فلسطين وعدم شرعية اسرائيل
مرسل: السبت ديسمبر 15, 2012 1:48 am
بسم الله الرحمن الرحيم
وعلى بركتة نستعين والحمد لله رب العالمين اما بعد.
فرضت إسرائيل على مدار عقود سياسة الأمر الواقع في صراعها مع الجانب الفلسطيني، والجانب العربي بصورة أشمل، وكان من أبرز سمات هذه السياسة التوسع الاستيطاني بحيث تزايدت المستوطنات بصورة جعلت من المحال التوصل إلى الدولة الفلسطينية المنشودة. فضلاً عما أوجدته من حالة من الجفاء في العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية بدت بصورة واضحة في الآونة الأخيرة مع الإعلان الإسرائيلي عن بناء مزيدٍ من المستوطنات في القدس الشرقية أثناء زيارة نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن لإسرائيل الأمر الذي اعتبرته الولايات المتحدة إحراجًا لها وطالبت بضرورة التوقف عن بناء مزيدٍ من المستوطنات لاسيما أنها تعوق العملية السلمية.
وبالتزامن مع هذه التطورات تجددت إشكالية شرعية المستوطنات الإسرائيلية، وما موقع هذه المستوطنات من الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي؟ في ضوء الاتفاقيات والمعاهدات ذات الصلة، وهو ما حاول نيكولاس روستو Nicholas Rostow تناوله من خلال دراسته التي نُشرت على الموقع الإلكتروني لدورية المصلحة الأمريكية The American Interest في عددها (مارس ـ إبريل 2010) وجاءت تحت عنوان: هل المستوطنات غير شرعية؟ "Are the Settlements Illegal?”.
اتفاقية جنيف وقرارات مجلس الأمن
تحتل اتفاقية جنيف الرابعة عام 1949 والخاصة بحماية المدنيين في أوقات الحروب أهمية بارزة، فهي محور اهتمام التحليلات التي تستهدف تناول قضية شرعية المستوطنات الإسرائيلية نظرًا لما تضمنته من مواد أهمها المادة الثانية التي تنص على :"أن الاتفاقية تطبق في جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلى لإقليم أحد الأطراف المشاركة في الاتفاقية " .
وتشير المادة الرابعة من الاتفاقية ذاتها إلى أن "الأشخاص الذين تحميهم الاتفاقية هم أولئك الذين يجدون أنفسهم في لحظة ما وبأي شكل كان، في حالة قيام نزاع أو احتلال، تحت سلطة طرف في النزاع من رعاياه أو دولة احتلال ليسوا من رعاياها "، فيما تنص الفقرة السادسة من المادة (49) على "أن سلطة الاحتلال لا يمكن لها أن تقوم بنقل أو ترحيل جزء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي قامت باحتلالها".
وفي سياق متصل تمثل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أحد الأطر الهامة التي يتم الاستناد إليها في تناول قضية المستوطنات الإسرائيلية وتأتي في مقدمة هذه القرارات القرار 242 لعام 1967 والقرار 338 لعام 1973، إذ يؤكد القرار 242 على ضرورة تأسيس سلام عادل في الشرق الأوسط وما يتطلبه ذلك من انسحاب إسرائيلي من أراضى احتلتها في الصراع الدائر(وهو الأمر الذي أثار جدلاً واسعًا حول كلمة أراضى، هل هي جزء من الأراضي أم المقصود بها جميع الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967؟ بالإضافة إلى إنهاء جميع حالات الحرب والاعتراف بسيادة واستقلال ووحدة أراضى كل دول المنطقة وحقها في العيش بسلام داخل حدود آمنة ومعترف بها.
فيما يتضمن القرار 338 التأكيد على عدد من المبادئ في مقدمتها دعوة جميع الأطراف المشاركة في القتال الدائر إلى وقف إطلاق النار والشروع في تطبيق قرار مجلس الأمن 242 بعد وقف إطلاق النار والشروع في مفاوضات جادة لعملية السلام بالشرق الأوسط.
جدال حول شرعية المستوطنات الإسرائيلية
أضفت حرب يونيو 1967 مزيدًا من التعقيد على قضية المستوطنات فقد خرجت إسرائيل من الحرب منتصرة وسيطرت على عديد من الأراضي العربية بما في ذلك الأراضي التي كانت من المفترض أن تكون جزءًا من أراضى الدولة الفلسطينية وفقًا لما جاء به قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947، ومنذ ذلك الحين توسع النشاط الاستيطاني الإسرائيلي بصورة جعلت تلك القضية تحتل أولوية بارزة وموضع لعديدٍ من التحليلات التي تتناول القضية بصورة رئيسة من منظور الشرعية الدولية ومدى تطابق الإجراءات الإسرائيلية مع القانون الدولي والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
وفي هذا الصدد يشير روستو إلى أن الآراء قد انقسمت تجاه تلك القضية إلى اتجاهين رئيسين، الاتجاه الأول يؤيد شرعية المستوطنات الإسرائيلية ويدعم ذلك الموقف بعدد من الحجج يأتي في مقدمتها:
أولاً: إن اتفاقية جنيف لا تنطبق على حالة المستوطنات الإسرائيلية إذ إن المادة الثانية من الاتفاقية تنص على "أن الاتفاقية تنطبق في جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلى لإقليم أحد الأطراف المتعاقدة "، ومن هذا المنطلق يستنتج أنصار ذلك الاتجاه عدم وجود أية مطالبات من جانب الأطراف في الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل الأمر الذي يعنى أن تلك الأقاليم ليست تابعة لأي من الأطراف المتعاقدة, ومن ثم فإن الاتفاقية لا تنطبق على حالة المستوطنات اليهودية.
فنصوص اتفاقية جنيف ليست موجهة لهذه النوع من النشاط الذي تقوم به إسرائيل حيث إن طبيعة وحجم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لا تشكل تهديدًا للسكان المحليين ومن ثم فهي لا تمثل خروجًا أو انتهاكًا لنصوص وروح اتفاقية جنيف.
ثانيًا: اتفاقية جنيف لا تحظر(تجرم) المستوطنات التي تقام بواسطة المستوطنين اليهود (حتى ولو تم التسليم بأنها تحظر المستوطنات التي تقام بواسطة الحكومة الإسرائيلية) لاسيما أن الانتداب البريطاني على الأراضي الفلسطينية منح حقوقًا واسعة النطاق لليهود في فلسطين، كما أنه ليس هناك أساس قانوني لمنع اليهود من إقامة مستوطنات في فلسطين.
في هذا السياق يتم الاستدلال بالمادة السابعة من نظام الانتداب التي تنص "على إدارة فلسطين، مع ضمان عدم إلحاق الضرر بحقوق ووضع فئات الأهالي الأخرى، أن تسهل هجرة اليهود في ظل أحوال ملائمة وأن تشجع بالتعاون مع الوكالة اليهودية حشد اليهود في الأراضي الأميرية والأراضي الموات غير المطلوبة للمقاصد العمومية ".
ثالثًا: لا يمكن إغفال أن قضية المستوطنات ترتبط بحرب 1967، ووفقًا لأنصار هذا الاتجاه، فإن إسرائيل مارست خلال هذه الحرب حق الدفاع الشرعي عن النفس ضد الحصار المفروض عليها من جانب مصر والإجراءات المصرية التي تعد عملاً عدائيًّا ضدها الأمر الذي يعطي لإسرائيل الذريعة للسيطرة على تلك الأراضي.
