صفحة 1 من 1

ماذا بعد خطه أنان ؟

مرسل: الخميس ديسمبر 13, 2012 3:29 am
بواسطة خالد القويعي101
ميشيل كيلو
لا تقف مهمة كوفي أنان على مفترق طرق وحسب، بل هي تقف أمام الهاوية أيضا. ورغم خبرة أنان ومن يعاونونه، ومن اصدروا إعلانا في مجلس الأمن يوحد الموقف الدولي حول مهمته، فإن أيا من بنود خطته الستة لم ينفذ، ربما لأنها تفصل بين التنفيذ والعقوبات التي تترتب على الامتناع عنه، خاصة بالنسبة إلى النظام السوري، الذي تقول الادلة انه المبادر في 99 في المئة من الحالات إلى العنف والتعطيل، بالنظر إلى أنه صاحب نظرية امنية تقوم على تدمير البلاد والعباد، ترى أن ازمة سياسية/ اجتماعية /اقتصادية /ثقافية يمكن أن تحل بالعنف، وأن الشعب لا يساق إلا بالعصا أو الحذاء، ولا يجوز أن يقصف بغير مدافع الدبابات وراجمات الصورايخ، وأن تدمر بيوته إلا على رأسه ورأس عياله.



إلى هذا، تقف مهمة أنان أمام الفشل، لانها لم تطالب أحدا بتعهد مكتوب وموقع يلزمه بتطبيقها كصفقة مترابطة الأجزاء لا سبيل إلى فصم عراها والمناورة ببنودها بعضها ضد بعضها الآخر، فضلا عن ان القوى التي كلفها مجلس الأمن والجامعة العربية بتنفيذها قليلة وضعيفة القدرات ولا تكفي لضبط الفلتان الأمني الرسمي حتى في مدينة واحدة كحمص، حيث تعرض البارحة أحد عشر حيا آهلا بالناس لهجوم أرضي عام وقصف مدفعي وصاروخي مكثف، وقال قبل شهر من يشرف عسكريا عليها إنه نصب 140 مدفع هاون حول حي واحد من أحيائها، منكرا أن يكون الجيش قد قصر في قصفها، ومتفاخرا بأن القذائف كانت تنهال عليها كل يوم، والنتيجة: أن احد اصدقائي الصحافيين الذين زاروها مؤخرا قال لي والدموع في عينه: ذكرتني حمص بهيروشيما!
ثمة عامل آخر يهدد المهمة بالفشل، هو الحديث المتزايد عن بدائلها، التي شرعت الدبلوماسية الدولية تناقشها أو تبحث عنها، كأنها نفضت يدها منها. بدلا من وضع جميع الجهود في خدمة أنان ومهمته، بدأت تتعالى أصوات خارجية وداخلية تتحدث عن البديل، الذي يقال تارة إنه حل يمني، وطورا إنه مناطق عازلة وممرات إنسانية، مع ما بين هذين البديلين من تضارب، حيث يأخذ الاول إلى حل دولي سلمي يتوافق عليه الروس والأميركيون، والثاني إلى تدخل دولي عسكري يخرج روسيا من سوريا والمنطقة، في دليل إضافي على أن العالم يفتقر اليوم أيضا، بعد قرابة عام ونصف العام من ثورة شعب سوريا وما لازمها من عنف رسمي وقتل مفتوح، إلى ما يسمونه «خطة خروج» من المأزق، بل إن العالم يبدو كأنه يفكر بإدارة ظهره للمهمة، رغم اقتناعه بأنه لا بديل لها اليوم لدى اي كان وفي أي مكان، إلا إذا كان المطلوب مساعدة النظام على الانتقال إلى الحرب الاهلية وما سيصاحبها من فوضى عامة، محلية وإقليمية، وقتل مجاني!
