صفحة 1 من 1

تسونامي الربيع العربي و"جمهورية الفيس بوك"

مرسل: الاثنين ديسمبر 17, 2012 5:04 pm
بواسطة عبدالمنعم الحويل9
إيلاف - الخليج الإماراتية - ياس خضير البياتي - في أواخر عام 2010 ومطلع 2011 اندلعت موجة عارمة من الثورات والاحتجاجات في مُختلف أنحاء الوطن العربي بدأت بمحمد البوعزيزي والثورة التونسية التي أطلقت وتيرة الشرارة في كثير من الأقطار العربية وعرفت تلك الفترة بربيع الثورات العربية . وكانت من أسباب هذه الاحتجاجات المفاجئة انتشار الفساد والركود الاقتصاديّ وسوء الأحوال المَعيشية، إضافة إلى التضييق السياسيّ وسوء الأوضاع عموماً في البلاد العربية، حيث انتشرت هذه الاحتجاجات بسرعة كبيرة في أغلب البلدان العربية، وتميزت هذه الثورات بظهور هتاف عربيّ أصبح شهيراً في كل الدول العربية وهو: (الشعب يريد إسقاط النظام) .

ولم تكن ثورات الربيع العربي الا رد فعل للأوضاع المتردية التي عانى منها المواطن العربي خلال قرون من الزمن، فأنظمتها السياسية، تقمع مجتمعاتها، وتختزلها بالحاكم الواحد، وتقيد حرياتها وتكتم أفواهها، وتنبذ الديمقراطية وحق الاتصال والتعبير، وتمنع مشاركتها في صنع القرارات والتعبير، وبطالة قاتلة، وشباب مهمشون وضائعون، وفساد ورشى تستشري في مؤسساتها، وأنظمة تعليمية تقليديّة تجتر معلومات الأمس، وتهمل العصر وتقتل ثقافة الأمة ولغتها، وأنظمة إعلاميّة عربيّة تبحث عن الترفيه، وتسطح الفكر والحياة، وتكون أداة لتخريب ذوق المواطن .

في واقع الأمر، فإن الشباب العربي يعيش في مأزق ما يسمى بالتغيير، وقد لخصه أحد الباحثين العرب بمجموعة من الظواهر السلبية التي تتعلق بالمحيط الاجتماعي، وبمناخ الواقع الذي تسوده جملة من القيم الرديئة والتناقض الثقافي والفوضى الاقتصادية والفقر والفساد الإداري ومظاهر الاستغلال والتسلط والانحراف بكل صوره وأشكاله وأنواعه . إذ يبدو معقولاً أن نقول: إن الشباب يعانون من إرهاب اجتماعي متمثل في الظلم الاجتماعي، وإرهاب عدلي متمثل في ضياع الحقوق وعدم تكافؤ الفرص . وهناك التناقض الصارخ في مكونات وقواعد الدليل الثقافي عبر تربية الأسرة وتوجيهها، وتربية المدرسة وتوجيهها، وتربية وسائل الإعلام وتوجيهها، ما يخلق آثاراً بالغة التناقض على يقين الشباب والتزامه الأخلاقي، وبالتالي هروبه (إلى اليقين الأكبر)، ربما ليس عن اقتناع كامل بل كرد فعل وملاذ ملجأ للتخلص من القلق والتوتر والمعاناة . فالشباب عندما ينظر حوله تبدو الصورة كئيبة من خلال البطالة والتمزق والفقر، وانعدام أو غياب العدل، فتمتلئ الصدور بالحقد والغضب والرغبة في تدمير كل ما هو قائم . وعند هذه النقطة تكون النفوس جاهزة لمسلسل الغضب والثورة .

عصر التواصل الاجتماعي

تاريخياً، لم تكن معركة الإعلام الجديد مرتبطة بالربيع العربي، فقد كانت تجربتها الأولى في العام 1999 بيوغسلافيا (صربيا والجبل الأسود) ضد نظام ميلوسوفيتش من خلال قوة المدونين في الإعلام الالكتروني، حيث استطاع هذا الإعلام أن يقوم بثورة فعلية وينجح في قلب نظام حكم الدكتاتور في صربيا ويستطيع تغيير النظام الدكتاتوري . مثلما حدث في جورجيا من خلال معركة المدونين والرسائل القصيرة في عملية التغير السلمي وتغير النظام من خلال مظاهرات شعبية سيطرت على الشوارع وأدت إلى التغيير السلمي . كما شهدت أوكرانيا وميدانها الشهير كييف عام 2004 قوة الهاتف الجوال بأدواته الأساسية الصور والرسائل النصية في تأجيج حركة احتجاجات واسعة سيطرت على الحياة العامة، ونصب الخيام في ساحة الميدان التي أصبحت أشهر من تاريخ الدولة كلها، وعندها عرفت حراك الاحتجاجات بثورة البرتقال الاعتراضي التي أجبرت الدولة على إعادة الانتخابات للمرة الثالثة وفوز فريق المعارضة البرتقالية وتشكيل حكومة ورئيس معارض جديد .

