- الاثنين ديسمبر 17, 2012 6:22 pm
#57901
مسار
يا ولدي .. الحياة ليست شاشة كمبيوتر
أتاني حانقاً منفعلًا وبيده جهازه المحمول يعرض مقطعا مصورا عن قضية اجتماعيّة شائكة وكان نصف المحتوى كذبا والنصف الآخر يحوي الكثير من المبالغة والتهويل. قلت يا ولدي لا تصدق كل ما ترى فهناك صراعات ومصالح وكثيرون لا يعيشون إلا بالمشكلات ومنها يقتاتون ويشتهرون.
لم يقتنع كثيرا وقال انظر المقطع الثاني والثالث ثم عاد وقال اقرأ هذه التغريدات على شبكة "تويتر" وكانت تصبّ في ذات المصبّ. قلت له نعم هذه قصص وروايات فيها بعض حقائق وفيها تضليل واستهداف وهذه يا بني من مشكلات عصر التقنية وما تراه من تجميع لقصص فساد الذمم عبرة لك ولكن لا تنس ان هذا جزء من آثار التدافع الإنساني وتسويل النفس الأمارة والجشع.. ونحن مجتمع بشري ولو لم توجد مثل هذه القضايا لظهر غيرها وربما أشد منها. لم يبدُ مقتنعا فقلت له أنت فتى صغير عشت معزولا في بيئة متصالحة تحاور قصصك وأبطال أفلامك وتصوّر عالمك وتبحث عن صورة الكمال والمثاليات وهذه لن تجدها كما تأمل.
مشكلة هذا الفتى وغيره أن صورة الواقع "المتخيّلة" من خلال شبكات المعلومات وبرامج التواصل الاجتماعي تصور له مفاهيم الحياة مثاليّة في كل شيء في مفهوم الحب والعلاقات الإنسانية والعمل وحين يبدأ في التعامل مع الحياة الواقعية يصطدم بحقائق وصراعات البشر. والإشكال هنا ليس في الاعتراف له بأن ما يقرأ ويشاهد هو جزء من صورة الواقع البشري وأن الرسل والأنبياء أرسلهم الله للناس كافة ومع ذلك لم يهتد كل الناس لأن ذلك كان مشيئة من الله وقدرا مكتوبا.
يا ولدي إن تركيبة مسرح الحياة وحتمية التنافس والتشاحن بين الناس ليست نصاً على شاشة كمبيوتر يمكن تعديله وتزيينه بالألوان دون خسارة. يا ولدي إن النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بكل ما فيه تاريخ وتراكم، وليس نظام حاسوب متقن المدخلات والمخرجات كتلك الأجهزة التي تتعامل معها حتى يمكن في ساعات تغيير النظام وإعادة التشغيل.
يا ولدي ليست صور الحب والزواج والنجاح في الحياة مثل قصة في فيلم كتلك التي تشاهدها حين يبدأ "البطل" "والبطلة" حياتهما بموقف مؤثر على شاطئ نهر ثم تتدافع الأحداث برومانسية حتى يأتي البطل بعد ساعتين من قصص الصراع الناعم لإنقاذ الحبيبة منتزعاً تصفيق المتفرجين في صالة السينما. الخصوم يا ولدي في صراعات الحياة ليسوا مثل خصومك في برامج ألعاب "الفيديو" الذين تطاردهم على الشاشة وبيدك جهاز التحكم الذي يقدم لك كل أنواع الأسلحة فتقتل جيوشا وتدمر قلاعا ومدنا، ثم يعطيك الجهاز الصامت خيارات التخلص من آثار الدمار وبناء مدينتك الفاضلة ثم تنهض بعدها لتناول طعام العشاء مرتاح البال منتصرا.
يا ولدي الحياة ليست شاشة كمبيوتر .. وتذكّر أن الشاشة غشّاشة في بعض الأحيان.
