صفحة 1 من 1

الــدكتــاتــوريــة الــرومــانيــة

مرسل: الأربعاء ديسمبر 12, 2012 5:05 pm
بواسطة ابراهيم الصبيحي 101
الدكتاتورية



الدكتاتورية dictatorship، أحد أشكال أنظمة الحكم، التي شغلت حيزاً هاماً من نشاط السلطة السياسية الحاكمة في العصر الحديث. شملت بلداناً مختلفة، ولا زالت أحد الخيارات المفروضة في بعض الدول النامية، بوجه خاص، مستمدة شرعيتها الواقعية من معاناتها وأزماتها الاجتماعية والسياسية، وقد وجدت جذورها التاريخية في النظام الروماني القديم.. فهي مصطلح سياسي، يوصف به نظام الحكم، الذي تتركز فيه السلطة بيد حاكم فرد، يتولى السلطة عن غير طريق الوراثة، وبطريق القوة، أو يتولاها بطريق ديمقراطي يفضي فيما بعد إلى تركيز السلطة بيده. يمارسها بحسب مشيئته، ويهيمن بسطوته على السلطتين التشريعية والتنفيذية، ويُملي إرادته على القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من دون أن يكون هناك مراقبة حقيقية على أداء نظامه أو معارضة سياسية في المجتمع.

والسلطة في النظام الدكتاتوري، تستند إلى الأمر الواقع أكثر مما تستند إلى النصوص وفي حال وجود النصوص، فإنها تطبق بروح غير تلك التي أملتها، وقد لا نرى الطريق على التطبيق. وكما تعددت الأنظمة الديمقراطية، فقد تعددت الأنظمة الدكتاتورية. فمنها دكتاتوريات أيديولوجية، أو عسكرية، ومنها ما يستند إلى حزب واحد، وبعضها ذات توجيهات محافظة رجعية، وأخرى تقدمية ثورية. وقد يمارس السلطة الدكتاتورية فرد أو هيئة، غير أن السمة الرئيسة التي تميزها هو جوهرها الاستبدادي.

وما يميز الدكتاتورية من أنظمة الاستبداد، أنها استبداد منظم له دستوره وقوانينه. فهي نشأت في أحضان ظاهرة الاستبداد السياسي التي سادت تاريخياً، ولاسيما في الامبراطورية الرومانية، التي شهدت مولد الدكتاتورية بمعناها وصورتها القديمة، بانتقال سلطة الملك إلى حاكمين ينتخبهما مجلس الشيوخ، ويسمى كل منهما (قنصل) أو دكتاتور، ولمدة محددة بين 6 أشهر إلى سنة واحدة.

فالدكتاتورية التي نشأت في العصر الروماني، وظيفة دستورية، يمارسها من يختاره مجلس الشيوخ، مؤقتاً، لحماية الدولة[ر]، في ظروف استثنائية، باسم سلامة حدودها ومصالحها وبذلك كانت الدكتاتورية تعبيراً عن مرحلة متطورة عن النظام الملكي المطلق الذي ساد قبلها، وقد ترافق مولد الدكتاتورية مع جملة معطيات أحاطت بالدولة الرومانية أهمها:

1ـ إخفاق نظام الملكية المطلقة، وتفكك السلطة وعجزها عن الاستجابة للتحديات القائمة.

2ـ بروز أزمات اجتماعية واقتصادية داخلية.

3ـ بداية تطلعات الطبقات المسيطرة على الحكم نحو التوسع خارج حدود الدولة.

وقد بقيت تأثيرات نظرية القوة، التي تؤسس سلطة الحاكم على حق الأكثر قوة في أن يفرض إرادته على الضعيف مستمرة حتى اليوم بتجلياتها المختلفة، بما فيها النظام الدكتاتوري.

وقد أسفرت تأثيرات أفكار عصر التنوير عن قيام الثورة الفرنسية عام 1789م. ضد الطغيان. والتبشير بدعوات الحرية وحقوق الإنسان. غير أن هذه الثورة سرعان ما انتكست وسجل عام 1793م، تحول الثورة باتجاه الدكتاتورية والطغيان على يد اليعاقبة وروبسبير الذين أسسوا فكرهم السياسي على مذهب الوطن في خطر، والسلامة العامة، والأمة تحت السلاح وتحت شعار الفضيلة والأخلاق. مارس روبسبير إرهابه الدموي الذي مهَّد لاحقاً إلى ظهور نابليون.

