مشكلة الصراع في القرن الأفريقي وعلاقات الدول الكبرى بها
مرسل: الأحد ديسمبر 16, 2012 6:53 pm
تقع منطقة القرن الإفريقي في شرق إفريقيا، وتضم من الناحية الجغرافية: الصومال، وجيبوتي، وإريتريا، وإثيوبيا.
وبخلاف التعريف الجغرافي الضيق للمنطقة، فهناك تعريفات أخرى سياسية تضيف للدول الأربعة سالفة الذكر دولا أخرى مثل: السودان، وكينيا، وأوغندا، وتنزانيا وغيرها.
وتعاني منطقة القرن الإفريقي من عدة مشكلات، بعضها ترجع جذوره إلى مرحلة الحرب الباردة -وربما أبعد من ذلك- وبعضها ظهر بشكل واضح خلال فترة ما بعد الحرب الباردة.
ومن أهم المشكلات التي تعاني منها المنطقة: الصراعات الداخلية والدولية وما ترتب عليها من مشكلات اللاجئين والنازحين، ومشكلات الأمن الغذائي، والفقر، والأمراض المتوطنة، وغيرها.
ورغم المشكلات المختلفة التي تعاني منها المنطقة، إلا أنها حظيت باهتمام كبير من جانب القوى الفاعلة في النظام الدولي، سواء خلال فترة الحرب الباردة أو ما بعدها، ولعل ذلك يرجع إلى عدة اعتبارات من بينها: الموقع الإستراتيجي الهام للمنطقة، والذي جعلها تتحكم في عدة منافذ بحرية هامة هي: البحر الأحمر، وخليج عدن، والمحيط الهندي، وبالتالي أصبحت المنطقة تتحكم في طرق التجارة الدولية وطرق نقل البترول من الخليج العربي إلى أوروبا الغربية والولايات المتحدة، كما تشتمل المنطقة على غالبية دول حوض نهر النيل، ومن ثم فهي تتحكم في منابع نهر النيل.
وأدى اكتشاف البترول داخل المنطقة إلى زيادة الاهتمام الدولي بها؛ حيث تم اكتشاف أول حقل بترول في السودان في عام 1979، ونتيجة للصراع الداخلي في السودان انسحبت الشركات العاملة في مجال استخراج البترول من السودان. ومع بداية التسعينيات من القرن الماضي عادت بعض شركات البترول إلى السودان، ولم يعد التنقيب على البترول قاصرًا على الجنوب السوداني ولكن بدأ أيضا في الشمال والشمال الغربي وحوض النيل الأزرق.
وبات التنافس الدولي داخل منطقة القرن الإفريقي واضحًا خلال مرحلة ما بعد الحرب الباردة، خاصة بين الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي.
وسوف نتناول سياسات وممارسات كل طرف من هذه القوى الدولية تجاه المنطقة، وتأثير هذا التنافس الدولي على المنطقة ودولها.
أولا: الولايات المتحدة الأمريكية ومنطقة القرن الإفريقي:
حظيت منطقة القرن الإفريقي باهتمام كبير من جانب الولايات المتحدة، وكان ذلك راجعا إلى عدة اعتبارات من بينها اكتشاف النفط داخل المنطقة؛ حيث تشير التوقعات إلى زيادة نسبة واردات البترول الأمريكية من إفريقيا جنوب الصحراء لتصل إلى 25% من إجمالي واردات الولايات المتحدة من البترول على مستوى العالم بحلول عام 2015، ومن ثم وجّهت شركات النفط الأمريكية أنظارها صوب البترول السوداني.
وتعتبر منطقة القرن الإفريقي سوقا للمنتجات الأمريكية أكثر من كونها مصدرًا للمواد الخام والمنتجات ذات الطلب الأمريكي -وذلك على عكس إفريقيا جنوب الصحراء ككل- فرغم تدني قيمة الصادرات والواردات الأمريكية للمنطقة، إلا أن نسبة الصادرات الأمريكية إليها تبلغ 14% من إجمالي صادرات الولايات المتحدة إلى إفريقيا جنوب الصحراء، بينما تبلغ نسبة الواردات الأمريكية من المنطقة حوالي 1% فقط من إجمالي الواردات الأمريكية من إفريقيا جنوب الصحراء.
ولقد أعلن الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في أواخر عام 1994 مبادرة رئاسية أطلق عليها مبادرة القرن الإفريقي الكبير، وقدمت المبادرة مفهومًا موسعًا للمنطقة باعتبارها تضم عشر دول.