**مسارات:
قال ومضى: على قارعة الطريق وجدت عُلباً وقلوباً فارغة.. حاولت أن أمد يدي فسبقني عامل النظافة ووضعها كلها في سلة المهملات
يا ولدي .. الحياة ليست شاشة كمبيوتر
أتاني حانقاً منفعلًا وبيده جهازه المحمول يعرض مقطعا مصورا عن قضية اجتماعيّة شائكة وكان نصف المحتوى كذبا والنصف الآخر يحوي الكثير من المبالغة والتهويل. قلت يا ولدي لا تصدق كل ما ترى فهناك صراعات ومصالح وكثيرون لا يعيشون إلا بالمشكلات ومنها يقتاتون ويشتهرون.
لم يقتنع كثيرا وقال انظر المقطع الثاني والثالث ثم عاد وقال اقرأ هذه التغريدات على شبكة "تويتر" وكانت تصبّ في ذات المصبّ. قلت له نعم هذه قصص وروايات فيها بعض حقائق وفيها تضليل واستهداف وهذه يا بني من مشكلات عصر التقنية وما تراه من تجميع لقصص فساد الذمم عبرة لك ولكن لا تنس ان هذا جزء من آثار التدافع الإنساني وتسويل النفس الأمارة والجشع.. ونحن مجتمع بشري ولو لم توجد مثل هذه القضايا لظهر غيرها وربما أشد منها. لم يبدُ مقتنعا فقلت له أنت فتى صغير عشت معزولا في بيئة متصالحة تحاور قصصك وأبطال أفلامك وتصوّر عالمك وتبحث عن صورة الكمال والمثاليات وهذه لن تجدها كما تأمل.
مشكلة هذا الفتى وغيره أن صورة الواقع "المتخيّلة" من خلال شبكات المعلومات وبرامج التواصل الاجتماعي تصور له مفاهيم الحياة مثاليّة في كل شيء في مفهوم الحب والعلاقات الإنسانية والعمل وحين يبدأ في التعامل مع الحياة الواقعية يصطدم بحقائق وصراعات البشر. والإشكال هنا ليس في الاعتراف له بأن ما يقرأ ويشاهد هو جزء من صورة الواقع البشري وأن الرسل والأنبياء أرسلهم الله للناس كافة ومع ذلك لم يهتد كل الناس لأن ذلك كان مشيئة من الله وقدرا مكتوبا.
يا ولدي إن تركيبة مسرح الحياة وحتمية التنافس والتشاحن بين الناس ليست نصاً على شاشة كمبيوتر يمكن تعديله وتزيينه بالألوان دون خسارة. يا ولدي إن النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بكل ما فيه تاريخ وتراكم، وليس نظام حاسوب متقن المدخلات والمخرجات كتلك الأجهزة التي تتعامل معها حتى يمكن في ساعات تغيير النظام وإعادة التشغيل.
يا ولدي ليست صور الحب والزواج والنجاح في الحياة مثل قصة في فيلم كتلك التي تشاهدها حين يبدأ "البطل" "والبطلة" حياتهما بموقف مؤثر على شاطئ نهر ثم تتدافع الأحداث برومانسية حتى يأتي البطل بعد ساعتين من قصص الصراع الناعم لإنقاذ الحبيبة منتزعاً تصفيق المتفرجين في صالة السينما. الخصوم يا ولدي في صراعات الحياة ليسوا مثل خصومك في برامج ألعاب "الفيديو" الذين تطاردهم على الشاشة وبيدك جهاز التحكم الذي يقدم لك كل أنواع الأسلحة فتقتل جيوشا وتدمر قلاعا ومدنا، ثم يعطيك الجهاز الصامت خيارات التخلص من آثار الدمار وبناء مدينتك الفاضلة ثم تنهض بعدها لتناول طعام العشاء مرتاح البال منتصرا.
يا ولدي الحياة ليست شاشة كمبيوتر .. وتذكّر أن الشاشة غشّاشة في بعض الأحيان.
**مسارات:
قال ومضى: على قارعة الطريق وجدت عُلباً وقلوباً فارغة.. حاولت أن أمد يدي فسبقني عامل النظافة ووضعها كلها في سلة المهملات