رابعًا: تعد المزاعم التاريخية لليهود في المنطقة أحد الركائز التي يتم الاستناد إليها في هذا الصدد حيث إن اليهود لهم تواجد وتاريخ في المنطقة، ومن ثم فإن إنشاء إسرائيل يعد حقًّا تاريخيًّا لهم ولا يمكن أن ينازعوا عليه.
فيما يعتبر الاتجاه الثاني المستوطنات في الأراضي التي احتلتها إسرائيل خلال حرب يونيو 1967 غير شرعية, وهو الأمر الذي يرجعه إلى عدد من العوامل، أهمها:
أولاً: تعد اتفاقية جنيف وثيقة الصلة بقضية المستوطنات الإسرائيلية حيث إنها تستهدف بصورة رئيسة حماية الشعوب، وليس الأراضي ومن ثم فإن رفض تطبيقها على الضفة الغربية وقطاع غزة يتنافى مع الغرض من الاتفاقية وخاصة مع ما تشير إليه نصوصها من مبادئ تأتي في مقدمتها المادة الرابعة التي تؤكد على ضرورة توفير الحماية للأشخاص الذين يجدون أنفسهم، تحت أي شكل أو ظرف من الظروف، في أيدي دولة احتلال ليسوا من مواطنيها.
ثانيًا: يمكن القول إن اتفاقية جنيف تمثل انعكاسًا للقانون الدولي العرفي الذي يعد بمثابة مرجع رئيسٍ لكافة أطراف المجتمع الدولي وكما هو متعارف عليه فإن أحد المبادئ الرئيسة للقانون الدولي العرفي عدم اللجوء إلى القوة العسكرية لتسوية النزاعات والصراعات الإقليمية وهو الأمر الذي لم تحترمه إسرائيل حيث احتلت الضفة الغربية وقطاع غزة بالقوة العسكرية مما يترتب عليه القول بأن المستوطنات الإسرائيلية في تلك الأراضي غير شرعية.
ثالثًا: تسعى إسرائيل من خلال التوسع الاستيطاني إلى تغيير طابع وشكل الأراضي المتنازع عليها لمصلحتها الأمر الذي يعوق في نهاية المطاف عملية السلام وتطبيق النصوص الواردة في قرارات مجلس الأمن 242 و383.
رابعًا: يمثل الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية عام 2004 بشأن الآثار القانونية لإنشاء الجدار العازل في الأراضي الفلسطينية المحتلة مرجعية قانونية هامة في التأكيد على عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية إذ إن الرأي الاستشاري يبدأ من افتراض مفاده أن الهدف من الانتداب البريطاني على فلسطين هو تحقيق تقرير المصير للفلسطينيين ومن ثم فإن الأراضي المحتلة تعد أراضى فلسطينية وهو بدوره ما يجعل المستوطنات الإسرائيلية هناك غير شرعية.
الإدارات الأمريكية وقضية الاستيطان
تتناول الدراسة موقف الإدارات الأمريكية المختلفة من قضية الاستيطان منذ فترة الرئيس ليندون جونسون وهو الموقف الذي يرى روستو أنه يعكس عددًا من الحقائق إذ إن الإدارات الأمريكية أولت اهتمامًا واضحًا بوضع القدس والإجراءات الإدارية التي تتبناها إسرائيل في المدينة المقدسة وكانت تؤكد تلك الإدارات على ضرورة الأخذ في الاعتبار مصالح كافة سكان المدينة (سواء أكانوا يهودًا أم مسلمين أم مسيحيين) عند تبنى السلطات الإسرائيلية أية إجراءات في القدس .
ويشير روستو إلى أن ذلك الاهتمام بالوضع في القدس طغى في كثيرٍ من الأحيان على الاهتمام بالمستوطنات الإسرائيلية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وحتى مع تناول الإدارات الأمريكية المتعاقبة لقضية المستوطنات وانتقادها للتوسع الاستيطاني الإسرائيلي فقد حاولت تجنب إقحام الجانب القانوني والشرعية الدولية عند الحديث عن المستوطنات حيث ارتكزت الانتقادات على أن تلك المستوطنات تمثل عائقًا فعليًّا أمام التقدم في عملية السلام وقد عبر الرئيس ريجان عن ذلك الموقف عندما اعتبر أن المستوطنات الإسرائيلية لا يمكن وصفها بغير شرعية ولكنها "غير حكيمة واستفزازية" وتعوق إنجاز العملية السلمية وهو الأمر الذي يفسر تصويت إدارة ريجان ضد قرارات الأمم المتحدة التي تصف المستوطنات بغير الشرعية.
في سياق متصل تعتبر الدراسة أن موقف الرئيس كارتر مثل تباينًا وخروجًا عن موقف الإدارات التي سبقته حيث تبنت إدارته للمرة الأولى موقفًا تجاه المستوطنات بشكل إجمالي يصفها بغير الشرعية بموجب القانون الدولي وصوتت الولايات المتحدة لصالح القرارات الصادرة عن الجمعية والتي تصف المستوطنات بغير الشرعية وعلى الرغم من هذا الموقف فقد رفضت الإدارة الأمريكية التصويت لصالح قرار مجلس الأمن الداعي إلى تفكيك المستوطنات.
وتخلص الدارسة إلى أن الإدارات الأمريكية السابقة لم تقدم سوابق جادة ومواقف متسقة يمكن أن تقيد من حركة الإدارات الأمريكية في الحاضر أو المستقبل وهو الأمر الذي يعطي لهذه الإدارات الحرية في التعامل مع تلك القضية وفقًا لرؤيتها الخاصة.
وبعيدًا عن الجدل القانوني حول شرعية المستوطنات الإسرائيلية فعلى الولايات المتحدة أن تتعامل مع تلك القضية من منظور أوسع وهو السعي إلى دفع عملية السلام بين إسرائيل والدول العربية وذلك من خلال حل وتسوية عادلة ترضي كافة أطراف الصراع. فضلاً عن ذلك فعلى إدارة الرئيس أوباما ضرورة التعرف على تاريخ قضية المستوطنات.
التنكر للقرار 194 يقابله الإقرار بعدم شرعية قيام إسرائيل :
1. توطئة:
تمثل قضية اقتلاع وطرد الشعب الفلسطيني من أرضه ودياره الأصلية في الفترة الواقعة بين قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947 وإعلان قيام دولة إسرائيل بتاريخ 15 ايار 1948، حجر الزاوية للصراع الفلسطيني- الصهيوني. يطلق الفلسطينيون على عملية اقتلاعهم من أرضهم والنتائج التي ترتبت على هذا الاقتلاع مصطلح "النكبة"، ويجمع العديد من المراقبين والسياسيين ان هذه النكبة، بما خلفته من نتائج سياسية واقتصادية واجتماعية، غيرت وجه العالم بشكلٍ عام، وخلقت عدم استقرار في الشرق الأوسط بشكلٍ خاص (موريس، 2004)، لما يزيد عن الستة عقود.
