صفحة 1 من 1

صابر وراضٍ

مرسل: الأحد ديسمبر 16, 2012 7:54 pm
بواسطة محمد الثبيتي 3
صابر.. وراضٍ!!


معارك طاحنة، مساجلات عنيفة، ردود أفعال متباينة، تخرج من بيتك تجد طريقك الذي كان بالأمس ممهداً قد تغيَّرت ملامحه وصار "منطعجاً"، وكأنه طريق بري! تذهب إلى المسجد الذي هو أفضل وأطهر مكان لتجد دورات المياه بلا عناية، بالرغم من وجود من هو مخصَّص للعناية بها. تحاول أن توفر لعائلتك حياة كريمة فتجد المصاعب تنتظرك في كل زاوية؛ فهي لك بالمرصاد. وحينما تفكِّر في قضاء ساعات من الترفيه في أي مكان ستجد هذا التفكير سيكلفك مبلغاً كبيراً يهز ميزانيتك، وليس أمامك سوى التوجَّه إلى "الثمامة"؛ لكي تستنشق عبق "غبارها" في "بيئتها الملوثة" ومساحتها التي تآكلت، وأصبحت كمن نفَّذ نظاماً غذائياً قاسياً حتى تغيرت ملامحه.

كل هذا في وطنك، حيث تشعر بالقهر من مسيرتك التعليمية، والإحباط من خبرتك العملية حتى تضع قدمك في وظيفة قد تكون طوق النجاة لأمورك المادية. لكن هيهات؛ فتاريخك مهما كان حافلاً بالتجارب سوف يتكسر أمام صخرة "الواو"؛ فأحدهم سيحل في مكان تستحقه؛ فقط لأنه ابن فلان، أو ابن علان، ويحمل في جيبه حرفاً "ذهبياً"، يقفز به إلى كل مكان، وكأنه "سوبرمان"، غير آبه بشهادته أو خبرته.

تجتهد كثيراً في الحصول على مسكن العمر، والحلم الذي كان يراودك منذ سنوات يصبح مستحيلاً حتى أيقن عدد من الشباب أنه ليس مستحيلاً وحسب، بل هو معجزة؛ لذلك قد تتبدل أحلام المسكن إلى شقة "تمليك"، ويعتبرها أفضل إنجاز حققه في حياته. ولأن البنوك محور دائم في حياتنا فنحن المواطنين عملاء دائمون لها، نرضخ لإغراءاتها، ثم إلى قمعها في تحصيل القروض والفوائد المستحقة؛ لذلك أصبح الكثيرون أصدقاء لموظفي البنوك؛ لأنهم لا يخرجون من سداد قرض حتى يدخلوا في قرض آخر، وهكذا "دواليك".

أجدني غاضباً من معارك إعلامية "خاسرة"، ليس همها إلا التصنيفات "ليبرالي، إسلامي، علماني"، ومؤخراً "إخواني" و"سلفي"، بعيدا عن الهم الحقيقي للمتلقي وللمجتمع والأمة.
وأرى أن الحياة أصعب من هذه المعارك الفارغة التي ليس لديها حل لواقعنا سوى التمسك بتعاليم ديننا الذي يأمرنا بكل خير، وينهانا عن كل شر.

أجدني متوتراً وخائفاً وقلقاً على مستقبل أبنائي؛ فبينما أجتهد في تعليمهم وتربيتهم أعلم أن حرف "الواو" قد يدمِّر مستقبلهم، ولكني على الرغم من ذلك أجتهد؛ لكي لا تقع عليّ الملامة.

أجدني حائراً أمام من يملك أموالاً طائلة وقد تغيرت حياته، مع أنه موظف عادي، ولكن الله يرزق من يشاء، وتجد الكثيرين يعملون ليل ونهار لكي يحققوا حياة كريمة، لكنهم لا يحققون ذلك إلا بشق الأنفس، ووراء الأكمة ما وراءها.