ما البديل لخطة أنان، وهل بدأ العالم يفكر حقا بحل للمسألة السورية يوقف القتل ويخرج البلد من مأزق مخيف فرضه عليه نظامه؟ هناك في سوريا من يعتقد جادا أن الخطة تنقذ النظام، وأن التخلص منها سيفتح أبواب دمشق أمام جحافل الثوار المنتصرين. وهناك في العالم العربي والإقليمي من لا يريد المهمة، ويصل بسرعة عند الحديث عنها إلى ضرورة التخلص منها وليس إلى توسيعها وتطبيقها وجعلها أداة فاعلة تحفظ حياة ومصالح الشعب السوري. وللأسف، فإن موقف هؤلاء يتفق مع موقف النظام من الخطة، التي يظنون أنه قبلها، مع أنه رفضها بحزم ومنذ أول لقاء بين الاسد وأنان، عندما جعل تطبيقها رهنا بالقضاء على «العصابات المسلحة»، أي على الشعب الثائر، فلا أقل إذاً من أن يعيد هؤلاء المعارضون التفكير في موقفهم، ويطالبوا مجلس الأمن، كما فعل برهان غليون، بزيادة أعداد المراقبين وتأسيس مراكز إقامة ثابتة لهم تغطي كل مكان من سوريا، علما بأنه من المؤكد والجلي إن النظام يريد إنهاء المهمة أو بهدلتها وشرشحة أنان وتحدي العالم من خلال توحيلها والاستهتار بها وتهديد حياة المراقبين ومن يلتقونهم من السوريين، وهو يفعل ذلك لأنها اسهمت في فضح أساليبه دوليا، وفي الضغط على مواقف العالم منه وتأليب الرأي العام العالمي عليه، وإحراج حلفائه الروس والصينيين، وتمكين الشعب من كسب بعض الراحة بكبح بعض مظاهر وممارسات الضغط الأمني الشديد الذي كان يمارس عليه، وربما إقناع بعض عناصر وضباط جيشه بضرورة الانفكاك عنه، بعد أن وجدوا انفسهم أمام مراقبين يرصدون حركاتهم وسكناتهم في هذا المكان او ذاك، ويجمعون معلومات قد تستخدم لاحقا في محاكمات أو ملاحقات قضائية وجنائية ضدهم، هذا إذا لم نتناسى بعدا سياسيا فائق الاهمية هو ان النظام السوري وضع من خلال المهمة تحت رقابة دولية، وأن أنان ومعاونيه يشرفون على تطبيقها، بهذا القدر او ذاك من النجاح اليوم، وبنجاح اكيد إذا ما تم استكمال مقومات البعثة الدولية وتوفرت المتطلبات اللازمة لتنفيذها.
هل يضر هذا بالشعب السوري ومصالحه؟ يقول بعض معارضي آخر زمن أن هذا يضر بهما. بل إن معارضة متحمسة أعلنت فشل مهمة أنان في اليوم ذاته، الذي أعلن فيه الثمانية الكبار تأييدها، فكان إعلانها صاعقة نزلت على رؤوسهم، وربما كانوا منهمكين الآن، والندم يأكل أحشاءهم على تسرعهم، في مراجعة شاملة لسياساتهم وخياراتهم، مستفيدين من بعد نظر المعارضة السورية الذكية، الممثلة لمجموعة «ثورية» جدا سبق لها أن طالبت الجامعة العربية بسحب مبادرتها ومراقبيها بعد أيام قليلة من قدومهم إلى سوريا، من دون أن تفهم أو تلاحظ أن موقفها يتطابق تماما مع موقف الأمن السوري، الذي يريد قتل أي مبادرة لصالح الشعب أو قد ترفع الضغط عنه، كما يتفق مع طريقته في التفكير حيال المختلف والآخر، فهذا عميل، وذاك متآمر، وذلك متصل بالخارج... الى آخر هذه المعزوفات التي جعلتنا نقرف حياتنا ونتمنى ألا يصل أي معارض من هؤلاء إلى الحكم في أي يوم، ما داموا يقيمون منذ الآن محاكم تفتيش لمن يخالفونهم الرأي، وإلا كيف نفسر على سبيل المثال لا الحصر الهجوم الذي شنه علي شخصيا بعض دهاقنة الفضائيات، لأنني قلت إن من قتلوا في حماه بعد لقائهم الأول مع مراقبي أنان لم يقتلوا لأنهم التقوا هؤلاء، بل لأن النظام دأب على قتل السوريين بمناسبة وبلا مناسبة. ماذا قال هؤلاء؟ لقد زعموا أنني أدافع عن النظام لأنني انكر انه يقتل الناس. وكان حزب «الاخوان المسلمين» قد طالب أنان بإعلان فشل مهمته، فسارع هؤلاء الفضائيون إلى فهم ما قاله الحزب على طريقتهم الخاصة، وهي أن أنان متآمر مع النظام، ولا بد من تأكيد ذلك بفبركة أكاذيب وتلفيقات تطاوله هو ومن يؤيد مهمته، وهؤلاء أغلبية ساحقة في الشارع والمعارضة السورية. هكذا صرت أنا استخبارات وعميلا للسلطة، وصار الكذبة ثوريين ومدافعين عن الشعب. الأدهى من ذلك مقالة كتبها شخص مسكين يصدق ما يقوله عن نفسه: وهو أنه «مفكر ومنظر سياسي»، زعم أنني انشر آراء النظام السوري وأخوف المنطقة منه، لانني قلت إنه يريد تحويل الصراع الداخلي إلى صراع طائفي، بينما يعمل على أقلمة الصراع في الخارج، كي يخيف العالم من التدخل لوقف عنفه، ويجبره على الابتعاد عن سوريا ومشاكلها ويتركها له يفعل بها ما يشاء. هذا «المفكر والمنظر السياسي» يظن أن الصراع في سوريا محلي صرف، لا يخالطه أي طابع إقليمي أو دولي. والغريب أنه يفعل ذلك رغم أن زملاءه في التنظيمات التي يقال إنه يعمل فيها يقولون جميعهم ما قلته أنا، وكذلك يفعل أنان وباراك اوباما وفرانسوا هولاند وبان كي مون وبوتين وكل من هب على هذه الارض أو دب، علما بأنني قلته قبل أشهر وليس الآن، وقلته في سياق تحذير العالم من ترك النظام يوسع الصراع السوري الداخلي، ويقلبه إلى قتال طائفي، او حرب إقليمية أو عراك عربي/ عربي، كانت دلائل كثيرة تشير إلى أنه خياره، الذي لا بد من منعه من تحقيقه، وإلا ضاعت قضية الشعب السوري وتحمل قدرا من الدمار والموت لا يساعده على البقاء متماسكا أو موحدا أو حتى على قيد الحياة، ناهيك عن بلوغ الحرية والديموقراطية.
