صفحة 1 من 1

مقالة بعنوان: مع الله

مرسل: الاثنين ديسمبر 17, 2012 4:10 pm
بواسطة عبدالله بن غانم 101
إن مَن حاول معرفة نفسه عُرضت له عَقبات كأداء , ومشقات جسام , فإن صبر عليها بلغ الغاية ,
وما الغاية التي تطمئن معها النفس إلى الوحدة وتأنس بالحياة , وتُدرك اللذة الكُبرى , ما الغاية إلا معرفة الله ؟

وسيظل الناس تحت أثقال العزلة المُخيفة حتى يتصلوا بالله ويُفكروا دائماً أنه معهم , وأنه يراهم ويسمعهم , هُنالك تصير الآلام في الله لذة , والجوع في الله شبعاً , والمرض صحة , والموت هو الحياة السرمدية الخالدة ..
هناك لا يبالي الإنسان ألاّ يكون معه أحد , لأنه يكون مع الله جل في علاه .


إن الله - جلّت ودقتْ حكمته - لم يجعل السعادة في مال ولا نسب ولا مُتعة , ولكنه جعلها صلة خفية بين الأشياء وصاحبها , فلا تأخذوا الأمور على ظواهرها ,
فإن المريض الزّمِن لو حمل من الألم ما تظنه أنت حامله ما عاش , والغني لو نال من اللذة ما تحسب أنه نائله ما وسعته الدنيا ولكن العادة تبطل اللذة والألم , وتهوّن السجن على السجين , والحرب على المحارب , وتجعل الخليفة الذي كان في قصره عشرة آلاف غادة من جميلات الأرض حُشرن إليه حشراً مثل الذي في بيته امرأة واحدة !
إنما اللذة التي لا تفنى ولا تنقص لذة القلب , لذة المُتأمل , لذة الساجد في هدأة الليل , والمناجي ربه في الأسحار ..
ومن هنا قال بعض من ذاق تلك اللذة : (( لو ذاق الملوك ما نحن فيه لقاتلونا عليه بالسيوف )) .. إي والله وبالمدافع والرشاشات !

فهل جربت لذة السعادة بالسجود في هدأة ثلث الليل حينما ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله , ويقول (( من يدعوني فأستجيب له , من يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له ))



........................

إن المستقبل في الدنيا شيء لا وجود له ..
إنه يوم لن يأتي أبداً , لأنه إن جاء صار (حاضراً) وأصبح صاحبه يُفتش عن (مستقبل) آخر يركض وراءه ..

قد يكون هذا الذي أقوله (فلسفة) ولكنها فلسفة واقعية , إنها حقائق لا يُفكر فيها أحد منا ..

نحن كالمسافر في الباخرة أو الطائرة ,
همه الغرفة الجميلة , أو المقعد المريح , يركب في الدرجة الأولى ويأكل أطيب الطعام , ويتصفح الجرائد والمجلات , وينقل بصره فيما حوله أو تحته من المشاهد ,
ولكن هذا كله لأيام السفر , وأيام السفر معدودة , أفما كان خيراً له لو فكر فيما يريحه في إقامته الدائمة في البلد الذي يمضي إليه ؟

أما كان أنفع له لو تحمل بعض المتاعب في ليالي السفر القليلة ووفر ماله ليشتري به الراحة في سنوات الإقامة الطويلة ..
أم شغلته متعة السفر عن التفكير في سبب السفر , وجمال الطريق عن غاية الطريق !؟


إن المستقبل الحق في الآخرة ..
فأين منا من يعمل ويجهتد له؟ بل أين منا من يفكر فيه ويتأمله ..

قد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم :
(( والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم, فلينظر بمَ يرجع )) .
فهل تأملنا هذا الحديث ووعيناهـ ؟!

وهذه مقالة قرأها الناس مني وسمعوها :
إن الجنين في بطن أمه لو أمكن أن يسمعك , وأن يفهم عنك ويُكلمك , وسألته : ما الدنيا ؟!
لقال لك : إن الدنيا هي هذه الأحشاء التي أعيش فيها , وهذه الظلمة التي أتقلب خلالها .
فإن قلت له : هاهُنا دُنيا أخرى البيت الواحد منها أوسع من دنياك هذه بمائة ألف ضعف , وأن فيها شمساً وقمراً , وأن فيها براً وبحراً , وشتاءً وصيفاً , هل كان يستطيع أن يفهم عنك أو يتصور ما تقول ؟
ولو كانا توأمين في بطن واحد , فوُلد أحدهما قبل صاحبه , وأمكن أن تسأله عنه فبماذا يجيب سؤالك ؟ ألاّ يقول لك إنه كان فبان وخلا منه المكان , إنه مات ودُفن تحت في الأعماق !

فكيف رأى الولادة موتاً ..
وكيف لا نرى نحن الحقيقة فنعلم أن الموت ولادة جديدة ..





مقتطفات من بعض مقالات وأدب الشيخ /علي الطنطاوي - رحمة الله