مؤشرات الحرب الباردة الجديدة
مرسل: الأحد ديسمبر 16, 2012 10:24 pm
مؤشرات الحرب الباردة الجديدة
السفير د. عبد الله الأشعل
تبدو مؤشرات الحرب الباردة الجديدة بين الصين والولايات المتحدة، ولكن الكثير من المراقبين يترددون حتى الآن في اعتبار هذه المؤشرات كافية لافتراض وجود هذه الحرب. ويبدو أن هذا التردد يرجع إلى ثلاثة عوامل: أولها، هو هدوء الصين وسكوتها وعدم رغبتها في أي مواجهة مع واشنطن، والعامل الثاني، هو تناقض الموقف الأمريكي بين التأكيد على انتهاء مرحلة القطب الواحد وبين التسليم بأن العالم يتجه فعلاً إلى ثنائية قطبية أو تعدد الأقطاب. أما العامل الثالث، فهو القياس على نموذج الحرب الباردة التقليدية.
فبعد انتهاء الحرب الباردة ساد الاعتقاد بأن الولايات المتحدة هي القطب الأوحد، وبلغ هذا الاعتقاد درجة التطرف فيما ظنه فوكوياما نهاية التاريخ الاقتصادي والسياسي والفكري. وفي بداية القرن الحادي والعشرين، كانت التطورات في روسيا قد أذنت برغبة روسيا في العودة إلى الساحة الدولية، وتوازى معه بداية ظهور علني للصين وبعض الدول الإقليمية، مما يبرر الحديث عن إصلاح النظام الدولي والأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن، كما برر الحديث عن أقطاب جديدة وحرب باردة جديدة ولكنها من نوع خاص.
وقد انحصرت هذه الموجة خلال العقد الأول من هذا القرن، وبدأت تظهر للباحثين بعض المؤشرات الواضحة على أن النظام الدولي يتجه إلى صورة تقريبية للمشهد الدولي.
ولا شك في أن القراءة الصحيحة للمشهد الدولي هي المدخل السليم لتحديد الآثار التي يدفع بها هذا المشهد إلى العالم العربي في عصر ترابطت آثاره وتلاحمت أجزاؤه في جميع المجالات، وهو ما كشفت عنه كافة التطورات المالية والاقتصادية والسياسية، بحيث أصبح الازدهار في جانب مؤدياً إلى آثار مماثلة في الجوانب الأخرى.
وتحت كل هذا الركام من التحولات والتطورات يظهر المشهد الراهن تراجع القوى الأمريكية، وتمدد الظاهرة الصينية، بحيث بدأت القوتان الأمريكية والصينية تدخلان بالفعل في مرحلة التماس بل والتعارض في المصالح بعد أن شهد العالم خلال العقد الأول من هذا القرن تناغماً واضحاً في اقتسام المصالح على حساب المبادئ، وهو ما انعكس في سلسلة طويلة من قرارات مجلس الأمن. وفى هذه اللحظة يبدو أن الصين قررت أن تواجه الولايات المتحدة في عدد من الملفات حتى تشعرها بقيمة السكوت الصيني، واتسم الموقف الصيني بدرجة مترددة من الرغبة في الانتقام في لحظة تصعد واشنطن فيها بشكل واضح ضد إيران وتريد أن تترجم موقفها في قرار من مجلس الأمن، ولحسن حظ إيران أن الصين المستفزة من إصرار أوباما على لقاء الدالاي لاما مما يدفع بكين إلى استخدام الفيتو في مجلس الأمن لصالح إيران.
يبدو أن مجمل الصورة تتجه إلى شكل من أشكال الحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة، رغم أن الصين لا تتمنى ذلك، و رغم أنها تتقدم على مساحات واسعة على خريطة العالم أكبر من معدل التراجع الأمريكي في البيئة الدولية، ولذلك فسوف يشهد العالم خلال العقد الثاني من هذا القرن حرباً باردة حقيقية بين العملاقين عندما يقف التراجع الأمريكي عند نقطة تلتقي عندها طموحات الصين وهى نقطة مثالية في مشروعات البلدين، وعندها سوف تسهل دراسة الآثار المترتبة على هذا الوضع بالنسبة للعالم العربي.
