صفحة 1 من 1

السودان: تصدعات البيت الداخلي

مرسل: الاثنين ديسمبر 17, 2012 9:25 pm
بواسطة محمد فهد القحطاني 1
في غمرة الجدل الذي خلَّفه مؤتمر الحركة الإسلامية الثامن الذي انعقد في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي (2012)، والذي خرجت عضويته تعاني من التصدع والانقسام، فاجأت الأجهزة الأمنية السودانيين فجر الخميس 22نوفمبر/تشرين الثاني2012 باكتشافها ما قالت إنها محاولة تخريبية استهدفت أمن البلاد واستقرارها، فتبين بعد ساعات أن عددًا من كبار الضباط الإسلاميين في الجيش السوداني هم المتهمون بقيادتها، وإن رفضت الأجهزة الأمنية في حينه تكييف وتوصيف هذه المحاولة، بين أنها مجرد تخريبية تسعى إلى إثارة الفوضى بالاغتيالات وغيرها، أو انقلابية تهدف إلى الإطاحة بالحكم واستبدال آخر به، إلا أنه تبين بعد ذلك أن الأمر محاولة انقلابية كاملة الأركان. وأيًا كان التوصيف الذي يناسب الخطوة فإنها من أخطر ما يواجه حكم الإسلاميين منذ مجيئهم لحكم البلاد بانقلاب عسكري قاده عمر البشير في الثلاثين من يونيو/حزيران1989. صحيح أن الانشقاق الأهم في الصف الإسلامي الحاكم كان في العام 1999 والذي خرج بموجبه زعيم الجماعة الدكتور حسن الترابي مغاضبًا ومكونًا حزب المؤتمر الشعبي المعارض، ذلك الانشقاق الذي أدى إلى الانحدار نحو مزيد من الضعف وإهدار الطاقات الناتج من الانقسام الذاتي، إلا أن هذا الانقسام الأخير ليس فقط سياسيًا ولكنه عسكري وأمني قاده أكثر القادة العسكريين شهرة وأكبرهم دورًا في مواجهة المخاطر العسكرية التي واجهت حكم الإنقاذ بداية من الحرب في الجنوب عبر عشرات الحملات والمعارك إلى تحرير هجليج في إبريل/نيسان الماضي (2012) بعد غزوها من قبل جيش جنوب السودان. ذلك أن المتهم الأساسي في الانقلاب هو العميد محمد إبراهيم عبد الجليل المعروف بـ(ود إبراهيم)، وهو من أكثر الشخصيات العسكرية التي نالت صيتًا واسعًا وقبولاً كبيرًا بين المتطوعين المدنيين المعروفين بالمجاهدين من أفراد الدفاع الشعبي والذين شكّلوا حائط الصد الأهم في مواجهة التمردات العسكرية التي واجهت حكم الإنقاذ سواء في الجنوب أو دارفور أو جبال النوبة والنيل الأزرق، فـ"ود إبراهيم" ذو كاريزما عالية، وموضع ثقة وسط الضباط الإسلاميين في الجيش. كما أن من أهم المتهمين الفريق صلاح عبد الله المعروف بـ(قوش)، مدير جهاز الأمن والمخابرات السابق، وهو من أهم رجال الأمن والمخابرات الذين أداروا الاستخبارات السودانية في عهد الإنقاذ، وهو عقلية استخبارية ذات تأثير مستمر حتى بعد إقالته من إدارة الجهاز؛ حيث يُعتقد أنه مالك أخطر أسرار الدولة على مدى العقدين الأخيرين، وصانع العلاقات الخارجية للاستخبارات السودانية مع غيرها في الخارج عربيًا ودوليًا.

وصف النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان طه من قام بالمحاولة بـ(أولادنا) الذين خرجوا على النظام والبيعة والإمام، وأنه سيتم التعامل معهم وفق القانون.

