- السبت ديسمبر 15, 2012 2:26 pm
#57184
مع تطور الحياة المعاصرة وانفتاح الدنيا علينا ووجود وفرة مادية وقلة في الجهد المبذول للأعمال التي يتكسب بها الناس مقارنة بما كان قبل عقود قريبة حيث أتاحت أنماط العمل الحديثة وظائف مريحة وقللت الوسائل التقنية المتطورة من الجهد البدني المبذول لكسب الرزق ففاض بذلك الكثير من المال مقابل القليل من الجهد والوقت .
هذا الفائض من الوقت والجهد الذي كان يمكن أن نستثمره لرقي أنفسنا ومجتمعاتنا يبدو أننا أخذنا نصرفه في طريق آخر مواز للتنمية إذ أننا كما هو ظاهر بذلنا ذلك الجهد لنوع من التشبع بالجدليات الذي زاده رعونة ما صاحبه من تغير في المفاهيم والآداب الاجتماعية التي تشجع على أن يكتسب الصغار حرية الحديث والمشاركة الاجتماعية كما أن انفتاح وسائل المشاركة في وسائل الإعلام المختلفة والشبكة العالمية زاد من كثرة الداخلين في هذا الجدل .
و يبدو أن الزمام انفلت إذ أصبح الجميع يتحدث بعلم وبغير علم في تخصصه وفي غير تخصصه حتى أصبح الجميع معارضون سياسيون ومحللون اقتصاديون وهم في نفس الوقت معالجون طبيون وهم أيضا مفتون إن عرضت لهم مشكلة شرعية أو نزلت نازلة حتى أصبحنا لا نستغرب في هذا الوقت أن يتكلم من شاء بما شاء ، وانسحب هذا السلوك على الصحافة وعلى المنتديات وعلى وسائل الإعلام .
وأورث هذا السلوك كثيرا من الجدل و النقاشات والملاسنات فيما بين الآراء المختلفة مما أفرز لنا ظاهرة جديدة سيئة تتمثل في إجبار الناس على أن يتخذوا موقفا مع هذه القضية وتلك أو ضدها، فإذا لم تتبن موقفا صنفت من فئة الأعداء من قبل الطرفين المؤيد والمخالف وصنفك كل فريق مع الآخر.
ونسي هؤلاء المتجادلين أنهم استهلكوا طاقاتهم وقدراتهم في الأخذ والرد والاستدلال ونقض أدلة المخالف وهكذا في دائرة كبيرة ومتسعة لاتكاد تنتهي مع قضية إلا وتبدأ مع أخرى مما أثر على حياتهم وإنتاجهم وأعمالهم التي يحتاجها الآخرون أكثر من حاجتهم لجدلياتهم؛إذ أصبحت طاقاتهم موجهة للجدل فتركوا تبعا لذلك كثيرا من العمل والإنتاج المنتظر منهم ،فقل لي بربك متى سينتج وينهي أعماله من انشغل ذهنه ووقته الساعات الطوال كل يوم في تتبع هذه الخلافيات والجدليات .
أضف لذلك ما جره هذا الجدل من عداوات نشهد طرفا منها كل يوم على صفحات الصحف والمنتديات والفضائيات وكأنها حرب ضروس بين أعداء ألداء.
كان لدينا شاب بدأ في طريق الاستقامة وهو حديث عهد بالتدين وكان يظن المتدينين على قلب رجل واحد فراعه وهاله ما بدأ يلحظه من اختلاف في الآراء حيال نفس القضية إلى درجة تبديع وتفسيق المخالفين ، فسألني هذا الشاب عن هذه الظاهرة التي لم يلاحظها إلا حين استقام وكان غافلا عنها فيما سبق فكان مما قلته له يا أخي إن الله عزوجل إنما أمرنا بإتباع نبيه عليه الصلاة والسلام فأمره ونهيه وسنته هي الفاصل والحكم بين جميع المتنازعين ثم إن الله عزوجل خلق العبد فجعله يولد وحده ويدفن وحده ليس معه سوى عمله ويبعث ليسأل وحده والسؤال سيكون عن عمله وليس عما قاله فلان وفلان وما رأي فلان فيه،ثم إن الاختلاف سنة ماضية بين الخلائق (ولا يزالون مختلفين) ولم يُطلب منك أن تفصل بين الناس وأن تحكم بينهم وإنما أُمرت بأن تشتغل بنفسك وتصلحها ثم تبدأ بأدناك فأدناك.