وفي القرن التاسع عشر، كان الفكر الألماني يشهد تداعيات الثورة الفرنسية، على يد أبنائها ويجدد نفسه على معارضة أفكار فلاسفة عصر التنوير، ويدعو على تمجيد دور الدولة، وتحريض النزوع القومي، وعدّت أفكار هيغل وليست ولاسال ودوهرنج واشبنغلر[ر] وغيرهم، أنها هي التي مهدت لقيام أشهر دكتاتوريتين بعد الحرب العالمية الأولى. وهما نازية هتلر، وفاشية موسوليني. ومن اليسار الهيغلي، ونقد أفكار هيغل، نشأت الماركسية، وظهرت معها مقولة دكتاتورية البروليتارية.

أولاً: عوامل نشوء الدكتاتوريات

ثمة عوامل وأسباب متعددة ومتداخلة، تختلف باختلاف الأحوال الموضوعية التي تحيط بالبلدان التي عاشت في ظل نظام دكتاتوري، وأغلبها متداخل في الواقع، غير أنه يمكن تحديد عدة عوامل جوهرية مشتركة:

1- خيبة الأمل الشعبية: وهذا ما حدث في بعض بلدان أوربا، بعد الحرب العالمية الأولى. إذ تركت الحرب آثاراً مدمرة وخراباً اقتصادياً، وعبثاً قومياً، أدت جميعها إلى أزمات عجزت الأنظمة الديمقراطية، عن مواجهتها بالسرعة المطلوبة، وتقديم الحلول الناجعة، فضلاً عما كان يشوب هذه الأنظمة من منافسات سياسية وخلافات جزئية، انعكست في تفكك عرى الوحدة القومية، وعدم استقرار حكوماتها، وهذا ما جعل الشعب يقبل الدكتاتورية لما تمتاز به من سرعة في الأداء في معالجة الأزمات الخانقة، وما تحققه من استقرار حكومي.

2- عدم ملاءمة النظام الديمقراطي لمستوى التطور الاجتماعي والسياسي: برز هذا العامل في بعض البلدان الأوربية، وأمريكا اللاتينية، التي اقتبست النظام الديمقراطي من إنكلترا وفرنسا والولايات المتحدة، بعد الحرب العالمية الأولى. وقد فشلت تلك الدول في تطبيق هذا النظام مما مهد الطريق لقيام دكتاتوريات فيها، بذريعة إساءة استعمال الحرية التي يمنحها النظام، وإساءة تطبيق الديمقراطيات، بسبب عدم النضوج السياسي وتدني الوعي الشعبي. وهذا ما حدث في دول أوربا الوسطى، ودول البلطيق ودول أمريكا اللاتينية في تلك الفترة التاريخية.

3- حالة الحرب والأزمات: تخلق الحرب حالة الضرورة، التي تؤدي سياسياً إلى قيام حكومة قوية، تعمل على درء الأخطار، وتكتسب مثل هذه الحكومة، الصبغة الدكتاتورية من الصلاحيات الاستثنائية والتفويضات التي تحصل عليها نتيجة الأوضاع الطارئة وحالة الضرورة. ومن المفترض أن تزول هذه الصلاحيات والتفويضات، بزوال حالة الحرب حيث تعود الأحوال العادية، وتعود البلاد إلى وضعها الدستوري من حيث صلاحية السلطات والفصل بينها. غير أن عدداً من الحالات، أظهرت أن الحرب قد تخلف مشكلات ضخمة يعجز النظام الديمقراطي بتقاليده وإجراءاته البطيئة، عن حلها، مما يؤدي إلى استمرار حالة الضرورة والاحتفاظ بالوضع الدكتاتوري. وأشارت الأحداث في عدة بلدان إلى أنه ليست حالة الحرب وحدها هي التي تمهد لقيام نظام ذي صبغة دكتاتورية، بل كذلك مجرد التمهيد للحرب.

