منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
#56980
بسم الله الرحمن الرحيم

أزمة اليونان *الإقتصادية* :

تعاني اليونان من أزمة اقتصادية مستمرة منذ عامين. و قد تفاقمت الأزمة في الشهر الأخير و انتشرت إلى المجالات الأخرى. تمر اليونان في مرحلة صعبة و حرجة, إذ ان الأزمة لم تقتصر على القطاعات الاقتصادية فحسب بل انعكست على القطاعات الاجتماعية و السياسية و السياسة الخارجية و غيرها. بل، يقال إن هناك احتمالية تأثير الأزمة على السياسة الاقتصادية لأوروبا و العالم. و بموجب هذه الخاصية، هناك دروس يجب الخروج بها من الأزمة الاقتصادية اليونانية.
تعتبر اليونان احدى دول الاتحاد الأوروبي الأكثر تأثرا بالأزمة المالية العالمية. إذ حصل عجز عام كبير في الاقتصاد اليوناني و فاقت الديون الخارجية الـ 300 مليار دولار، و أصبحت عاجزة عن دفع رواتب الموظفين و هي على شفا الإفلاس. ان الصيغة الأكثر شيوعا للخروج من هذه الأزمة هي تقليص النفقات العامة و رفع الضرائب و الخصخصة لزيادة دخل الميزانية. ان التدابير التي يطلق عليها باختصار "austerity" أي سياسة التقشف أو سياسة الاستقرار لا بد انها تؤثر سلبا على دخل و مستوى معيشة الشعب.

و لهذا السبب يقوم الشعب و النقابات و مؤسسات المجتمع المدني بالتظاهر في الشوارع منذ أيام. مع تصاعد الاشتباكات بين الشرطة و قوات الأمن. اما حكومة يورغو باباندريو فتؤكد على انه ليس هناك حل سوى تطبيق برنامج الاستقرار من ناحية و تواجه المعارضة المتصاعدة من الشعب و من حزبه من ناحية أخرى. فقد اضطر باباندريو للحصول على ثقة البرلمان من أجل تخطي الأزمة السياسية المتصاعدة. و حاول رسم صورة جديدة و اكتساب الثقة من خلال تغيير وزير المالية السابق الذي أعد برنامج الاستقرار.

إلا أن هذه الخطوة لم تقنع النقابات. و قامت النقابات بإضراب عام استمر 48 ساعة مما أدى إلى إنزال ضربة قوية على النظام الاجتماعي في البلاد. انه لمن الصعب أن تتخذ الحكومة تدابير التقشف في ظل هذه الضغوطات، إذ قد يضطر إلى المخاطرة بفقد السلطة على الأمد القصير أو المتوسط. و على الرغم من ذلك، وافق البرلمان اليوناني في التاسع و العشرين من حزيران / يونيو على البرنامج المذكور. و يقتضي هذا القرار تأمين 28 مليار يورو من الإدخار و 50 مليار يورو من الخصخصة. مما فتح الطريق أمام مبلغ 12 مليار يورو من صندوق النقد الدولي و الاتحاد الأوروبي.

نواجه حقيقة هامة في هذه النقطة، الا و هي ان ليست هناك أي دولة تستطيع التحرك بشكل مستقل عن الاقتصاد العالمي، و ان اللاعبين الاقتصاديين العالميين أيضا لا يسمحون بانهيار اقتصاد الدول مثلما هو الوضع الحرج في اليونان.

يمكننا القول ان هناك انعكاسات عديدة و ستستمر في المستقبل للأزمة اليونانية التي تحدثنا عنها باختصار. و سأحاول التركيز على ثلاث منها؛ الأولى: تأثيرها على المجتمع اليوناني و السياسة. إذ يمكن القول إن لهذه الأزمة تأثير سلبي على الحياة الاجتماعية و السياسية و النفسية لليونان. فاليونان التي عاشت باستقرار و راحة لسنوات عديدة في ظل نظام الاتحاد الأوروبي تواجه مثل هذه الأزمة الحرجة لأول مرة.

كان الشعب في اليونان في جو من الانتقادات بسبب التحديدات والنتائج المترتبة على استخدام اليورو منذ الانضمام إلى هذه المنطقة. الشعب كان يشكوا كما في جميع بلدان منطقة اليورو من تصعيب اليورو لحياتهم. واستنادا إلى كيفية تجاوز اليونان الراغبة في البقاء ضمن منطقة اليورو مع برنامج الاستقرار في تخطي هذه الازمة ستجري اعادة النظر بعلاقتها بهذه المنطقة. إذا نجح برنامج الاستقرار سيزداد تعاطف الشعب والسياسة اليونانية مع الاتحاد الاوروبي. وستسوء الاوضاع اكثر إذا لم تنجح الخطة. وفي هذه الحالة ستدفع حكومة باباندريو الفاتورة الاولى أي انها ستخسر الانتخابات العامة المقبلة إلا ان التأثيرات السلبية لن تبقى في هذا النطاق إذ سيرد على جدول الاعمال خروج اليونان من اليورو وعودتها إلى استخدام الدراخما وفي هذه الحالة ستبدأ المرحلة الثانية من الازمة وستـُناقش عضوية اليونان في الاتحاد الاوروبي والسيناريوهات السلبية بشأن مستقبل الاتحاد التي تشير أكثرها شهرة إلى انهياره.

ولهذا السبب لم يغب عن الانظار السعي المستمر للاتحاد الاوروبي من اجل انقاذ اليونان من الازمة والضغط عليها لقبول حزمة التقشف. لم يكن هذا الضغط من اجل انقاذ اليونان من الازمة الاقتصادية بل كان من اجل اعاقة تقديم نظام اليورو لاية تنازلات. وفي النهاية صدر قرار مواز لرغبات الزعماء الأوروبيين وجرى الحفاظ على نظام اليورو.

إلا انه ينبغي القبول بأن حتى هذه النتيجة كانت ضربة لقوة واعتبار الاتحاد الاوروبي ناهيك عن ان اليونان تتلقى ليس فقط دعم اليورو من الاتحاد الاوروبي بل دعم قرض الدولار من صندوق النقد الدولي. وتشير هذه الحقيقة إلى ان دول الاتحاد الاوروبي ليست قادرا لوحدها على حماية ودعم اليونان بل هي بحاجة لدعم صندوق النقد الدولي الذي تتمتع الولايات المتحدة الامريكية بتأثير كبير فيه.


المقال هو تقييم للبروفسور رمضان جوزن عضو الهيئة التدريسية في قسم العلاقات الدولية بجامعة ابانت عزت بيصال-تركيا