علاقة السياسة بالرياضة
مرسل: الأحد ديسمبر 16, 2012 10:14 pm
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السياسة الرياضية أم الرياضة السياسية؟
لم تكن للرياضة ديانة ولا مذهب سياسي ولا نظام اجتماعي أو اقتصادي ، بل هي مبادئ إنسانية يشارك فيها الإنسان الغني والفقير، المعلم والمهندس والطبيب و.. و.. ، كلهم يتنافسون في ميدان واحد بأجناسهم وأديانهم لتحقيق هدف مشترك هو الالتقاء مع الشباب، بل وتطورت الرياضة وأصبحت مرآة تعكس لنا صورة تقدم هذه الدولة عن الأخرى سواء اجتماعيا أو اقتصاديا، أي أن الرياضة لم تكن في يوم من الأيام مفسدة للسياسة أبداً، والعكس هو الصحيح .
كانت الرياضة قائمة على كل ما هو مثالي، لدرجة أن المثالية أصبحت تنسب للرياضة وليس العكس. وعلى نقيضها تماما نجد السياسة التي لا تعترف بالمشاعر أو الأخلاق بل لا يحتوي قاموسها سوى مصطلح المصلحة أو المصلحة العامة.
ولكننا في زمننا هذا أصبحنا نشاهد تقاطعات كثيرة ما بين الرياضة والسياسة، وأصبحت الرياضة تعتبر ممر للكثير من الأغراض السياسية، وينظر المتفائل لهذه التقاطعات ويقول «إن ما تفسده السياسة تصلحه الرياضة» هذه الجملة التي نسمعها كثيراً، ولكن هل هذه الجملة صحيحة؟
إن كل شيء في وقتنا الراهن له علاقة بالسياسة من الاقتصاد وحتى الحرب، وبالتالي فالرياضة ليست استثناءً، وإن كانت الرياضة لها فسلفتها ولها أهدافها ومفاهيمها وأكبر نموذج لمفاهيمها الاوليمبياد، فالحركة الأوليمبية الحديثة من أهم مفاهيمها أن تبعد الرياضة عن السياسة وعن الدين ولا تجمع على أساس الجنس أو الدين أو النوع -رغم أن الاوليمبياد هي أصلا طقوس دينية يونانية-.
شاهدنا مؤخرا أحد أشكال التأثير السياسي على الرياضة وكان هذا التأثير سياسي ديني طائفي وعرقي، وكانت كل هذه العوامل كانت حاضرة بقوة في مباراة كرة القدم التي جمعت المنتخبين السعودي والإيراني في استاد "آزادي" في العاصمة طهران ضمن التصفيات المؤهلة لمونديال جنوب إفريقيا.
وامتلأ الملعب بحوالي من 120 ألف مشجع إيراني، ولو أعدنا بالذاكرة لأربع سنوات خلت لتذكرنا أن الاتحاد الدولي كان قد منع الإتحاد الإيراني من ملئ مدرجات ملعب أزادي وذلك لعدم وجود وسائل السلامة في الملعب رغم ذلك امتلأ الملعب عن آخره.
ليس هذا ما أريد أن أشير إليه أو الملفت في القضية بل ما أقصده هو الشعارات الصاخبة التي صاحبت دخول اللاعبين أرضية الملعب التي تقول "الخليج فارسي وسيبقى فارسياً للأبد"، دون أن أنسى ذكر حضور الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى الملعب في سابقة نادرة ولا أذكر أنها قد حدثت، مما يؤكد رغبة الإيرانيين في تسييس المباراة، لا سيما في ظل الأحداث المتتابعة على الساحة الخليجية، والعلاقات الإيرانية العربية.
إن القيادة الإيرانية والشعب الإيراني لم يجدوا طريقة لإيصال هذه الرسالة للشعوب العربية لا سيما الخليجية إلا عن طريق الرياضة. وهي أقصر الطرق وأسهلها لهذه المهمة إذا ما قارنا نسبة المشاهدة والتغطية الإعلامية في وقت المباراة بأي وقت آخر.
إن تسييس مباراة المنتخب السعودي مع إيران ليست الحادثة الأولى للسعودية بل سبقتها حادثة أخرى في عام 2005م على أعقاب مباراة السعودية مع المنتخب المجري، ورغم أنها مباراة ودية إلا أن رئيس الوزراء المجري صرح وأشاد بالمنتخب المجري لقتاله بشجاعة خارقة ضد "الإرهابيين العرب"، مما حدا الحكومة السعودية إلى سحب سفيرها، وانتهت الأزمة باعتذار رئيس الوزراء عن تصريحاته التي أدلى بها.
