منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#57929
أفياء

كلمة ولو جبر خاطر ولا سلام من بعيد!!

أحيانا تنتشر بعض أنواع السلوك في المجتمع انتشار العدوى، من ذلك ما شاع أخيرا بين الناس من المبادرة إلى رفع قضايا في المحاكم ضد آخرين حول مواضيع تكون في بعض الأحيان تافهة لا تستحق الشكوى ضدها، مما يمكن لنا تسميته بموضة إقامة (الدعاوى). وظهور هذه الموضة في مجتمعنا هو من قبيل الترف الذي لا نستطيع تقديمه في الظروف الراهنة، فرفع القضايا حول مواضيع سطحية إن أمكن قبول انتشاره في المجتمعات التي لا تشكو من ازدحام القضايا في المحاكم وتأخر المواعيد للنظر فيها، فإنه في مجتمعنا ليس كذلك، فشغل المحاكم بالنظر في مواضيع لا أهمية لها يزيد في أعباء القضاة ويعطلهم عن النظر في أمور أكثر أهمية تترتب عليها مصالح كبرى للناس.
من القضايا السطحية التي ترفع للمحاكم للنظر فيها ما نشرته صحيفة الحياة يوم الاثنين (26 محرم) في مكان بارز على صفحتها الأولى من أن المحكمة الجزائية في جدة تنظر دعوى تقدم بها مواطن ضد موظف في إحدى الدوائر الحكومية لم يرد عليه السلام، وأن رد السلام واجب بحسب الشريعة الإسلامية لكن الموظف لم يلتزم بذلك!!.
لو أن هذا المواطن اشتكى من فقد معاملة له أو تأخر إنجازها بما أضاع عليه مصلحة لبدا الأمر مقبولا، أما أن يشغل المحكمة ويضيع وقتها في الشكوى من عدم رد التحية عليه، فهذا عبث لا يستحق التجاوب معه. وإذا كان هذا المدعي على هذا القدر من السخف بحيث تتقد داخله شعلة الغضب ويحرق قلبه لهيب الرغبة في الانتقام لمجرد أنه لم يسمع ردا على تحيته فيندفع إلى المحكمة مستعينا بمحام يستنصر به على استخراج حكم تأديبي على من لم يرد عليه التحية، فإن المتوقع أن لا تقبل المحكمة دعواه، فالمحاكم لديها من القضايا التي تشغلها ما هو أهم بكثير من مثل هذه القضية ووقت القضاة أثمن من أن يصرف في التحقيق من أجل مجازاة من لم يرد السلام. وإذا كان رد السلام واجبا في شريعتنا الإسلامية فإن الذنب على المقصر الذي لم يرد التحية أما من ابتدأ بالتحية فلا يضيره شيء إن لم يسمع ردا.
هل انتهت جميع مشاكلنا وقضايانا حتى بات لا يشغلنا سوى متابعة مثل هذه التصرفات الثانوية التي يراها البعض مسيئة لهم؟ إن المراجعين في الدوائر الحكومية يعانون من تأخر إنجاز احتياجاتهم وتغيب الموظفين المسؤولين عنها وتعطل معاملاتهم وضياعها أحيانا ضمن ركام المعاملات المتأخرة وطول انتظارهم للحصول عليها، لذلك هم في حاجة في المقام الأول إلى معالجة تلك المشكلات وسرعة إنجاز الاحتياجات، قبل أن يهمهم ردت تحيتهم أو لم ترد.