4- الحركات الثورية أو الانقلابية: تلجأ الثورات الشعبية، أو بعض الانقلابات العسكرية، إلى تعليل دوافعها وتحديدها في أسباب وطنية وقومية واجتماعية.. تقتضي تغييراً في النظام السياسي والاجتماعي، وريثما تستقر لها الحال، فإنها تعمد إلى إقامة حكومة واقعية، تتميز أنها مؤقتة وحكومة تركيز للسلطة، تجمع في قبضتها السلطتين التشريعية والتنفيذية. ريثما تضع دستوراً جديداً يلبي مطامحها، ولذلك فهي دوماً حكومة ذات صبغة دكتاتورية. وهي إما أن تكون دكتاتورية فرد (دكتاتورية فرانكو)، أو دكتاتورية هيئة أو جماعة، كما حدث في فرنسة بعد ثورة 1848 أو ثورة 1870م.

5- تحقيق الاستقلال والتحرر السياسي والاجتماعي: أسهمت قضايا المحافظة على استقلال الدولة، والتحرر الاجتماعي والاقتصادي من الهيمنة الاستعمارية الامبريالية في تفجير أحداث أدت إلى متغيرات سياسية، اتخذت شكل انقلابات عسكرية، أو ثورات شعبية، ولاسيما في البلدان النامية حديثة الاستقلال، وقد ترتب على هذه المتغيرات نشوء حكومات وسلطات دكتاتورية، سواءً منها دكتاتورية فرد أو هيئة أو حزب.

وفي سياق الصراع الدولي، بعد الحرب العالمية الثانية، قامت دكتاتوريات وأنظمة عسكرية بذريعة محاربة الشيوعية، أو مواجهة أخطار النشاطات اليسارية والتقدمية. وكثيراً ما قبلت شعوب البلدان النامية في البداية، النزول عن حقوقها وحرياتها الأساسية، لقاء رهانها على دكتاتورية الثورات من أجل إنجاز مشروعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

ثانياً: خصائص النظام الدكتاتوري

على الرغم من تعدد واختلاف الأنظمة الدكتاتورية، من حيث الوسائل والأهداف، إلا أن هناك خصائص مشتركة تميزها من غيرها، وأهمها:

1- تغيير الدستور وأسس النظام: تهدف معظم الدكتاتوريات حين تستولي على السلطة بالقوة والعنف إلى تغيير أسس النظام الذي انقلبت عليه، وهذا يقتضي تغييراً دستورياً ينعكس في شكل النظام السياسي، وتبديلاً في التوجيهات السياسية والاقتصادية.

2- الدكتاتورية ذات طابع مؤقت: تلجأ الأنظمة الدكتاتورية، حين تستولي على السلطة، بالقوة وبغير الطرق الدستورية، ولاسيما عن طريق الانقلاب العسكري، إلى الإعلان عن أن إجراءاتها المتعلقة بتعطيل الدستور أو تغييره، وحجب الحريات الفردية والعامة، تمثل مرحلة مؤقتة للعبور إلى مرحلة قادمة، أكثر استقراراً ورغداً وحرية. وأن هذه المرحلة المؤقتة مرهونة بأوضاع استثنائية تمر بها البلاد.

3- الدكتاتورية نظام شمولي كلي: وهذا يعني أن سلطة الدولة تمتد إلى كل نواحي نشاط أو حياة الفرد في المجتمع، فلا شيء يتعلق بالفرد، سواء حرياته أو حقوقه أو معتقداته. ينبغي أن يمارس بعيداً عن سلطة الدولة التي تمثل المجتمع، فالدولة كلٌ كتلةٌ لا تقبل فصل السلطات. فهي سلطة مطلقة كلية سياسية، فليس في الدكتاتورية رأي خارج فكر الدولة، ولا حق فردي يعلو على الدولة وتعد الحريات بمثابة منحة منها للأفراد تقررت من أجل الصالح العام.

4- الدكتاتورية سلطة مركزية: يعمد الدكتاتور إلى تركيز كافة السلطات بيده، ولاسيما المؤسسات والسلطات التي تعدّ عماد النظام. فهو:

أ ـ يعزز هيمنته على المؤسسة العسكرية، بوصفها مصدر الخطر على نظامه.

ب ـ يهيمن على أجهزة الأمن، ويوسع نشاطها وصلاحياتها.

ج ـ استخدام وسائل الإعلام، كجهاز دعاية لأهدافه وأعماله. وإخضاع الفكر لمعتقداته وآرائه.