وكانت المبادرة تسعى إلى تحقيق هدفين رئيسيين هما: زيادة قدرات المنطقة في مجال منع وإدارة الأزمات وحل الصراعات، وتحسين حالة الأمن الغذائي.
ولكن المبادرة لم تنجح في تحقيق أهدافها المعلنة؛ حيث ظلت المنطقة تعاني من عدم الاستقرار السياسي والصراعات بمختلف أنواعها وتردي الأوضاع الإنسانية ومشكلات الأمن الغذائي.
ولقد أثرت الأوضاع السائدة داخل منطقة القرن الإفريقي سلبًا على المصالح الأمريكية؛ فقد تم تفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي (كينيا) ودار السلام (تنزانيا) في السابع من أغسطس 1998. وفى أعقاب هذه التفجيرات قامت الولايات المتحدة بضرب مصنع الشفاء للأدوية في السودان بدعوى أنه يُستخدم في تصنيع أسلحة كيماوية لصالح أسامة بن لادن والنظام الحاكم في السودان، وثبت بعد ذلك خطأ هذه المزاعم الأمريكية.
وبعد وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، شنت الولايات المتحدة حربًا ضارية ضد الإرهاب، وأعلن مسئولون أمريكيون أن الصومال والسودان (واليمن) تقع على قمة المرحلة الثانية للحرب الأمريكية على الإرهاب، وذلك بدعوى أنها وفرت الملجأ لفلول تنظيم القاعدة الفارين من أفغانستان.
وفى إطار هذه الحرب، قامت الولايات المتحدة بإنشاء قاعدة عسكرية جديدة في جيبوتي، ويبلغ حجم القوات الأمريكية في تلك القاعدة نحو 1800 جندي.
وفى يونيو 2003 طرحت الإدارة الأمريكية مبادرة مكافحة الإرهاب في شرق إفريقيا، وأكدت المبادرة مركزية منطقة القرن الإفريقي في سياسات إدارة جورج بوش الرامية إلى محاربة الإرهاب.
وقد تصبح إحدى دول القرن الإفريقي مقرًّا للقيادة الأمريكية الجديدة لإفريقيا AFRICOM، وهى القيادة التي قرر الرئيس بوش في فبراير 2007 إنشاءها لتتولى عدة مهام على مستوى القارة الإفريقية ككل، باستثناء مصر، ومن المقرر أن تبدأ القيادة الأمريكية الجديدة مهامها بحلول سبتمبر 2008.
ثانيًا: الصين ومنطقة القرن الإفريقي:
تحصل الصين على 25% من إجمالي وارداتها النفطية من القارة الإفريقية. وبعد اكتشاف النفط داخل السودان دخلت الصين وبقوة في مجال استخراج وإنتاج النفط السوداني، ففي عام 1996 حصلت شركة البترول الوطنية الصينية CNPC على 40% من أسهم شركة بترول النيل الأعظم السودانية GNPOC. وفى العام التالي حصلت نفس الشركة الصينية على مشروع لإنتاج ونقل البترول لمدة عشرين عاما في غرب كردفان في ثلاث مناطق في حوض موجلد، ووصل إنتاج هذه المناطق الثلاث في يناير عام 2005 إلى 325 ألف برميل يوميًا.
وأصبحت الصين أكبر منتج ومستورد للبترول السوداني؛ حيث تحصل الصين على حوالي 7% من إجمالي وارداتها النفطية من السودان بمفردها.
ولم يقتصر التعاون الصيني السوداني على قطاع النفط فقط، ولكنه شمل أيضا مجالات أخرى مثل إنشاء محطات لتوليد الكهرباء، وتمويل بعض مشروعات إقامة سدود (مثل سد كاجبار)، وإنشاء خطوط أنابيب لنقل المياه من النيل إلى بورسودان. ولقد بلغ حجم الاستثمارات الصينية في السودان نحو أربعة مليارات دولار، وتعتبر الصين أكبر مستثمر أجنبي في السودان.
وتعتبر الصين واحدة من أهم الشركاء التجاريين لدول القرن الإفريقي. وتدخل السودان وكينيا ضمن أكبر عشرة أسواق إفريقية تستوعب الصادرات الصينية للقارة، وكذلك تحتل السودان المرتبة الثالثة ضمن أكبر عشر دول إفريقية مصدرة للصين.