هذه التدخلات السياسية في المجال الرياضي أصبحت شائعة في القرن الحالي، ولكن أول تدخل بين السياسة والرياضة يعود إلى بدايات تنظيم البطولات الرياضية، وفي القرن العشرين كان التدخل بين الجانبين في أوضح صوره. فقد تعطلت بطولة كأس العالم ودورة الألعاب الأوليمبية لسنوات بسبب الحربين العالميتين، واستغل (موسوليني) استضافة كأس العالم سنة 1934م في إيطاليا للدعاية لنظامه الفاشي، وفعل (هتلر) ذات الشيء مع أولمبياد برلين عام 38، ولا ننسى الهجوم الفدائي الفلسطيني على البعثة الإسرائيلية في أولمبياد ميونخ والمقاطعة الإفريقية لدورة موريال عام 76 بسبب التعامل مع جنوب أفريقيا العنصرية.
وكان تأثير السياسة على الرياضة في ذروته عندما قاطعت أميركا والغرب لأولمبياد موسكو في سنة 1980، مما جعل الروس وحلفاؤهم يقومون بمقاطعة أولمبياد لوس أنجلوس عام 84م، ولابد من المرور بالأزمة السياسية قبل أولمبياد بكين 2008م والتي أطلت بوجهها المتجهم في وجه الصينيين الطامحين لاستضافة الأولمبياد، فقد كانت استضافة الصين للألومباد كمكافأة لحفاظها على النظام الرأسمالي في هونج كونج كما استغلت الصين استضافة الأولمبياد لإحتواء معارضيها وهذا ما عارضته بشدة كونداليزا رايس ولكن إقامة الأولمبياد والتفوق الصيني على الولايات المتحدة الأميركية في أولمبياد بكين، كان واضحا مما اعتبره البعض بداية لنهاية الإمبراطورية الأميركية وظهور الإمبراطورية الصينية.
إن استغلال الرياضة لأغراض سياسية هو ليس بالشيء السلبي على الإطلاق، إذا ما ذكرنا استضافة دولتين -كانت بينهما حروب- لأهم بطولة رياضية والمتمثلة باستضافة اليابان وكوريا الجنوبية لبطولة كأس العالم 2002م. مما وضع حدا لحالة عدم الاستقرار بين البلدين.
هذه الاستغلاليات والدعايات السياسية كان لها تأثيرا كبيرا على متابعي الرياضة في مجتمعنا، وللتأكد من ذلك كل ما عليك أخي القارئ سوى أن تجلس مع اثنين من الشباب المتابعين للدوري الإسباني فتسأل أحدهم ماذا تشجع فيرد "الملكي" وتسأل الآخر فيقول "الكتالوني" وإذا سألتهم لماذا الملكي والكتالوني وليست "ريال مدريد" وبرشلونة" فستمضي الليلة كاملة في ذكر التاريخ الإسباني الحديث وبالتأكيد ستمر على الحرب الأهلية الأسبانية. ونفس الشيء في الدوري الإيطالي عندما تجلس مع مشجع لفريق إيه سي ميلان وآخر مشجع للإنتر ميلان، فسيقولون لك أن نادي الإنتر تتأسس بعد الإي سي وقد أسسه أجانب لأن موسولوني كان قد منع غير الإيطاليين من اللعب للإي سي ميلان لأسباب سياسية، وسيذكرون لك تاريخ إيطاليا من العهد الفاشي إلى يومنا هذا عهد برلسكوني -رئيس الوزراء ومالك نادي إي سي ميلان- وحدث ولا تتفاجأ إذا سمعت فتى في الثاني عشر من عمره يتحدث عن هذه الأشياء ولكن إذا سألت هذا الفتى متى ولد الرسول ؟ أو متى مات؟ أو متى تم فتح الأندلس؟ التي هي نفسها أسبانيا فعلى الأغلب لن يجيب ولكنه سيتحدث عن الحرب الأهلية الأسبانية ولا تستغرب من ذلك فإعلامنا الرياضي يبث يوميا التنافس بين الفريقين الإسبانيين من جميع جوانبه الرياضية والاقتصادية والسياسية ويكرر جملة "كتالونيا ليست أسبانيا" التي يرفعها الجمهور الكتالوني (البرشلوني) في كل مباراة لهم مع الفريق الملكي (ريال مدريد).