أما مايفعله كثير من الشباب من إيغال في الجدل وافتعال الخصومات والبحث عن عثرات المخالفين والتشنيع عليهم فكل ذلك إنما هو حظ الشيطان الذي مهمته التحريش ومن العجيب أن كثيرا من هؤلاء المختلفين إنما يختلفون في قضايا الحكم الشرعي فيها واضح وبين..
ولايسبق ظن أحد إلى أنني أدعو لقبول كل خلاف والسكوت عنه وإنما أدعو أن لايتكلم إلا من كان عالما مؤهلا وهذا من واجبات العلماء و أرجو أن نقبل على ماينفعنا ونشتغل بمهامنا التي هي قيمة حياتنا وأن يمضي كل واحد منا لما أمر به من عناية بأمر دينه ودنياه فيصلح من دينه بالعمل الصالح ويصلح دنياه بإتقان عمله الذي يتكسب منه ودراسته التي يحتاجها ويهتم بمن يعول ثم أدناه فأدناه في دائرة تتسع بزيادة العلم والجاه والمال،ويكف شره ولسانه عن الناس فإنها صدقة على نفسه.
تذكرة:
قال عزمن قائل "وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ [118] إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [119]) هود
وقال نبينا صلى الله عليه وسلم(( ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل) صحيح الجامع.
وقال نبينا صلى الله عليه وسلم إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون و لكن في التحريش بينهم) صحيح الجامع.
وَعَنْ سُفْيَانَ كُنْت جَالِسًا عِنْدَ إيَاسٍ فَنِلْتُ مِنْ إنْسَانٍ فَقَالَ هَلْ غَزَوْت الرُّومَ وَالتُّرْكَ فَقُلْت لَا فَقَالَ سَلِمَ مِنْك التُّرْكُ وَالرُّومُ وَمَا سَلِمَ مِنْك أَخُوك الْمُسْلِمُ .
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ لِيَكُنْ حَظُّ الْمُؤْمِنِ مِنْك ثَلَاثَ خِصَالٍ إنْ لَمْ تَنْفَعْهُ فَلَا تَضُرَّهُ وَإِنْ لَمْ تَسُرَّهُ فَلَا تَغُمَّهُ وَإِنْ لَمْ تَمْدَحْهُ فَلَا تَذُمَّهُ.
الأخوة والأخوات ..
ليكن الحوار بناءاً ..
وليكن للزمن اعتبار وقيمة وتقدير ..
ليكن الانتياه للآخرة أقوى من الانتباه للدنيا والانتصار الوهمي على آراء الآخرين ..
هذا الفائض من الوقت والجهد الذي كان يمكن أن نستثمره لرقي أنفسنا ومجتمعاتنا يبدو أننا أخذنا نصرفه في طريق آخر مواز للتنمية إذ أننا كما هو ظاهر بذلنا ذلك الجهد لنوع من التشبع بالجدليات الذي زاده رعونة ما صاحبه من تغير في المفاهيم والآداب الاجتماعية التي تشجع على أن يكتسب الصغار حرية الحديث والمشاركة الاجتماعية كما أن انفتاح وسائل المشاركة في وسائل الإعلام المختلفة والشبكة العالمية زاد من كثرة الداخلين في هذا الجدل .
و يبدو أن الزمام انفلت إذ أصبح الجميع يتحدث بعلم وبغير علم في تخصصه وفي غير تخصصه حتى أصبح الجميع معارضون سياسيون ومحللون اقتصاديون وهم في نفس الوقت معالجون طبيون وهم أيضا مفتون إن عرضت لهم مشكلة شرعية أو نزلت نازلة حتى أصبحنا لا نستغرب في هذا الوقت أن يتكلم من شاء بما شاء ، وانسحب هذا السلوك على الصحافة وعلى المنتديات وعلى وسائل الإعلام .
وأورث هذا السلوك كثيرا من الجدل و النقاشات والملاسنات فيما بين الآراء المختلفة مما أفرز لنا ظاهرة جديدة سيئة تتمثل في إجبار الناس على أن يتخذوا موقفا مع هذه القضية وتلك أو ضدها، فإذا لم تتبن موقفا صنفت من فئة الأعداء من قبل الطرفين المؤيد والمخالف وصنفك كل فريق مع الآخر.
