By رياض الغامدي - السبت ديسمبر 15, 2012 12:30 am
- السبت ديسمبر 15, 2012 12:30 am
#57128
لعل المكانة التي جعلها الإسلام في تشريعه للعدل لم تجعلها له أية شريعة سابقة ولم يبلغ مثلها العدل في أي نظام قانوني قديم أو حديث وليس أدل على ذلك من آيات القرآن الكثيرة التي تخض على العدل وتأمر به. أمراً مجملاً شاملاً للشئون الحياة كلها في العديد من الآيات. وأمراً مفضلاً خاصاً ببعض الأمور التي يتوقع فيها الحيف والظلم في بعض الآيات الأخرى فمن آيات القرآن التي جاء فيها الأمر بالعدل على وجه العموم والإطلاق قوله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى) النحل آية 90، وقوله (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) النساء آية 58، وقد يبدو للبعض أن هذه الآية الكريمة يقتصر نطاقها على التطبيق في مجال القضاء والحكم في المنازعات بناءً عليها وفق قواعد العدالة غير أن هذا الفهم لا يتفق وإجماع المفسرين لكتاب الله إذ يقررون أن (المراد من الحكم في هذه الآية هو ما كان عن ولاية عامة أو خاصة) نقل إجماع المفسرين على هذا المعنى العلامة محمد بخيت المطيعي، مفتي الديار المصرية سابقاً في كتابه: حقيقة الإسلام وأصول الحكم ص37-38. فإنه يجدر بنا أولاً أن نبين نوعا الولاية. فالولاية العامة هي الملزمة في شأن من شئون الجماعة كولاية سن القوانين والفصل في الخصومات وتنفيذ الأحكام والهيمنة على القائمين بذلك بعبارة أخرى أنها حسب اصطلاح الفقه القانوني الحديث القيام بعمل من أعمال إحدى السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية. والولاية الخاصة هي السلطة التي يملك بها صاحبها التصرف في شأن من الشئون الخاصة بغيره كالوصاية على الصغار والولاية على المال والنظارة على الأوقاف وهي تشمل كل من يملك سلطة بدءًا بولاية الرجل على بيته وهي ولاية خاصة وصولاً إلى ولاية رئيس الدولة وهي ولاية عامة فالكل مأمور بإقامة العدل حسب ولايته [فالإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في بيته وهو مسئول عن رعيته] إلى آخر ما جاء في الحديث المتفق على صحته. وكما فرض القرآن العدل فيما بين المؤمنين بعضهم بعضاً فرضه أيضاً فيما بينهم وبين أعدائهم قال تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) المائدة آية 8. وقد يحمل الحب كما يحمل الكره بعض القلوب على الحيف والجور تحقيقاً لما يظنونه مصلحة لمن يحبون ولذلك يحذر القرآن من مثل هذا الحيف فيخاطب المؤمنين: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) سورة النساء آية 135. والقسط هو العدل. فإن الله يأمرنا في هذه الآية أن نكون عدولاً ولو جاء ذلك العدل ضد أنفسنا أو الوالدين أو ذوي القربى. ويقول الفقيه الدستوري الكبير الدكتور/ عبد الحميد متولي: (ولقد ذهبت العدالة في الإسلام مدى بعيداً أبعد مما عرف في أية شريعة أخرى من الشرائع السماوية أو الوضعية أن نجد القرآن يحث على العدالة حتى ضد النفس أي ضد المرء ذاته والعدالة حتى مع الأعداء) مبادئ نظام الحكم في الإسلام د/ عبد الحميد متولي ص286. وليس المفروض بنصوص القرآن هو العدل في الحكم والفعل فحسب، بل كذلك يفرض القرآن العدل حتى في القول (إذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى) سورة الأنعام آية 152. على أن الآيات التي قدمناها عن إيجاب العدل وتحريم الظلم يجب أن يشار معها إلى بعض الحالات التي نص في خصوصها على إيجاب العدل بياناً لمدى عناية تشريع الإسلام بهذا الأصل من أصول الحياة الاجتماعية ومبدأ من أهم المبادئ الدستورية في نظام الحكم الإسلامي. ولهذا حرص على توكيده في المجالات المختلفة. ونكتفي هنا بمثلين من هذه الحالات أحدهما هو العدل في شئون الأسرة والثاني هو العدل في كتابة الوثائق التي تحفظ الحقوق بين الناس وفي الشهادة عليها. أما في شئون الأسرة فقد جعل القرآن الكريم من العدل شرطاً في الإقدام على تعدد الزوجات قال تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) سورة النساء آية 3. وقد جعل الله هنا مجرد الخوف من الجور مانحاً من إباحة أمر مشروع في الأصل وهو تعدد الزوجات. وقد استخرج الفقهاء من هذه الآية ومثيلات لها في مواضع أخرى قاعدة فحواها أن المباحات جميعاً مشروطة بألا يترتب على إتيانها ضرر أو إيذاء للغير وأنه متى خيف ذلك أو تيقن من باب أولى أصبح المباح ممنوعاً منعاً لهذا الضرر أو الإيذاء الإسلام عقيدة وشريعة للعلامة محمود شلتوت ص468. وأمر بالعدل بين الأولاد وحرم المفاضلة بينهم في العطية وغيرها من أنواع المفاضلة لأن ذلك يؤدي إلى عقوق الوالدين.