صفحة 1 من 1

الحرية السياسية.. المفهوم والاصول

مرسل: السبت ديسمبر 15, 2012 12:49 am
بواسطة رياض الغامدي
الحرية السياسية من أهم ضمانات فاعلية الشعوب ومشاركتها السياسية, فلا يمكن للمشاركة السياسية أن تكون فاعلة في غياب الحرية السياسية , وسيادة الطغيان والغلبة والقهر .
وبالرغم من أهمية الحرية وحب البشرية قاطبة لها , وسعيها لتحقيقها , إلا أن مفهوم الحرية عند الأمم والشعوب يختلف ويتباين باختلاف المنطلقات , واختلاف الأجيال والظروف والأحوال والآمال, فماذا تعني كلمة الحرية في اللغة والاصطلاح ؟

الحرية لغة:-

استخدمت العرب لفظ (حر) للتعبير عن كرام الناس وأشرافهم , كما عبرت به عن خيار الأشياء وحسن الأفعال والأعمال (1).

فالحرية بهذا الاعتبار هي ضد العبودية , كما استخدمت مفردات للتعبير عن مفهوم الحرية ك(عتق)(خلاص)(إطلاق سراح).

الحرية في الاصطلاح :-

لم ترد كلمة الحرية في القرآن الكريم , ولكن وردت مشتقاتها ومرادفاتها ودلالاتها مثل: تحرير ومحرر وعتق وحلال ولا اكراه , وغير ذلك من الألفاظ الدالة علي الحرية وعدم التقييد .

والمعني الاصطلاحي لا يكاد يخرج عن المعنى اللغوي فالحرية في الاصطلاح تأتي بمعنيين(2):-

الأول : ضد العبودية , وهي أن يكون تصرف الشخص العاقل في شئونه بالأصالة , تصرفا غير متوقفا علي رضي أحد آخر.

الثاني :وهو تمكن الشخص من التصرف في نفسه وشئونه كما يشاء , دون معارض.

البعد الأصولي للحرية :-

يختلف الأساس الذي تقوم عليه قضية الحرية في الإسلام عن سائر المذاهب الأخرى, حيث يقوم مفهوم الحرية في الإسلام على ما يلي :-
1/ المساواة بين الخلق في العبودية للخالق , وهو معنى لا اله إلا الله وهو إفراد الخالق بالعبادة ومساواة سائر الخلق في العبودية , فالحرية في الإسلام تبدأ من العبودية الخالصة لله , والتحرر الكامل من غيره
2/ الكرامة الإنسانية :يدور مفهوم الحرية في الإسلام حول إنسانية الإنسان وكرامته , قال تعالى:( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر .........) (5)
فالإسلام ينص على تكريم الإنسان على سائر الخلق, وتفضيله بالعقل وسجود الملائكة له , وإنزال الكتب وإرسال الرسل , وتخييره بين الإيمان والكفر
3/ جاءت الأحكام الشرعية بيانا للواجبات والحريات والحرمات حيث عرف الأصوليون الحكم الشرعي بقولهم ( هو خطاب الله المتعلق بفعل المكلف اقتضاءً أو تخييراً أو وضعاً )(10) .
ويتم تصور الحرية في الخطاب الشرعي . من خلال كلمة التخيير التي تنافي الإلتزام والتقييد . وقد بحث العلماء ذلك في باب المباح وتعريفهم له بقولهم ( المباح من حيث هو مباح لا يكون مطلوب الفعل ولا مطلوب الإجتناب)
4\ والحريات في الشريعة الإسلامية هي (منح إلهية) وكونها منح إلهية يخول الإنسان حقوقا لا سلطان لأحد عليها , يترتب علي ذلك جملة نتائج منها(15):

(أ) أن مصدرها رباني , وتلك الربانية تعني أن مصدرها ومرجعها إلي الله تعالي, ألذي هو أصل الحقوق والواجبات والحريات وهي بذلك, وهي بذلك تعتبر دينا وشرعة .

(ب) الحريات كونها منح إلهية يكسبها صفة دينية مما يجعلها تتمتع بقدر كبير من الهيبة والقدسية بحكم مصدرها الإلهي فلا تقبل الحذف ولا النسخ ولا التعطيل .

(ج) الحريات كونها منح إلهية يجعلها بمنأى عن كل الفوارق الجنسية والإقليمية والإجتماعية فتكتسب بذلك بعدا إنسانيا, حيث لا تفاضل بين الناس إلا بالتقوى .

(د) ارتباط الحريات بالله تعالي يعطيها ثباتا وشمولا لأن الله تعالي أعلم بحاجات الخلق التي تحقق لهم السعادة والمصلحة, قال تعالي : ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) (16).

(هـ) ارتباط الحريات بالله تعالي كفل لها التوازن فجاءت بعيدة عن الإفراط والتفريط, الإفراط في حقوق الأفراد علي حساب المصلحة الجماعة, أو التفريط في حقوقهم وحرياتهم لمصلحة السلطة لأن المانح لهذه الحريات هو الله تعالي بتشريع منه, لا الأفراد حتي يغالوا فيها , ولا الدولة حتي تذيد في سلطانها علي حساب الأفراد, بالإضافة إلي أن الحريات في الإسلام قيدت بالواجبات والحرمات وبهذا ابتعد الإسلام عن الإفراط في حريات الأفراد علي حساب الجماعة كما في الفكر الغربي الرأسمالي, أو التفريط في حرياتهم لحساب الجماعة كما في الفكر الماركسي, والنظامان متطرفان بالقياس إلي خصيصة الوسطية والإعتدال الإسلامي.