متى تنتقل النّخبة من ردة الفعل إلى الفعل؟
مرسل: الأحد ديسمبر 16, 2012 3:06 pm
متى تنتقل النّخبة من ردة الفعل إلى الفعل؟
كانوا يعلموننا منذ الصغر قصة الأب الحكيم الذي أراد أن يلقّن أولاده، قبل أن يموت، درسا مهما في ركائز القوة، متمثلا في الوحدة، وذلك من خلال رمزية متانة العصي المجتم
عة، وضعف العصي المتفرقة؛ ليشرح العبرة الكامنة في الوحدة؛ فالعصي لا يمكن كسرها بسهولة عندما تكون مجتمعة محزومة بشدة، بينما يسهل كسرها عندما تكون متفرقة؛ لكن يبدو أننا ماهرون في محو ذاكرة وجداننا الغني بالتجربة والحكمة، وسرعان ما ننسى الحكمة التي قدمها لنا أجدادنا في خلاصة حياتهم الطويلة.
فهذا مانحن عليه الآن في المعارضة والثورة السورية، وهو ماتستغله دول العالم فينا؛ فمثلما اعتمدت امريكا في سياستها الكارثية في العراق على إشاعة الفرقة وإشعال الاقتتال الداخلي الدموي العنيف. تمارس السياسة نفسها في سوريا مع الثورة والمعارضة، حيث تعمل على إشاعة الفرقة لتوسيع دائرة الاقتتال الداخلي السوري، حتى لا تخرج سوريا في ثورتها جبهة واحدة متينة تفرض ذاتها بقوة على واقعها ومحيطها. لذلك الاقتتال الأهلي السوري أمر مهم لأمريكا عكس ما تدعيه في إعلامها وعلى لسان سياسييها، حصوصا في حالة الحفاظ على مكاسبها ومصالحها.
قرار أمريكا تجاه جبهة النصرة بوضعها على قائمة الإرهاب بحجة انتمائها للقاعدة، وبحجة أفعالها الإرهابية والاستبدادية، ليس إلا تعزيزا للنزاعات في سوريا. أمريكا لا مشكلة لديها مع القاعدة إلا عندما تريد ذلك، فهي دعمت القاعدة في ليبيا. المصلحة الأمريكية والإسرائيلية هي التي تملي عليها مواقفها لا المصلحة الوطنية السورية ولا مخاوقها على الشعب السوري من ممارسات القاعدة.
موقف أمريكا من جبهة النصرة وإدراجها على قائمة الإرهاب، هو شكل من اشكال التفتيت وإثارة الفتن الداخلية في سوريا, فجبهة النصرة، بغض النظر عن كثير مما قيل فيها وما يقال فيها، هي جزء من الحركة التي تقاتل نظام الأسد ، وحتى لو كان هناك اختراق شديد لها من قبل النظام فهذا لا ينفي وجود بسالة في مصارعة نظام الأسد من طرف المجاهدين فيها. ولا ينفي مطالب التحرر من منظومة الأسد في قاعدة رجالها. كما لايلفي وجود الحاقدين والمتعصبين الذين يحركهم الثأر من النظام...لكن الإعلام الأمريكي، استغل ممارسات الجبهة الخاطئة والسئية، وجعلها منها مشكلة كبيرة، بدل أن تكون المشكلة هي عصابات الأسد المسؤولة عن تفجير الأوضاع وتفشي العنف.
الإطاحة بجبهة النصرة هو خيار سياسي أمريكي، وقد بدأ العمل عليه الإعلام الأمريكي والمواقع المرتبطة بالخارجبة الأمريكية منذ مدة؛ فضخم حجمها وأفعالها وممارساتها، وأكثر من الحديث عنها، بما يشبه المقولات التي يرددها نظام الأسد. وللأسف كانت ردات فعل النحب الثقافية والسياسية، سريعة ومنفعلة، وسارت مع هذه التوجهات، بقصد أو من دون قصد، بغرض نبيل، أو بغرض غير نبيل؛ كأنها تمكن الموقف الأمريكي وتبني له الأساس لصنع قرار كهذا. وإن هذا القرار سيفرض أزمات داخلية وريما اقتتالا داخليا، بين كتل المؤيد وتكتل المعارض. فالغرب السياسي يريد إنهاك الأطراف كلها. المعارضة والثورة والنظام؛ لكي يستعيد سيطرته على الواقع السوري سياسيا واقتصاديا وفكريا.
