الصحافة المرّة
مرسل: الأحد ديسمبر 16, 2012 10:05 pm
عندما هرب نابليون من منفاه الأول في جزيرة ألبا خرجت الصحف الفرنسية بالعنوان التالي (هرب الخائن من سجنه). وعندما نزل على شواطئ فرنسا قالت الصحف نفسها: لقد وصل المجرم إلى شواطئ فرنسا. وعندما زحف إلى باريس قالت : المتمرد يريد احتلال باريس. وعندما سيطر على باريس قالت الصحف نفسها: وأخيرا عاد البطل!!
وهذا هو حال غالبية الصحف منذ رأت الحصافة النور، تتقلبُ كتقلب الأيام، ويوم لك ويوم عليك «وعلى اللي خلفوك»، وصحيح أن الجريدة مجرد حبر على ورق، إلا أن هذا الحبر أسود، ومن الممكن أن يسود عيشة السياسيين والحكومة ومن معها ومن عليها، وصحيح أنها مجرد ورق، ولكنه موزون بورق البنكنوت، وليس صحيحا ما يشاع بأن الجرائد مجرد كلام في كلام، بل لكل حرف ثمنه، فهي في البدء شركة وفي النهاية شركة، والربح سيد الأخلاق، ولأنها شركات فمنها من يربح بالذوق ومنها من يربح (بالفهلوة)، ويعيش على العطايا وهي أخطر أنواع الصحافة لأنها مسيرة وليست مخيرة! والكويت اكثر دول العالم في عدد الصحف قياسا بعدد السكان، ولولا الأزمة المالية لعام 2008 وإغلاق بعضها لقضينا على غابات الأمازون للحصول على الورق.
ومع ذلك سلم بعض الصحف الكويتية أمره لله، وسكت عن الأحداث الدائرة هذه الأيام، وسلم البعض الآخر لحيته للمجهول ليحصل على المعلوم، وراح يعلق على أحداث الكويت وكأنه يعلق على مباراة فريق السكة الحديد وفريق الاسكندرية المصري، وهو تصرف غير حكيم فكل شيء محسوب ولكل موقف ثمنه. وهو ما جعل أغلب القراء يكفر بالصحافة الورقية العريقة، ويتجه إلى الصحف الإلكترونية، والمدونات، فالشبكة العنكبوتية تصطاد كل شيء، و السر عند العم غوغل (ببلاش ) أو بكبسة زر.
في حين أن الصحافة في الدول الكافرة كأميركا والعياذ بالله، لم تفقد دورها ومازالت تلعب دورا كبيرا في الشؤون السياسية هناك، وتستطيع أن تزيح الرئيس الاميركي متى ما أرادت، كما أنها تستطيع أن تريحه بالسكوت عندما تشاء، ويكفي الصحافة الاميركية أنها كانت سببا في استقالة الرئيس الأميركي (نيكسون) و(مرمطة) حبيب (مونيكا ولويسكي) أخينا (كلينتون) وكانت (وجع رأس) للكثيرين قبله.
وبما أن الفضيحة بالفضيحة تذكر، ففي بريطانيا نشرت احدى الصحف خبرا صغيرا يقول ان وزيرا قام بالاتصال بأحد المسؤولين يطلب منه الاستعجال بتخليص معاملة احد المواطنين (الغلابة)، وقامت الدنيا في بريطانيا (على حيلها ) ولم تقعد، وتساءلت الصحف كيف يجرؤ الوزير على التدخل في تخليص معاملة لمواطن؟ وهل هذا المواطن على راسه ريشة اسكتلندية؟وأين مبدأ العدل والمساواة؟ وأين الكلام الطويل والعريض الذي نسمعه كل يوم من الحكومة؟
وقبل أن يفتح الصباح عينيه قدم الوزير أبو الفضيحة اعتذارا حارا مشفوعا برجاء أن يقبلوا الاعتذار على الأقل! وحاول رئيس الحكومة أن يدافع عن وزيره وقال: انه من أهم وزرائه ومن أنزه ما جادت به الأمة الإنكليزية، ورد عليه البرلمان : « العب غيرها!» فقد نشر الموضوع وانفضح الوزير (ولا أحد سمى عليه) وليس أمامه إلا الاستقالة، وبالفعل استقال وهو يلعن الساعة التي جعلته شهما ليتصل على هذا الموظف، وعندما ترك الوزير الوزارة، كان رئيس الحكومة لا يزال ينحني خجلا أمام الشعب الإنكليزي لأنه جاء بهذا الوزير الغشاش!
ويجب أن ننتبه أن كل شيء في الصحافة هناك محسوب وليس كل ما يشاع يقال، بل يجب التأكد من كل خبر وتوثيقه، فالموضوع نهايته القضاء، والقضاء هناك لا يرحم وقد يقضي خبر صغير كاذب على الجريدة، فيصبح أصحاب الجريدة والعاملون فيها (على باب من مال الله يا مسيحيين).
والحقيقة أن المقارنة هنا ظالمة، فصحافة العالم شيء، وصحافة العالم العربي اشياء لا يعلم بها إلا الله، فأنت تستطيع أن تكتب ما تريد، وتستطيع الصحيفة أن تحذف ما تريد! ومن (هنا وهناك) قد تحذف نصف المقالة، أو كل المقالة، أو المقالة والكاتب دفعة واحدة، وتستطيع أن تنتقد، وتستطيع الصحيفة أن تحول نقدك إلى عتاب أرق من عتاب المحبين، ولا بأس في المبالغة الحميدة، ولكن إياك وأن تقول الحقيقة، فالحقيقة مرة حتى على المؤمنين. ولا تتوقع أن تكون الصحافة مرة. ويبقى الشيء الوحيد الذي يمكنك أن تثق به في جرائد العالم العربي هذه الأيام، هو صفحة الوفيات، وقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.