لكن المثير في الربيع العربي أنها أخذت بعداً اكثر وضوحاً، وتنوعاَ في الأساليب الإعلامية، وسرعة في الأحداث والوقائع، واختلف دور واستخدام إعلام التواصل الاجتماعي عن الإعلام العادي في ثورات الربيع العربي بين بلد وآخر حسب قوة استخدامه ودور القوى الشبابية لهذا الاستخدام، بظل مجتمعات تعتبر نظرياً متخلفة بالتكنولوجيا والتقنية مقارنة مع الغرب، لكنها كانت مقبولة .

والربيع العربي، تعبير أطلق على الثورات العربية التي استعرت نارها وانتشرت من المحيط إلى الخليج، هذه الثورات لم تكن ثورات عادية كالتي حصلت في اوائل القرن الماضي، وما يميزها هو استخدام العالم الافتراضي لإصلاح العالم الحقيقي الذي كان عرضة للسخرية من الجميع .

وقد وجد الشباب العربي متنفسهم في المدونات فكتبوا، وآخرون وجدوا متنفسهم في الفيديو، واكتشفوا جميعاً أن همهم واحد فكان اللقاء الرقمي في جمهوريتهم الافتراضية الجديدة (جمهورية الفيسبوك) بعيداً عن الاجتماعات الخفية في الغرف السرية، وتوزيع المنشورات في جنح الليل، حيث نجحت ثورات تونس ومصر وليبيا وآخرها كانت اليمن، وكان هذا التعبير أصدق تلخيص لإسهام الإعلام الجديد في تسونامي الاحتجاجات العربية التي ما زالت تهز العالم العربي حتى الوقت الحاضر، بعد أن أطاحت نظماً سلطوية .

إن اللغة الإعلامية في إعلام التواصل الاجتماعي هي لغة الجماهير العادية التي هي بنفسها تحدد وتختار الرموز والإشارات التي تتطابق مع تلك التي يختزنها المتلقي في الإطار الدلالي (المخزون المعرفي)، وهي التي ولدت ونمت في رحم وسائل الاتصال الجماهيري التي أنتجت خطاباً ولغة خاصة لا تنفصل عن الزمان والمكان الاجتماعي والإنساني، لذلك كان لها تأثير واسع في الشوارع التي تلقت خطاب هذه الوسائل وسارعت لتبني هذه اللغة وذالك الخطاب القصير والواضح . ومع ذلك لا تزال تجربة الإعلام الحر في دول الربيع العربي تجربة جديدة تتلمس طريقها بعد سقوط الأنظمة الدكتاتورية التي كانت تسيطر على الإعلام وتفرض عليه سطوتها . ذلك ان مستقبل الإعلام الحر مرهون بنجاح الثورات في العالم العربي، والإعلاميون في أغلبيتهم ينحازون للحرية وبالتالي ينحازون للثورة، وهذا يشكل ضمانة لحرية الصحافة في مجتمعاتنا . فهل وصلت رياح الربيع العربي إلى الإعلام؟

هناك أكثر من اتجاه، واكثر من رؤية، تلتقي وتتباعد، بعضها يقول:

- ان الإعلام غيّر أدواته ولن يعود كما كان عليه في السابق خاصة أن الشارع العربي كان يتعامل مع إعلام رسمي، ولكن في الربيع العربي فإن الجماهير قالت كلمتها .

- ليس من السهل العودة إلى الوراء، لكننا سنشهد موجة من التطرف الإعلامي والرهان الأكبر والأساسي هو على الإعلام البديل الذي من الممكن أن نطلق عليه انه إعلام الفقراء والإعلام المتحرر الذي جلب له الملايين والذي يعبر المواطن من خلاله دون المرور بمقص الرقيب، وسيلعب دوراً حاسماً بعيداً عن سطوة سلطة المال، ولكن يبقى السؤال عن الأجندات السياسية التي قد تلعب وتسيطر على هذا الإعلام .

