منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#57060
يمكن تلخيص أسباب أزمة الاسلام السياسي في السودان بعد وصوله للحكم أثر انقلاب 30/6/1989م في العوامل التالية :

1/ اعتبار السلطة وكأنها غاية الحركة النهائية والتراجع عن الشعارات والاهداف التي كانت تطرحها قبل الوصول الى السلطة .. بل التراجع حتى عن عبارة " الاسلام " في اسم الحركة وتحويلها الى اسم " المؤتمر الوطني " تحت وهم " التمكين " .
2/ عدم امتلاك الحركة لأي برنامج حقيقي وواضح لوضعه موضع التنفيذ بعد الوصول الى السلطة .
بل عدم امتلاك أي تصور واضح حول مسالة الدولة الدينية وشكلها - كما سنرى ذلك في اعترافات الترابي .
3/ الاستغناء عن التنظيم الأساس ( الجبهة الاسلامية ) بعد الوصول الى السلطة والاعتماد على تنظيم سلطوي فضفاض حشد له كل طامع في السلطة مما أدخل أعضاء التنظيم الأساس في أزمة حقيقية .
4/ ارتداد حركة الترابي أصلاً عن الحركة الأم – التنظيم الدولي للأخوان المسلمين في مصر بل الدخول في قطيعة معه .
5/ أزمة علاقة التنظيم السياسي للجبهة الاسلامية بالجيش وتجاهل دور الجيش في السياسة في العالم الثالث وعدم الوعي بخصوصية الجيش السوداني .
6/ غياب القيادة الجماعية للتنظيم وتمركز الحركة حول شخصية الترابي وازدواجيتها في السلطة .
7/ نقاط الضعف الكامنة أصلاً في تنظيم الجبهة الاسلامية كتجمع لبقايا مايو والانتهازيين وحتى المشبوهين المرتبطين بمراكز أجنبية إضافة الى التخلف الفكري للجبهة مع انتفاخها البالوني الغوغائي .
8/ النظام الفدرالي الذي طبقته الجبهة الاسلامية في الحكم وعدته من ثوابت الدستور دون توفير مستلزمات التنمية .

ولكي نؤكد على مدى صحة هذه العوامل نستشهد باعترافات الترابي نفسه بعد أزمة انقسام حزبه في ديسمبر 1999م واستمرارها حتى اليوم بعد أن سقطت فكرياً وسياسياً دون أي أمل في تجددها :

1/ في الندوة السياسية التي اقامها الترابي بجامعة القرآن الكريم بامدرمان في فبراير / شباط 2000م يشير الترابي الى جذور أزمات الاتجاه الاسلامي السياسي في السودان بالقول :
(( على مدى تاريخ الحركة الاسلامية في السودان كان الاجماع ملزماً ، ولكن كنّا ناخذ كثيراً من الأثر الثقافي المصري ، خاصة من حركة الأخوان المسلمين في مصر ، وكان الخلاف أن نؤطر هذا الأثر ونجذره حتى يكون سودانياً ، لا فرعاً مصرياً في السودان )) ويقول :
(( من أول الأيــام في الحركة الاسلامية كانت عالمية المدّ وليست فرعاً من اصل )) .

وفي الندوة التي نظمتها جمعية الفكر الاسلامي بجامعة الخرطوم تحت عنوان " مستقبل الدولة الاسلامية " يسلط الترابي المزيد من الضوء على جذور الأزمة إذ يقول :
(( أزمات الخلاف في السابق كانت بين عالمية منسوبة الى بلد في شمال الـــوادي ( مصر ) وبين محلية ، بين جبهة الميثاق الاسلامي في الخارج والداخل ، كانت على شكل توترات تجاوزناها فيما بعد بالجبهة الاسلامية ، أما الازمة الحالية فهي أعظم الأزمات التي مرت على الحركة ، خاصة أن شهوة السلطة قد دخلــت فيــها ، فالــذي خارج السلطة الآن يأكله الحسد والغيرة ويريد أن يقضي على أخيـــــه )) .
2/ في مقابلة أجرتها معه جريدة القدس العربي بتاريخ 1/5/2000م قال الترابي :