موقف عموم المعارضة السورية من جبهة النصرة هو مؤشر كبير على تخبطها وسذاجة أدائها، بين من كان يهاجمها بشراسة وضراوة، متناسيا الطبيعة اليومية للقتل الذي يقرز ألف فصيل مقاتل باسم الدين ردا على التصفية الدينية الممنهجة، وبين من خرج الآن رافعا شعار" جبهة النصرة تمثلني"، منفعلا معترضا، بحق، على تدخل أمريكا السافر ضد الشعب السوري بينما يشهد الوطن بأكمله جرائم نظام الأسد الإرهابي، وهو مازال محصنا في ارتكاب جرائمه.
الغرب السياسي كان يخاف من استبدال الأسد بنظام آخر، لا يستطيع حماية مصالحهم والتوازنات القائمة لمصالحه، وبما أنهم فشلوا في الإبقاء على النظام؛ فعليهم الآن أن يعملوا على احتواء الواقع، وأن يحولوا الفوضى إلى مكسب، وأن يحفظوا منها ما يزيد في رصيد مصالحهم. جبهة النصرة هي حجة لتسويغ عدم دعم المعارضة السورية المسلحة؛ لأن عموم قادة النضال العسكري من الإسلاميين. وهذا مخيف للغرب ولإسرائيل وللدول الخليجية. فلا أحد منهم يريد نظاما يهدد أمن إسرائيل. وليس موضوع الأسلحة الكيمائية الذي تتخوف أمريكا منه إلا حرصا فعلى ألا تصل الأسلحة للأشخاص والجهات الخطأ. وليس حتى الآن النظام الأسدي الأيدي الخطأ، بل الفصائل الثورية الجهادية السورية المسلحة التي تتخوف أمريكا من حصولها على الأسلحة وتهديد مصالحها ومصالح الكيانات والدول الموالية لها؛ لذلك عليها أن تعمل على تنحيتها عن مساحة الفعل السياسي السوري.
أمريكا، بالتنسيق مع قطر، دعمت الائتلاف ليكون واسعا بما يتماشى مع مخططها للاحتواء، وهي في الضغط المستمر على الائتلاف وعلى المعارضة، تعمل على إضعافه ليعمل وفق آليات رؤيتها؛ لأنها حذرة جدا من مستقبل الأمور سوريا. ولذلك تسعى بقوة لتعزيز رؤيتها في الداخل السوري من خلال تكوين قيادة عسكرية؛ فحتى أن تسهم في خوض المعركة لإسقاط النظام، عليها ع تبني العلاقات المناسبة لها مع الثوار المسلحين، لكي يكون التكوين العسكري المدعوم معتدلا مطابقا لاعتدال القوة السياسية المتمثلة في الائتلاف، وبما يمنع خلق كيانات ثورية صغيرة وجيوب مسلحة تهدد مصالح امريكا إسرائيل في المستقبل. ويما يجعل سوريا مستقرة لا تهدد أمن جيرانها ولا مصالح أمريكا.
المطلوب من المعارضة والثورة السورية هو تجاوز ردات الفعل البارعة فيه وتمتين اللحمة الوطنية. وأن تقوم قوى المعارضة والثورة بالتوحّد في أهدافها وتنسيق أعمالها أجل بناء الوطن، بعيدا عن الفساد السياسي، وعن هيمنة مصالحها ومصالح الأحزاب والفصائل والكتل التابعة لها. إن أمريكا لن تفكر إلا في مصلحتها؛ لأنّ مصلحتها ومصلحة الدول الموالية لها على قائمة أولوياتها. أما مصلحة الشعب السوري، فعلى الائتلاف والمعارضة والثورة وضعها في قائمة الأولويات والاعتبارات والاقتراب أكثر من الشارع السوري ومن مطالب الثورة والشعب. وهنا لا مانع من الاستفادة من التقاطعات بين المصالح واستغلالها بحكمة وذكاء، بما يحقق مكسبا للثورة والشعب، من دون الإخلال بالقرار الوطني المستقل.