ولقد شجعت الصين محاولات تحقيق تنمية اقتصادية داخل منطقة القرن الإفريقي، وذلك من خلال تقديم قروض منخفضة الفائدة، وإعفاء بعض الدول من الديون، ووضع تعريفات جمركية تفصيلية، وإقامة مشروعات لتحسين البنية الأساسية مثل الطرق والكباري ومحطات المياه والكهرباء وشبكات الري والاتصالات.
وعلى الجانب الآخر، كانت الصين مصدرًا مهمًا للأسلحة التي حصلت عليها بعض دول القرن الإفريقي مثل الصومال، وإريتريا، وإثيوبيا. ووفقا لبعض الإحصاءات فقد وصلت قيمة الأسلحة التي حصلت عليها إثيوبيا وإريتريا من الصين خلال فترة الحرب الحدودية بينهما (من عام 1998 وحتى عام 2000) نحو مليار دولار، وكان ذلك تجاوزًا للحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على مبيعات السلاح للطرفين.
كما حرصت الصين على تعميق التعاون العسكري بينها وبين جيبوتي، خاصة بعد إقامة قاعدة عسكرية أمريكية داخلها.
وعملت الصين من خلال مقعدها الدائم في مجلس الأمن الدولي على تخفيف حدة القرارات الدولية الصادرة تجاه بعض دول المنطقة، خاصة السودان، وكان ذلك على عكس رغبة الولايات المتحدة الأمريكية، كما حرصت الصين على تدعيم علاقاتها ببعض دول المنطقة الحليفة للولايات المتحدة مثل إثيوبيا.
ثالثًا: الاتحاد الأوروبي ومنطقة القرن الإفريقي:
بالرغم من أن بعض الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا، تعتبر صاحبة نفوذ تقليدي داخل منطقة القرن الإفريقي، إلا أن الأمر في الآونة الأخيرة بعد عملية الاندماج الأوروبي لم يعد قاصرًا على دور دول بمفردها، وإنما أصبح هناك دور جديد للاتحاد الأوروبي باعتباره قوة دولية لا يمكن إغفالها.
ويعتبر الاتحاد الأوروبي شريكًا تجاريًّا رئيسيًّا لكثير من دول المنطقة، ووفقا لرؤية مفوضية الاتحاد الأوروبي فإن أوضاع عدم الاستقرار التي شهدتها منطقة القرن الإفريقي أثرت سلبًا على العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي ودول المنطقة، وكذلك فإن عمليات الهجرة غير الشرعية وتدفق اللاجئين وتهريب الأسلحة الصغيرة داخل المنطقة ولّد تهديدات مختلفة قد يصل مداها إلى الاتحاد الأوروبي ذاته.
واستنادا إلى هذه الرؤية، طرحت مفوضية الاتحاد الأوروبي في 20 مارس 2006 إستراتيجية للسلم والأمن والتنمية في القرن الإفريقي، وركزت الإستراتيجية على التعاون مع منظمة الإيجاد عبر رؤية مشتركة وخطة تنفيذية تركز على ثلاثة ميادين هي: السلم والأمن، والأمن الغذائي، والتطوير المؤسسي. وكذلك تضمنت الإستراتيجية التدخل الفعّال من جانب الاتحاد الأوروبي في القرن الإفريقي لدعم وبناء القدرات الإفريقية في مجال منع الصراع، والوساطة، ونشر قوات حفظ سلام، وعمليات مراقبة وقف إطلاق النار، وإنشاء الفرقة العسكرية للتدخل السريع في شرق إفريقيا كجزء من قوات الانتشار السريع الإفريقية.
ويقوم الاتحاد الأوروبي في هذا الإطار ببناء قدرات مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي.
وقام الاتحاد الأوروبي بأدوار مختلفة لإحلال السلم داخل القرن الإفريقي؛ ففي أثناء الحرب الحدودية الإريترية الإثيوبية أرسل الاتحاد الأوروبي وفدًا ثلاثيًّا إلى أديس أبابا، ضم ممثلين من ألمانيا والنمسا وفنلندا، وكانت مهمة الوفد محاولة القيام بجهود وساطة لوضع حد للحرب الدائرة بين البلدين.
وكذلك ساند الاتحاد الأوروبي مبادرة "الإيجاد" لإحلال السلام في السودان، وقدمت المفوضية الأوروبية (عام 2004) من خلال آليتها للرد السريع (RAM) نحو(1.5) مليون يورو لدعم عملية السلام التي تقودها "الإيجاد" في السودان.