أرى البعض غارقاً في قروض البنوك المتوالية التي تربح المليارات، وتبخل بالريالات، ولا أحد يتجرأ ليسأل أو يجبر هذه البنوك على أن تقدم خدمة للمجتمع إلا الخدمة التي تقدمها بمزاجها، وبالصورة التي تراها.

أجدني على الرغم من كل هذا الصداع والتوتر والغضب محباً عاشقاً لوطني، وصابراً على كل ما فيه، وهو من صنع البعض.

أجدني أتناسى همومي وتوتري وخوفي حينما أرى أمي التي تجلس على سجادتها، لا تعرف معنى ليبرالي ولا إسلامي ولا علماني ولا إخواني.. ولكن تعرف أن الإسلام ديننا، وأن الدنيا بخير، وتدعو دائماً "اللهم أدم نعمة الأمن والأمان في هذا الوطن"، وترفع كفيها؛ لتدعو للجميع بالخير والصلاح والهداية ونشر الحب.

أجدني مغرماً بتراب وطني وأنا أرى زوجتي، التي لا تعرف الصراعات والحروب، وهمها بيتها وأبناؤها ورضا والديها، تصحو مع الفجر لكي تسحب صغارها من الفراش، وتجهزهم إلى المدارس، وتوصلهم بنفسها، كل لمدرسته، ثم تدخل في صراع عملها بكل تفاصيله، وبعدها تعود إلى البيت لكي تدخل في دائرة البيت وعمله ودروس الأولاد وواجبات زوجها، ولا ينتهي اليوم إلا وهي منهكة تلقي بنفسها لكي تنام، وتدور عجلة أيامها على هذا المنوال، تبحث عن أسرة سعيدة متمسكة بتعاليم دينها، لا يؤرقها قيادة المرأة للسيارة، ولا خلع الحجاب، ولا منافسة الرجل.

أجد قلبي نابضاً بحب وطني، ورئتي تتنفس هواء وطني، الذي أستنشقه ليل نهار وأنا أرى ابني وهو يذهب لمدرسته ثم يعود لكي يحكي بطولاته مع زملائه غير آبه بمستقبل لا يعرف عنه شيئاً، وأكبر بطولة له أن يقنعني بأنه مجتهد في دراسته، ولا بد من مكافأته بالذهاب لـ"البقالة"، أو الذهاب لمكان ترفيهي، أو ابنتي التي تغدق عليّ بقصصها مع زميلاتها الصغيرات في الروضة، غير مدركة سهام الغرب تجاهنا من أجل الانسلاخ عن جلدنا.

أجدني أنام قرير العين وأنا أشعر بالأمن والأمان وهذا الحب الذي أجده في هذه العيون البريئة التي تعيش يومها بكل همومه بعيداً عن قاعدة المؤامرة.

أجدني ملهوفاً على وطني إذا سافرتُ، وكأني نسيت قلبي هناك، ولا تخفُّ حدة توتري إلا حينما تلامس قدماي أرضه.
أجدني إنساناً، أبلغ حدة غضبي إذا تهجم أحد على وطني، وأرفض أن يسبه أو يشتمه أحد، وكأنه يشتمني أو يلامس جرحاً في قلبي.

أجدني راضياً عن كل عيوب وطني؛ فأنا أحبه، وأعشقه، وأتنفس هواءه؛ فوطني هو سجادة أمي، واهتمام زوجتي ببيتها وأبنائها، وبراءة أطفالي.. وأخيراً هو قرة عيني التي أنام بها.

أحبك يا وطني، وأعشق ترابك، وأنعم في أمنك وأمانك، ولا أرضى بديلاً عنك، بالرغم من التجاعيد التي تلف محياك، وبالرغم من الصراعات الوهمية، وبالرغم من نقص خدماتك وأخطاء أبنائك وتقصير مسؤوليك وتردي شوارعك..

أحبك، ولتعلم أن ترابك أغلى من الذهب، وهواءك أنقى من منتجعات أوروبا، وأمنك لا يقدَّر بثمن، في ظله أنام قرير العين هانئاً.