- ان الثورات العربية سيكون لها الدور الحاسم في تحرير الإعلام العربي من القيود التي عانى منها منذ عقود طويلة، لكن الثورات سيزداد تأثيرها تدريجيا ولكن حرية الإعلام لا تتحقق بازالة القيود المفروضة عليها، فالثورات قد تحرر الإعلام ولكنها لا تضمن إعلاماً حراً حقيقياً .

- ان الثورات قد فتحت الباب لإزالة القيود، وممارسة الحرية السياسية تحتاج لمقومات، فكذلك الحال بالنسبة إلى الإعلام . - إن المنافسة بين وسائل الإعلام التقليدية ووسائل الإعلام الجديدة تميل لمصلحة وسائل الإعلام الاجتماعية والمواطنين الصحافيين . ولم يعد بإمكان وسائل الإعلام التقليدية تجاهل المواطنين الصحافيين، ولامقاطع فيديو (الهواة) على يوتيوب، أو أي معلومات أخرى تتدفق عبر وسائل الإعلام الاجتماعية . بل إن معظم الصحافيين التقليديين المحترفين يستخدمون وسائل الإعلام الاجتماعية للتواصل مع جمهورهم بطرق جديدة .


- أصبحت وسائل الإعلام الاجتماعية وسيلة قوية للدفاع عن حرية الصحافة، وعن الحريات عامة . مثلما أصبحت تمثل السلطة الخامسة حيث عجزت وسائل الإعلام التقليدية عن لعب دورها . والبعض الآخر يرى ان الإعلام التقليدي لايمكن الغاء دوره لأنه مازال يعيش في بيئة تقليدية مرتبطة بقوة الماضي، وبسيطرة الحكومات، وباختصار يمكن اختصار الأفكار:

- نجح الإعلام التقليدي بشكل واضح في توظيف وسائل الاتصال الجديدة في خدمة مؤسساته . لذلك فإن شكل الإعلام الجديد مستقبلاً سيتغير جذرياً مع قدرة مستخدميه على قلب الموازنة والتعدي على قامات الإعلام التقليدي، الذي ما زال يمتلك القدرة والشهرة والخبرة .

- يظل الإعلام الجديد اليوم متأثراً بشكل كبير من قبل رجالات الإعلام التقليدي . إن جل المستخدمين المؤثرين في “تويتر” هم كتاب الصحف التقليدية والعاملون في القنوات الإخبارية، مع بعض الاستثناءات . ويتحرك الرأي العام في تويتر بناءً على ما يكتبه المستخدمون أصحاب العواميد في الصحف ومقدمو البرامج الحوارية، وما زالوا هم المتربعين على عرش الإعلام الجديد .

- هناك مبالغة كبيرة في دور الإعلام الجديد في التأثير في العملية السياسية في العالم العربي .

- لا يزال دور الحكومات العربية في الإعلام الجديد غامضاً . قد يؤدي الوجود الحكومي في مواقع التواصل الاجتماعي إلى تغيير شكل المداولات السياسية . ففي المستقبل القريب، اذا كان هناك توظيف مثالي لوسائل الإعلام الجديد من قبل الحكومات العربية فسيكون هناك وجه آخر مختلف تماماً للإعلام الجديد عما نعيشه اليوم .

- تأسيس المجتمع المدني في العالم العربي سيجر الانتباه من الإعلام الجديد إلى الشارع السياسي الحقيقي . اليوم، نرى تخبطاً كبيراً وانسياباً ملحوظاً وارتجالاً في الطرح في مواقع التواصل الاجتماعي . وفي حال انخراط الناشطين في مؤسسات المجتمع المدني، فإن الطرح السياسي على تويتر وغيره سيصل إلى مرحلة اكبر من النضج الفكري . وسيؤسس المجتمع المدني إلى خطاب سياسي جديد وسيكون له بطبيعة الحال أثر في المداولات القائمة اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي .

لكن السؤال الكبير: من صانع الحدث؟ وهل ساعدت وسائل الإعلام المستقلة في إحداث الربيع العربي أم أن الثورة العربية نجحت في تحرير وسائل الإعلام المحلية في العالم العربي؟ وهل وصلت رياح الربيع العربي إلى الإعلام؟

لابد من الأقرار أولاً، بأن الصانع الحقيقي للحدث هو الشباب العربي الذين استحوذوا على الحدث السياسي بكل تفاصيله، مثلما استحوذوا على الحدث الإعلامي وتغطياته المباشرة، لأن قفزات الإعلام الحالية انعكاس لبعض مظاهر الربيع العربي، بدليل أن هذا الإعلام الجديد أسهم هو الآخر في صنع الأحداث وتنشيطها وتثويرها .

