صفحة 1 من 1

مستقبل العلاقة بين الحكومة والمعارضة بعد الانتخابات الكويتية

مرسل: الجمعة ديسمبر 14, 2012 5:45 pm
بواسطة متعب هزازي101
محمد عز العرب

شهدت الكويت، في الأول من ديسمبر الجاري، انتخاب أعضاء مجلس الأمة الخامس عشر، وهي ثاني انتخابات لهذا المجلس في غضون عشرة أشهر، وهو ما يعكس حالة عدم الاستقرار المؤسسي المزمنة التي تعيشها البلاد على مدى ست سنوات. ووفقا لآخر إحصائية صادرة عن وزارة الداخلية، فإن إجمالي من يحق لهم التصويت في الانتخابات 422569، بحيث اختار كل مواطن مرشحا واحدا من بين 307 مرشحين، بينهم 14 امرأة، تنافسوا في خمس دوائر، بواقع 51 مرشحا في الدائرة الأولى، و50 في الثانية، و60 في الثالثة، و66 في الرابعة، و80 في الخامسة، على خمسين مقعدا. وقد أجرى التصويت في مائة نقطة اقتراع موجودة في المدارس، مع مراكز منفصلة للرجال والنساء.

بيئة الانتخابات

أجريت هذه الانتخابات في ظل أزمة سياسية حادة تشهدها البلاد، بين السلطة السياسية وقوى المعارضة، التي تتمثل في الحركة الدستورية الإسلامية "حدس"، وتكتل العمل الشعبي، والتحالف الوطني الديمقراطي، والتجمع السلفي الإسلامي، والمنبر الديمقراطي، وعدد من ممثلي الطبقة التجارية، إلى جانب قوة قبلية ذات حضور معتاد في المجلس النيابي، منها قبائل العوازم، والمطير، والعجمان، وشمر، وعنزة.

وتتمثل مظاهر هذه الأزمة في تزايد التظاهرات والتجمعات ضد الحكومة، في الأسابيع الماضية، احتجاجا على تعديل قانون الانتخابات بموجب مرسوم الضرورة الذي أصدره سمو الأمير صباح الأحمد، حيث خفض التعديل عدد المرشحين الذين يمكن للمقترع أن ينتخبهم من أربعة إلى واحد. وقد رأت قوى المعارضة أن هذه الخطوة تهدف إلى التلاعب في نتائج الانتخابات من المنبع، بحيث يكون مجلس الأمة متعاونا مع الحكومة.

وفي هذا السياق، أديرت هذه الأزمة – وقبلها أزمات أخرى- كمباراة صفرية zero-sum game، تفترض أن يخسر فيها أحد طرفيها كل شىء، بينما يكسب الطرف الآخر على حساب الطرف الخاسر كل شىء، وأن أحد الطرفين قد انتظر تراجع الطرف الأخر، أو يقدم بادرة تعاون، أو يحاول وقف التصعيد، ولكن لم يحدث، في ظل اقتناع لدى كلا الطرفين هو الذي يحدد معظم قواعد المباراة. غير أن طرفي المباراة، من واقع ظروف أرض الملعب الحالية، لا يخرجان من المباراة بنتيجة مريحة، أو تجنب خسارة.

وقد راهنت قوى المعارضة على آلية محددة للتغلب على الأزمة، وهي نسبة مقاطعة من الرأي العام الكويتي تبلغ نحو سبعين في المائة (اللون البرتقالي)، في حين كان رهان المرشحين الموالين للحكومة على المواجهة المضادة، بحيث إن نسبة مشاركة أفراد المجتمع "اللامسيسيين" تتجاوز خمسين في المائة (اللون الأزرق). ففي حين نظمت المعارضة احتجاجات ضد المشاركة، على مدى الأسابيع الماضية، في إطار ما سمي "مسيرات كرامة وطن"، ورفعت شعارات "الشعب يريد إسقاط المرسوم"، و"واحد واحد واحد، الشعب ما يبي الصوت الواحد"، و"الصوت الواحد باطل، فقد قادت الحكومة حملة إعلامية لتوعية المواطنين بأهمية المشاركة في العملية الانتخابية.

ورغم ذلك، أجريت الانتخابات في موعدها المحدد، كما أنه لا يشترط دستوريا في الانتخابات أن تحقق حدا أدنى من المشاركة، حتى تكون شرعية. ووفقا للجنة الوطنية الانتخابية، بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 38.6% موزعة على النحو التالي: الأولى 56.7%، والثانية 54.7%، الثالثة 52.2%، الرابعة 29.6%، الخامسة 20.5%، وهو ما يشير إلى تباين النسب بين الدوائر، حيث كانت مرتفعة في الدائرة الأولى بفضل أصوات الشيعة، في حين كانت متدنية للغاية في الدائرتين الرابعة والخامسة بفضل مقاطعة أبناء القبائل، في حين ترفع المنظمات الأجنبية المراقبة هذه النسبة إلى 40%.