نعود إلى أنان والمعارضة، ونسجل أنها حققت تقدما جديا في موقفها منه، وأن أغلبية فصائلها وشخصياتها تؤيد مبادرته وتدعمها وتطالب بتوسيعها وتثبيتها، وترفض إنهاءها، وتتخذ موقفا عاقلا منها، بعد أن شجعت مواقف اتخذتها أطراف في المجلس الوطني على الشطط الذي وصفت بعض فلتاته الشاذة، وساندت أطراف مهمة فيه، على رأسها تيار إعلان دمشق المهمة الدولية عبر تصريح للرفيق رياض الترك اتسم بقدر رفيع من الشفافية والحنكة، ولعب دورا مهما في وضع حد للولدنات البائسة، الي تعتقد أن الثورية تهبيش وشطح وتطرف وقلة عقل.
ماذا سيحدث إن فشلت مهمة كوفي أنان؟ هل لدى المعارضة والشارع القدرة على خوض وكسب حرب أهلية، وهل لديها حقا قرار بخوضها وكسبها؟ إذا كان هناك من لديه قرارا كهذا، فهو إما مجنون أو خادم للنظام. ولعله ليس أمرا عابرا أن الجيش الحر أعلن التزامه وقف إطلاق النار من أجل إنجاح المبادرة، وأن من يريدون إنهاءها ليس لديهم اية قوة تمكنهم من تحقيق تطلعهم إلى خوض حرب اهلية غير «الجيش الحر»، الذي لا يرى رأيهم، وتقول مواقفه إنه لن يموت من أجل حماقاتهم البائسة.
لا بديل لمبادرة أنان، ولا بديل لمصالحة المعارضة في مؤتمر القاهرة القادم، الذي سيعقد قبل نهاية هذا الشهر، لأن المصالحة بين اطرافها ستعزز المهمة الدولية والعربية وستحرج كثيرا النظام وحلفاءه، وستسهل إيجاد حل للأزمة السورية عامة، وازمة السلطة السورية بصورة خاصة، ولأزمة المجانين، الذين لا يجدون ما يساعدون الشعب من خلاله غير بضعة جمل وكلمات ثورية هزيلة لن يكون لها اي دور غير الإسهام في تحطيمه وتدمير وجوده وهزيمته.
نعم لأي توافق دولي من شأنه توفير وسائل قادرة على التعامل بفاعلية افتقرنا إليها حتى الآن مع النظام السوري. ونعم لكوفي أنان ولزيادة أعداد المراقبين وتحويلهم إلى قوة حفظ سلام، ولأية مبادرة سليمة دولية تخرج سوريا من موتها، ونعم لأي دور روسي يسهم في خيار كهذا ولا لأي دور روسي يطيل الأزمة وينحاز إلى النظام. لا كذلك لمجانين المعارضة السورية، الذين لا يرون ابعد من أرنبة انوفهم، ويتوهمون بسذاجتهم المعروفة أنهم «مفكرين ومنظرين سياسيين»، وقادة ثوريين، مع أنهم يجهلون حقيقة جوهرية جدا هي أن توازن القوى القائم اليوم في سوريا يمكن أن يكسر لصالح الشعب، من خلال مواقف خارجية، وأن العمل على منع العالم من الانخراط في الأزمة إلى جانب الحرية، وحرمان الشعب من أي دعم دولي بحجة تافهة تزعم أن العالم متآمر أو لا يفعل ما نريده، هما لصالح النظام، ومن