د. سماح هدايا
كانوا يعلموننا منذ الصغر قصة الأب الحكيم الذي أراد أن يلقّن أولاده، قبل أن يموت، درسا مهما في ركائز القوة، متمثلا في الوحدة، وذلك من خلال رمزية متانة العصي المجتم
عة، وضعف العصي المتفرقة؛ ليشرح العبرة الكامنة في الوحدة؛ فالعصي لا يمكن كسرها بسهولة عندما تكون مجتمعة محزومة بشدة، بينما يسهل كسرها عندما تكون متفرقة؛ لكن يبدو أننا ماهرون في محو ذاكرة وجداننا الغني بالتجربة والحكمة، وسرعان ما ننسى الحكمة التي قدمها لنا أجدادنا في خلاصة حياتهم الطويلة.
فهذا مانحن عليه الآن في المعارضة والثورة السورية، وهو ماتستغله دول العالم فينا؛ فمثلما اعتمدت امريكا في سياستها الكارثية في العراق على إشاعة الفرقة وإشعال الاقتتال الداخلي الدموي العنيف. تمارس السياسة نفسها في سوريا مع الثورة والمعارضة، حيث تعمل على إشاعة الفرقة لتوسيع دائرة الاقتتال الداخلي السوري، حتى لا تخرج سوريا في ثورتها جبهة واحدة متينة تفرض ذاتها بقوة على واقعها ومحيطها. لذلك الاقتتال الأهلي السوري أمر مهم لأمريكا عكس ما تدعيه في إعلامها وعلى لسان سياسييها، حصوصا في حالة الحفاظ على مكاسبها ومصالحها.
قرار أمريكا تجاه جبهة النصرة بوضعها على قائمة الإرهاب بحجة انتمائها للقاعدة، وبحجة أفعالها الإرهابية والاستبدادية، ليس إلا تعزيزا للنزاعات في سوريا. أمريكا لا مشكلة لديها مع القاعدة إلا عندما تريد ذلك، فهي دعمت القاعدة في ليبيا. المصلحة الأمريكية والإسرائيلية هي التي تملي عليها مواقفها لا المصلحة الوطنية السورية ولا مخاوقها على الشعب السوري من ممارسات القاعدة.
موقف أمريكا من جبهة النصرة وإدراجها على قائمة الإرهاب، هو شكل من اشكال التفتيت وإثارة الفتن الداخلية في سوريا, فجبهة النصرة، بغض النظر عن كثير مما قيل فيها وما يقال فيها، هي جزء من الحركة التي تقاتل نظام الأسد ، وحتى لو كان هناك اختراق شديد لها من قبل النظام فهذا لا ينفي وجود بسالة في مصارعة نظام الأسد من طرف المجاهدين فيها. ولا ينفي مطالب التحرر من منظومة الأسد في قاعدة رجالها. كما لايلفي وجود الحاقدين والمتعصبين الذين يحركهم الثأر من النظام...لكن الإعلام الأمريكي، استغل ممارسات الجبهة الخاطئة والسئية، وجعلها منها مشكلة كبيرة، بدل أن تكون المشكلة هي عصابات الأسد المسؤولة عن تفجير الأوضاع وتفشي العنف.
الإطاحة بجبهة النصرة هو خيار سياسي أمريكي، وقد بدأ العمل عليه الإعلام الأمريكي والمواقع المرتبطة بالخارجبة الأمريكية منذ مدة؛ فضخم حجمها وأفعالها وممارساتها، وأكثر من الحديث عنها، بما يشبه المقولات التي يرددها نظام الأسد. وللأسف كانت ردات فعل النحب الثقافية والسياسية، سريعة ومنفعلة، وسارت مع هذه التوجهات، بقصد أو من دون قصد، بغرض نبيل، أو بغرض غير نبيل؛ كأنها تمكن الموقف الأمريكي وتبني له الأساس لصنع قرار كهذا. وإن هذا القرار سيفرض أزمات داخلية وريما اقتتالا داخليا، بين كتل المؤيد وتكتل المعارض. فالغرب السياسي يريد إنهاك الأطراف كلها. المعارضة والثورة والنظام؛ لكي يستعيد سيطرته على الواقع السوري سياسيا واقتصاديا وفكريا.