أفرزت هذه الانتخابات مجلسا مغايرا عن مجلس الأمة السابق، الذي كان يضم أغلبية معارضة في معظمها إسلامية وقبلية، غير أن الأغلبية في المجلس الجديد هم الشيعة الذين حصلوا على 17 مقعدا. وضم المجلس ثلاثين عضوا جديدا، بما يعكس أثر المقاطعة من نواب الأغلبية. كما فاز الإسلاميون السنة- الذين قاطعوا المشاركة في الانتخابات- بأربعة مقاعد مقابل 23 مقعدا في المجلس السابق. وضم المجلس الجديد ثلاث نساء، في حين لم تفز بأية مقاعد في انتخابات فبراير 2012، مقارنة بأربعة مقاعد في مجلس 2009.

دلالات الانتخابات

تشير نتائج هذه الانتخابات إلى عدد من الدلالات الأساسية، على النحو التالي:

- إن هذه الانتخابات شهدت أقل معدلات المشاركة التصويتية في تاريخ الحياة البرلمانية الكويتية، إذ تقل بمعدل 20% عن آخر انتخابات لمجلس الأمة التي جرت في 1 فبراير 2012، غير أن أي نسبة مشاركة (حتى إذا كانت هذه النسبة 1% في الانتخابات) تكسب المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات شرعية الفوز بالانتخابات.

- إن هناك قطاعات لا يستهان بها داخل المجتمع الكويتي مستعدة لمواجهة تحركات قوى المعارضة، خاصة حركة "حدس"، الفصيل المعبر عن جماعة الإخوان المسلمين، لاسيما في ظل تداول أنباء على مواقع التواصل الاجتماعي التي استخدمتها بعض قوى المعارضة، والتي تتمثل في قيام بعض ممثلي الحركات الشبابية أمام المقار الانتخابية بإحراج المقترعين الذين يقبلون على انتخاب أعضاء ما أطلق عليه بـ "مجلس المسخ"، أو "مجلس العار". وربما يعود هذا الإصرار من جانب قوى مجتمعية على تحدى الإخوان في الكويت إلى سلوكيات جماعة الإخوان في عدد من دول الربيع العربي، بعد وصولها إلى السلطة، وتبنيها لشعار المغالبة وليس المشاركة، واهتمامها بالسلطة أكثر من التوافق داخل المجتمع.

- غلبة المكون الشبابي على التركيبة العمرية لأعضاء البرلمان، بما يعطي مؤشرا على حدوث تحول جيلي في قلب النخبة البرلمانية. فلولا مقاطعة بعض الرموز النيابية البارزة، مثل مسلم البراك، وفيصل المسلم، ووليد الطبطبائي، وجمعان الحربش هذه الانتخابات، لما أعطيت فرصة لدخول أفراد جدد مجلس الأمة.

- ارتفاع تمثيل الشيعة إلى الثلث في المجلس الجديد، مقارنة بتسعة نواب في المجلس الذي انتخب في عام 2009، وسبعة في المجلس المنتخب في فبراير الماضي، وهو الأمر الذي يحدث لأول مرة في تاريخ الكويت، بل إن عدد النواب الشيعة أكبر من عدد الوزراء في الحكومة (16 وزيرا)، وهو ما يعني أن النواب الشيعة ستكون لهم اليد الطولى في الكثير من القضايا التشريعية، والأبعاد الرقابية تحت قبة عبد الله السالم، سواء فيما يتعلق بانتخاب رئيس المجلس، أو لجهة التمثيل في الحكومة، أو تقديم الاستجوابات، أو إصدار القوانين، أو سن التشريعات، أو الاعتراض على القضايا المرتبطة بالسياسة الخارجية، أو المعاهدات الدولية.

- لم يكن الاعتبار الطائفي أو المذهبي هو المحدد الرئيسي في اختيار المرشح في الدوائر الانتخابية الخمس. فعلى سبيل المثال، كان اللافت للنظر، في الدائرتين الأولى والثانية، تصويت الناخبين الشيعة لمرشحين من السنة، ومن أبرزهم علي الراشد، ونبيل الفضل، وكامل العوضي. فالصوت اتجه إلى مرشح واحد، لا يستند إلى فرعيات قبلية، أو اصطفافات حزبية، أو انتماءات سياسية، أو تكتلات طائفية، أو انتخابات داخلية، بما خفف من حدة الاحتقان الطائفي والمذهبي.

- عودة التمثيل النسائي في المجلس النيابي الجديد، وهن د.معصومة المبارك، وصفاء الهاشم، وذكرى الرشيدي، إذ تعد هذه الانتخابات هي الخامسة في تاريخ الحياة البرلمانية الكويتية، التي تشارك فيها المرأة، انتخابا وترشيحا.