د ـ تركيز الاقتصاد وإدارته، بحيث يكون الدكتاتور مركز التوجيه والقرار في النشاط الاقتصادي.

هـ ـ منع معارضة خططه وأفكاره، حتى ولو جاءت من أعوانه والموالين له.

5- الدكتاتورية تستند إلى أسلوب القوة والعنف: سواءً وصل الدكتاتور إلى الحكم بطريق الانقلاب العسكري، أو الحركة الثورية الشعبية، فإن العنف واستخدام القوة، هما سبيله، وذلك بصرف النظر عن الهدف الذي ينشده. وغالباً ما تعدّ الأحكام العرفية الوسيلة التي يستخدمها النظام لقمع المعارضة وتبرير العنف والسجن.

6- الدكتاتورية تأخذ بنظام الحزب الواحد: يعمد الدكتاتور إلى إقامة صلاته مع الشعب عن طريق الحزب السياسي الموالي له، ومن خلاله ينشئ مجتمعاً سياسياً في البلد الذي يحكمه، ويستطيع التحكم به كما يريد. وهناك نموذجان لنظام الحزب الواحد.

ثالثاً: أنواع الدكتاتوريات التقليدية

ثمة أشكال متباينة للدكتاتوريات في العصر الحديث، إلا أنه يمكن إدراجها في إطار ثلاثة أنواع:

1- الدكتاتوريات ذات الطابع الأيديولوجي: وهي الدكتاتوريات التي تستند إلى مذاهب فكرية وسياسية، ترى أن حرية الفرد لا تنفصل عن حرية المجتمع، وأن المجتمع جسد واحد لا مجرد عدد من الأفراد، والفرد ليس له حقوق إلا بوصفه أحد أعضاء التنظيمات الاجتماعية في المجتمع. وتُعزز هذه المذاهب نزعة العظمة وتجسيد البطولة عند الدكتاتور ليصبح زعيماً وقائداً للأمة.

2- الدكتاتوريات التي لا تستند إلى أسس أيديولوجية: يمكن وصفها بأنها دكتاتوريات الأمر الواقع، وهي التي تفرض حاكمها بالقوة العسكرية، ولا تستند إلى أرضية فكرية أو فلسفية بحكم سياساتها. إنما تأتي إلى الحكم في سياق أزمة اجتماعية أو سياسية تؤدي إلى ضعف في السلطة القائمة.

3- الدكتاتوريات القومية (الإصلاحية والثورية): شهد العالم بعد الحرب العالمية الأولى ظهور نزاعات قومية أدت إلى حدوث انقلابات عسكرية في دول شتى، ولاسيما في أوربا، كما سجل الكفاح ضد الاستعمار ونشاط حركة التحرر الوطني بعد الحرب العالمية الثانية، ظهور نظم حكم ذات توجه تحرري ثوري، اتخذت طابعاً دكتاتورياً، عدّته من مقتضيات عملية التحول الثوري ومواجهة مصالح الاستعمار. ويمكن أن تُحدد نماذج منها في القارات الثلاث.

رابعاً: دكتاتورية البروليتارية

يرى ماركس، أن السلطة في مرحلة الانتقال من المجتمع الرأسمالي إلى المجتمع الاشتراكي فالشيوعي، هي سلطة البروليتارية، وهذه السلطة في هذه المرحلة تسمى «دكتاتورية البروليتارية»، فهي بحسب نظرية ماركس تقع في نطاق الحتمية والضرورة التاريخية للتطور الاجتماعي، من عصر الرأسمالية إلى عصر الاشتراكية والشيوعية. لأن الدولة تمثل أداة قمع بيد طبقة ضد الطبقة الأخرى. فهي في النظام الرأسمالي بيد البرجوازية[ر] ضد طبقة العمال. أما في المجتمع الاشتراكي فينبغي أن تكون أداة قمع بيد العمال ضد طبقة البرجوازية، وسيلتها العنف الثوري للقضاء على مرتكزات النظام الرأسمالي. وقد أدت هذه المقولة إلى ظهور الأنظمة الاشتراكية في الاتحاد السوڤييتي (سابقاً) ودول أوربا الاشتراكية، وانبثق عنها نظم الديمقراطيات الشعبية[ر] التي ترجمت الأبعاد الدستورية والقانونية والتنظيم السياسي لدكتاتورية البروليتارية.