وهذا هو حال غالبية الصحف منذ رأت الحصافة النور، تتقلبُ كتقلب الأيام، ويوم لك ويوم عليك «وعلى اللي خلفوك»، وصحيح أن الجريدة مجرد حبر على ورق، إلا أن هذا الحبر أسود، ومن الممكن أن يسود عيشة السياسيين والحكومة ومن معها ومن عليها، وصحيح أنها مجرد ورق، ولكنه موزون بورق البنكنوت، وليس صحيحا ما يشاع بأن الجرائد مجرد كلام في كلام، بل لكل حرف ثمنه، فهي في البدء شركة وفي النهاية شركة، والربح سيد الأخلاق، ولأنها شركات فمنها من يربح بالذوق ومنها من يربح (بالفهلوة)، ويعيش على العطايا وهي أخطر أنواع الصحافة لأنها مسيرة وليست مخيرة! والكويت اكثر دول العالم في عدد الصحف قياسا بعدد السكان، ولولا الأزمة المالية لعام 2008 وإغلاق بعضها لقضينا على غابات الأمازون للحصول على الورق.
ومع ذلك سلم بعض الصحف الكويتية أمره لله، وسكت عن الأحداث الدائرة هذه الأيام، وسلم البعض الآخر لحيته للمجهول ليحصل على المعلوم، وراح يعلق على أحداث الكويت وكأنه يعلق على مباراة فريق السكة الحديد وفريق الاسكندرية المصري، وهو تصرف غير حكيم فكل شيء محسوب ولكل موقف ثمنه. وهو ما جعل أغلب القراء يكفر بالصحافة الورقية العريقة، ويتجه إلى الصحف الإلكترونية، والمدونات، فالشبكة العنكبوتية تصطاد كل شيء، و السر عند العم غوغل (ببلاش ) أو بكبسة زر.
في حين أن الصحافة في الدول الكافرة كأميركا والعياذ بالله، لم تفقد دورها ومازالت تلعب دورا كبيرا في الشؤون السياسية هناك، وتستطيع أن تزيح الرئيس الاميركي متى ما أرادت، كما أنها تستطيع أن تريحه بالسكوت عندما تشاء، ويكفي الصحافة الاميركية أنها كانت سببا في استقالة الرئيس الأميركي (نيكسون) و(مرمطة) حبيب (مونيكا ولويسكي) أخينا (كلينتون) وكانت (وجع رأس) للكثيرين قبله.
وبما أن الفضيحة بالفضيحة تذكر، ففي بريطانيا نشرت احدى الصحف خبرا صغيرا يقول ان وزيرا قام بالاتصال بأحد المسؤولين يطلب منه الاستعجال بتخليص معاملة احد المواطنين (الغلابة)، وقامت الدنيا في بريطانيا (على حيلها ) ولم تقعد، وتساءلت الصحف كيف يجرؤ الوزير على التدخل في تخليص معاملة لمواطن؟ وهل هذا المواطن على راسه ريشة اسكتلندية؟وأين مبدأ العدل والمساواة؟ وأين الكلام الطويل والعريض الذي نسمعه كل يوم من الحكومة؟
وقبل أن يفتح الصباح عينيه قدم الوزير أبو الفضيحة اعتذارا حارا مشفوعا برجاء أن يقبلوا الاعتذار على الأقل! وحاول رئيس الحكومة أن يدافع عن وزيره وقال: انه من أهم وزرائه ومن أنزه ما جادت به الأمة الإنكليزية، ورد عليه البرلمان : « العب غيرها!» فقد نشر الموضوع وانفضح الوزير (ولا أحد سمى عليه) وليس أمامه إلا الاستقالة، وبالفعل استقال وهو يلعن الساعة التي جعلته شهما ليتصل على هذا الموظف، وعندما ترك الوزير الوزارة، كان رئيس الحكومة لا يزال ينحني خجلا أمام الشعب الإنكليزي لأنه جاء بهذا الوزير الغشاش!
ويجب أن ننتبه أن كل شيء في الصحافة هناك محسوب وليس كل ما يشاع يقال، بل يجب التأكد من كل خبر وتوثيقه، فالموضوع نهايته القضاء، والقضاء هناك لا يرحم وقد يقضي خبر صغير كاذب على الجريدة، فيصبح أصحاب الجريدة والعاملون فيها (على باب من مال الله يا مسيحيين).
والحقيقة أن المقارنة هنا ظالمة، فصحافة العالم شيء، وصحافة العالم العربي اشياء لا يعلم بها إلا الله، فأنت تستطيع أن تكتب ما تريد، وتستطيع الصحيفة أن تحذف ما تريد! ومن (هنا وهناك) قد تحذف نصف المقالة، أو كل المقالة، أو المقالة والكاتب دفعة واحدة، وتستطيع أن تنتقد، وتستطيع الصحيفة أن تحول نقدك إلى عتاب أرق من عتاب المحبين، ولا بأس في المبالغة الحميدة، ولكن إياك وأن تقول الحقيقة، فالحقيقة مرة حتى على المؤمنين. ولا تتوقع أن تكون الصحافة مرة. ويبقى الشيء الوحيد الذي يمكنك أن تثق به في جرائد العالم العربي هذه الأيام، هو صفحة الوفيات، وقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.