منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#57810
خصائص التنمية الإسلاميّة: 

أ - التطوير والتغيير: إنّ أهم خاصية للتنمية هي كونها عملية تهدف إلى تطوير وتغيير حـياة الناس في مجتمـع ما، ولذلك لا يكاد يخلو تعريف من الإشـارة إلى هذا العنصر الأسـاس في عمـلية التنمية أو ما يشاكله، مثل التقدم والرقي والتحسين وغيرها. ولكن عملية التطوير والتغيير هذه لابد أن يراعى فيها مدى قابلية الأفراد واستطاعتهم لذلك، حتى لا يكلف الناس أكثر من وسـعهم أو يحملوا ما لا يطيقون فتفشل العملية من حيث يراد لها النجاح. ولذا، ورد في التعريف تقييد عملية التطوير والتغيير بعبارة «قدر الإمكان» مراعاة لاختلاف الناس من حيث قابليتهم للعملية التنموية. 

ثم إنّ عملية التغيير تكون في التنمية دائماً نحو الأحسن فالأحسن، وذلك لوجود فرق مهم بين كلمتي التغيير والتنمية؛ فالتنمية دائماً تعني التحسيـن والرقي والزيادة في الشيء، بينما التغييـر قد يكون لما هو حسن كما يكون لما هو سيئ. وقد ورد لفظ التغيير في موضعـين من القرآن الكريم، أولهما في سورة الأنفال في قوله تعالـى: ((ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) (الأنفال:53)، وثانيهما في سورة الرعد وهي قوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ)) (الرعد:11). فالتغيير الوارد في الآية الأولى إنما هو تغيير نحو السيئ، بحيث إنّ الله لا يُـغيِّر نعمته إلى نقمة إلا إذا حصل ما يقتضي ذلك، وهو التغيير السيئ لأنفس قوم ما. فنظراً لهذا الفرق المهم بين التنمية والتغيير قيّدت التغيير الوارد في التعريف بكونه «نحو الأحسن فالأحسن». 

ب- الاستمرارية: إنّ العملية التنموية وتحقـيق مهمتها الحضـارية لا تتم في يوم وليلة أو في عشية وضحاها، بل تأخذ زمناً يطول ويقصر على قدر عزائم الناس الساعين إلى التنمية. ولكن عملية التنمية لا تتوقف عند تحققها، بل لابد من المحافظة عليها وتحقيق المزيد منها، وبذلك تكون التنمية عملية مستمرة نحو الأحسن فالأحسن. وهذه الديمومة والاستمرارية للعملية التنموية تكون مستغرقة لحياة الأفراد والمجتمعات على حدّ السواء؛ بمعنى أنّ الأفراد يستنفدون أعمارهم من أجل التنمية، ويحرصون على نقل ذلك لمن يخلفهم في المجتمع. 

بناء على ذلك، تكون هذه العملية تواصلية استمرارية؛ مستمرة على مستوى الأفراد، متواصلة على مستوى المجتمعات، بحيث تتواصل العملية التنموية من جيل إلى آخر دون توقف. فإذا توقف جيل ما عن القيام بذلك يؤدي ذلك إلى خلل في العملية غالباً ما يؤدي إلى تراجع حضاري، كما حصل في العالم الإسلامي الذي شهد نهضة حضارية، ومن ثم بدأ تراجع طويل، والسبب في ذلك راجع إلى عدم استمرارية العملية التنموية وتواصلها بين أجيال مجتمع ما. فضلاً عن ذلك، فإنّ خاصية الاستمرارية في التنمية نابعة من النظرة الإسلاميّة السامية للكون والحياة والإنسان؛ فالإنسان خلقه الله ليكون خليفة له في الأرض كما قال تعالى: ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِى ٱلارْضِ خَلِيفَةً)) (البقرة:30). وهذا الاستخلاف لا مجال فيه للعبث وإضاعة الوقت فيما لا ينفع: ((أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَـٰنُ أَن يُتْرَكَ سُدًى )) (القيامة:36)، وقولـه تعالى: ((أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـٰكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ)) (المؤمنون:115). 


ج - الشمولية: إنّ العملية التنموية لا تقف عند التطوير والتغيير المستمر نحو الأحسن فالأحسن، بل لابد أنْ يضاف إلى ذلك كلّه ميزة أخرى وهي الشمـولية. والمقصود بالشمـولية في عملية التنمية الإسلاميّة أنْ تكون فيها مراعاة لقدرات الإنسان وإمكانياته المختلفة، سواء أكانت مادية أم معنوية (روحية، نفسية، عقلية...). فهذه الشمولية بالمعنى المتقدم تعد من خصوصيات التنمية الإسلاميّة التي تنفرد بهذه الخاصية عن سواها، حيث «إنّ القرآن الكريم يخلو تماماً من ثنائية النفس والجسد التي شـغلت الفكر الأروبي الديني والفلسـفي، ذلك أنّ الإنسـان في المنظور القرآني هو روح وجسـم، ولم يرد في القرآن قط ما يحط من قدر الجسم»(