السفير د. عبد الله الأشعل
تبدو مؤشرات الحرب الباردة الجديدة بين الصين والولايات المتحدة، ولكن الكثير من المراقبين يترددون حتى الآن في اعتبار هذه المؤشرات كافية لافتراض وجود هذه الحرب. ويبدو أن هذا التردد يرجع إلى ثلاثة عوامل: أولها، هو هدوء الصين وسكوتها وعدم رغبتها في أي مواجهة مع واشنطن، والعامل الثاني، هو تناقض الموقف الأمريكي بين التأكيد على انتهاء مرحلة القطب الواحد وبين التسليم بأن العالم يتجه فعلاً إلى ثنائية قطبية أو تعدد الأقطاب. أما العامل الثالث، فهو القياس على نموذج الحرب الباردة التقليدية.
فبعد انتهاء الحرب الباردة ساد الاعتقاد بأن الولايات المتحدة هي القطب الأوحد، وبلغ هذا الاعتقاد درجة التطرف فيما ظنه فوكوياما نهاية التاريخ الاقتصادي والسياسي والفكري. وفي بداية القرن الحادي والعشرين، كانت التطورات في روسيا قد أذنت برغبة روسيا في العودة إلى الساحة الدولية، وتوازى معه بداية ظهور علني للصين وبعض الدول الإقليمية، مما يبرر الحديث عن إصلاح النظام الدولي والأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن، كما برر الحديث عن أقطاب جديدة وحرب باردة جديدة ولكنها من نوع خاص.
وقد انحصرت هذه الموجة خلال العقد الأول من هذا القرن، وبدأت تظهر للباحثين بعض المؤشرات الواضحة على أن النظام الدولي يتجه إلى صورة تقريبية للمشهد الدولي.
ولا شك في أن القراءة الصحيحة للمشهد الدولي هي المدخل السليم لتحديد الآثار التي يدفع بها هذا المشهد إلى العالم العربي في عصر ترابطت آثاره وتلاحمت أجزاؤه في جميع المجالات، وهو ما كشفت عنه كافة التطورات المالية والاقتصادية والسياسية، بحيث أصبح الازدهار في جانب مؤدياً إلى آثار مماثلة في الجوانب الأخرى.
وتحت كل هذا الركام من التحولات والتطورات يظهر المشهد الراهن تراجع القوى الأمريكية، وتمدد الظاهرة الصينية، بحيث بدأت القوتان الأمريكية والصينية تدخلان بالفعل في مرحلة التماس بل والتعارض في المصالح بعد أن شهد العالم خلال العقد الأول من هذا القرن تناغماً واضحاً في اقتسام المصالح على حساب المبادئ، وهو ما انعكس في سلسلة طويلة من قرارات مجلس الأمن. وفى هذه اللحظة يبدو أن الصين قررت أن تواجه الولايات المتحدة في عدد من الملفات حتى تشعرها بقيمة السكوت الصيني، واتسم الموقف الصيني بدرجة مترددة من الرغبة في الانتقام في لحظة تصعد واشنطن فيها بشكل واضح ضد إيران وتريد أن تترجم موقفها في قرار من مجلس الأمن، ولحسن حظ إيران أن الصين المستفزة من إصرار أوباما على لقاء الدالاي لاما مما يدفع بكين إلى استخدام الفيتو في مجلس الأمن لصالح إيران.
يبدو أن مجمل الصورة تتجه إلى شكل من أشكال الحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة، رغم أن الصين لا تتمنى ذلك، و رغم أنها تتقدم على مساحات واسعة على خريطة العالم أكبر من معدل التراجع الأمريكي في البيئة الدولية، ولذلك فسوف يشهد العالم خلال العقد الثاني من هذا القرن حرباً باردة حقيقية بين العملاقين عندما يقف التراجع الأمريكي عند نقطة تلتقي عندها طموحات الصين وهى نقطة مثالية في مشروعات البلدين، وعندها سوف تسهل دراسة الآثار المترتبة على هذا الوضع بالنسبة للعالم العربي.