موقف عموم المعارضة السورية من جبهة النصرة هو مؤشر كبير على تخبطها وسذاجة أدائها، بين من كان يهاجمها بشراسة وضراوة، متناسيا الطبيعة اليومية للقتل الذي يقرز ألف فصيل مقاتل باسم الدين ردا على التصفية الدينية الممنهجة، وبين من خرج الآن رافعا شعار" جبهة النصرة تمثلني"، منفعلا معترضا، بحق، على تدخل أمريكا السافر ضد الشعب السوري بينما يشهد الوطن بأكمله جرائم نظام الأسد الإرهابي، وهو مازال محصنا في ارتكاب جرائمه.
الغرب السياسي كان يخاف من استبدال الأسد بنظام آخر، لا يستطيع حماية مصالحهم والتوازنات القائمة لمصالحه، وبما أنهم فشلوا في الإبقاء على النظام؛ فعليهم الآن أن يعملوا على احتواء الواقع، وأن يحولوا الفوضى إلى مكسب، وأن يحفظوا منها ما يزيد في رصيد مصالحهم. جبهة النصرة هي حجة لتسويغ عدم دعم المعارضة السورية المسلحة؛ لأن عموم قادة النضال العسكري من الإسلاميين. وهذا مخيف للغرب ولإسرائيل وللدول الخليجية. فلا أحد منهم يريد نظاما يهدد أمن إسرائيل. وليس موضوع الأسلحة الكيمائية الذي تتخوف أمريكا منه إلا حرصا فعلى ألا تصل الأسلحة للأشخاص والجهات الخطأ. وليس حتى الآن النظام الأسدي الأيدي الخطأ، بل الفصائل الثورية الجهادية السورية المسلحة التي تتخوف أمريكا من حصولها على الأسلحة وتهديد مصالحها ومصالح الكيانات والدول الموالية لها؛ لذلك عليها أن تعمل على تنحيتها عن مساحة الفعل السياسي السوري.
أمريكا، بالتنسيق مع قطر، دعمت الائتلاف ليكون واسعا بما يتماشى مع مخططها للاحتواء، وهي في الضغط المستمر على الائتلاف وعلى المعارضة، تعمل على إضعافه ليعمل وفق آليات رؤيتها؛ لأنها حذرة جدا من مستقبل الأمور سوريا. ولذلك تسعى بقوة لتعزيز رؤيتها في الداخل السوري من خلال تكوين قيادة عسكرية؛ فحتى أن تسهم في خوض المعركة لإسقاط النظام، عليها ع تبني العلاقات المناسبة لها مع الثوار المسلحين، لكي يكون التكوين العسكري المدعوم معتدلا مطابقا لاعتدال القوة السياسية المتمثلة في الائتلاف، وبما يمنع خلق كيانات ثورية صغيرة وجيوب مسلحة تهدد مصالح امريكا إسرائيل في المستقبل. ويما يجعل سوريا مستقرة لا تهدد أمن جيرانها ولا مصالح أمريكا.
المطلوب من المعارضة والثورة السورية هو تجاوز ردات الفعل البارعة فيه وتمتين اللحمة الوطنية. وأن تقوم قوى المعارضة والثورة بالتوحّد في أهدافها وتنسيق أعمالها أجل بناء الوطن، بعيدا عن الفساد السياسي، وعن هيمنة مصالحها ومصالح الأحزاب والفصائل والكتل التابعة لها. إن أمريكا لن تفكر إلا في مصلحتها؛ لأنّ مصلحتها ومصلحة الدول الموالية لها على قائمة أولوياتها. أما مصلحة الشعب السوري، فعلى الائتلاف والمعارضة والثورة وضعها في قائمة الأولويات والاعتبارات والاقتراب أكثر من الشارع السوري ومن مطالب الثورة والشعب. وهنا لا مانع من الاستفادة من التقاطعات بين المصالح واستغلالها بحكمة وذكاء، بما يحقق مكسبا للثورة والشعب، من دون الإخلال بالقرار الوطني المستقل.
د. سماح هدايا