني طوال هذه الفترة لرفض هذا الاقتراح أن العرب لا يعرفون الديموقراطية ولا يمارسونها، وان واحة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة هي الدولة العبرية التي تسمح بوجود حركات فاشية عسكرية وأحزاب دينية متطرفة وأخرى علمانية وحركات يسارية ويمينية ويحدث فيها تداول سلطة بشفافية عالية، وحيث الجميع متفقون على الأهداف الاستراتيجية لكنهم يمارسون التكتيكات بكفاءة مشهودة: حزب العمل بنى الدولة وقوتها النووية، وحزب الليكود غرس الضفة مستوطنات من أجل تحقيق حلم إسرائيل الكبرى في تطور جديد لم يحظ بتوافق وطني مثلما حصل عند إنشاء الدولة.
اليوم وغداة «العرس الديموقراطي» الفلسطيني لا يستطيع أحد - لا اليهود ولا الغرب بشقيه: الأوروبي الذي صدر لنا الدولة العبرية، والأميركي الذي حماها وساندها منذ إنشائها إلى يومنا هذا - أن ينكر أن الفلسطينيين مارسوا تجربة ديموقراطية رائدة عالية المستوى لا تقل عن تلك التي بجوارها أو بقية التجارب الغربية.
هل يمكننا اليوم العودة إلى حلم «دولة ديموقراطية واحدة»؟· في اعتقادنا أن أمام ذلك الحلم عقبات كثيرةو منها:
أولاً: حلم «حماس» بإقامة دولة إسلامية على كامل التراب الفلسطيني ومعه الحلم الفلسطيني بتطهير الأرض من الذين دنسوها بهجراتهم المتوالية والعودة إلى حيفا ويافا وعسقلان وعكا وبيوتهم التي مازالوا يحملون مفاتيحها حتى الآن.
ثانياً: حلم «إسرائيل الكبرى» أو حلم نقاء الدولة العبرية الذي عمل عليه ارييل شارون في آخر حياته بعدما أدرك أن الحلم الأول مستحيل عملياً.
ثالثاً: النظام العربي المستبد العاجز الذي لا يملك من أمره شيئاً ويخاف على نفسه من عدوى الديموقراطية الوليدة.
في هذا الصدد يجدر بالاخوة في المجلس التشريعي الفلسطيني الجديد والحكومة، وأيضاً الرئاسة - إذا أمكن - أن يتعلموا بعض الدروس من الحركة الصهيونية والدولة العبرية. فليتحدثوا طويلاً عن مسيرة السلام ودفع عجلتها، وفي الوقت نفسه يعملون طويلاً على بناء مجتمع فلسطيني قوي ومتحد في سبيل تحقيق أهدافهم الوطنية والوصول إلى الحلم الفلسطيني. ولا ينبغي التلهف على مفاوضات أو حوارات أو طرق أبواب اليهود أو أوروبا وأميركا، بل ان يسعى الجميع إلى الباب الفلسطيني الواسع الذي فتحته الانتخابات الديموقراطية.
الواضح الآن انه ليس هناك شريك صهيوني يقبل التفاوض مع الطرف الفلسطيني الذي فاز في الانتخابات، والكرة اليوم في الملعب الصهيوني والأوروبي والأميركي. الأولوية الآن لبناء استراتيجية فلسطينية جديدة تكون محل اتفاق الفلسطينيين، محورها الاتفاق على الحلم الفلسطيني: تحرير كامل التراب الوطني، والاتفاق قدر الإمكان على مراحل تحقيقه، والتوافق على آليات ذلك بقدر المستطاع.
ويمكن أن نضيف إلى حلم الدولة الديموقراطية الواحدة التي تتسع للجميع حلماً آخر وهو «حلم بلاد الشام الواسعة» التي تشمل كما كانت من قبل سورية وفلسطين والأردن ولبنان، وهذا حلم آخر يستطيع أن يحل مشاكل معقدة بدت بوادرها الآن في الأفق.
