منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#57323
وقد تعرض هذا النظام منذ البداية للعديد من الانتقادات، كان أبرزها أنه يتيح إمكانية أن يفوز المرشح بالانتخابات، بالرغم من عدم حصوله على أغلبية أصوات الشعب الأمريكي، الأمر الذي أدى لتصاعد مطالب الكثيرين بإعادة النظر في نظام المجمع الانتخابي،
بقلم عبدالله صالح
في الوقت الذي تدعي فيه الولايات المتحدة أنها راعية الديمقراطية في العالم، فإنها تطبق نظاما انتخابيا غير ديمقراطي، يتجاهل إرادة الأغلبية، ويشوه الحملات الرئاسية، ويتيح الفرصة لما يسمى بالمجمع الانتخابي للتحكم في نتيجة الانتخابات، وإعلان فوز أحد المرشحين بمنصب الرئاسة رغم خسارته للتصويت الشعبي، ولهذا تعالت أصوات الكثيرين بإلغاء هذا النظام الانتخابي، وخاصة في أعقاب انتخابات عام 2000، والتي فاز فيها الرئيس الجمهوري جورج بوش رغم خسارته التصويت الشعبي أمام منافسه الديمقراطي آل جور، بأكثر من 500 ألف صوت.
لقد أدرك معظم الأمريكيين لأول مرة، كما أشار كارل بريتشر في مقاله بصحيفة النيويورك تايمز، أنهم يطبقون نظاما يتم فيه اختيار الرئيس، ليس من خلال الناخبين أنفسهم وإنما عن طريق 538 ناخبا هم أعضاء المجمع الانتخابي، الذي يتكون وفقاً لنصوص الدستور الأمريكي من عدد يماثل عدد أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب في كل ولاية، بالإضافة إلى ثلاثة أعضاء يمثلون العاصمة واشنطن.
ويتم اختيار الناخبين في الولايات من خلال الأحزاب السياسية، وقد جرت العادة على أن يختار أعضاء المجمع الانتخابي المرشح الحاصل على أكبر عدد من أصوات الولاية، ولو بصوت واحد، وبالتالي يحوز هذا الشخص على كل أصوات الولاية في المجمع الانتخابي. ولكن هذا ليس أمرا ملزما، فقد يتم الاتفاق على اختيار شخص آخر، رغم عدم حصوله على أعلى الأصوات، المهم أن يكون هناك اتفاق بين أعضاء المجمع على اختياره.
عندما يذهب الناخبون الأمريكيون في الثاني من نوفمبر إلى صناديق الاقتراع، لن يصوتوا للرّئيس مباشرة، ولكنهم سيصوتون للناخبين، الذين سيقومون بدورهم باختيار الرئيس، وفي الغالب يختار الناخبون صندوقاً مدون عليه شعار جورج بوش أو جون كيري، ولكن في بعض الحالات، توضع أسماء الناخبين على بطاقات الاقتراع أيضاً، وفي كل الحالات، فإن انتماء الناخبين يكون واضحاً.
وعندما يتم حساب الأصوات في كل ولاية، فإن المرشح الحاصل على معظم الأصوات (ليس بالضرورة الأغلبية ) يفوز بأصوات جميع الناخبين في الولاية، وعلى سبيل المثال، فإنه إذا تمخض عن التصويت الشعبي في "لويزيانا" حصول بوش على نسبة 55 % من الأصوات، في مقابل 42 % لكيري، و3% لرالف نادر، فإن بوش سيفوز بالأصوات الانتخابية للولاية جميعها. "نيبراسكا" و"ماين" هما الاستثناءان الوحيدان لهذه القاعدة، حيث ينص القانون فيهما على أن المرشح الفائز بأغلبية التصويت الشعبي في الولاية، يحصل على أصوات اثنين فقط من المجمع الانتخابي، بينما يتم توزيع باقي الأصوات وفقاً للتصويت الذي يجري في باقي الولايات، كما يتم توزيع الأصوات الانتخابية بين المرشحين، على خلاف باقي الولايات.
وفي كل الأحوال، فإنه بعد الانتهاء من حساب الأصوات الشعبية، وقيام الهيئة الناخبة بتحديد المرشح الفائز، فإن التصويت الشعبي يصبح غير ذي قيمة، فقد فوض الناخبون أعضاء المجمع الانتخابي في اختيار الرئيس القادم للولايات المتحدة.