وكما قال أحد الإعلاميين فإن أبطال الثورات العربية الحقيقيين هم: البطل الاول محمد بوعزيزي، والثاني مخترع الموبايل، والثالث مخترع تكنولوجيا ال”فيس بوك” والانترنت إجمالا، والإعلام العربي كان تابعاً لكل هذا وذاك ولم يكن بطلاً قومياً، لأنه أصلاً لم يتوقع شيئاً مما جرى بسبب انشغالاته في تصميم الشعارات الرنانة التي اتحفنا بها على مدار سنوات طويلة، بدأ من تحرير الأقصى والقدس مروراً بالرقص على أوجاع الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، حتى اندلعت النيران خلفه وكأنه يعيش في كوكب آخر .

وفي النهاية فإعلامنا العربي لم يكن ولن يكون قادراً على إحداث التغيير اذا بقي على حالة العبودية التي يعيشها، أو سيكون بحاجة إلى صحافي جريء يدعى بوعزيزي ليدخل على هيئة التحرير ويحرق نفسه داخل أروقة التحرير ليعلن رغبته في التغيير الإعلامي الحالي الذي لا يمكن القول عنه الا إنه إعلام متخلف وسلطوي .

وبالرغم من النشاط الكبير على الانترنت للشباب العربي، الا أن التغيير السياسي الحقيقي لم يولد في الانترنت، بل تولد في الشارع، وجاء الإعلام الجديد مكملاً له . بمعنى ان دور الإعلام الجديد في الربيع العربي لم يكن يمهد الطريق للشارع، بل كان استكمالا للدور الأساس الذي لعبه المواطن في الشارع العربي . بدليل ان تعطيل الانترنت كان جوهرياً في زيادة أعداد المتظاهرين في الشارع العربي . وقد خلصت دراسة قام بها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية أن 53% من المسوحات التي تمت كجزء من الدراسة خلصت إلى أن القنوات الفضائية العربية لعبت دور(المحرض) في الربيع العربي . ورغم ذلك يصر الإعلاميون العرب، وكذلك الفضائيات العربية على أن عملهم معلوماتي يعكس الواقع وأنه ليس لهم دور في تغيير النظام .

ومن دون شك فإن المحطات التلفزيونية الفضائية وكذلك المدونين ونشطاء التواصل الاجتماعي قد أسهموا بالتأكيد في التغييرات التي تواجه العالم العربي . ومع ذلك، فإن تجاهل شجاعة وعزم الملايين من العرب الذين شاركوا في احتجاجات غير مسبوقة فضلاً عن عشرات الآلاف الذين دفعوا حياتهم ومعيشتهم يمثل إهانة شديدة لهم .

وعلى الرغم من النشاط الكبير على الانترنت للشباب العربي، الا أن التغيير السياسي الحقيقي لم يولد في الانترنت، بل تولد في الشارع، وجاء الإعلام الجديد مكملاً له . كما إن دور أعضاء مجموعات “فيس بوك” أو المشاركين في (هاشتاغات تويتر) هو في غالب الأحيان رمزي، ولايتعدى حدود الشكليات . لذلك، فإن النشاط السياسي في الانترنت لا يترجم بالضرورة إلى تغيير او نشاط سياسي فعلي في الشارع العربي . ففي حالة اليمن، كان عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي 300 ألف مستخدم، وهو العدد الذي لا يواكب حجم الأحداث في الشارع اليمني . ومع ذلك فإن حشد المتظاهرين وتوجيههم لم يتم بشكل أساس عن طريق الإعلام الجديد، بل تم بشكل أساس عن طريق الوسائل التقليدية . ومع ذلك، لا يمكن لأي أحد، أن ينكر دور الإعلام التقليدي والإعلام الجديد في لعب دور بارز في الثورات العربية، والقول إن الإعلام العربي يعيش ربيعه الخاص وإنه دشن مرحلة جديدة ستفرز إعلاماً جديداً يستجيب لطموحات الشارع العربي ومطالبه .