اعتقد جازماً أن بداية النهاية للهجمة الصهيو- أميركية التي تصورت أن العرب خرجوا من التاريخ بدأت مع انتخابات 25 كانون الثاني (يناير) العام 2006، بعد 110 أعوام على بداية الحلم الصهيوني بإقامة الدولة العبرية. لا مكان الآن لفكرة الدولتين التي حلم بها جورج بوش، ولا مكان بعد اليوم لحلم دولة عبرية نقية حلم بها شارون.
كتـب المقال د. عصام العريان
أثار فوز «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) بثلثي مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني أصداءً عالمية واسعة، وأثبت الفلسطينيون أنهم قادرون دوماً على إثارة إعجاب العالم كله. وليست هناك ذريعة لأحد: فالمشاركة عالية جداً، والفوز ضخم، والحركة لها برنامج ورؤية واضحان أيدهما جمهور الناخبين الذين صوتوا لمصلحة مشروع المقاومة الشاملة على كل الأصعدة: تشريعية، وتفاوضية، ومسلحة. مشروع يقف ضد الفساد والانفراد بالقرار الفلسطيني، وضد الخذلان العربي لقضية فلسطين، وضد النفاق العالمي والاستجداء الدولي أمام الجبروت الصهيوني·
هاهم الفلسطينيون يثبتون للعالمين العربي والإسلامي أن الديموقراطية والانتخابات قادرة على تحقيق ما لم تستطع الثورات والانقلابات العسكرية تحقيقه، وهو الحصول على احترام العالم والبدء في إصلاح ما أفسده الثوريون الانقلابيون. التهنئة هنا واجبة للسيد محمود عباس، وحركة «فتح»، والسلطة، وأمنها، الذين اثبتوا أن الإرادة الشعبية هي حجر الزاوية في أي انتخابات حرة ديموقراطية سليمة.
فتح فوز «حماس» والديموقراطية الفلسطينية ملفات مؤجلة في الشارع العربي والإسلامي والدولي: ملف الصراع العربي - الإسلامي – الصهيوني، والملفات الداخلية الفلسطينية: محاربة الفساد المالي والإداري، والتنمية الشاملة، والإصلاح السياسي والإداري، والوحدة الوطنية، وتحقيق الحلم الفلسطيني في دولة ليست عبارة عن علم ونشيد وسجادة في المطارات.
هناك دروس أخرى للحركات الإسلامية، ونموذج جاد للتحول من حركة إلى سلطة وما يفرضه من تداعيات، وتأثير فوز «حماس» في الشباب المندفع إلى تيار العنف للعنف الذي يحرم العمل السياسي ولا يرى أفقاً في المشاركة. وهناك داخل «حماس» نفسها ملفات مؤجلة بسبب توجيه الصراع نحو هدف واحد وهو مقاومة الاحتلال سياسياً وفكرياً وعسكرياً. الآن هناك أدوار جديدة، وهناك مستقلون انضموا إلى قوائم الحركة ودخلوا المجلس التشريعي، وهناك الداخل والخارج وفلسطينيو 1948.
مارس الفلسطينيون نضالاً طويلاً منذ بدأت الهجمة الصهيونية في بواكير القرن الماضي، ومروا بمراحل عدة عليهم اليوم أن يسترجعوها لأن الذاكرة الوطنية والقومية ضرورية في هذه المرحلة الخطرة.·
ولعب المجتمع الدولي بالعواطف الفلسطينية طويلاً ولم يحقق شيئاً يذكر طيلة قرن كامل إلا الاستيلاء على أرض الفلسطينيين ومقدساتهم والتسويف عبر القرارات الدولية التي انتهت إلى مجرد «خريطة طريق».
ولا ينسى الفلسطينيون، حتى ولو نسي العالم كله، أن الاستيلاء على أرضهم تم بقرار دولي وحماية أممية وتواطؤ عالمي وسكوت إسلامي وعجز عربي.