لقد سيطر هذا التشريد والاقتلاع على تفسيرات المؤرخين والقانونيين لأكثر من 60 عاماً، وظل محل جدال حتى بداية الثمانينيات من القرن العشرين، حيث كانت المعزوفة الصهيونية هي المسيطرة، وتحديداً في الغرب. باختصار، تعزو الرواية الإسرائيلية الرسمية، والمدعومة ايضاً من منظري الحركة الصهيونية، تهجير او طرد الفلسطينيين من أرضهم إلى الادعاء القائل بأن أغلبية الفلسطينيين هاجروا من أرضهم طوعاً وبأوامر من الزعماء العرب الذين أعلنوا الحرب على إسرائيل عام 1948 نتيجة رفضهم لقرار تقسيم فلسطين (شيلر-جلاوس،2007)، وهو ادعاء ما زالت الحركة الصهيونية تروج له في جميع المناسبات. في المقابل، فان الرواية الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية، تصر على ان الفلسطينيين طردوا من وطنهم الأصلي بعملية تطهير عرقي منظمة مسبقاً نفذتها الحركة الصهيونية بحق شعب اعزل (خالدي، 2007). يمثل هذه الرواية بشكل واضح البروفسور الراحل ادوارد سعيد الذي يجادل الرواية الإسرائيلية بقوله: ان عملية طرد الفلسطينيين من أرضهم نتجت بشكل مباشر عن "تطهير عرقي مفضوح" وان "أي وصف آخر لهذه الأعمال التي قام بها الجيش الإسرائيلي هي تزييف ساخر للحقيقة، بالرغم من الاعتراضات التي يتمسك بها اليمين الصهيوني المتصلب" (سعيد، 2001). بالإضافة إلى التأييد الذي تحظى به هذه الرواية من القانونيين والسياسيين العرب والعالميين، فإنها أصبحت مدعومة خلال السنوات العشرين الأخيرة من قبل مجموعة من المؤرخين الإسرائيليين الجدد، الذين استخدموا الأرشيف الإسرائيلي والبريطاني، واستطاعوا دحض الرواية الإسرائيلية الرسمية بشكل فاصل (خالدي، 2007). يمثل هؤلاء المؤرخون الدكتور إلان بابيه، الذي تعتبر إصداراته عن طرد الفلسطينيين من أرضهم ذو قيمة سياسية عالية للغاية، والذي يقول: ان ترحيل الشعب الفلسطيني الأصلي من وطنه كان جزءاً من عملية تطهير عرقي صهيونية منظمة ومعدة سلفاً لتهجيرهم (بابيه، 2006).
وبالرغم من انكشاف مدى الزيف في الرواية الإسرائيلية، وخصوصاً في الأوساط الأكاديمية وحركات التضامن، ما زالت إسرائيل تتنكر للاعتراف عن مسؤولياتها التاريخية والأخلاقية والقانونية عن طرد الفلسطينيين من أرضهم وتشريدهم في أنحاء المعمورة، وترفض عودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة ممتلكاتهم كما نص القرار الاممي 194 الصادر عن الأمم المتحدة في كانون الأول 1948. ففي الوقت الذي يعيش فيه لاجئو الشعب الفلسطيني في مخيمات اللجوء وفي ظروف غاية في القسوة، تمارس إسرائيل هيمنها على أملاك اللاجئين وذلك بهدف طمس أية معالم تشير إلى ان الفلسطينيين كانوا سكاناً أصليين في فلسطين، وهذا واضح بشكل جلي من خلال عملية التهجير والتطهير العرقي المتواصلة التي تمارسها دولة إسرائيل منذ نشوءها وحتى يومنا هذا، والتي كان آخرها أوامر هدم وإخلاء بعض الأحياء العربية في مدينة القدس المحتلة.
ساتطرق في هذه المقالة الى العوامل التي مهدت لصدور القرار الدولي 194، والى تفسير الفقرة 11 من القرار 194. وفي الختام ملخصا مكثفا للتفسير الاسرائيلي للقرار 194.
2. العوامل التي مهدت لصدور القرار 194:
على ضوء احتدام الصراع الدائرة على ارض فلسطين بين المنظمات الصهيونية والقوى الفلسطينية تدخلت الامم المتحدة كجهة مسؤولة عن الانتداب على فلسطين واصدرت قرار تقسيم فلسطين رقم 181 عام 1947، والذي نص على تقسيمها الى دولتين، واحدة لليهود وأخرى للفلسطينيين، والذي نص ايضاً على تخصيص 56% من ارض فلسطين التاريخية لليهود، اما النسبة المتبقية من الأرض فقد خصصت للفلسطينيين العرب (بابيه، 2006). تم رفض القرار من قبل القيادة الفلسطينية والعربية في تلك الفترة، ونتج عن تبنيه من قبل الامم المتحدة ادخال فلسطين وشعبها في مرحلة صراع دامية مع الحركة الصهيونية بقيادة ديفيد بن جوريون، والتي كانت تنفذ مخططاً مبيتاً للاستيلاء على فلسطين وطرد سكانها الاصليين منها. بلغ هذا الصراع ذروته في الاشهر الست التي سبقت اعلان قيام دولة اسرائيل على ارض فلسطين، ارتكبت خلال تلك الفترة المشؤومة العديد من المجازر، اشهرها مجرزة دير ياسين، واقتلع الشعب الفلسطيني من أرضه ودمرت المئات من القرى وصودرت ممتلكات الناس البسطاء، وذلك بحسب شهادات اللاجئين أنفسهم، وشهادات عدد من المؤرخين الإسرائيليين الجدد (بابيه، 2006). مع انتهاء هذه الجولة المبيتة من عملية التطهير العرقي للسكان الفلسطينيين من قبل الحركة الصهيونية وإعلان قيام دولة اسرائيل على اراضي فلسطين في 15 ايار 1948، تبين ان ثلثي الشعب الفلسطيني أصبحوا لاجئين في المنافي والأجزاء التي تبقت من فلسطين والتي صارت تعرف فيما بعد بالضفة الغربية وقطاع غزة (مركز بديل: اللاجئون والمهجرون الفلسطينيون: المسح الشامل لعام 2004-2005).
على اثر هذه الاحداث الدامية، وتحديداً بتاريخ 14 ايار 1948، اجتمعت هيئة الامم المتحدة وأقرت في اجتماعها الطارئ إرسال الوسيط "الكونت فولك بيرنادوت" الى فلسطين لتقصي الحقائق ودراسة الوضع الكارثي في فلسطين، والمتعلق بتهجير الفلسطينيين من وطنهم ومصادرة أملاكهم من قبل العصابات الصهيونية. في آب 1948 وبعد دراسته لآثار الحرب وما نتج عنها، قدم الوسيط الدولي تقريراً لمجلس الأمن الدولي أوصى فيه "بالاقرار فوراً لكل اللاجئين الفلسطينيين المهجرين في صراع عام 1948 بممارسة حقهم في العودة الى ديارهم التي هجروا منها"، كما اوصى بان تقوم الحكومة الاسرائيلية باتاحة الفرصة لعدد محدود من اللاجئين بالعودة الى منازلهم وممتلكاتهم (تاكنبرج، 1998). لكن، كان واضحاً ان إسرائيل ترفض التوصيات التي جاءت في تقرير الوسيط الدولي، وكانت كما هي اليوم، ترفض الاعتراف بحقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى منازلهم وممتلكاتهم، وقد اتضح هذا الهدف الإسرائيلي بعد عملية اغتيال الوسيط "الكونت فولك بيرنادوت" على يد مجموعة من الصهاينة في القدس بتاريخ 17 ايلول، والتي نفذت بعد يوم واحد فقط من تقديمه للتوصيات (تاكنبرج، 1998). بعد اغتيال "الكونت بيرنادوت"، وبناءً على التوصيات التي دفع حياته مقابلها، اجتمعت هيئة الامم المتحدة بتاريخ 11 كانون الأول 1948 وأصدرت القرار 194، الذي يعتبره العديد من الخبراء القانونيين الإطار الشامل لحل دائم، وعادل لقضية اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين.