الوجه الآخر: الخداع الإعلامي

أخذت التغطية الإعلامية لهذه الثورات حيزاً كبيراً من اهتمام الشارع العربي، بين من يرى أن الفضائيات العربية قامت بدورها على أكمل وجه، فرافقت الثورات العربية وأسهمت في إنجاحها، وبين آراء أخرى انتقدت الأداء الإعلامي لكبرى القنوات العربية، واتهمتها بالتحيز وخلق البلبلة والتهييج الإعلامي، وخدمة أجندات خارجية، وغض الطرف عن تغطية تحركات الشارع في دول (صديقة) و(حليفة)، بهدف إجهاض الثورات في هذه البلدان .

والنقاش الحقيقي، كما يرى البعض، هو لماذا تتغنى قنوات فضائية عربية بقيم الموضوعية والمهنية، فتسلط كاميراتها ومراسليها على دول بعينها وتصف قادتها بالدكتاتوريين، بينما يتم التعتيم الإعلامي على ما يجري في دول أخرى .

إن اختلاق أخبار لا يجافي أحياناً الواقع، إلا أن طريقة تقديم وصياغة الأخبار تبرز الكثير من الانحياز، بسبب وجود التقنيات المنتهجة التي باتت تقارب تقنيات الحرب النفسية، على اعتبار أن هناك تفضيلاً لنوعية من الأخبار التي تخدم هدفاً معيناً، في حين يتم التغاضي عن أخبار، أو إحالتها إلى آخر الترتيب من حيث الأولوية والأهمية . وبمعنى آخر تعميق أسلوب التعتيم والتهييج في الخطاب الإعلامي .

ومن الناحية التقنية، تتحجج القنوات الفضائية بنقل صور ومشاهد بالصوت والصورة لمواطنين، كل من بلده، يتحدثون لهجات تونسية ومصرية وليبية وسورية ويمنية، للدلالة على أن الأحداث ليست مفبركة، وإنما وقعت فعلاً ولم تقم القناة سوى ببثها، وأن الصور وصلتها عبر البريد الإلكتروني، بعد تضييق السلطات عليها، وعدم السماح لها بالتصوير .

وتقنياً دائماً، لا ينتبه عادة المشاهدون البسطاء، وعددهم بالملايين، إلى أن التلفزيونات تفرض على نفسها وضع كلمة (أرشيف) كلما تعلق الأمر بصور ومشاهد قديمة، حتى ولو مر على حدوثها أيام فقط . وهناك أيضاً حيل كثيرة لا ينتبه لها المشاهدون من قبيل إعادة القنوات تكرار بث مشاهد القتل والمظاهرات على مدار الساعة في نشرات الأخبار، حتى يحدث الانطباع لدى المشاهد بأن الاحتجاجات متواصلة، حتى وإن كان الواقع على الأرض مختلفاً . وفي المحصلة يمكن الوقوف على حقيقة أن الفضائيات العربية كغيرها من الفضائيات العالمية لا تنفذ سوى أجندات إخبارية تعكس الأجندات السياسية للدول التي تملكها .

لكن الأهم من كل ذلك هو استخدام الصور من الهواتف النقالة التي تعتبر أخطر شيء في الإعلام التي صفعت الأنظمة من خلال التقاط الصور وإرسالها للوسائل الإعلامية المرئية والالكترونية ويكمن سر صور الجوال بأنها لا تخضع للمونتاج والفوتوشوب كونها تبقى كما هي لا يمكن التلاعب فيها، وبالتالي عجزت الأنظمة عن تكذيبها أو وصفها بالمفبركة، إضافة إلى اليوتيوب الذي كان العامل الثاني في فضح الجرائم، مما دفع وسائل الإعلام المرئي الاعتماد على وسائل الاتصال الاجتماعي المرسلة من الميادين وعرضها من خلال الأفلام المسجلة أو السكيب في العرض المباشر عن طريق الهواتف الذكية

ولهذه الأسباب أضحى الإعلام الجديد في موقع متقدم في تقديم خدمة المعلومات وجذب الأنظار نحو المواقع المختلفة لكي تواكب عرضها الإعلامي في ظل معركة فعلية قائمة بين وسائل الإعلام الاجتماعي الحديثة ووسائل الإعلام المرئية التي بات مصيرها مهدداً فعلياً بوجود قوة منافسة لقوة الإعلام المرئي، فإذا كان الإعلام المرئي لعب دوراً مميزاً على مدار القرن الماضي، وكان دوره فعلاً في التغيرات التي عصفت في العالم في أواخر الثمانينات منه، وبعد انهيار جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي وحرب البلقان .