منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية

المشرف: رجاء الرشيد

By محمد بني هميم 3
#57015
الرأي العام

تعريفه وماهيته وأقسامه


يظهر لنا أهمية الابتداء بدراسة الرأي العام في محطاتنا الإعلامية، فهو منشؤها وغايتها في آن ٍ معا ً. [ الرأيُ ] فكرةٌ بظنّ حيال أمر ٍ يـُعبّـَـرُ عنه غالبا. و [ العامّ ُ ] هو الكتلة ُ والجمع ُ. وهو من الأهمية بمكان ٍ لا يمكن إغفاله رغم شفافيةِ كنهه . كالريح ِ العاصفة التي لا يمكن الوقوف عكسها ، فهي طاقة ٌ فعالة قوية ٌ تـُغيّر وتشكـّـل وتـُبدل ، لا يـُنكرها غرّ ولا يضبطها خبير. ويـُمكن دراسة اتجاهها وفهم منشئاتها المـُحركة لنـُعملَ الفكرَ فيما يـُفيدنا منها ، فتكونُ طواحينُ الهواء .

تعريف الرأي العام وماهيته

تعددت تعريفات الرأي العام ، فكان كلّ ُ تعريف ٍ يـُعلـِمُ عن الزاوية التي يقف عندها صاحبه . فما من معادلةٍ رياضيةٍ بحتةٍ تـُجلـّـيه ، بل محاولاتُ قولبة ِ الـهـُلام.

عرّف [ دوب ] الرأي العام بأنه مجموعة اتجاهات الناس الأعضاء في نفس المجموعة الاجتماعية نحو مسألة من المسائل التي تقابلهم.
أما الاتجاه فهو منحىً عقلي بـُني على تراكم خبرات وظروف سابقة. فينحو العقل نحو التأييد أو المعارضة أو حتى اللامبالاه فهو اتجاه تم اختياره من صاحبه، و أهل اللامبالاة مهمون في العملية الإعلامية ، فهم معظمُ هدفِ رجل الإعلام، فكسبهم لفكرته أسهل من كسب أهل معارضيه ، وغالبا يفوقونهم عددا.
أما المجموعة الاجتماعية فتبدأ من الأسرة ومقربي الأصدقاء والزملاء لتمتدّ شاملة العالم بأسره في حال الرأي العام العالمي. فما يحدد هذه المجموعة هو طبيعة موضوع النقاش.
أما عن المسألة أو المشكلة التي هي محور الرأي العام فقد تكون مؤقتة تخص أمرا عارضا ً أو كبيرة طويلة المدى تخص أمرا حضاريا.

وعرّفه [ جولت ] بأنه فهمٌ معين للمصالح العامة الأساسية يتكون لدى كافة أعضاء الجماعة. أما [ ألبيج ] فعرفه بأكثر من تعريف. منها: الرأي العام هو الناتج عن عملية تفاعل الأشخاص في أي شكل من أشكال الجماعة نحو موضوع معين يكون محل مناقشة في جماعة ما. الرأي العام هو تعبير أعضاء الجماهير عن الموضوعات المختلف عليها فيما بينهم. الرأي العام هو مجموعة الاتجاهات التي تسيطر على الجماعة إزاء مشكلة ما وتعبر عن رأي الأغلبية. أما [ يونج ] فقد عرّف الرأي العام بأنه الحكم الاجتماعي لجماعة ذات وعي ذاتي على موضوع ذي أهمية عامة بعد مناقشة عامة مقبولة.

أ.مختار التهامي عرّف الرأي العام أنه:

الرأي السائد بين أغلبية الشعب الواعية في فترة معينة نحو قضية معينة أو أكثر يحتدم حولها الجدل والنقاش وتمس مصالح هذه الأغلبية أو قيمها الإنسانية مسا مباشرا.

فأغلبية الشعب هي من يؤخذ رأيها في الاعتبار، وقد أبرز هذا التعريف دور وسائل الإعلام والتوعية في توفير المعلومة الصادقة الحيادية للشعوب لتُعمل فيها الفكر وتخرج منها برأي. وبيّن التعريف قابلية الرأي العام للتغير مع الوقت.

تقسيمات الرأي العام

يـُقسم الرأي العام حسب عمق التأثير والتأثر إلى رأي ٍ مسيطر ٍ ورأي ٍ مثقف ٍ ورأي ٍ مـُنقاد.
فالرأي المسيطر أو القائد يتكون من صفوة القوم وخاصة المتعلمين والمثقفين من أساتذة الجامعات والعلماء والكتـّاب والسياسيين. وهم نسبة ضئيلة من الشعب لديهم القدرة على التأثير في الناس وإقناعهم وتوجيه أرائهم. فتراهم لا يتأثرون بوسائل الإعلام بقدر ما يؤثرون هم بها. فيشكلون رأس الهرم المـُحرّك لباقيه.
أما الرأي المثقف القارئ فهم أواسط الناسِ ثقافة ً. يتأثرون بوسائل الإعلام ويؤثرون في من هم أقل منهم اطلاعا واستنارة ً بقدر ما يجمعون من معلومات وما يختزنون من أفكار وأخبار تأهلهم أحيانا إلى التأثير في وسائل الإعلام أيضا.
أما الرأي العام المنقاد فهو رأي السواد الأعظم من الشعب غير القادرين على مواصلة الاطلاع والبحث. ومنهم الأميـّون. فمن الأمية جهلُ المعلومة بعد جهل الحرف. ينقاد أصحاب هذا الرأي غالبا لما يوجهه له أصحاب الرأي المسيطر المستنير والرأي المثقف القارئ وينساقون وراء الدعاية والإعلام. يسلكُ أصحاب هذا الصنف رد فعل ٍ حاد ٍ غالبا يتشكل في الهياج والإضراب ولا يملكون القدرة على مناقشة المسائل التي ثاروا من أجلها ما دام محرّكو الرأي العام أفهموهم أن هذا بهدف مصلحتهم العامة. فكان هذا السواد الأعظم الطعم الأسهل للتأثر بالدعاية والانقياد والانصياع.