كما شارك الاتحاد الأوروبي في المفاوضات التي جرت تحت رعاية الاتحاد الإفريقي لإحلال السلام في دارفور، وعيّن الاتحاد الأوروبي ممثلا خاصا للاتحاد في دارفور وعضوًا في فريق الوساطة.
وقدم الاتحاد الأوروبي عبر آلية تيسير السلام الإفريقي مبلغ 92 مليون يورو لبعثة الاتحاد الإفريقي في دارفور AMIS.
وقامت المفوضية الأوروبية بتمويل محادثات السلام التي جرت في الصومال.
وإلى جانب المساعدات المتعلقة بالسلم والأمن، قدم الاتحاد الأوروبي معونات تنموية هامة لدول القرن الإفريقي.
رابعًا: التنافس الدولي ومسلمو القرن الإفريقي:
توجد داخل منطقة القرن الإفريقي دول ذات أغلبية ساحقة من المسلمين مثل جيبوتي (99%) والصومال (100%)، ودول أخرى ذات أغلبية كبيرة من المسيحيين مثل أوغندا (85%) وكينيا (66%)، وتوجد دول أخرى مختلطة؛ بمعنى أنه لا توجد بها أغلبية ساحقة لأي ديانة على أخرى مثل إريتريا، وإثيوبيا وتنزانيا.
ولقد أخذ عدد من الصراعات التي شهدتها المنطقة بعدًا دينيًّا، ولكنه لم يكن بالطبع البعد الوحيد للصراع؛ حيث كانت هناك أبعاد أخرى، مثل الصراع في السودان، والصراع في أوغندا.
ولقد ربطت الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية دائما بين الإرهاب والمسلمين بصفة عامة، وداخل منطقة القرن الإفريقي بصفة خاصة، ومن ثم تحيزت دائما ضد كافة النظم والحركات التي تبنت توجهًا إسلاميًّا، أو رفعت شعارات إسلامية، والأمثلة كثيرة في هذا الصدد منها: الموقف الأمريكي من النظام الحاكم في السودان، ومن اتحاد المحاكم الإسلامية في الصومال، وقد استطاعت الولايات المتحدة من خلال دعمها للتدخل الإثيوبي في الصومال طرد المحاكم الإسلامية من العاصمة الصومالية مقديشو بعد أن حققت استقرارًا داخليا لأول مرة في الصومال منذ سقوط نظام سياد بري.
ولقد قام بيجورن مولر Bjorn Moller بدراسة كافة العمليات الإرهابية التي وقعت داخل منطقة القرن الإفريقي خلال الفترة منذ 1998 وحتى 2005، وتوصل مولر إلى نتيجة مفادها أن معظم الأعمال الإرهابية التي وقعت داخل المنطقة كانت لاعتبارات سياسية أكثر من كونها مرتبطة بدوافع دينية، وعندما تم أخذ البعد الديني في الاعتبار اتضح أن معتنقي المسيحية كانوا الأكثر تنفيذا لهذه العمليات الإرهابية وليس المسلمين، والمثال الواضح في هذا الإطار أوغندا والتي كانت من أكثر دول المنطقة تعرضا لعمليات إرهابية خلال الفترة محل الدراسة نتيجة للعمليات التي قام بها جيش الرب للمقاومة.
وفى ضوء النتائج التي توصل إليها مولر، يمكن القول إن الربط بين الإرهاب والمسلمين داخل منطقة القرن الإفريقي ليس صحيحًا من الناحية الفعلية، وإن هذا الربط من جانب الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية لا يعدو أن يكون مجرد تبنٍّ خاطئ لمقولة صدام الحضارات، وبحثا دءوبا عن عدو جديد بعد غياب الاتحاد السوفيتي من ساحة الصراع الدولي.
وبالطبع فإن أي تنسيق بين الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية المنافسة لها داخل منطقة القرن الإفريقي لن يكون غالبا في صالح دول المنطقة وشعوبها؛ لأنه سوف يكون موجها بالأساس لخدمة مصالح هذه القوى الدولية بغض النظر عن مصالح دول المنطقة، ولذلك يتعين على دول المنطقة اتخاذ خطوات فعلية على صعيد التكامل الإقليمي وتحقيق الاستقرار السياسي وبدء عملية التنمية المستدامة، والتعامل مع القوى الدولية بمنظور واحد يخدم في المقام الأول مصالح شعوب المنطقة.