(( إذا نزلنا الى واقع الخلاف واقتربنا نحوه ، نجد أن شطراً من الذين في السلطة كانوا عسكريين ، ولم ينشأوا في حركة سياسية وشورى وأخذ ورد وتفاعل مع الآخرين ، بل هي حركة أوامر تنزل من علٍ ، وتنفذ من غير جدل أصلاً وبعضهم كان في نظم أخرى كذلك ، نظم حزبية أو مايوية ايضاً ، وكانت المعاني تتنزل من القيادة الى القواعد ولا تصل من القواعد الى القيادات ، وكان فيهم أيضاً بعض عناصر تربت في الحركة الاسلامية ، ولكن خلط هذا وذاك نتج عنه شئ آخر )) وهنا يشير للأزمة مع العسكريين .
3/ ويؤشر حالة اختراق تنظيم الاسلاميين بالقول :
(( أما البنية العضوية للمؤتمر فأنا لا أصرف النظر تماماً عن احتمالاتها لاختراق هذه التيارات ، ولكن مذاهب فقهية وطرقاً صوفية ، وقبليات ، فروح التمزق هذه من الامراض التي تصيب المجتمعات المتخلفة )).
وكان قد قال في ندوة جامعة الخرطوم :
(( إن الغرب هاجم السودان اعلامياً ، وحاول حصاره اقتصادياً ودبلوماسياً ، ولم يفلح ، إلا انه أفلح في الدخول بين صفوف الحركة الاسلامية ، ولكنني لا اريد أن يصيب اليأس الناس من هذا الحديث )) .
4/ يعترف بغياب برنامج للحركة بالقول (( إن الحركة لم تستعد ولم تتهيأ لفقه هو مذهب في كيف نتعامل مع السلطة ، إذا ثابت للدين واختلافات سلطة وشهوات السلطة ، لم تكن لنا تجربة المسلمون ليست لهم تجارب ، وكتبهم ضئيلة جداً في هذا الجانب ، وحتى في جانب الاحكام العامة )) لاحظ كيف سقط شعار " الاسلام دين ودولة " ! (1).
5/ يعترف بفساد جماعته وضعفهم أمام السلطة ، متسائلاً عن الأسباب التي أدت الى أن تتفاعل القوى الغربية مع السودان ، بعد ان كانت بعيدة وتتهمه بالارهاب ، أصبحت تقترب منه لما فيه من ثروات ، واقتربت أكثر بعد أن رات أن الصف الاسلامي بدأ يتصرف عن أصول الدين ويتساقط )) .
و (( إن أعضاء الحركة الاسلامية دخلوا السوق فوجدوا أن اخلاقهم في السوق انحطت وبدأوا التجارة ثم الشركات ، ثم جاءت البنوك الاسلامية ، وجاءت حرب الربا منذ أيام مايو ، ومحاربة الربا مازالت شعاراً الى يومنا هذا لأن الدافع لم يكن قوياً )) .
6/ ويبرر التراجع عن الشعارات التي وصل بها الى السلطة قائلاً :
(( في السابق كنا لا نستطيع أن نبعد كلمة الاسلام عن اسم الحركة ولذلك جاءت " جبهة الميثاق الاسلامي " و " الاتجاه الاسلامي " ، و" الجبهة الاسلامية القومية " ، ولكن الآن تطور الفهم ورأينا أن الرأي بان نسمي بالمؤتمر الوطني الاسلامي ، قد تنفّر غير المسلمين من هذه البلاد ونحن نريد أن نجمعهم خاصة وان الوجه الاسلامي سوف يظهر فيه وحتماً يكتشف الناس والعالم ان هذا الكيان اسلامي ، إذن ليس هناك مشكلة من ابعاد الاسم الاسلامي للمؤسسات لأن هذه المؤسسات كانت غريبة ، فالجامعة كانت غريبة لذلك سميت بالجامعة الاسلامية وكذلك المركز الاسلامي والبنك الاسلامي )) (1). ( لاحظ هذا الدجل وهذه الحربائية !؟ ) .
7/ ويعترف باهمال التنظيم بعد الوصول الى السلطة عندما يقول :
(( وظلت الشـورى حاكمة ، ولكن في التسعينات انقطعت الشورى ، لأننا انقطعنا تماماً عن كل الحركة الاسلامية ، واصبحنا هيئة قيادية ، ومجلس شورى يتكون من بعض مئات من الافراد ، لذلك انقطعت الشورى سنوات طويلة ، وتخرجنا بعد تلك السنـــوات الى المؤتمــر الوطني )) "
