العراق ورأس الأفعى
مرسل: الجمعة مارس 27, 2009 11:44 pm
عبدالله الناصر
يحكى في بعض الأساطير أن حطاباً كان يذهب إلى الغابة لقطع الأخشاب اليابسة وبيعها.. وذات مرة ، وجد حية رقطاء في أصل شجرة ، فأراد أن يقتلها بفأسه ، فقالت له الحية: انتظر ، ولا تستعجل في قتلي ، إنني هنا أحرس كنزاً وسأعطيك كل أسبوع ديناراً من الكنز، على أن لا تؤذيني ولا أوذيك ، وتعاهد الاثنان على ذلك.. وظل الحطاب يذهب كل يوم جمعة إلى الغابة ، ويأخذ ديناره ويعود إلى أهله.. غير أن الحطاب مرض مرضاً شديداً أعاقه عن الذهاب إلى الغابة ، فأثر ذلك على قوت أولاده.. فطلب من أخيه أن يقوم بمهمة الحطابة عنه ، ولكن أخاه ، أخذ يماطله ويعتذر عن الاحتطاب ، فاضطر أن يفشي له سره وقال: اذهب إلى المكان الفلاني ، وستجد حية هناك ، وبلغها أنك من طرفي ، وسوف تعطيك دينارا كل جمعة على أن لا تحاول إيذاءها.. ذهب الأخ وصار يأخذ الدينار في وقته المعلوم ، ولكن نفسه سولت له أمرا أخذ يفكر فيه طويلاً ، وهو الغدر بالحية ، وقتلها ، والاستيلاء على الكنز كاملاً.. وذات يوم أقبل على الحية ، ولما مدت له الدينار أهوى عليها بفأسه ، فراغت منه ، حيث أخطأ رأسها ولكنه قطع ذيلها ، فارتدت إليه ولدغته لدغة شنيعة مات على أثرها في الحال..
بعد حين شفي الحطاب القديم ، وعاد إلى الغابة ، وذهب إلى الحية يريد الاستمرار فيما كانا عليه.. لكن الحية اعتذرت إليه وقالت : لن أعطيك شيئا ، ولن اثق بك ، فالمعاملة بيننا كما تعلم لم تعد صالحة ، فأنت لن تنسى أخاك وأنا لن أنسى ذيلي..!!
أتذكر هذه الأسطورة ، وأنا أنظر إلى واقع الشعب العراقي مع أمريكا ، التي وعدته بأن تعطيه الحرية ، والديمقراطية ، والأمن ، والسلام ، ورغد العيش ، غير أنها في الواقع احتلت أرضه ، ودمرت آثار حضارته ، ونهبت خيراته ، ومزقت وحدته ، وقطعت أوصاله ، وقتلت أكثر من عُشره ، وشردت أكثر من رُبعه ، واغتالت علماءه ، وعاثت فيه خرابا لن تصلحه عشرات السنين.. فالشعب العراقي لن ينسى مطلقاً بشاعة الفتك ، والبغي الأمريكي مهما تعاقبت الأيام ، وكرّت السنون..!! وأمريكا أيضاً التي ذاقت الويلات ، وهُشّم أنف كبريائها في العراق ، وتدمّر اقتصادها الذي جرف العالم معه إلى هاوية الإفلاس ، بل لقد أفلست صورة المواطن الأمريكي الأسطورة ، الذي لا يأتيه الفقر لا من أمامه ولا من خلفه ، فرأى الناس ولأول مرة في تاريخ أمريكا .. بعض سكانها ، يخرجون من مساكنهم المترفة ، وقصورهم المشيدة إلى مخيمات هي أشبه بمخيمات ، الأفارقة البدائيين ..!! أمريكا لن تنسى ذلك مطلقاً ، لن تنسى فداحة الخسائر المادية ، والبشرية ، التي تلقتها من المقاوم العراقي الشرس... ومن ثم فإن علاقة التوتر والتأزم بين الأرض والغزاة ، لن تصل إلى حالة الإنسجام ، والإطمئنان ، والتعايش بود وثقة.. فزمان الوصل بين العراق وأمريكا مستحيل مستحيل.. ومهما حاول المدلسون ، ومروجوا النفاق الإعلامي ، ومشعوذوا المصالح الأمريكية ، وأذنابها ، مهما حاولوا تجميل وجه أمريكا ، فإنهم لن يفلحوا في أن ينسى العراقيون نزيف جراحهم ، لن ينسوا دموعهم ، لن ينسوا سني الفتك والبطش الكافر المهين.. فالدماء لا تغسل بالدماء ، والكلام المعسول ، لن يُذهب طعم السمّ والعلقم من أفواه اليتامى.. ورفات الموتى لن يكون أبداً ترابا خصبا،وصالحاً للزارع الأمريكي..!!