ولعل عدم وجود تنسيق كامل بين الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي داخل منطقة القرن الإفريقي حتى الوقت الراهن يعطي فرصة سانحة لدول المنطقة لتعظيم مكاسبها من التنافس الدولي حولها.
وبخلاف التعريف الجغرافي الضيق للمنطقة، فهناك تعريفات أخرى سياسية تضيف للدول الأربعة سالفة الذكر دولا أخرى مثل: السودان، وكينيا، وأوغندا، وتنزانيا وغيرها.
وتعاني منطقة القرن الإفريقي من عدة مشكلات، بعضها ترجع جذوره إلى مرحلة الحرب الباردة -وربما أبعد من ذلك- وبعضها ظهر بشكل واضح خلال فترة ما بعد الحرب الباردة.
ومن أهم المشكلات التي تعاني منها المنطقة: الصراعات الداخلية والدولية وما ترتب عليها من مشكلات اللاجئين والنازحين، ومشكلات الأمن الغذائي، والفقر، والأمراض المتوطنة، وغيرها.
ورغم المشكلات المختلفة التي تعاني منها المنطقة، إلا أنها حظيت باهتمام كبير من جانب القوى الفاعلة في النظام الدولي، سواء خلال فترة الحرب الباردة أو ما بعدها، ولعل ذلك يرجع إلى عدة اعتبارات من بينها: الموقع الإستراتيجي الهام للمنطقة، والذي جعلها تتحكم في عدة منافذ بحرية هامة هي: البحر الأحمر، وخليج عدن، والمحيط الهندي، وبالتالي أصبحت المنطقة تتحكم في طرق التجارة الدولية وطرق نقل البترول من الخليج العربي إلى أوروبا الغربية والولايات المتحدة، كما تشتمل المنطقة على غالبية دول حوض نهر النيل، ومن ثم فهي تتحكم في منابع نهر النيل.
وأدى اكتشاف البترول داخل المنطقة إلى زيادة الاهتمام الدولي بها؛ حيث تم اكتشاف أول حقل بترول في السودان في عام 1979، ونتيجة للصراع الداخلي في السودان انسحبت الشركات العاملة في مجال استخراج البترول من السودان. ومع بداية التسعينيات من القرن الماضي عادت بعض شركات البترول إلى السودان، ولم يعد التنقيب على البترول قاصرًا على الجنوب السوداني ولكن بدأ أيضا في الشمال والشمال الغربي وحوض النيل الأزرق.
وبات التنافس الدولي داخل منطقة القرن الإفريقي واضحًا خلال مرحلة ما بعد الحرب الباردة، خاصة بين الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي.
وسوف نتناول سياسات وممارسات كل طرف من هذه القوى الدولية تجاه المنطقة، وتأثير هذا التنافس الدولي على المنطقة ودولها.
أولا: الولايات المتحدة الأمريكية ومنطقة القرن الإفريقي:
حظيت منطقة القرن الإفريقي باهتمام كبير من جانب الولايات المتحدة، وكان ذلك راجعا إلى عدة اعتبارات من بينها اكتشاف النفط داخل المنطقة؛ حيث تشير التوقعات إلى زيادة نسبة واردات البترول الأمريكية من إفريقيا جنوب الصحراء لتصل إلى 25% من إجمالي واردات الولايات المتحدة من البترول على مستوى العالم بحلول عام 2015، ومن ثم وجّهت شركات النفط الأمريكية أنظارها صوب البترول السوداني.
وتعتبر منطقة القرن الإفريقي سوقا للمنتجات الأمريكية أكثر من كونها مصدرًا للمواد الخام والمنتجات ذات الطلب الأمريكي -وذلك على عكس إفريقيا جنوب الصحراء ككل- فرغم تدني قيمة الصادرات والواردات الأمريكية للمنطقة، إلا أن نسبة الصادرات الأمريكية إليها تبلغ 14% من إجمالي صادرات الولايات المتحدة إلى إفريقيا جنوب الصحراء، بينما تبلغ نسبة الواردات الأمريكية من المنطقة حوالي 1% فقط من إجمالي الواردات الأمريكية من إفريقيا جنوب الصحراء.
ولقد أعلن الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في أواخر عام 1994 مبادرة رئاسية أطلق عليها مبادرة القرن الإفريقي الكبير، وقدمت المبادرة مفهومًا موسعًا للمنطقة باعتبارها تضم عشر دول.
وكانت المبادرة تسعى إلى تحقيق هدفين رئيسيين هما: زيادة قدرات المنطقة في مجال منع وإدارة الأزمات وحل الصراعات، وتحسين حالة الأمن الغذائي.