8/ الاعتراف بالكذب على الشعب لصالح الدعوة ( فقه الضرورة ) فقد صرح الترابي في اعقاب قرارات البشير باعلان حالة الطوارئ وحل المجلس الوطني بانه كان العقل المدبر لانقلاب 30/6/1989م وانه اتفق مع البشير على ان يذهب هو الى السجن ويذهب البشير الى القصر ، ويعني ذلك باختصار ان الترابي هو المسؤول عن الانقلاب.
ويبرر الترابي هذا السلوك بالقول :
(( كان الهدف من هذا المسار في السنوات الاولى للانقاذ ان نلهي أهل الغرب واولياءهم الاقربين في المنطقة حتى لا ينقضوا على الحركة والدولة الوليدة – والحرب مكيدة )) .
ويعترف حتى بالكذب على حلفائه الاسلاميين في جبهة الميثاق عندما قال:
(( وحتى في فترات الحرية منذ أيام اكتوبر 1964م حركة الاخوان المسلمين ظلت باقية سراً ودخلت في علاقات ، استغفر الله ، استغفر الله كأنها كانت علاقات نفاق مع جماهير تسمى جبهة الميثاق الاسلامي ، فلقد كنّا ندير الأمر بليل ، ونأتي للآخرين في الصباح ، ونجتمع بهم ونتداول معهم ، ونصّوت معهم ، ونختار القيادات ( استغفر الله ) أنتم الآن تجهرون بالقول ( نبتغي رفع اللواء ) ولكننا كنا نخفيه وكنا نخاف من العلانية حتى لا يراق ريقنا )) (2).
9/ ويعترف بالتناقضات داخل تنظيم السلطة إذ يقول :
(( كان المؤتمر يقبل بأي فرد ، فان كان في القوم الجاهلين قائداً ، فهو في المؤتمر قائداً ايضاً ، لذلك كان متوسط التدين ضعيفاً جداً ، وكذلك الولاء ، لذلك كان المؤتمر عرضة لأية فتنة ولا يحتمل الالتزام ، وكان لا يعرف مناصحة ، ولا محاسبة ، واصبح طلب السلطة مطلوباً ، ومعقولاً ومقبولاً ، وكذلك ضعفت الأمانة ، أمانة السر وأمانة المال .. الخ ، ويضيف :
الآن المؤتمر في مرحلة انتقالية ، ولابد ان تتنزل عليه قدر هائل من التربية حتى ينضبط كل واحد ، أما ان يكون غوغاء هكذا فانه غداً يمكن ان تنقلب الحال عليه )) .
10/ ويعترف الترابي صراحة بان :
(( خطة الدولة الاسلامية اخفقت وفشلت الدولة في المجال الثقافي .. الخ )) .. ويتساءل في حيرة من أمره في آخر ندوة جامعة القرآن الكريم :
(( والآن لا أدري ماذا حدث للسودان كله ، وليس للدولة وحدها ؟ ماذا حدث للحركة الاسلامية ؟ ويجيب – لا أدري ؟
ورغم ذلك وهو يرثي حركته ويشيعها .. ظلت عينه متجهة نحو السلطة عندما يقول :
(( أما الخطـر الأهـم فهو الانشقاق أو الزلزلة ، ولا أعني فقط الانشقاق ، وقد يكون انشقاقاً باطنياً ، ولا ننسى أن أمامنا انتخابات مقبلة ، وتعلمون انه لن يفوز رئيس منّا ولا والي ، إلا إذا بلغ 50% زائداً صوتاً ، أكثر الاصوات ، بل أن يغلب كل الآخرين ، فان لم يغلب في المرة الاولى كانت دورة ثانية ، وتعلمون ما يحدث عادة في الدورات الثانية من تشققات وتحالفات ، وتعلمون كل الدول التي من حولنا تعلمون من تؤيد ، وتعلمون من يريد ان يحافظ على مركزه ووضعه )) ؟ ! يقصد الصادق المهدي طبعاً .. !

ويلاحظ القارئ للاعترافات أعلاه كان قد سبق ان حذر منها الرفيق القائد صدام حسين في نقده للظاهرة السياسية الدينية وحواره معها خلال عقد التسعينات .