3. تفسير القرار 194:
تنبع اهمية قرار 194 من حقيقة انه وضع إطارا لحل عادل ودائم لقضية اللاجئين الفلسطينيين، ومن حقيقة انه ثبت حقوق اللاجئين في العودة، واستعادة الممتلكات، والتعويض المادي والمعنوي، وهذه الحقوق تعتبر حسب تفسيرات الخبراء القانونيين، الاساس لأي حل مستقبلي للقضية الفلسطينية، وبدونها سيكون من المستحيل إيجاد حل عادل ودائم. في الوقت الحاضر، عندما نتكلم عن القرار 194، وبقراءة الفقرة 11/1 بشكل تحليلي، نجد انها حددت ثلاثة حقوق رئيسية يحق لكل اللاجئين الفلسطينيين ممارستها بموجب العرف الدولي اولا، والقانون الدولي لحقوق الإنسان ثانيا، وهي حق العودة، واستعادة الممتلكات، والتعويض، بالإضافة إلى شمول الفقرة على الخيار الحر للاجئين في تحديد ما يراه كل فرد منهم مناسبا لتقرير مصيره. وحق الخيار الحر موضح بشكل اوسع في الفقرة 11/2 التي اوكلت للجنة الامم المتحدة للتوفيق في فلسطين لتقوم بتنفيذ كل الحلول الخاصة بمشكلة اللاجئين، ويشمل ذلك: الاعادة الى الوطن، والتوطين، والتعويض، والتأهيل الاقتصادي والاجتماعي.
في الحقيقة، فان الحقوق الرئيسية الثلاث-العودة، استعادة الممتلكات، التعويض-المنصوص عليها في القرار 194، لا تزال موضوع نقاش حاد بين طرفي الصراع من وجهة نظر قانونية، فان الفقرة 11 من القرار 194 تحتوي بشكل لا لبس فيه على حلول دائمة لقضية اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا عام 1948 مستمدة أصلا من العرف الدولي وهذا هو مصدر قوة القرار القانونية. وبحسب تفسير الخبيرة القانونية "غيل بولنج" فان الحق الاول المذكور في القرار 194 "هو حق العودة دون لبس او غموض، وان هذا القرار ينطبق على كل الاشخاص المهجرين خلال صراع 1948، وبالتالي فهو يغطي لاجئي 1948 الفلسطينيين، المهجرين في الخارج والذين هجروا ايضاً في الداخل، وان لهؤلاء اللاجئين حق غير مشروط في العودة الى بيوت منشئهم واراضيهم". وقد لاحظت بولنج في تفسيرها للقرار ان الفقرة 11/1 التي تحدد حقوق اللاجئين لا تشمل التوطين، وانما شمل التوطين في الفقرة 11/2 التي توجه لجنة التوفيق لتسهيل تنفيذ الحقوق الواردة في الفقرة 11/1، وفق خيار كل لاجئ على حده (بولنج، 2001).
اما فيما يتعلق بالحق الثاني الوارد في القرار 194، وهو حق استعادة الممتلكات او استعادة الاملاك الخاصة والذي يرتبط بشكل وثيق بالحق الاول، أي حق العودة، فتقول الخبيرة القانونية "جيل بولنج" ان هذا الحق يشير الى "المكان المقصود او الموقع الذي اعلنت عنه الجمعية العامة للامم المتحدة بأن للاجئين الحق في ممارسة حقهم في العودة اليه" وتقول بأن النص جرت صياغته في القرار بوضوح ويشير الى انه الحق "في العودة الى بيوتهم" وليس الى موطنهم (بولنج، 2001).
اما الحق الثالث الذي اشار اليه قرار 194، فهو حق التعويض عن الممتلكات. وبحسب تحليل "جيل بولنج" ، فإن هذا النص اعطى الحق لمجموعتين من اللاجئين الفلسطينيين الحصول على تعويض نقدي كامل مقابل فئات معينة من املاكهم الخاصة (بولنج، 2001).
تجدر الاشارة في هذا الصدد، ان القانون الدولي الإنساني وضع أسسا شاملة للأفراد المهجرين وضرورة ممارسة حقهم في العودة الى الديار التي هجروا او طردوا منها خلال فترة الصراع، وهذا ينطبق ايضاً على اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا بالقوة من ديارهم وبيوت منشئهم. ان الحق في حرية الحركة والذي يتضمن الحق في العودة، هو حق انساني متأصل، مشمول في مجموعة من المعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. فبالإضافة إلى ثبوت الحقوق في العرف الدولي، يمثل الإعلان العالمي لحقوق الانسان، الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948 "اساس" الحق الفردي في العودة في قانون حقوق الانسان. تقول المادة 13/2 من الاعلان انه "يحق لكل فرد ان يغادر اية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة اليه". كما جاء النص نفسه في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حيث تقول المادة 12/4 من العهد انه "لا يجوز حرمان احد، تعسفاً، من حق الدخول الى بلده".
4. التفسير الإسرائيلي لقرار 194، ورفض مبدأ العودة:
منذ قبول إسرائيل كعضو دائم في هيئة الأمم المتحدة بتاريخ 11 أيار 1949، ظل موقفها يتسم بالرفض القاطع لحقوق اللاجئين الفلسطينيين، وخصوصاً العودة والتعويض، كما نصت على ذلك قرارات هيئة الأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي المتتابعة. لقد قُبلت إسرائيل عضواً في الامم المتحدة على شرط ان "تلتزم بشكل واضح بتنفيذ وعدم خرق دستور الامم المتحدة من اليوم الذي تصبح فيه عضواً في المؤسسة الدولية" (قرار الامم المتحدة رقم 273 (III)، قبول اسرائيل عضو في الامم المتحدة).
تتمحور الرواية الاسرائيلية- الصهيونية في رفض مبدأ حق العودة وتطبيق قرارات الامم المتحدة بهذا الخصوص، من الادعاء السياسي-الديني القائل بأن أية محاولة لتطبيق القرار 194 سيخرق تعاليم العقيدة الاسرائيلية في حق تقرير مصير الشعب اليهودي، وسيكون تطبيق القرارات الدولية اشبه بعملية انتحارية لا تحمد عقباها، ستؤدي الى زعزعة وجود اسرائيل، وبالتالي زوالها (فرح، 2003).
اما فيما يتعلق بالتفسير القانوني الإسرائيلي للقرار 194، يتمحور حول فكرة أن القرار توصية فقط وليس قرارا ملزماً لإسرائيل، خصوصا بسبب ورود مصطلح (should ينبغي) بدلاً من مصطلح (must، يجب) في القرار 194، وبالتالي إسرائيل لا تتحمل أية مسؤولية حيال رفضها لحق العودة للفلسطينيين(لابيدوث، 2001، بارد، 2006). ولعله من الأهمية بمكان التأكيد انه إذا كان صدور القرار 194عن الجمعية العامة يجعله مجرد توصية بلا قيمة قانونية أو فعلية، فان هذا القول ينسحب تماما على شرعية وجود إسرائيل التي قامت بموجب القرار 181 الصادر عن ذات الهيئة كتوصية، بل وعن نفس الأعضاء.