كان شعار منظمة التحرير الفلسطينية في وقت ما ولمدة طويلة: دولة ديموقراطية واحدة يعيش فيها الجميع على قدم المساواة. وكان الادعاء الصهيوني طوال هذه الفترة لرفض هذا الاقتراح أن العرب لا يعرفون الديموقراطية ولا يمارسونها، وان واحة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة هي الدولة العبرية التي تسمح بوجود حركات فاشية عسكرية وأحزاب دينية متطرفة وأخرى علمانية وحركات يسارية ويمينية ويحدث فيها تداول سلطة بشفافية عالية، وحيث الجميع متفقون على الأهداف الاستراتيجية لكنهم يمارسون التكتيكات بكفاءة مشهودة: حزب العمل بنى الدولة وقوتها النووية، وحزب الليكود غرس الضفة مستوطنات من أجل تحقيق حلم إسرائيل الكبرى في تطور جديد لم يحظ بتوافق وطني مثلما حصل عند إنشاء الدولة.
اليوم وغداة «العرس الديموقراطي» الفلسطيني لا يستطيع أحد - لا اليهود ولا الغرب بشقيه: الأوروبي الذي صدر لنا الدولة العبرية، والأميركي الذي حماها وساندها منذ إنشائها إلى يومنا هذا - أن ينكر أن الفلسطينيين مارسوا تجربة ديموقراطية رائدة عالية المستوى لا تقل عن تلك التي بجوارها أو بقية التجارب الغربية.
هل يمكننا اليوم العودة إلى حلم «دولة ديموقراطية واحدة»؟· في اعتقادنا أن أمام ذلك الحلم عقبات كثيرةو منها:
أولاً: حلم «حماس» بإقامة دولة إسلامية على كامل التراب الفلسطيني ومعه الحلم الفلسطيني بتطهير الأرض من الذين دنسوها بهجراتهم المتوالية والعودة إلى حيفا ويافا وعسقلان وعكا وبيوتهم التي مازالوا يحملون مفاتيحها حتى الآن.
ثانياً: حلم «إسرائيل الكبرى» أو حلم نقاء الدولة العبرية الذي عمل عليه ارييل شارون في آخر حياته بعدما أدرك أن الحلم الأول مستحيل عملياً.
ثالثاً: النظام العربي المستبد العاجز الذي لا يملك من أمره شيئاً ويخاف على نفسه من عدوى الديموقراطية الوليدة.
في هذا الصدد يجدر بالاخوة في المجلس التشريعي الفلسطيني الجديد والحكومة، وأيضاً الرئاسة - إذا أمكن - أن يتعلموا بعض الدروس من الحركة الصهيونية والدولة العبرية. فليتحدثوا طويلاً عن مسيرة السلام ودفع عجلتها، وفي الوقت نفسه يعملون طويلاً على بناء مجتمع فلسطيني قوي ومتحد في سبيل تحقيق أهدافهم الوطنية والوصول إلى الحلم الفلسطيني. ولا ينبغي التلهف على مفاوضات أو حوارات أو طرق أبواب اليهود أو أوروبا وأميركا، بل ان يسعى الجميع إلى الباب الفلسطيني الواسع الذي فتحته الانتخابات الديموقراطية.
الواضح الآن انه ليس هناك شريك صهيوني يقبل التفاوض مع الطرف الفلسطيني الذي فاز في الانتخابات، والكرة اليوم في الملعب الصهيوني والأوروبي والأميركي. الأولوية الآن لبناء استراتيجية فلسطينية جديدة تكون محل اتفاق الفلسطينيين، محورها الاتفاق على الحلم الفلسطيني: تحرير كامل التراب الوطني، والاتفاق قدر الإمكان على مراحل تحقيقه، والتوافق على آليات ذلك بقدر المستطاع.
ويمكن أن نضيف إلى حلم الدولة الديموقراطية الواحدة التي تتسع للجميع حلماً آخر وهو «حلم بلاد الشام الواسعة» التي تشمل كما كانت من قبل سورية وفلسطين والأردن ولبنان، وهذا حلم آخر يستطيع أن يحل مشاكل معقدة بدت بوادرها الآن في الأفق.
اعتقد جازماً أن بداية النهاية للهجمة الصهيو- أميركية التي تصورت أن العرب خرجوا من التاريخ بدأت مع انتخابات 25 كانون الثاني (يناير) العام 2006، بعد 110 أعوام على بداية الحلم الصهيوني بإقامة الدولة العبرية. لا مكان الآن لفكرة الدولتين التي حلم بها جورج بوش، ولا مكان بعد اليوم لحلم دولة عبرية نقية حلم بها شارون.