- الأربعاء ديسمبر 12, 2012 5:00 pm
#56838
في حالة السلمأبرز مظهر للعلاقات الدولية في حالة السلم المعاهدات.وقد عني القرآن في زهاء 30 موضعا منه بالتأكيد على وجوب وفاء المسلم بالعهد وتحريم الإخلال به.على سبيل المثال قال تعالى: (( يأيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود )) (المائدة: 1).قال ابن كثير: (( (( أوفوا بالعقود )) قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: يعني بالعقود العهود. وحكى ابن جرير الإجماع على ذلك )).قال: (( (والعقود) ما كانوا يتعاقدون عليه من الحلف وغيره )).وعن ابن عباس [ في تفسيرها ]: (( لا تغدروا ولا تنكثوا )).وقال تعالى: (( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا )) (الإسراء: 34).وقال تعالى: (( إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين )) (التوبة: 7).وقال تعالى - في ذكر صفات الناجين -: (( والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون )) (المؤمنون: 8، والمعارج: 32).وقال تعالى: (( بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين )) (آل عمران: 76).وقال تعالى: (( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا )) (البقرة: 177).وقال تعالى: (( الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق )) (الرعد: 20).وقال تعالى - عن الناكثين -: (( والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار )) (الرعد: 25).وأكد القرآن أنه حتى في حالة ظهور شواهد نقض العهد من الطرف الثاني، واضطرار المسلمين الذين أبرموا العهد اضطرارهم بسبب ذلك إلى إنهاء العهد، فإنه لا يجوز لهم استغلال هذا الإنهاء لتحقيق مصلحة لهم على حساب الطرف الثاني، بل يجب أن يتم إنهاء العقد في وضع من التوازن بين الطرفين. قال تعالى: (( وإما تخافن من قوم خيانة فنبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين )) (الأنفال: 58).وروى الترمذي وأبو داود عن سليم بن عامر قال: كان بين معاوية والروم عهد، وكان يسير نحو بلادهم ليقرب حتى إذا انقضى العهد غزاهم. فجاء رجل على فرسٍ أو برذونٍ وهو يقول: (( الله أكبر، الله أكبر، وفاءٌ لا غدر ))، فنظروا فإذا هو عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية فسأله فقال: (( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَن كان بينه وبين قومٍ عهدٌ فلا يشُدَّ عُقْدَةً ولا يحُلَّها حتى ينقضي أمدُهُ، أو ينبِذَ إليهم على سواءٍ) )). فرجع معاوية بالناس.والعقود في الإسلام على العموم واجبة الاحترام، ويجب الدخول فيها بنية الوفاء بشروطها مهما تغيَّرت الظروف. ولكنَّ المعاهدات الدولية في الإسلام لها تميُّزٌ في هذا، فقد روى مسلمٌ في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أن النبيَّ r قال: (( لكلِّ غادرٍ لواءٌ يوم القيامة، يُرْفَعُ له بقدر غدره، ولا غادرَ أعظمُ غدراً مِن أميرِ عامَّة )).والفقهاء وهم يرون أن الجهاد يكون مع الأمير الصالح والفاسق، يذهب أكثرُهم إلى أنَّ الجهادَ لا يكون مع الأمير الذي لا يلتزم الوفاء بالعهود.وعلى خلاف القانون الدولي في الحضارة المعاصرة فإن تغير الظروف لا يبرِّر نكث العهد، وحتى إذا عجز المسلمون في ظروف معينة عن الوفاء بالتزاماتهم يجب عليهم مراعاة التزامات الطرف الثاني.ومن هذا الباب القصة المشهورة أيضاً عندما استولى القائد المسلم أبو عبيدة بن الجراح على حمص ثم اضطر إلى الانسحاب منها فردَّ الجزية التي أخذها من السكَّان، وقال: إننا أخذنا الجزية مقابل حمايتكم، وما زلنا الآن لا نستطيع أن نحميكم فقد وجب أن نردَّها.والأمثلة كثيرة من هذا النوع في التاريخ الإسلامي.فتغيُّر الظروف، والمصلحة القومية لا تبرِّر في الإسلام نقض العهد، كما لا يُبرِّره أن يرى المسلمون أنفسهم في مركز القوة تجاه الطرف الثاني. وقد ورد النص الصريح في القرآن يؤكِّد ذلك، قال تعالى:)) وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون (91) ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة أربى من أمة إنما يبلوكم الله به )) (النحل: 91-92).ثم يقول بعد ذلك: )) ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون )) (النحل: 95).مما له دلالة أن نتذكَّر أن الآيات القرآنية نزلت بالتشديد على المسلمين بالوفاء بالعهد في وقت وفي بيئة لم تكن القاعدة فيهما الوفاء بالعهود، يقدم لنا القرآن صوراً لهذه البيئة في قوله: (( إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون (55) الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون )) (الأنفال: 55-56).وقال تعالى: (( كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين (7) كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون (8) اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون (8) لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون )) (التوبة: 7-10).وقال عن اليهود: (( أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم )) (البقرة: 100).