وعلى بركتة نستعين والحمد لله رب العالمين اما بعد.
فرضت إسرائيل على مدار عقود سياسة الأمر الواقع في صراعها مع الجانب الفلسطيني، والجانب العربي بصورة أشمل، وكان من أبرز سمات هذه السياسة التوسع الاستيطاني بحيث تزايدت المستوطنات بصورة جعلت من المحال التوصل إلى الدولة الفلسطينية المنشودة. فضلاً عما أوجدته من حالة من الجفاء في العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية بدت بصورة واضحة في الآونة الأخيرة مع الإعلان الإسرائيلي عن بناء مزيدٍ من المستوطنات في القدس الشرقية أثناء زيارة نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن لإسرائيل الأمر الذي اعتبرته الولايات المتحدة إحراجًا لها وطالبت بضرورة التوقف عن بناء مزيدٍ من المستوطنات لاسيما أنها تعوق العملية السلمية.
وبالتزامن مع هذه التطورات تجددت إشكالية شرعية المستوطنات الإسرائيلية، وما موقع هذه المستوطنات من الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي؟ في ضوء الاتفاقيات والمعاهدات ذات الصلة، وهو ما حاول نيكولاس روستو Nicholas Rostow تناوله من خلال دراسته التي نُشرت على الموقع الإلكتروني لدورية المصلحة الأمريكية The American Interest في عددها (مارس ـ إبريل 2010) وجاءت تحت عنوان: هل المستوطنات غير شرعية؟ "Are the Settlements Illegal?”.
اتفاقية جنيف وقرارات مجلس الأمن
تحتل اتفاقية جنيف الرابعة عام 1949 والخاصة بحماية المدنيين في أوقات الحروب أهمية بارزة، فهي محور اهتمام التحليلات التي تستهدف تناول قضية شرعية المستوطنات الإسرائيلية نظرًا لما تضمنته من مواد أهمها المادة الثانية التي تنص على :"أن الاتفاقية تطبق في جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلى لإقليم أحد الأطراف المشاركة في الاتفاقية " .
وتشير المادة الرابعة من الاتفاقية ذاتها إلى أن "الأشخاص الذين تحميهم الاتفاقية هم أولئك الذين يجدون أنفسهم في لحظة ما وبأي شكل كان، في حالة قيام نزاع أو احتلال، تحت سلطة طرف في النزاع من رعاياه أو دولة احتلال ليسوا من رعاياها "، فيما تنص الفقرة السادسة من المادة (49) على "أن سلطة الاحتلال لا يمكن لها أن تقوم بنقل أو ترحيل جزء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي قامت باحتلالها".
وفي سياق متصل تمثل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أحد الأطر الهامة التي يتم الاستناد إليها في تناول قضية المستوطنات الإسرائيلية وتأتي في مقدمة هذه القرارات القرار 242 لعام 1967 والقرار 338 لعام 1973، إذ يؤكد القرار 242 على ضرورة تأسيس سلام عادل في الشرق الأوسط وما يتطلبه ذلك من انسحاب إسرائيلي من أراضى احتلتها في الصراع الدائر(وهو الأمر الذي أثار جدلاً واسعًا حول كلمة أراضى، هل هي جزء من الأراضي أم المقصود بها جميع الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967؟ بالإضافة إلى إنهاء جميع حالات الحرب والاعتراف بسيادة واستقلال ووحدة أراضى كل دول المنطقة وحقها في العيش بسلام داخل حدود آمنة ومعترف بها.
فيما يتضمن القرار 338 التأكيد على عدد من المبادئ في مقدمتها دعوة جميع الأطراف المشاركة في القتال الدائر إلى وقف إطلاق النار والشروع في تطبيق قرار مجلس الأمن 242 بعد وقف إطلاق النار والشروع في مفاوضات جادة لعملية السلام بالشرق الأوسط.
جدال حول شرعية المستوطنات الإسرائيلية
أضفت حرب يونيو 1967 مزيدًا من التعقيد على قضية المستوطنات فقد خرجت إسرائيل من الحرب منتصرة وسيطرت على عديد من الأراضي العربية بما في ذلك الأراضي التي كانت من المفترض أن تكون جزءًا من أراضى الدولة الفلسطينية وفقًا لما جاء به قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947، ومنذ ذلك الحين توسع النشاط الاستيطاني الإسرائيلي بصورة جعلت تلك القضية تحتل أولوية بارزة وموضع لعديدٍ من التحليلات التي تتناول القضية بصورة رئيسة من منظور الشرعية الدولية ومدى تطابق الإجراءات الإسرائيلية مع القانون الدولي والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
وفي هذا الصدد يشير روستو إلى أن الآراء قد انقسمت تجاه تلك القضية إلى اتجاهين رئيسين، الاتجاه الأول يؤيد شرعية المستوطنات الإسرائيلية ويدعم ذلك الموقف بعدد من الحجج يأتي في مقدمتها:
أولاً: إن اتفاقية جنيف لا تنطبق على حالة المستوطنات الإسرائيلية إذ إن المادة الثانية من الاتفاقية تنص على "أن الاتفاقية تنطبق في جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلى لإقليم أحد الأطراف المتعاقدة "، ومن هذا المنطلق يستنتج أنصار ذلك الاتجاه عدم وجود أية مطالبات من جانب الأطراف في الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل الأمر الذي يعنى أن تلك الأقاليم ليست تابعة لأي من الأطراف المتعاقدة, ومن ثم فإن الاتفاقية لا تنطبق على حالة المستوطنات اليهودية.
فنصوص اتفاقية جنيف ليست موجهة لهذه النوع من النشاط الذي تقوم به إسرائيل حيث إن طبيعة وحجم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لا تشكل تهديدًا للسكان المحليين ومن ثم فهي لا تمثل خروجًا أو انتهاكًا لنصوص وروح اتفاقية جنيف.
ثانيًا: اتفاقية جنيف لا تحظر(تجرم) المستوطنات التي تقام بواسطة المستوطنين اليهود (حتى ولو تم التسليم بأنها تحظر المستوطنات التي تقام بواسطة الحكومة الإسرائيلية) لاسيما أن الانتداب البريطاني على الأراضي الفلسطينية منح حقوقًا واسعة النطاق لليهود في فلسطين، كما أنه ليس هناك أساس قانوني لمنع اليهود من إقامة مستوطنات في فلسطين.
في هذا السياق يتم الاستدلال بالمادة السابعة من نظام الانتداب التي تنص "على إدارة فلسطين، مع ضمان عدم إلحاق الضرر بحقوق ووضع فئات الأهالي الأخرى، أن تسهل هجرة اليهود في ظل أحوال ملائمة وأن تشجع بالتعاون مع الوكالة اليهودية حشد اليهود في الأراضي الأميرية والأراضي الموات غير المطلوبة للمقاصد العمومية ".
ثالثًا: لا يمكن إغفال أن قضية المستوطنات ترتبط بحرب 1967، ووفقًا لأنصار هذا الاتجاه، فإن إسرائيل مارست خلال هذه الحرب حق الدفاع الشرعي عن النفس ضد الحصار المفروض عليها من جانب مصر والإجراءات المصرية التي تعد عملاً عدائيًّا ضدها الأمر الذي يعطي لإسرائيل الذريعة للسيطرة على تلك الأراضي.