ولكن المبادرة لم تنجح في تحقيق أهدافها المعلنة؛ حيث ظلت المنطقة تعاني من عدم الاستقرار السياسي والصراعات بمختلف أنواعها وتردي الأوضاع الإنسانية ومشكلات الأمن الغذائي.
ولقد أثرت الأوضاع السائدة داخل منطقة القرن الإفريقي سلبًا على المصالح الأمريكية؛ فقد تم تفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي (كينيا) ودار السلام (تنزانيا) في السابع من أغسطس 1998. وفى أعقاب هذه التفجيرات قامت الولايات المتحدة بضرب مصنع الشفاء للأدوية في السودان بدعوى أنه يُستخدم في تصنيع أسلحة كيماوية لصالح أسامة بن لادن والنظام الحاكم في السودان، وثبت بعد ذلك خطأ هذه المزاعم الأمريكية.
وبعد وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، شنت الولايات المتحدة حربًا ضارية ضد الإرهاب، وأعلن مسئولون أمريكيون أن الصومال والسودان (واليمن) تقع على قمة المرحلة الثانية للحرب الأمريكية على الإرهاب، وذلك بدعوى أنها وفرت الملجأ لفلول تنظيم القاعدة الفارين من أفغانستان.
وفى إطار هذه الحرب، قامت الولايات المتحدة بإنشاء قاعدة عسكرية جديدة في جيبوتي، ويبلغ حجم القوات الأمريكية في تلك القاعدة نحو 1800 جندي.
وفى يونيو 2003 طرحت الإدارة الأمريكية مبادرة مكافحة الإرهاب في شرق إفريقيا، وأكدت المبادرة مركزية منطقة القرن الإفريقي في سياسات إدارة جورج بوش الرامية إلى محاربة الإرهاب.
وقد تصبح إحدى دول القرن الإفريقي مقرًّا للقيادة الأمريكية الجديدة لإفريقيا AFRICOM، وهى القيادة التي قرر الرئيس بوش في فبراير 2007 إنشاءها لتتولى عدة مهام على مستوى القارة الإفريقية ككل، باستثناء مصر، ومن المقرر أن تبدأ القيادة الأمريكية الجديدة مهامها بحلول سبتمبر 2008.
ثانيًا: الصين ومنطقة القرن الإفريقي:
تحصل الصين على 25% من إجمالي وارداتها النفطية من القارة الإفريقية. وبعد اكتشاف النفط داخل السودان دخلت الصين وبقوة في مجال استخراج وإنتاج النفط السوداني، ففي عام 1996 حصلت شركة البترول الوطنية الصينية CNPC على 40% من أسهم شركة بترول النيل الأعظم السودانية GNPOC. وفى العام التالي حصلت نفس الشركة الصينية على مشروع لإنتاج ونقل البترول لمدة عشرين عاما في غرب كردفان في ثلاث مناطق في حوض موجلد، ووصل إنتاج هذه المناطق الثلاث في يناير عام 2005 إلى 325 ألف برميل يوميًا.
وأصبحت الصين أكبر منتج ومستورد للبترول السوداني؛ حيث تحصل الصين على حوالي 7% من إجمالي وارداتها النفطية من السودان بمفردها.
ولم يقتصر التعاون الصيني السوداني على قطاع النفط فقط، ولكنه شمل أيضا مجالات أخرى مثل إنشاء محطات لتوليد الكهرباء، وتمويل بعض مشروعات إقامة سدود (مثل سد كاجبار)، وإنشاء خطوط أنابيب لنقل المياه من النيل إلى بورسودان. ولقد بلغ حجم الاستثمارات الصينية في السودان نحو أربعة مليارات دولار، وتعتبر الصين أكبر مستثمر أجنبي في السودان.
وتعتبر الصين واحدة من أهم الشركاء التجاريين لدول القرن الإفريقي. وتدخل السودان وكينيا ضمن أكبر عشرة أسواق إفريقية تستوعب الصادرات الصينية للقارة، وكذلك تحتل السودان المرتبة الثالثة ضمن أكبر عشر دول إفريقية مصدرة للصين.
ولقد شجعت الصين محاولات تحقيق تنمية اقتصادية داخل منطقة القرن الإفريقي، وذلك من خلال تقديم قروض منخفضة الفائدة، وإعفاء بعض الدول من الديون، ووضع تعريفات جمركية تفصيلية، وإقامة مشروعات لتحسين البنية الأساسية مثل الطرق والكباري ومحطات المياه والكهرباء وشبكات الري والاتصالات.
