صفحة 1 من 1

ضوابط الحرية السياسية

مرسل: السبت ديسمبر 15, 2012 12:51 am
بواسطة رياض الغامدي
تنطلق الحرية السياسية في الفكر الغربي من كون الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة , ولذا ترتبط بعدة حقوق,منها حق المساهمة في السيادة الشعبية , وهي تنطلق من أن إرادة الشعب مصدر سلطة الحكومة والتي تجعل لكافة المواطنين الحق في الإسهام في إدارة شئون الدولة وتقلد المناصب بصرف النظر عن الدين أو اللون أو الجنس, كما ترتبط كذلك بحق التصويت, ومنها التصويت علي القوانين تعبيرا عن الإرادة العامة التي تقتضي أخذ رأي الشعب في تعديل القوانين القائمة, أو وضع قوانين جديدة(29).

ونجد هنا أن الإسلام يختلف في نظرته للحرية السياسية بناءا علي الأساس الفلسفي الذي تقوم عليه المذهبية الإسلامية في نظرتها إلي الحريات وكذلك تشير إلي أن الحرية السياسية التي نتحدث عنها لابد أن تنضبط بالضوابط الآتية:-

1- حاكمية الشرع, حيث أن الشريعة هي مصدر الحقوق والواجبات والحريات وأن كل فعل أو قول يخالف الشريعة فهو باطل وفاقد للمشروعية, ذلك أن الإسلام دين توحيدي قائم علي ربط الكون والإنسان والحياة بالله في الوجهة والقصد والمنتهي, وان كل حركة وسكون محكوم بتشريع صادر عن الله تعالي, لا سبيل للخروج أو الفكاك عنه إلا بقدر المروق والفسق عن دائرة الاستسلام لله اختيارا وأن إعطاء حق السيادة للشعب ليكون له الحق الكامل في التحليل والتحريم, يتناقض مع الرؤية الإسلامية في منطلقاتها الأساسية, يقول الإمام الشاطبي :( وأن الحجة القاطعة والحاكم الأعلى هو الشرع لاغيره) (30) .

وبناء علي ما سبق فإن الإسلام يمارس حرياته في إطار الضوابط الشرعية تحقيقا لأصل العبودية لله , ولا يجوز الاعتداء عليه من الفرد أو الجماعة مادام علي هذه الحال وإلا عد الاعتداء عليه ظلما يجب محاربته

2- أن لا تؤدي ممارسة الحريات إلى الإضرار بالغير فإن أدى إلي الإضرار بالغير كان ذلك تعسفا, وبكون المنع من هذا الوجه, لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا ضرر ولا ضرار )(31), وقد فصل الإمام الشاطبي مسألة المنع من الإضرار, وخلاصة قوله ( أن جلب المصلحة أو دفع المفسدة إذا كان مأذون فيه على ضربين :-

أحدهما : أن لا يلزم عنه إضرار الغير, وهذا باق على أصله من الإذن.

ثانيهما : أن يلزم عنه الإضرار بالغير بقصد أو بغير قصد وهو علي ضربين :

الأول: أن يقصد الجالب أو الدافع ذلك الإضرار, كالمرخص في سلعته قصدا لطلب معاشه وصحبه قصد الإضرار بالغير, إلى أن قال : وأما الثاني فهذا لا إشكال في منع القصد إلي الإضرار من حيث هو إضرار لثبوت الدليل على أن لا ضرر ولا ضرار في الإسلام لكن يبقى النظر في هذا العمل الذي اجتمع فيه قصد نفع النفس وقصد إضرار الغير بين الإذن والمنع وهذا مما يتصور فيه الخلاف على الجملة(32).

3- سد الذرائع واعتبار المآل.

عند الحديث عن الحريات وممارستها راعت الشريعة سد الذرائع واعتبار المآل فالطريق إلى الحرام حرام, وإلى المباح مباح فيأخذ الفعل حكما يتفق مع ما يؤول إليه ذلك الفعل مشروعا لمصلحة فيه تستجلب أو لمفسدة تدرأ, ولكن له مآل على خلاف ذلك, فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها, فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية, وهو مجال للمجتهد صعب المورد, إلا أنه عذب المذاق محمود الغب جار علي مقاصد الشريعة .(33)

4- الضوابط الأخلاقية : -

سعت الشريعة في أحكامها إلى تعزيز الرقابة الداخلية في الإنسان بتعزيز القيم الأخلاقية الفاضلة وتجنب مدنسات الأخلاق, فيمارس المسلم الحرية السياسية في ظل الضوابط الأخلاقية, فالخوض في لأعراض الناس محرم, والسعي بين الناس بالتخرص وسوء الظن وتتبع العثرات , والسعي بفحش القول, قال الله تعالي:(لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين )(34) وقال تعالي :( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ...)(35). وقال تعالي :( يأبها الذين أمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعد الظن إن بعد الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا)(36) وقال تعالى :( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ...)(37), وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء)(38)

5- الضوابط الإجرائية:

تحتاج ممارسة الحرية السياسية بالإضافة إلي الضوابط المنهجية والأخلاقية أعلاه , إلي ضوابط إجرائية, يتم التوافق عليها بين الدولة والمجتمع من خلال الجهاز التشريعي حتى لا تتحول ممارسة الحرية إلى نوع من الفوضى, ولكن الضوابط الإجرائية يجب أن لا تعود على اصل الحرية السياسية بالبطلان, لان الوسائل لا يجوز أن تعود على المقاصد بالتعطيل, بل يجب أن تكون خادمة لها, فالإجراءات وسائل مكملة والحرية مقصد من المقاصد العامة في السياسية الشرعية, يقول الإمام الشاطبي في هذه الضوابط ( والمكمل إذا عاد للأصل بالبطلان لم يعتبر )(39)