رابعًا: تعد المزاعم التاريخية لليهود في المنطقة أحد الركائز التي يتم الاستناد إليها في هذا الصدد حيث إن اليهود لهم تواجد وتاريخ في المنطقة، ومن ثم فإن إنشاء إسرائيل يعد حقًّا تاريخيًّا لهم ولا يمكن أن ينازعوا عليه.
فيما يعتبر الاتجاه الثاني المستوطنات في الأراضي التي احتلتها إسرائيل خلال حرب يونيو 1967 غير شرعية, وهو الأمر الذي يرجعه إلى عدد من العوامل، أهمها:
أولاً: تعد اتفاقية جنيف وثيقة الصلة بقضية المستوطنات الإسرائيلية حيث إنها تستهدف بصورة رئيسة حماية الشعوب، وليس الأراضي ومن ثم فإن رفض تطبيقها على الضفة الغربية وقطاع غزة يتنافى مع الغرض من الاتفاقية وخاصة مع ما تشير إليه نصوصها من مبادئ تأتي في مقدمتها المادة الرابعة التي تؤكد على ضرورة توفير الحماية للأشخاص الذين يجدون أنفسهم، تحت أي شكل أو ظرف من الظروف، في أيدي دولة احتلال ليسوا من مواطنيها.
ثانيًا: يمكن القول إن اتفاقية جنيف تمثل انعكاسًا للقانون الدولي العرفي الذي يعد بمثابة مرجع رئيسٍ لكافة أطراف المجتمع الدولي وكما هو متعارف عليه فإن أحد المبادئ الرئيسة للقانون الدولي العرفي عدم اللجوء إلى القوة العسكرية لتسوية النزاعات والصراعات الإقليمية وهو الأمر الذي لم تحترمه إسرائيل حيث احتلت الضفة الغربية وقطاع غزة بالقوة العسكرية مما يترتب عليه القول بأن المستوطنات الإسرائيلية في تلك الأراضي غير شرعية.
ثالثًا: تسعى إسرائيل من خلال التوسع الاستيطاني إلى تغيير طابع وشكل الأراضي المتنازع عليها لمصلحتها الأمر الذي يعوق في نهاية المطاف عملية السلام وتطبيق النصوص الواردة في قرارات مجلس الأمن 242 و383.
رابعًا: يمثل الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية عام 2004 بشأن الآثار القانونية لإنشاء الجدار العازل في الأراضي الفلسطينية المحتلة مرجعية قانونية هامة في التأكيد على عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية إذ إن الرأي الاستشاري يبدأ من افتراض مفاده أن الهدف من الانتداب البريطاني على فلسطين هو تحقيق تقرير المصير للفلسطينيين ومن ثم فإن الأراضي المحتلة تعد أراضى فلسطينية وهو بدوره ما يجعل المستوطنات الإسرائيلية هناك غير شرعية.
الإدارات الأمريكية وقضية الاستيطان
تتناول الدراسة موقف الإدارات الأمريكية المختلفة من قضية الاستيطان منذ فترة الرئيس ليندون جونسون وهو الموقف الذي يرى روستو أنه يعكس عددًا من الحقائق إذ إن الإدارات الأمريكية أولت اهتمامًا واضحًا بوضع القدس والإجراءات الإدارية التي تتبناها إسرائيل في المدينة المقدسة وكانت تؤكد تلك الإدارات على ضرورة الأخذ في الاعتبار مصالح كافة سكان المدينة (سواء أكانوا يهودًا أم مسلمين أم مسيحيين) عند تبنى السلطات الإسرائيلية أية إجراءات في القدس .
ويشير روستو إلى أن ذلك الاهتمام بالوضع في القدس طغى في كثيرٍ من الأحيان على الاهتمام بالمستوطنات الإسرائيلية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وحتى مع تناول الإدارات الأمريكية المتعاقبة لقضية المستوطنات وانتقادها للتوسع الاستيطاني الإسرائيلي فقد حاولت تجنب إقحام الجانب القانوني والشرعية الدولية عند الحديث عن المستوطنات حيث ارتكزت الانتقادات على أن تلك المستوطنات تمثل عائقًا فعليًّا أمام التقدم في عملية السلام وقد عبر الرئيس ريجان عن ذلك الموقف عندما اعتبر أن المستوطنات الإسرائيلية لا يمكن وصفها بغير شرعية ولكنها "غير حكيمة واستفزازية" وتعوق إنجاز العملية السلمية وهو الأمر الذي يفسر تصويت إدارة ريجان ضد قرارات الأمم المتحدة التي تصف المستوطنات بغير الشرعية.
في سياق متصل تعتبر الدراسة أن موقف الرئيس كارتر مثل تباينًا وخروجًا عن موقف الإدارات التي سبقته حيث تبنت إدارته للمرة الأولى موقفًا تجاه المستوطنات بشكل إجمالي يصفها بغير الشرعية بموجب القانون الدولي وصوتت الولايات المتحدة لصالح القرارات الصادرة عن الجمعية والتي تصف المستوطنات بغير الشرعية وعلى الرغم من هذا الموقف فقد رفضت الإدارة الأمريكية التصويت لصالح قرار مجلس الأمن الداعي إلى تفكيك المستوطنات.
وتخلص الدارسة إلى أن الإدارات الأمريكية السابقة لم تقدم سوابق جادة ومواقف متسقة يمكن أن تقيد من حركة الإدارات الأمريكية في الحاضر أو المستقبل وهو الأمر الذي يعطي لهذه الإدارات الحرية في التعامل مع تلك القضية وفقًا لرؤيتها الخاصة.
وبعيدًا عن الجدل القانوني حول شرعية المستوطنات الإسرائيلية فعلى الولايات المتحدة أن تتعامل مع تلك القضية من منظور أوسع وهو السعي إلى دفع عملية السلام بين إسرائيل والدول العربية وذلك من خلال حل وتسوية عادلة ترضي كافة أطراف الصراع. فضلاً عن ذلك فعلى إدارة الرئيس أوباما ضرورة التعرف على تاريخ قضية المستوطنات.
التنكر للقرار 194 يقابله الإقرار بعدم شرعية قيام إسرائيل :
1. توطئة:
تمثل قضية اقتلاع وطرد الشعب الفلسطيني من أرضه ودياره الأصلية في الفترة الواقعة بين قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947 وإعلان قيام دولة إسرائيل بتاريخ 15 ايار 1948، حجر الزاوية للصراع الفلسطيني- الصهيوني. يطلق الفلسطينيون على عملية اقتلاعهم من أرضهم والنتائج التي ترتبت على هذا الاقتلاع مصطلح "النكبة"، ويجمع العديد من المراقبين والسياسيين ان هذه النكبة، بما خلفته من نتائج سياسية واقتصادية واجتماعية، غيرت وجه العالم بشكلٍ عام، وخلقت عدم استقرار في الشرق الأوسط بشكلٍ خاص (موريس، 2004)، لما يزيد عن الستة عقود.