وعلى الجانب الآخر، كانت الصين مصدرًا مهمًا للأسلحة التي حصلت عليها بعض دول القرن الإفريقي مثل الصومال، وإريتريا، وإثيوبيا. ووفقا لبعض الإحصاءات فقد وصلت قيمة الأسلحة التي حصلت عليها إثيوبيا وإريتريا من الصين خلال فترة الحرب الحدودية بينهما (من عام 1998 وحتى عام 2000) نحو مليار دولار، وكان ذلك تجاوزًا للحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على مبيعات السلاح للطرفين.
كما حرصت الصين على تعميق التعاون العسكري بينها وبين جيبوتي، خاصة بعد إقامة قاعدة عسكرية أمريكية داخلها.
وعملت الصين من خلال مقعدها الدائم في مجلس الأمن الدولي على تخفيف حدة القرارات الدولية الصادرة تجاه بعض دول المنطقة، خاصة السودان، وكان ذلك على عكس رغبة الولايات المتحدة الأمريكية، كما حرصت الصين على تدعيم علاقاتها ببعض دول المنطقة الحليفة للولايات المتحدة مثل إثيوبيا.
ثالثًا: الاتحاد الأوروبي ومنطقة القرن الإفريقي:
بالرغم من أن بعض الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا، تعتبر صاحبة نفوذ تقليدي داخل منطقة القرن الإفريقي، إلا أن الأمر في الآونة الأخيرة بعد عملية الاندماج الأوروبي لم يعد قاصرًا على دور دول بمفردها، وإنما أصبح هناك دور جديد للاتحاد الأوروبي باعتباره قوة دولية لا يمكن إغفالها.
ويعتبر الاتحاد الأوروبي شريكًا تجاريًّا رئيسيًّا لكثير من دول المنطقة، ووفقا لرؤية مفوضية الاتحاد الأوروبي فإن أوضاع عدم الاستقرار التي شهدتها منطقة القرن الإفريقي أثرت سلبًا على العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي ودول المنطقة، وكذلك فإن عمليات الهجرة غير الشرعية وتدفق اللاجئين وتهريب الأسلحة الصغيرة داخل المنطقة ولّد تهديدات مختلفة قد يصل مداها إلى الاتحاد الأوروبي ذاته.
واستنادا إلى هذه الرؤية، طرحت مفوضية الاتحاد الأوروبي في 20 مارس 2006 إستراتيجية للسلم والأمن والتنمية في القرن الإفريقي، وركزت الإستراتيجية على التعاون مع منظمة الإيجاد عبر رؤية مشتركة وخطة تنفيذية تركز على ثلاثة ميادين هي: السلم والأمن، والأمن الغذائي، والتطوير المؤسسي. وكذلك تضمنت الإستراتيجية التدخل الفعّال من جانب الاتحاد الأوروبي في القرن الإفريقي لدعم وبناء القدرات الإفريقية في مجال منع الصراع، والوساطة، ونشر قوات حفظ سلام، وعمليات مراقبة وقف إطلاق النار، وإنشاء الفرقة العسكرية للتدخل السريع في شرق إفريقيا كجزء من قوات الانتشار السريع الإفريقية.
ويقوم الاتحاد الأوروبي في هذا الإطار ببناء قدرات مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي.
وقام الاتحاد الأوروبي بأدوار مختلفة لإحلال السلم داخل القرن الإفريقي؛ ففي أثناء الحرب الحدودية الإريترية الإثيوبية أرسل الاتحاد الأوروبي وفدًا ثلاثيًّا إلى أديس أبابا، ضم ممثلين من ألمانيا والنمسا وفنلندا، وكانت مهمة الوفد محاولة القيام بجهود وساطة لوضع حد للحرب الدائرة بين البلدين.
وكذلك ساند الاتحاد الأوروبي مبادرة "الإيجاد" لإحلال السلام في السودان، وقدمت المفوضية الأوروبية (عام 2004) من خلال آليتها للرد السريع (RAM) نحو(1.5) مليون يورو لدعم عملية السلام التي تقودها "الإيجاد" في السودان.
كما شارك الاتحاد الأوروبي في المفاوضات التي جرت تحت رعاية الاتحاد الإفريقي لإحلال السلام في دارفور، وعيّن الاتحاد الأوروبي ممثلا خاصا للاتحاد في دارفور وعضوًا في فريق الوساطة.