ويـُقسّم الرأي العام وفقا لعنصر الزمن إلى رأي ٍ عام ٍ دائم ٍ ومؤقت ٍ ومتقلب.
فالرأي العام الدائم هو الأكثر رسوخا ً ويرسي القواعد الأساسية للرأي العام ويتصل اتصالا قويا في ثوابت الأمة من الدين والأخلاق والتقاليد. فهو يرتكز على أسس قوية يتشرك فيها السواد الأعظم. فيكون مستقرا ثابتا لا يتأثر بالحوادث والطوارئ إلا ما ندر.
وأما الرأي العام المؤقت فيقوم بؤثر مثل مسألة معينة بوقت معين أو الاندماج بمؤسسة ما لفترة معينة مما قد يتمثل بحياة بعض المؤسسات ذات الأهداف والبرامج المحددة فينتهي بانتهاء حياتها أو تحقيق أهدافها.
أما الرأي العام المتقلب أو اليومي فهو الأكثر تأثرا بالأحداث اليومية. وغالبا ما يتكوّن حيال حادث مفاجئ. ويعتبر دوفيفات أن الصحافة الإخبارية المثيرة تعيش على الرأي العام اليومي. ويرى أن صحف الرأي الحزبية تختار من مادة الرأي العام اليومي ما يلائم دعوتها السياسية ويؤيد فكرتها الحزبية وتجعله وسيلة لتعزيز رأيها للوصول إلى الهدف وتستعين على ذلك بصبغه بلونها الحزبي وتحويله وصقله.

ويـُقسّم الرأي العام حسب النطاق الجغرافي إلى رأي محلي ووطني وإقليمي وعالمي.
الرأي العام المحلي هو الرأي السائد في شارع أو قرية أو مدينة أو محافظة.
والرأي العام الوطني أو القومي هو المرتبط بالوطن والدولة.
والرأي العام الإقليمي هو السائد بين مجموعة الشعوب المتجاورة جغرافيا في فترة معينة نحو قضية جدل معينة تمس مصالحها المشتركة. وذلك كالرأي العام الخليجي أو الإفريقي.
والرأي العام العالمي هو رأي الشعوب لا رأي الحكومات. وكان يمثل رأي ثلاث مجموعات من الشعوب هي الرأسمالية والاشتراكية ومن هم لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. فهو يتعدى الحدود بين الجماعات السياسية ليعبر عن نوع معين من التوافق بين الطبقات أو الفئات التي تنتمي إلى أكثر من دولة واحدة. وقد أصبح هذا الرأي العام العالمي من سمات عصرنا هذا مع تطور وسائل الاتصالات حتى بات تعبيرُ [ القرية الصغيرة ] رديفا لكلمة [ العالم ].

ويـُقسّم الرأي العام حسب نوع الرأي إلى رأي شخصي يكونه الفرد لنفسه طبقا لدرجة ثقافته وخبراته ويرغب أن يشارك به المجموعة ويعبر عنه، ورأي خاص يرغب الفرد في أن يحتفظ به لنفسه ولا يعبر عنه.

أما عن التقسيم الكمي للرأي العام فهو رأي الأغلبية ورأي الأقلية والرأي الائتلافي والرأي الساحق.
فأما رأي الأغلبية فهو يمثل رأي ما يزيد على نصف الجماعة وهو تجميع وتكرار الرأي الشخصي لأغلبية الجماعات الفاعلة.
وأما رأي الأقلية فهو رأي ما يقل عن نصف الجماعة وقد يكون منهم بعض الأكفاء والمتخصصين.
وأما الرأي الائتلافي فهو رأي جملة أقليات مختلفة في اتجاهاتها وتجمعت لتحقيق هدف معين تحت ظروف خاصة وعوامل خارجية عارضة يزول بزوالها.
والرأي الساحق هو القريب من الإجماع ويقترب من العادات والعرف والتقاليد.

ويـُقسّم حسب التواجد إلى رأي عام موجود ورأي عام متوقع وجوده عقب بعض الأحداث والمشاكل، والأخير هو محط عمل مراكز بحوث الرأي العام.

يـُعتبر الرأي العام المصدر الأول للضبط الاجتماعي، باعتباره أنه القوة التي يعتمد عليها، ويستند إليها وخاصة في الجماعات المتقدمة. فهو أشبه بالإرادة العامة ، ولكن الأفراد لا يحسون به لأن وجوده معنوي. فهو رغبة مبهمة عامة لا يمكن تحديد نطاقها أو مصدرها تحديدا دقيقا مضبوطا وهذه الرغبة لها صفة الديمومة، وتحافظ على الكيان الاجتماعي وتدرأ ما يهدد قيمه.