المصدر / جريدة الرياض الجمعة 30 ربيع الأول 1430هـ - 27 مارس 2009م - العدد 14886
الرابط / http://www.alriyadh.com/2009/03/27/article418677.html
يحكى في بعض الأساطير أن حطاباً كان يذهب إلى الغابة لقطع الأخشاب اليابسة وبيعها.. وذات مرة ، وجد حية رقطاء في أصل شجرة ، فأراد أن يقتلها بفأسه ، فقالت له الحية: انتظر ، ولا تستعجل في قتلي ، إنني هنا أحرس كنزاً وسأعطيك كل أسبوع ديناراً من الكنز، على أن لا تؤذيني ولا أوذيك ، وتعاهد الاثنان على ذلك.. وظل الحطاب يذهب كل يوم جمعة إلى الغابة ، ويأخذ ديناره ويعود إلى أهله.. غير أن الحطاب مرض مرضاً شديداً أعاقه عن الذهاب إلى الغابة ، فأثر ذلك على قوت أولاده.. فطلب من أخيه أن يقوم بمهمة الحطابة عنه ، ولكن أخاه ، أخذ يماطله ويعتذر عن الاحتطاب ، فاضطر أن يفشي له سره وقال: اذهب إلى المكان الفلاني ، وستجد حية هناك ، وبلغها أنك من طرفي ، وسوف تعطيك دينارا كل جمعة على أن لا تحاول إيذاءها.. ذهب الأخ وصار يأخذ الدينار في وقته المعلوم ، ولكن نفسه سولت له أمرا أخذ يفكر فيه طويلاً ، وهو الغدر بالحية ، وقتلها ، والاستيلاء على الكنز كاملاً.. وذات يوم أقبل على الحية ، ولما مدت له الدينار أهوى عليها بفأسه ، فراغت منه ، حيث أخطأ رأسها ولكنه قطع ذيلها ، فارتدت إليه ولدغته لدغة شنيعة مات على أثرها في الحال..
بعد حين شفي الحطاب القديم ، وعاد إلى الغابة ، وذهب إلى الحية يريد الاستمرار فيما كانا عليه.. لكن الحية اعتذرت إليه وقالت : لن أعطيك شيئا ، ولن اثق بك ، فالمعاملة بيننا كما تعلم لم تعد صالحة ، فأنت لن تنسى أخاك وأنا لن أنسى ذيلي..!!
أتذكر هذه الأسطورة ، وأنا أنظر إلى واقع الشعب العراقي مع أمريكا ، التي وعدته بأن تعطيه الحرية ، والديمقراطية ، والأمن ، والسلام ، ورغد العيش ، غير أنها في الواقع احتلت أرضه ، ودمرت آثار حضارته ، ونهبت خيراته ، ومزقت وحدته ، وقطعت أوصاله ، وقتلت أكثر من عُشره ، وشردت أكثر من رُبعه ، واغتالت علماءه ، وعاثت فيه خرابا لن تصلحه عشرات السنين.. فالشعب العراقي لن ينسى مطلقاً بشاعة الفتك ، والبغي الأمريكي مهما تعاقبت الأيام ، وكرّت السنون..!! وأمريكا أيضاً التي ذاقت الويلات ، وهُشّم أنف كبريائها في العراق ، وتدمّر اقتصادها الذي جرف العالم معه إلى هاوية الإفلاس ، بل لقد أفلست صورة المواطن الأمريكي الأسطورة ، الذي لا يأتيه الفقر لا من أمامه ولا من خلفه ، فرأى الناس ولأول مرة في تاريخ أمريكا .. بعض سكانها ، يخرجون من مساكنهم المترفة ، وقصورهم المشيدة إلى مخيمات هي أشبه بمخيمات ، الأفارقة البدائيين ..!! أمريكا لن تنسى ذلك مطلقاً ، لن تنسى فداحة الخسائر المادية ، والبشرية ، التي تلقتها من المقاوم العراقي الشرس... ومن ثم فإن علاقة التوتر والتأزم بين الأرض والغزاة ، لن تصل إلى حالة الإنسجام ، والإطمئنان ، والتعايش بود وثقة.. فزمان الوصل بين العراق وأمريكا مستحيل مستحيل.. ومهما حاول المدلسون ، ومروجوا النفاق الإعلامي ، ومشعوذوا المصالح الأمريكية ، وأذنابها ، مهما حاولوا تجميل وجه أمريكا ، فإنهم لن يفلحوا في أن ينسى العراقيون نزيف جراحهم ، لن ينسوا دموعهم ، لن ينسوا سني الفتك والبطش الكافر المهين.. فالدماء لا تغسل بالدماء ، والكلام المعسول ، لن يُذهب طعم السمّ والعلقم من أفواه اليتامى.. ورفات الموتى لن يكون أبداً ترابا خصبا،وصالحاً للزارع الأمريكي..!!
المصدر / جريدة الرياض الجمعة 30 ربيع الأول 1430هـ - 27 مارس 2009م - العدد 14886
الرابط / http://www.alriyadh.com/2009/03/27/article418677.html