هذه الأحداث التي من الممكن أن تغير من انتماءتنا السياسية وربما تؤثر على مفاهيمنا بسبب تولع الشباب بالرياضة واستغلال السياسيون لهذا الولع لمصالحهم، يجعلنا نعيد التفكير هل أصبحت الرياضة سياسة أم صارت السياسة رياضة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السياسة الرياضية أم الرياضة السياسية؟
لم تكن للرياضة ديانة ولا مذهب سياسي ولا نظام اجتماعي أو اقتصادي ، بل هي مبادئ إنسانية يشارك فيها الإنسان الغني والفقير، المعلم والمهندس والطبيب و.. و.. ، كلهم يتنافسون في ميدان واحد بأجناسهم وأديانهم لتحقيق هدف مشترك هو الالتقاء مع الشباب، بل وتطورت الرياضة وأصبحت مرآة تعكس لنا صورة تقدم هذه الدولة عن الأخرى سواء اجتماعيا أو اقتصاديا، أي أن الرياضة لم تكن في يوم من الأيام مفسدة للسياسة أبداً، والعكس هو الصحيح .
كانت الرياضة قائمة على كل ما هو مثالي، لدرجة أن المثالية أصبحت تنسب للرياضة وليس العكس. وعلى نقيضها تماما نجد السياسة التي لا تعترف بالمشاعر أو الأخلاق بل لا يحتوي قاموسها سوى مصطلح المصلحة أو المصلحة العامة.
ولكننا في زمننا هذا أصبحنا نشاهد تقاطعات كثيرة ما بين الرياضة والسياسة، وأصبحت الرياضة تعتبر ممر للكثير من الأغراض السياسية، وينظر المتفائل لهذه التقاطعات ويقول «إن ما تفسده السياسة تصلحه الرياضة» هذه الجملة التي نسمعها كثيراً، ولكن هل هذه الجملة صحيحة؟
إن كل شيء في وقتنا الراهن له علاقة بالسياسة من الاقتصاد وحتى الحرب، وبالتالي فالرياضة ليست استثناءً، وإن كانت الرياضة لها فسلفتها ولها أهدافها ومفاهيمها وأكبر نموذج لمفاهيمها الاوليمبياد، فالحركة الأوليمبية الحديثة من أهم مفاهيمها أن تبعد الرياضة عن السياسة وعن الدين ولا تجمع على أساس الجنس أو الدين أو النوع -رغم أن الاوليمبياد هي أصلا طقوس دينية يونانية-.
شاهدنا مؤخرا أحد أشكال التأثير السياسي على الرياضة وكان هذا التأثير سياسي ديني طائفي وعرقي، وكانت كل هذه العوامل كانت حاضرة بقوة في مباراة كرة القدم التي جمعت المنتخبين السعودي والإيراني في استاد "آزادي" في العاصمة طهران ضمن التصفيات المؤهلة لمونديال جنوب إفريقيا.
وامتلأ الملعب بحوالي من 120 ألف مشجع إيراني، ولو أعدنا بالذاكرة لأربع سنوات خلت لتذكرنا أن الاتحاد الدولي كان قد منع الإتحاد الإيراني من ملئ مدرجات ملعب أزادي وذلك لعدم وجود وسائل السلامة في الملعب رغم ذلك امتلأ الملعب عن آخره.
ليس هذا ما أريد أن أشير إليه أو الملفت في القضية بل ما أقصده هو الشعارات الصاخبة التي صاحبت دخول اللاعبين أرضية الملعب التي تقول "الخليج فارسي وسيبقى فارسياً للأبد"، دون أن أنسى ذكر حضور الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى الملعب في سابقة نادرة ولا أذكر أنها قد حدثت، مما يؤكد رغبة الإيرانيين في تسييس المباراة، لا سيما في ظل الأحداث المتتابعة على الساحة الخليجية، والعلاقات الإيرانية العربية.
إن القيادة الإيرانية والشعب الإيراني لم يجدوا طريقة لإيصال هذه الرسالة للشعوب العربية لا سيما الخليجية إلا عن طريق الرياضة. وهي أقصر الطرق وأسهلها لهذه المهمة إذا ما قارنا نسبة المشاهدة والتغطية الإعلامية في وقت المباراة بأي وقت آخر.
إن تسييس مباراة المنتخب السعودي مع إيران ليست الحادثة الأولى للسعودية بل سبقتها حادثة أخرى في عام 2005م على أعقاب مباراة السعودية مع المنتخب المجري، ورغم أنها مباراة ودية إلا أن رئيس الوزراء المجري صرح وأشاد بالمنتخب المجري لقتاله بشجاعة خارقة ضد "الإرهابيين العرب"، مما حدا الحكومة السعودية إلى سحب سفيرها، وانتهت الأزمة باعتذار رئيس الوزراء عن تصريحاته التي أدلى بها.