لقد سيطر هذا التشريد والاقتلاع على تفسيرات المؤرخين والقانونيين لأكثر من 60 عاماً، وظل محل جدال حتى بداية الثمانينيات من القرن العشرين، حيث كانت المعزوفة الصهيونية هي المسيطرة، وتحديداً في الغرب. باختصار، تعزو الرواية الإسرائيلية الرسمية، والمدعومة ايضاً من منظري الحركة الصهيونية، تهجير او طرد الفلسطينيين من أرضهم إلى الادعاء القائل بأن أغلبية الفلسطينيين هاجروا من أرضهم طوعاً وبأوامر من الزعماء العرب الذين أعلنوا الحرب على إسرائيل عام 1948 نتيجة رفضهم لقرار تقسيم فلسطين (شيلر-جلاوس،2007)، وهو ادعاء ما زالت الحركة الصهيونية تروج له في جميع المناسبات. في المقابل، فان الرواية الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية، تصر على ان الفلسطينيين طردوا من وطنهم الأصلي بعملية تطهير عرقي منظمة مسبقاً نفذتها الحركة الصهيونية بحق شعب اعزل (خالدي، 2007). يمثل هذه الرواية بشكل واضح البروفسور الراحل ادوارد سعيد الذي يجادل الرواية الإسرائيلية بقوله: ان عملية طرد الفلسطينيين من أرضهم نتجت بشكل مباشر عن "تطهير عرقي مفضوح" وان "أي وصف آخر لهذه الأعمال التي قام بها الجيش الإسرائيلي هي تزييف ساخر للحقيقة، بالرغم من الاعتراضات التي يتمسك بها اليمين الصهيوني المتصلب" (سعيد، 2001). بالإضافة إلى التأييد الذي تحظى به هذه الرواية من القانونيين والسياسيين العرب والعالميين، فإنها أصبحت مدعومة خلال السنوات العشرين الأخيرة من قبل مجموعة من المؤرخين الإسرائيليين الجدد، الذين استخدموا الأرشيف الإسرائيلي والبريطاني، واستطاعوا دحض الرواية الإسرائيلية الرسمية بشكل فاصل (خالدي، 2007). يمثل هؤلاء المؤرخون الدكتور إلان بابيه، الذي تعتبر إصداراته عن طرد الفلسطينيين من أرضهم ذو قيمة سياسية عالية للغاية، والذي يقول: ان ترحيل الشعب الفلسطيني الأصلي من وطنه كان جزءاً من عملية تطهير عرقي صهيونية منظمة ومعدة سلفاً لتهجيرهم (بابيه، 2006).
وبالرغم من انكشاف مدى الزيف في الرواية الإسرائيلية، وخصوصاً في الأوساط الأكاديمية وحركات التضامن، ما زالت إسرائيل تتنكر للاعتراف عن مسؤولياتها التاريخية والأخلاقية والقانونية عن طرد الفلسطينيين من أرضهم وتشريدهم في أنحاء المعمورة، وترفض عودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة ممتلكاتهم كما نص القرار الاممي 194 الصادر عن الأمم المتحدة في كانون الأول 1948. ففي الوقت الذي يعيش فيه لاجئو الشعب الفلسطيني في مخيمات اللجوء وفي ظروف غاية في القسوة، تمارس إسرائيل هيمنها على أملاك اللاجئين وذلك بهدف طمس أية معالم تشير إلى ان الفلسطينيين كانوا سكاناً أصليين في فلسطين، وهذا واضح بشكل جلي من خلال عملية التهجير والتطهير العرقي المتواصلة التي تمارسها دولة إسرائيل منذ نشوءها وحتى يومنا هذا، والتي كان آخرها أوامر هدم وإخلاء بعض الأحياء العربية في مدينة القدس المحتلة.
ساتطرق في هذه المقالة الى العوامل التي مهدت لصدور القرار الدولي 194، والى تفسير الفقرة 11 من القرار 194. وفي الختام ملخصا مكثفا للتفسير الاسرائيلي للقرار 194.
2. العوامل التي مهدت لصدور القرار 194:
على ضوء احتدام الصراع الدائرة على ارض فلسطين بين المنظمات الصهيونية والقوى الفلسطينية تدخلت الامم المتحدة كجهة مسؤولة عن الانتداب على فلسطين واصدرت قرار تقسيم فلسطين رقم 181 عام 1947، والذي نص على تقسيمها الى دولتين، واحدة لليهود وأخرى للفلسطينيين، والذي نص ايضاً على تخصيص 56% من ارض فلسطين التاريخية لليهود، اما النسبة المتبقية من الأرض فقد خصصت للفلسطينيين العرب (بابيه، 2006). تم رفض القرار من قبل القيادة الفلسطينية والعربية في تلك الفترة، ونتج عن تبنيه من قبل الامم المتحدة ادخال فلسطين وشعبها في مرحلة صراع دامية مع الحركة الصهيونية بقيادة ديفيد بن جوريون، والتي كانت تنفذ مخططاً مبيتاً للاستيلاء على فلسطين وطرد سكانها الاصليين منها. بلغ هذا الصراع ذروته في الاشهر الست التي سبقت اعلان قيام دولة اسرائيل على ارض فلسطين، ارتكبت خلال تلك الفترة المشؤومة العديد من المجازر، اشهرها مجرزة دير ياسين، واقتلع الشعب الفلسطيني من أرضه ودمرت المئات من القرى وصودرت ممتلكات الناس البسطاء، وذلك بحسب شهادات اللاجئين أنفسهم، وشهادات عدد من المؤرخين الإسرائيليين الجدد (بابيه، 2006). مع انتهاء هذه الجولة المبيتة من عملية التطهير العرقي للسكان الفلسطينيين من قبل الحركة الصهيونية وإعلان قيام دولة اسرائيل على اراضي فلسطين في 15 ايار 1948، تبين ان ثلثي الشعب الفلسطيني أصبحوا لاجئين في المنافي والأجزاء التي تبقت من فلسطين والتي صارت تعرف فيما بعد بالضفة الغربية وقطاع غزة (مركز بديل: اللاجئون والمهجرون الفلسطينيون: المسح الشامل لعام 2004-2005).
على اثر هذه الاحداث الدامية، وتحديداً بتاريخ 14 ايار 1948، اجتمعت هيئة الامم المتحدة وأقرت في اجتماعها الطارئ إرسال الوسيط "الكونت فولك بيرنادوت" الى فلسطين لتقصي الحقائق ودراسة الوضع الكارثي في فلسطين، والمتعلق بتهجير الفلسطينيين من وطنهم ومصادرة أملاكهم من قبل العصابات الصهيونية. في آب 1948 وبعد دراسته لآثار الحرب وما نتج عنها، قدم الوسيط الدولي تقريراً لمجلس الأمن الدولي أوصى فيه "بالاقرار فوراً لكل اللاجئين الفلسطينيين المهجرين في صراع عام 1948 بممارسة حقهم في العودة الى ديارهم التي هجروا منها"، كما اوصى بان تقوم الحكومة الاسرائيلية باتاحة الفرصة لعدد محدود من اللاجئين بالعودة الى منازلهم وممتلكاتهم (تاكنبرج، 1998). لكن، كان واضحاً ان إسرائيل ترفض التوصيات التي جاءت في تقرير الوسيط الدولي، وكانت كما هي اليوم، ترفض الاعتراف بحقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى منازلهم وممتلكاتهم، وقد اتضح هذا الهدف الإسرائيلي بعد عملية اغتيال الوسيط "الكونت فولك بيرنادوت" على يد مجموعة من الصهاينة في القدس بتاريخ 17 ايلول، والتي نفذت بعد يوم واحد فقط من تقديمه للتوصيات (تاكنبرج، 1998). بعد اغتيال "الكونت بيرنادوت"، وبناءً على التوصيات التي دفع حياته مقابلها، اجتمعت هيئة الامم المتحدة بتاريخ 11 كانون الأول 1948 وأصدرت القرار 194، الذي يعتبره العديد من الخبراء القانونيين الإطار الشامل لحل دائم، وعادل لقضية اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين.