ونسي هؤلاء المتجادلين أنهم استهلكوا طاقاتهم وقدراتهم في الأخذ والرد والاستدلال ونقض أدلة المخالف وهكذا في دائرة كبيرة ومتسعة لاتكاد تنتهي مع قضية إلا وتبدأ مع أخرى مما أثر على حياتهم وإنتاجهم وأعمالهم التي يحتاجها الآخرون أكثر من حاجتهم لجدلياتهم؛إذ أصبحت طاقاتهم موجهة للجدل فتركوا تبعا لذلك كثيرا من العمل والإنتاج المنتظر منهم ،فقل لي بربك متى سينتج وينهي أعماله من انشغل ذهنه ووقته الساعات الطوال كل يوم في تتبع هذه الخلافيات والجدليات .
أضف لذلك ما جره هذا الجدل من عداوات نشهد طرفا منها كل يوم على صفحات الصحف والمنتديات والفضائيات وكأنها حرب ضروس بين أعداء ألداء.
كان لدينا شاب بدأ في طريق الاستقامة وهو حديث عهد بالتدين وكان يظن المتدينين على قلب رجل واحد فراعه وهاله ما بدأ يلحظه من اختلاف في الآراء حيال نفس القضية إلى درجة تبديع وتفسيق المخالفين ، فسألني هذا الشاب عن هذه الظاهرة التي لم يلاحظها إلا حين استقام وكان غافلا عنها فيما سبق فكان مما قلته له يا أخي إن الله عزوجل إنما أمرنا بإتباع نبيه عليه الصلاة والسلام فأمره ونهيه وسنته هي الفاصل والحكم بين جميع المتنازعين ثم إن الله عزوجل خلق العبد فجعله يولد وحده ويدفن وحده ليس معه سوى عمله ويبعث ليسأل وحده والسؤال سيكون عن عمله وليس عما قاله فلان وفلان وما رأي فلان فيه،ثم إن الاختلاف سنة ماضية بين الخلائق (ولا يزالون مختلفين) ولم يُطلب منك أن تفصل بين الناس وأن تحكم بينهم وإنما أُمرت بأن تشتغل بنفسك وتصلحها ثم تبدأ بأدناك فأدناك.
أما مايفعله كثير من الشباب من إيغال في الجدل وافتعال الخصومات والبحث عن عثرات المخالفين والتشنيع عليهم فكل ذلك إنما هو حظ الشيطان الذي مهمته التحريش ومن العجيب أن كثيرا من هؤلاء المختلفين إنما يختلفون في قضايا الحكم الشرعي فيها واضح وبين..
ولايسبق ظن أحد إلى أنني أدعو لقبول كل خلاف والسكوت عنه وإنما أدعو أن لايتكلم إلا من كان عالما مؤهلا وهذا من واجبات العلماء و أرجو أن نقبل على ماينفعنا ونشتغل بمهامنا التي هي قيمة حياتنا وأن يمضي كل واحد منا لما أمر به من عناية بأمر دينه ودنياه فيصلح من دينه بالعمل الصالح ويصلح دنياه بإتقان عمله الذي يتكسب منه ودراسته التي يحتاجها ويهتم بمن يعول ثم أدناه فأدناه في دائرة تتسع بزيادة العلم والجاه والمال،ويكف شره ولسانه عن الناس فإنها صدقة على نفسه.
تذكرة:
قال عزمن قائل "وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ [118] إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [119]) هود
وقال نبينا صلى الله عليه وسلم(( ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل) صحيح الجامع.
وقال نبينا صلى الله عليه وسلم إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون و لكن في التحريش بينهم) صحيح الجامع.
وَعَنْ سُفْيَانَ كُنْت جَالِسًا عِنْدَ إيَاسٍ فَنِلْتُ مِنْ إنْسَانٍ فَقَالَ هَلْ غَزَوْت الرُّومَ وَالتُّرْكَ فَقُلْت لَا فَقَالَ سَلِمَ مِنْك التُّرْكُ وَالرُّومُ وَمَا سَلِمَ مِنْك أَخُوك الْمُسْلِمُ .
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ لِيَكُنْ حَظُّ الْمُؤْمِنِ مِنْك ثَلَاثَ خِصَالٍ إنْ لَمْ تَنْفَعْهُ فَلَا تَضُرَّهُ وَإِنْ لَمْ تَسُرَّهُ فَلَا تَغُمَّهُ وَإِنْ لَمْ تَمْدَحْهُ فَلَا تَذُمَّهُ.
الأخوة والأخوات ..
ليكن الحوار بناءاً ..
وليكن للزمن اعتبار وقيمة وتقدير ..
ليكن الانتياه للآخرة أقوى من الانتباه للدنيا والانتصار الوهمي على آراء الآخرين ..