هذه التدخلات السياسية في المجال الرياضي أصبحت شائعة في القرن الحالي، ولكن أول تدخل بين السياسة والرياضة يعود إلى بدايات تنظيم البطولات الرياضية، وفي القرن العشرين كان التدخل بين الجانبين في أوضح صوره. فقد تعطلت بطولة كأس العالم ودورة الألعاب الأوليمبية لسنوات بسبب الحربين العالميتين، واستغل (موسوليني) استضافة كأس العالم سنة 1934م في إيطاليا للدعاية لنظامه الفاشي، وفعل (هتلر) ذات الشيء مع أولمبياد برلين عام 38، ولا ننسى الهجوم الفدائي الفلسطيني على البعثة الإسرائيلية في أولمبياد ميونخ والمقاطعة الإفريقية لدورة موريال عام 76 بسبب التعامل مع جنوب أفريقيا العنصرية.
وكان تأثير السياسة على الرياضة في ذروته عندما قاطعت أميركا والغرب لأولمبياد موسكو في سنة 1980، مما جعل الروس وحلفاؤهم يقومون بمقاطعة أولمبياد لوس أنجلوس عام 84م، ولابد من المرور بالأزمة السياسية قبل أولمبياد بكين 2008م والتي أطلت بوجهها المتجهم في وجه الصينيين الطامحين لاستضافة الأولمبياد، فقد كانت استضافة الصين للألومباد كمكافأة لحفاظها على النظام الرأسمالي في هونج كونج كما استغلت الصين استضافة الأولمبياد لإحتواء معارضيها وهذا ما عارضته بشدة كونداليزا رايس ولكن إقامة الأولمبياد والتفوق الصيني على الولايات المتحدة الأميركية في أولمبياد بكين، كان واضحا مما اعتبره البعض بداية لنهاية الإمبراطورية الأميركية وظهور الإمبراطورية الصينية.
إن استغلال الرياضة لأغراض سياسية هو ليس بالشيء السلبي على الإطلاق، إذا ما ذكرنا استضافة دولتين -كانت بينهما حروب- لأهم بطولة رياضية والمتمثلة باستضافة اليابان وكوريا الجنوبية لبطولة كأس العالم 2002م. مما وضع حدا لحالة عدم الاستقرار بين البلدين.
هذه الاستغلاليات والدعايات السياسية كان لها تأثيرا كبيرا على متابعي الرياضة في مجتمعنا، وللتأكد من ذلك كل ما عليك أخي القارئ سوى أن تجلس مع اثنين من الشباب المتابعين للدوري الإسباني فتسأل أحدهم ماذا تشجع فيرد "الملكي" وتسأل الآخر فيقول "الكتالوني" وإذا سألتهم لماذا الملكي والكتالوني وليست "ريال مدريد" وبرشلونة" فستمضي الليلة كاملة في ذكر التاريخ الإسباني الحديث وبالتأكيد ستمر على الحرب الأهلية الأسبانية. ونفس الشيء في الدوري الإيطالي عندما تجلس مع مشجع لفريق إيه سي ميلان وآخر مشجع للإنتر ميلان، فسيقولون لك أن نادي الإنتر تتأسس بعد الإي سي وقد أسسه أجانب لأن موسولوني كان قد منع غير الإيطاليين من اللعب للإي سي ميلان لأسباب سياسية، وسيذكرون لك تاريخ إيطاليا من العهد الفاشي إلى يومنا هذا عهد برلسكوني -رئيس الوزراء ومالك نادي إي سي ميلان- وحدث ولا تتفاجأ إذا سمعت فتى في الثاني عشر من عمره يتحدث عن هذه الأشياء ولكن إذا سألت هذا الفتى متى ولد الرسول ؟ أو متى مات؟ أو متى تم فتح الأندلس؟ التي هي نفسها أسبانيا فعلى الأغلب لن يجيب ولكنه سيتحدث عن الحرب الأهلية الأسبانية ولا تستغرب من ذلك فإعلامنا الرياضي يبث يوميا التنافس بين الفريقين الإسبانيين من جميع جوانبه الرياضية والاقتصادية والسياسية ويكرر جملة "كتالونيا ليست أسبانيا" التي يرفعها الجمهور الكتالوني (البرشلوني) في كل مباراة لهم مع الفريق الملكي (ريال مدريد).
هذه الأحداث التي من الممكن أن تغير من انتماءتنا السياسية وربما تؤثر على مفاهيمنا بسبب تولع الشباب بالرياضة واستغلال السياسيون لهذا الولع لمصالحهم، يجعلنا نعيد التفكير هل أصبحت الرياضة سياسة أم صارت السياسة رياضة.