صفحة 1 من 1

أم فلسطينية

مرسل: السبت ديسمبر 15, 2012 8:44 pm
بواسطة مشهور العنزي 1
أم فلسطينية..!
أم فلسطينية...
في الخريف في مكان ملئ بأوراق الشجر المتساقط في إحدى ضواحي المدن العربية ذهبت هناك علي أجد أوراقي المبعثرة ما بين كلمات وآهات ...رأيتها وقد سار الدهر على جفون عينيها وقد لامس المر دقات قلبها
أثارت انتباهي بتكرار تواجدها في هذا المكان وصمتها الذي يمزق أذني بالفضول...
فكرت أن أقترب منها ولكن ترى؟ هل ستسمح لي بالغوص في هذا البحر الأسود الموجود في عينيها؟؟!!! يبدو على وجهها أنها جاوزت السبعين ولكني أرى في كل ثنية من وجهها معاني تصل للأعماق ...
جلست بجانبها ألقيت التحية ..بقيت لبضع دقائق و أنا أفكر ..ملامحها تنم عن أنها ليست من هذه البلدة..
سألتها هل أنت من هذه البلدة يا خالة؟
أجابت : لا أعيش هنا منذ أربع سنوات.
سألتني : ما الذي أتى بشابة في سنك إلى هذه الحديقة المهجورة أرتياحا من الدنيا أم حبا في الوحدة؟
تعجبت من أسلوبها ! ولكني فهمتها...
أجبت : ربما لأبحث عن نفسي.
صمتنا للحظات وتأوهت هي وكأنها تشكو حزنها للصمت.
قلت: ما بك يا خالة؟
قالت: لقد أرهقتني الدنيا.
قاطع هذا الهدوء المتحدث قدوم طفل صغير يجري نحوها وقد ألقى نفسه بين ذراعيها.
تساءلت في نفسي :أهو ابنها ؟! ولكن كيف وهي طاعنة في السن ربما هو حفيدها.
خاطبته هي بكلمات رقيقة: هل انتهيت من اللعب يا حبيبي.
لا : قالها وقد انطلق يجري مرة أخرى.
مزقني الفضول رغم كل هذا الحزن في عينيها إلا أن هذا الطفل استطاع أن يسرق ابتسامة من شفتيها..
التفتت إلي وأفرجت شفتيها إلا أن قالت هو حفيدي..
سبقتني أراك ستسألينني من أنا ولم أتيت إلى هنا ؟
لم أجب....
قالت :أنا فلسطينية
أحسست في نبرتها بالألم والفخر
أكملت حديثها واسترسلت كأنها وجدت من يسمعها
أنا فلسطينية من دير ياسين عمري خمس وسبعون عاما ..في فلسطين كان عندي تسع أبناء سبع شباب وبنتين ....توفي زوجي مع رجال المقاومة منذ زمن .....وكذلك إخوتي الخمسة ووالدي و أخواتي و أمي استشهدن في المجزرة التي حصلت في قريتنا..
سكتت و كأنه لا يوجد في حياتها غير كلمة الموت فتاريخها مفخخ بهذه الكلمات كيف لا وهي أم فلسطينية!!!!!
سألتها : أين أولادك؟
أجابت:أربعة شهداء واثنان أسرى في المعتقلات الإسرائيلية لا أعلم عنهم شيئا منذ ست وعشرين سنة والأخير هو هنا أعيش معه ...
أما ابنتاي فإحداهما توفيت في صغرها حيث مرضت ولم نستطع توفير الدواء اللازم لها ..قالت كلماتها وقد سالت إحدى حمم البراكين الثائرة على خديها ...توقفت عن الكلام ...
_وأين ابنتك الأخرى؟
هي من كانت عدتي قد أكملت مراحل تعليمها رغم ظروفنا الصعبة وتزوجت من ابن أختي وعشنا سويا ومنذ عشر سنوات كانت تعمل مدرسة في مدرسة بعيدة قليلا عن منطقة المخيم ..تأخرت مرة عن موعد عودتها فذهب زوجها ليرى إن كانت أوامر حظر التجوال قد منعتها من العودة أو أن نقاط التفتيش قد أعاقت عودتها إلى المنزل وانتظرها ولم تأتي وقام بالسؤال عنها فتأكد أنها خرجت من المدرسة في ميعادها اليومي فغلب على ظنه أنها عند بعض أهله الذين يسكنون قريبا من المدرسة فسألهم عنها لكنهم لم يروها فبحث عنها في كل مكان يمكن أن تصل إليه ولم يجدها ومرت الليالي كن أسود من ظلام الليل علينا وزوجها لا يمل من البحث .....
وفي يوم ما وبعد منتصف الليل سمعنا صوت أحد الرجال ينادي يا أهل النخوة يا أهل الذمة يا أهل الضمير يا ناس ...فخرج زوج ابنتي مسرعا للخارج ليرى ما الحدث فإذا بأحد الرجال يرفع جثة امرأة تكاد تكون عارية على كتفيه وهو يصرخ(( يا أهل النخوة اغتصبوها أولاد الكلب ورموها بجانب المخيم )) وما أن رأينا وجهها حتى عرفت أنها ابنتي عادت ولكنها ميتة عادت ولكنها مسلوبة الكرامة عادت مهدورة الدماء !!!! لم أستوعب المشهد حتى رأيت زوجها يدخل ويخرج وقد حمل معه سكينا هي ليست بسكين ولكنها خنجر آبائه و أجداده وقد اشتعلت نار الغيرة في عينيه أصر أن ينتقم لعرضه ذهب و أنا أمنعه و أنا أعلم ما سيفعله هؤلاء السفلة به فماذا يساوي هذا الخنجر أمام مدرعاتهم وأسلحتهم ولكنه ذهب !!...ذهب وواجه أول كشاف عسكري و أول حاجز.. جرى نحوه عله يطفئ النار التي تحرق قلبه ولكن قبل أن تلفظ أسنان خنجره تمزق جسده بطلقات أتته من كل جانب عله غسل ناره بدمائه لكنه مات وتستدرك قائلة : أعني لكنه استشهد.. ومنذ ذلك الحين جئت لأعيش مع ابني هنا فلم يعد لي هناك سوى الألم والوحدة ...صمتت تلك المرأة المسنة وهي تبكي بصمت وحرقة.. وتتنهد قائلة يا رب ...يااااااااا الله ارحمني يا رب ..
قد ترك حديثها في صدري نارا يزداد لهيبها بحقدي على هؤلاء الصهاينة الخونة شعرت بعدها بأني ولابد أن أفعل شيئا للأرض العربية أيا كانت الحدود والجنسيات ..وكان أول ما فعلته هو توصيل صوت هذه الأم المكلومة إلى العالم كله فهي ليست قصتها وحدها إنما هي قصة الوطن المذبوح قصة أم فلسطينية .....

كلمة أهديها لوطني فلسطين:
اعذريني بلادي فقد طال الأمد
اعذريني بلادي فكان الله لي سند
اعذريني بلادي فقد انقطع العرق لما اجتيح البلد
اعذريني بلادي لا أريد جاها ولا سلطانا أريد أرضا بالدم قد أحياها الولد
اعذريني بلادي فليس إلا اله سند
اعذريني بلادي فقد ادركت أن الضعف في العرب هو جل العهد
أعذريني بلادي ولتقبليني فأن من سيجدد العهد
اعذريني بلادي ..اعذريني فلسطين


ريما زكي