3. تفسير القرار 194:
تنبع اهمية قرار 194 من حقيقة انه وضع إطارا لحل عادل ودائم لقضية اللاجئين الفلسطينيين، ومن حقيقة انه ثبت حقوق اللاجئين في العودة، واستعادة الممتلكات، والتعويض المادي والمعنوي، وهذه الحقوق تعتبر حسب تفسيرات الخبراء القانونيين، الاساس لأي حل مستقبلي للقضية الفلسطينية، وبدونها سيكون من المستحيل إيجاد حل عادل ودائم. في الوقت الحاضر، عندما نتكلم عن القرار 194، وبقراءة الفقرة 11/1 بشكل تحليلي، نجد انها حددت ثلاثة حقوق رئيسية يحق لكل اللاجئين الفلسطينيين ممارستها بموجب العرف الدولي اولا، والقانون الدولي لحقوق الإنسان ثانيا، وهي حق العودة، واستعادة الممتلكات، والتعويض، بالإضافة إلى شمول الفقرة على الخيار الحر للاجئين في تحديد ما يراه كل فرد منهم مناسبا لتقرير مصيره. وحق الخيار الحر موضح بشكل اوسع في الفقرة 11/2 التي اوكلت للجنة الامم المتحدة للتوفيق في فلسطين لتقوم بتنفيذ كل الحلول الخاصة بمشكلة اللاجئين، ويشمل ذلك: الاعادة الى الوطن، والتوطين، والتعويض، والتأهيل الاقتصادي والاجتماعي.
في الحقيقة، فان الحقوق الرئيسية الثلاث-العودة، استعادة الممتلكات، التعويض-المنصوص عليها في القرار 194، لا تزال موضوع نقاش حاد بين طرفي الصراع من وجهة نظر قانونية، فان الفقرة 11 من القرار 194 تحتوي بشكل لا لبس فيه على حلول دائمة لقضية اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا عام 1948 مستمدة أصلا من العرف الدولي وهذا هو مصدر قوة القرار القانونية. وبحسب تفسير الخبيرة القانونية "غيل بولنج" فان الحق الاول المذكور في القرار 194 "هو حق العودة دون لبس او غموض، وان هذا القرار ينطبق على كل الاشخاص المهجرين خلال صراع 1948، وبالتالي فهو يغطي لاجئي 1948 الفلسطينيين، المهجرين في الخارج والذين هجروا ايضاً في الداخل، وان لهؤلاء اللاجئين حق غير مشروط في العودة الى بيوت منشئهم واراضيهم". وقد لاحظت بولنج في تفسيرها للقرار ان الفقرة 11/1 التي تحدد حقوق اللاجئين لا تشمل التوطين، وانما شمل التوطين في الفقرة 11/2 التي توجه لجنة التوفيق لتسهيل تنفيذ الحقوق الواردة في الفقرة 11/1، وفق خيار كل لاجئ على حده (بولنج، 2001).
اما فيما يتعلق بالحق الثاني الوارد في القرار 194، وهو حق استعادة الممتلكات او استعادة الاملاك الخاصة والذي يرتبط بشكل وثيق بالحق الاول، أي حق العودة، فتقول الخبيرة القانونية "جيل بولنج" ان هذا الحق يشير الى "المكان المقصود او الموقع الذي اعلنت عنه الجمعية العامة للامم المتحدة بأن للاجئين الحق في ممارسة حقهم في العودة اليه" وتقول بأن النص جرت صياغته في القرار بوضوح ويشير الى انه الحق "في العودة الى بيوتهم" وليس الى موطنهم (بولنج، 2001).
اما الحق الثالث الذي اشار اليه قرار 194، فهو حق التعويض عن الممتلكات. وبحسب تحليل "جيل بولنج" ، فإن هذا النص اعطى الحق لمجموعتين من اللاجئين الفلسطينيين الحصول على تعويض نقدي كامل مقابل فئات معينة من املاكهم الخاصة (بولنج، 2001).
تجدر الاشارة في هذا الصدد، ان القانون الدولي الإنساني وضع أسسا شاملة للأفراد المهجرين وضرورة ممارسة حقهم في العودة الى الديار التي هجروا او طردوا منها خلال فترة الصراع، وهذا ينطبق ايضاً على اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا بالقوة من ديارهم وبيوت منشئهم. ان الحق في حرية الحركة والذي يتضمن الحق في العودة، هو حق انساني متأصل، مشمول في مجموعة من المعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. فبالإضافة إلى ثبوت الحقوق في العرف الدولي، يمثل الإعلان العالمي لحقوق الانسان، الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948 "اساس" الحق الفردي في العودة في قانون حقوق الانسان. تقول المادة 13/2 من الاعلان انه "يحق لكل فرد ان يغادر اية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة اليه". كما جاء النص نفسه في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حيث تقول المادة 12/4 من العهد انه "لا يجوز حرمان احد، تعسفاً، من حق الدخول الى بلده".
4. التفسير الإسرائيلي لقرار 194، ورفض مبدأ العودة:
منذ قبول إسرائيل كعضو دائم في هيئة الأمم المتحدة بتاريخ 11 أيار 1949، ظل موقفها يتسم بالرفض القاطع لحقوق اللاجئين الفلسطينيين، وخصوصاً العودة والتعويض، كما نصت على ذلك قرارات هيئة الأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي المتتابعة. لقد قُبلت إسرائيل عضواً في الامم المتحدة على شرط ان "تلتزم بشكل واضح بتنفيذ وعدم خرق دستور الامم المتحدة من اليوم الذي تصبح فيه عضواً في المؤسسة الدولية" (قرار الامم المتحدة رقم 273 (III)، قبول اسرائيل عضو في الامم المتحدة).
تتمحور الرواية الاسرائيلية- الصهيونية في رفض مبدأ حق العودة وتطبيق قرارات الامم المتحدة بهذا الخصوص، من الادعاء السياسي-الديني القائل بأن أية محاولة لتطبيق القرار 194 سيخرق تعاليم العقيدة الاسرائيلية في حق تقرير مصير الشعب اليهودي، وسيكون تطبيق القرارات الدولية اشبه بعملية انتحارية لا تحمد عقباها، ستؤدي الى زعزعة وجود اسرائيل، وبالتالي زوالها (فرح، 2003).
اما فيما يتعلق بالتفسير القانوني الإسرائيلي للقرار 194، يتمحور حول فكرة أن القرار توصية فقط وليس قرارا ملزماً لإسرائيل، خصوصا بسبب ورود مصطلح (should ينبغي) بدلاً من مصطلح (must، يجب) في القرار 194، وبالتالي إسرائيل لا تتحمل أية مسؤولية حيال رفضها لحق العودة للفلسطينيين(لابيدوث، 2001، بارد، 2006). ولعله من الأهمية بمكان التأكيد انه إذا كان صدور القرار 194عن الجمعية العامة يجعله مجرد توصية بلا قيمة قانونية أو فعلية، فان هذا القول ينسحب تماما على شرعية وجود إسرائيل التي قامت بموجب القرار 181 الصادر عن ذات الهيئة كتوصية، بل وعن نفس الأعضاء.