وقدم الاتحاد الأوروبي عبر آلية تيسير السلام الإفريقي مبلغ 92 مليون يورو لبعثة الاتحاد الإفريقي في دارفور AMIS.
وقامت المفوضية الأوروبية بتمويل محادثات السلام التي جرت في الصومال.
وإلى جانب المساعدات المتعلقة بالسلم والأمن، قدم الاتحاد الأوروبي معونات تنموية هامة لدول القرن الإفريقي.
رابعًا: التنافس الدولي ومسلمو القرن الإفريقي:
توجد داخل منطقة القرن الإفريقي دول ذات أغلبية ساحقة من المسلمين مثل جيبوتي (99%) والصومال (100%)، ودول أخرى ذات أغلبية كبيرة من المسيحيين مثل أوغندا (85%) وكينيا (66%)، وتوجد دول أخرى مختلطة؛ بمعنى أنه لا توجد بها أغلبية ساحقة لأي ديانة على أخرى مثل إريتريا، وإثيوبيا وتنزانيا.
ولقد أخذ عدد من الصراعات التي شهدتها المنطقة بعدًا دينيًّا، ولكنه لم يكن بالطبع البعد الوحيد للصراع؛ حيث كانت هناك أبعاد أخرى، مثل الصراع في السودان، والصراع في أوغندا.
ولقد ربطت الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية دائما بين الإرهاب والمسلمين بصفة عامة، وداخل منطقة القرن الإفريقي بصفة خاصة، ومن ثم تحيزت دائما ضد كافة النظم والحركات التي تبنت توجهًا إسلاميًّا، أو رفعت شعارات إسلامية، والأمثلة كثيرة في هذا الصدد منها: الموقف الأمريكي من النظام الحاكم في السودان، ومن اتحاد المحاكم الإسلامية في الصومال، وقد استطاعت الولايات المتحدة من خلال دعمها للتدخل الإثيوبي في الصومال طرد المحاكم الإسلامية من العاصمة الصومالية مقديشو بعد أن حققت استقرارًا داخليا لأول مرة في الصومال منذ سقوط نظام سياد بري.
ولقد قام بيجورن مولر Bjorn Moller بدراسة كافة العمليات الإرهابية التي وقعت داخل منطقة القرن الإفريقي خلال الفترة منذ 1998 وحتى 2005، وتوصل مولر إلى نتيجة مفادها أن معظم الأعمال الإرهابية التي وقعت داخل المنطقة كانت لاعتبارات سياسية أكثر من كونها مرتبطة بدوافع دينية، وعندما تم أخذ البعد الديني في الاعتبار اتضح أن معتنقي المسيحية كانوا الأكثر تنفيذا لهذه العمليات الإرهابية وليس المسلمين، والمثال الواضح في هذا الإطار أوغندا والتي كانت من أكثر دول المنطقة تعرضا لعمليات إرهابية خلال الفترة محل الدراسة نتيجة للعمليات التي قام بها جيش الرب للمقاومة.
وفى ضوء النتائج التي توصل إليها مولر، يمكن القول إن الربط بين الإرهاب والمسلمين داخل منطقة القرن الإفريقي ليس صحيحًا من الناحية الفعلية، وإن هذا الربط من جانب الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية لا يعدو أن يكون مجرد تبنٍّ خاطئ لمقولة صدام الحضارات، وبحثا دءوبا عن عدو جديد بعد غياب الاتحاد السوفيتي من ساحة الصراع الدولي.
وبالطبع فإن أي تنسيق بين الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية المنافسة لها داخل منطقة القرن الإفريقي لن يكون غالبا في صالح دول المنطقة وشعوبها؛ لأنه سوف يكون موجها بالأساس لخدمة مصالح هذه القوى الدولية بغض النظر عن مصالح دول المنطقة، ولذلك يتعين على دول المنطقة اتخاذ خطوات فعلية على صعيد التكامل الإقليمي وتحقيق الاستقرار السياسي وبدء عملية التنمية المستدامة، والتعامل مع القوى الدولية بمنظور واحد يخدم في المقام الأول مصالح شعوب المنطقة.
ولعل عدم وجود تنسيق كامل بين الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي داخل منطقة القرن الإفريقي حتى الوقت الراهن يعطي فرصة سانحة لدول المنطقة لتعظيم مكاسبها من التنافس الدولي حولها.