بين أزمتهم وأزمتنا أين الخلل ؟
الس]لام عليكم ورحمة الله وبركاته ,, مقال اعجبني بقلم الأستاذ :إبراهيم الناصري من جريدة الوطن
تكلم عن واقع ملموس يحصل الآن وهي الأزمة الأقتصاديه
ذرفت أقلام كتابنا الكثير من المداد في "نعي" اقتصاديات الدول الغربية، و"شجب" جهاتهم التنظيمية المتراخية في عملها، التي أوقعتهم والعالم في الأزمة المالية الحالية الخانقة، و"الإشادة" بتنظيماتنا التي حمتنا من هذه الأزمة.
ومن الكتاب من تطوع في إسداء النصائح لهم مُحرضاً حكوماتهم على قطاع الأعمال لديهم، ومطالباً إياها، نيابة عن العالم، بسد كل أبواب الذرائع التي تسربت منها الأزمة. فهل ثمة خطأ في هذه العواطف؟ أعتقد ذلك، وإن واجهت صعوبة في التعبير عنه والربط بين عناصره في أسطر قليلة.. فالتصور الذي تركته تلك الأقلام لدى القارئ هو أن الولايات المتحدة تعاني من أزمة اقتصادية أكلت اللحم وطحنت العظم، وأن بريطانيا وأوروبا تمران بأزمة مماثلة، في حين أن مؤسساتنا المالية مستقرة واقتصادنا متين مما يُؤهلنا أن نكون نموذجاً للآخرين. إن هذا التصور، في رأيي، ينطوي على نتيجة مُوهمة، ولابد أن يتغير لو إننا نظرنا إلى الصورة بأبعادها الحقيقية. فلا يزال مُعدل البطالة في الولايات المتحدة في حدود الثمانية بالمائة، بينما يتمتع الاثنان والتسعون بالمائة الباقون بمرتبات عالية محمية بخط الحد الأدنى للأجور بحيث تكفي مرتباتهم للوفاء بكل الاحتياجات الأساسية وقدر من الترفية ومجال معقول للتوفير. ويحصل الذين يفقدون وظائفهم على معاشات فورية تلقائية كافية للحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم إضافة إلى الرعاية الصحية المجانية والتعليم المجاني لأولادهم. وكذلك الشأن في أوروبا مع الفارق الإيجابي في انخفاض عدد العاطلين إلى حدود الأربعة من كل مائة، وزيادة في تعويض نسبة البطالة ومبلغ الحد الأدنى للأجور. هذا هو الحال في تلك الدول التعيسة حسب تصورنا، فكيف حالنا في ضوء الأرقام والحقائق؟.. من المستقر أن معدل البطالة هو ناتج قسمة عدد العاملين في الدولة على عدد العاطلين. ويقصد بالعاملين أي شخص تجاوز السادسة عشرة، رجلاً كان أو امرأة، ويُؤدي أي عمل بأجر أو يمارس عملاً مهنياً أو تجارياً خلال أسبوع الإحصاء. بينما يُقصد بالعاطلين كل من تجاوز السادسة عشرة، رجلاً كان أو امرأة، وليس لديه عمل وفقاً للتعريف السابق.
في ضوء هذا التعريف فإن نسبة الثمانية بالمائة كمعدل للبطالة لدينا تُعد تفاؤلاً يصعب تصوره لاسيما إذا أخذنا في الاعتبار عدد النساء العاطلات. وبالإضافة إلى ذلك لا يتجاوز مُعدل مرتبات السعوديين العاملين لدى القطاع الخاص الثلاثة آلاف ريال، وهو رقم لا يمكن أن يفي بالحد الأدنى من ضرورات متطلبات الحياة الحرة الكريمة، من غذاء وكساء ودواء ومركب ومسكن وماء وكهرباء وهاتف ونحو ذلك. أما إذا فقد العامل وظيفته فلن يجد مظلة تقيه من العوز والجوع والحاجة سوى فتات قليل مُهين مما تجود به الجمعيات الخيرية أو المحسنون.
وأخيراً يصعب الجزم بأن المواطن العامل أو العاطل سيتمتع بمستوى من التعليم والخدمات الصحية يقترب من مستواه لدى تلك الدول. من هذه الأرقام والمعلومات البعيدة عن العاطفة أجزم أننا بأمس الحاجة إلى إعادة النظر في الزاوية التي ننظر منها إلى الأزمة الحالية، وعدم التوقف عند النظر إلى استقرار المؤسسات المالية مثلاً كهدف نهائي للعملية الاقتصادية. إن مؤسساتنا المالية والجهات المنظمة لها والأنظمة الصادرة من الدولة وجهات تطبيقها على وجه العموم ما هي إلا وسائل لرفع المستوى المعيشي لدى المواطن وزيادة سعادته ورفاهيته. فإذا ظل هذا المستوى أقل من المأمول فيجب ألا نستبعد احتمال كون ذلك من سلبيات وأعراض التشدد التنظيمي وسد باب الذرائع، الذي نتجت عنه إيجابية استقرار المؤسسات المالية في ظل أزمة خانقة كتلك التي نعيشها حالياً.