ولهذا فإنه من الممكن، وهو ما حدث ثلاث مرات في الماضي، ( وبدرجة كبيرة في عام 2000 ), أن يفوز المرشح بالانتخابات، بالرغم من عدم حصوله على أغلبية أصوات الشعب الأمريكي، حيث يمكن أن يحصل أحد المرشحين مثلا على نسبة 60% من الأصوات الشعبية، ومع ذلك يخسر الانتخابات، لأن هذه النسبة كانت مركزة في عدد قليل من الولايات ذات الكثافة السكانية الكبيرة، في حين ينجح مرشح آخر أقل منه، لأنه استطاع أن يحصل على أصوات الهيئة الناخبة في عدد أكبر من الولايات، بالرغم من أن عدد سكان هذه الولايات أقل، أي أن الفائز هو المرشح الذي يحصل على معظم أصوات الهيئة الناخبة، وليس الفائز بأغلبية التصويت الشعبي.
وعندما تنتهي عملية فرز الأصوات الشعبية، فإنه لا يمكن أن يتم إعلان اسم المرشح الفائز، إلى أن يجتمع أعضاء المجمع الانتخابي عن كل ولاية في الأربعاء الثاني من ديسمبر، ويختارون فيما بينهم الرئيس الأمريكي ونائبه، ثم يرسلون النتيجة إلى رئيس مجلس الشيوخ، الذي يقوم من جانبه بتجميع نتائج تصويت المجمع الانتخابي في الولايات، ثم يعلن النتيجة بعد ذلك في مطلع يناير من العام المقبل.
وفي حالة حصول كل من المرشح الجمهوري "جورج بوش" والمرشح الديمقراطي "جون كيري" على أصوات أعضاء المجمع الانتخابي بالتساوي تماماً، أي 269 صوتاً لكل مرشح من أصل 538 صوتاً، فإن على مجلس النواب الجديد اختيار الرئيس من بين المرشحين الذين حصدوا أكبر عدد من الأصوات في الثاني من نوفمبر، ويقوم أعضاء مجلس النواب بالتصويت نيابة عن الولايات، بحيث يكون لكل ولاية صوت واحد (يجمع نواب كل ولاية في وفد واحد) ويجب أن يحصل الرئيس الجديد على 26 صوتاً ليفوز، كما يقوم مجلس الشيوخ بالمثل بانتخاب نائب الرئيس، على أن يفوز المرشح الذي يحصل على أغلبية الثلثين.
وإذا لم يتمكن مجلس النواب من انتخاب رئيس، فإن الأمر سيصبح أكثر تعقيداً، لاسيما أن الدستور الأمريكي ينص على أن يتولى الرئيس مهامه يوم 20 يناير القادم، وفي هذه الحالة، يتولى نائب الرئيس المنتخب من مجلس الشيوخ، سواء كان ديك تشيني أو جون إدواردز، الرئاسة بالوكالة. وفي حالة عجز مجلس الشيوخ عن انتخاب نائب للرئيس، فإنه تتم دعوة رئيس مجلس النواب لتولي الرئاسة بالوكالة، وإذا رفض الدعوة، يدعى رئيس مجلس الشيوخ، وفي حالة قبول أي منهما تولي الرئاسة بالوكالة، فإن عليه أن يقدم استقالته، وفي حالة رفض كليهما، تتم دعوة وزير الخارجية "كولن باول" ثم وزير الخزانة "جون سنو" ثم وزير الدفاع "دونالد رامسفيلد" وأخيراً وزير العدل "جون أشكروفت".
لقد صمم نظام المجمع الانتخابي، الذي طبق منذ أواخر القرن الثامن عشر، للحد من العواطف السياسية للناخبين، وما قد يكون لديهم من نزعات متطرفة، حيث كان مؤسسو الدولة قلقين من إمكانية خضوع أنماط التصويت لدى الشعب الأمريكي، الذي يتسم بتنوع ثقافاته، لتيارات غريبة أو شاذة.
ومع ذلك، فقد تعرض هذا النظام منذ البداية للعديد من الانتقادات، كان أبرزها هو أنه يتيح إمكانية أن يفوز المرشح بالانتخابات، بالرغم من عدم حصوله على أغلبية أصوات الشعب الأمريكي، ولأن هذا الاحتمال حدث مبكراً مرتين فقط في 1876 و 1888، فإنه ظل مجرد احتمال نظري، إلى أن تكرر الأمر في انتخابات عام 2000، عندما تمكن جورج بوش من الفوز في الانتخابات، بالرغم من خسارته التصويت الشعبي بأكثر من نصف مليون صوت، الأمر الذي أدى لتصاعد مطالب الكثيرين بإعادة النظر في نظام المجمع الانتخابي، الذي يتيح للولايات قليلة السكان أن تحدد من يصبح الرئيس القادم في حين يدافع البعض عن هذا النظام باعتباره الملاذ الأخير للدفاع عن حقوق الناخبين الريفيين وسكان الولايات الصغيرة، بما يحول دون تركيز المرشحين جُل اهتمامهم على الولايات كثيفة السكان.