- ليست كل القبائل قاطعت العملية الانتخابية، فالرشايدة حصلوا على 4 مقاعد، بما يعكس استمرار تمثيلها بعدد مماثل لتمثيلها المعتاد في مجلس الأمة، بينما عادت قبيلة الظفير إلى الواجهة بمقعدين في الدائرة الرابعة، وكان آخر من مثل قبيلة الظفير في مجلس الأمة النائب السابق أحمد الشريعان في برلمان ما بعد الغزو (1992).

تأثيرات الانتخابات

تمتد تأثيرات هذه الانتخابات من الداخل الكويتي إلى السياق الخليجي. فعلى المستوى الداخلي، فإن الأزمة السياسية التي شهدتها الكويت، خلال الشهور الماضية، بين الحكومة ومجلس الأمة، لن تنتهي بانتخاب أعضاء جدد لمجلس الأمة، بل قد تبدأ مشكلة جديدة، لا تتعلق بنسب المقاطعة، أو معدلات المشاركة، وإنما تطوير آليات التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، لاسيما مع تبلور توجهات مبدئية لأعضاء المجلس الجديد باستبعاد "الوزراء الشيوخ" من التشكيلة الحكومية المقبلة، إذ كانت، ولا تزال، الأسرة الحاكمة طرفا قويا وفاعلا في إدارة شئون الدولة.

فرئيس الحكومة هو دائما من أبناء الأسرة، وجميع الوزارات السيادية ظلت حكرا عليهم، ناهيك عما يطلق عليه "مجلس الأسرة"، وهو المجلس غير الرسمي الذي يحدد الكثير من العلاقات والمناصب والتوازن بين أقطاب الأسرة الحاكمة. وفي هذا السياق، من المتوقع أن يطالب الشيعة، باعتبارهم ممثلين للأغلبية العددية، بزيادة نصيبهم من الحقائب الوزارية، أو أن يعين منهم أحد نواب رئيس الوزراء. كذلك، يتوقع أن تحرك مطالبات ذات طبيعة مذهبية، كان صعبا تمريرها في مجالس سابقة.

وعلى المستوى الخليجي، سوف يظل هناك موقف معارض من الأسر الحاكمة من النموذج الديمقراطي الكويتي، لأنه خلق مشكلات أكثر مما وضع حلولا لدولة تعد من أكثر دول العالم رفاهية للفرد، فضلا عن امتلاكها عشر الاحتياطي العالمي من النفط. كما يتوقع أن يؤدي تبوؤ الشيعة في الكويت لمراكز عليا داخل النظام السياسي إلى ممارسة ضغوط أكبر من الطائفة الشيعية في البحرين لتعديل نظام الدوائر الانتخابية، خلال العامين المقبلين، بما يجعلها قادرة على حصاد مقاعد أكبر تتناسب وأغلبيتهم العددية في المجتمع. كما قد يشجع شيعة شرق السعودية على مواصلة احتجاجهم ضد ما يرونه تمييزا ضدهم فيما يتعلق بالتمثيل السياسي، والنصيب من الرفاه الاقتصادي، والتضييق على ممارسة الطقس الديني، وهو ما يخلق مواجهات حادة داخل المملكة.

غير أن التأثير السياسي الكويتي الأكبر على دول الخليج سوق يظهر ملامحه، خلال السنوات المقبلة، مع تواصل ضغط قوى المعارضة التقليدية والحركات الشبابية الجديدة لإحداث تعديل دستوري، يتوازى معه تغير سياسي في الكويت، فيما يخص النص الدستوري على نظام ديمقراطي، السيادة فيه للأمة، ونظام ملكي تقليدي يعطي صلاحيات واسعة للأمير. إن هذا التناقض بين إرادتين مختلفتين: إرادة شعب، في سياق إقليمي يدفع لتغيير قواعد اللعبة السياسية، وإرادة الأمير، من خلال تعيين رئيس الوزراء وبقية الوزراء في رؤية أخرى، هو ما يجعل التوافق بينهما غير مضمون.

وهنا، يمكن القول إن الأسرة الحاكمة في الكويت لا يمكنها أن تنجو من استحقاقات التغيير الذي فرضته عدة متغيرات، أولها: التحول الحادث في التركيبة الاجتماعية المؤيدة للسلطة السياسية، خاصة أبناء القبائل. ثانيها: التطور الجذري الذي يسود دول الإقليم، سواء كانت جمهوريات، أو ملكيات. ثالثها: الصراع على السلطة بين الجيل المخضرم من أبناء الأسرة الحاكمة، والذي يتوقع اشتعاله في مرحلة ما بعد "شيوخ الهيبة"، التي يمثلها الأمير صباح الأحمد، وولي العهد الشيخ نواف الأحمد، بما يجعلها مضطرة لاتخاذ خطوات إصلاحية أكبر، مثل السماح بنائب ثان لرئيس من الوزراء من خارج الأسرة. فالتغيرات التي تشهدها الكويت سوف تلقي بظلالها على دول الخليج، مهما بلغت حصانتها، أو مناعتها، ضد التغيير.

تعريف الكاتب:
باحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

http://www.siyassa.org.eg/NewsConten...%8A%D8%B1.aspx