إذا كان المؤتمر الثامن للحركة قد فجّر الصراع السياسي وحروب الرؤى داخل الصف الحاكم، فإن المحاولة الانقلابية سواء كانت حقيقة أم مزعومة قد مدت الصراع من الأجهزة السياسية إلى عمق الأجهزة العسكرية والأمنية، مركز الشوكة والقوة، التي يُعوَّل عليها في حماية النظام داخليًا وخارجيًا؛ فالمواجهة سواء سياسيًا أو عسكريًا التي ظل نظام الإنقاذ يخوضها على مدى سنيه الثلاث والعشرين انتقلت الآن إلى داخل البيت، وصلب القوى الحاكمة عسكريًا ومدنيًا، وهو تحول نوعي له ما بعده، لأنه مهما تنوعت صيغة التعبير عن عدم الرضا داخل الصف الحاكم بين مدنيين وجهوا سهام الغضب بألسنتهم عبر مؤتمر جامع، وعسكريين قدروا أن قدرهم المواجهة العنيفة والتغيير باليد لا باللسان، فإن دوافع الطرفين تصدر من تجربة واحدة، من أهم عناوينها:

المسوغ الأهم الذي ساقته الإنقاذ إلى السودانيين ليلة تبرير الانقلاب في 30من يونيو/حزيران1989، أن البلاد تتناقص من أطرافها، وأن جيش الحركة الشعبية المتمردة في الجنوب يزحف نحو الشمال بكل ثقة، وتتساقط المدن أمامه دون قدرة أو إرادة لصده، وأن الإدارة السياسية عجزت عن مواجهة متطلبات الدفاع الوطني، ولهذا لابد من حركة إنقاذ يقودها الجيش لاسترداد الأرض وصون التراب والكرامة الوطنية. والحقيقة، أن هذا الدافع يعكس رغبات الملايين الذين يتوقون إلى فجر الاستقرار والتنمية، غير أن أكثر من عشرين عامًا من المواجهة انتهت إلى فشل تام، كان من نتاجه انفصال الجنوب الذي أفقد البلاد ثلث مساحتها وخمس سكانها، وازدادت مساحات الخروج على الدولة لتشمل دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق. وقد كان توالي الفشل ووطأة الانفصال على الإسلاميين سياسيًا وأخلاقيًا أكبر من أن يمر دون سؤال مُرّ يهز تماسك الإنقاذ ومشروعيتها.

لم يتجسد الفشل فقط في التفريط في وحدة البلاد التي جاء انقلاب الإنقاذ لصونها وإنما توازى ذلك مع فشل اقتصادي هائل انتهى باتساع دائرة الفقر، وهلاك المشروعات الكبرى التي حملت البلاد لعقود، مثل مشروع الجزيرة والخطوط الجوية السودانية وخطوط السكة الحديد والخطوط البحرية، علاوة على التقارير المتواترة عن اتساع الفساد في دوائر الحكم دون أن يستطيع رئيس مفوضية مكافحة الفساد الذي سمّته الحكومة من أكثر من عام ونصف تحريك ساكن، بينما بقي سواد الشعب يرزح تحت قسوة الأوضاع الاقتصادية.

يرى كثيرون، بمن فيهم إسلاميون، أن الحركة الإسلامية لم تمكّن السودان من تحقيق وحدته الترابية، ولم تستطع أن توفر من أسباب العيش ما يخفف على الناس أعباء الحياة، ولم تتح لهم نظامًا سياسيًا يتمتعون فيه بممارسة حرياتهم العامة، ويؤسسون به نظامًا لتداول سلمي وديمقراطي للسلطة، فلا هي منحتهم الوحدة والخبز ولا فتحت لهم طريقًا إلى الحرية، فكأنها لم تأتِ إلا لاستئناف الحكم العضوض الذي ادّعت أن تأسيسها لم يكن إلا لمناهضته بما تحمل من قيم العدل والنزاهة والحرية.

الربيع العربي الذي أتى بحركات إسلامية إلى السلطة عبر الثورات الشعبية وصناديق الاقتراع شكّل مصدر إحراج للإسلاميين الذين يعانون خيبات التجربة، ومخالفة القيم التي كانوا يعتنقونها؛ فالمفارقة الهائلة والفجوة العميقة بين الواقع المزري الذي صنعوه والمثال الذي كانوا يتوقون إليه، ولَّدَت حالة مراجعة الذات التي فرضت الاتجاه للإصلاح، وضرورة الوقفة المعمقة مع التجربة الذاتية لإخراج البلاد مما وصلت إليه تحت حكم الإسلاميين.

ما سبق من أسباب اجتمع عليها العسكريون والمدنيون من الإسلاميين، غير أن للعسكريين دوافع إضافية حيث إنهم يقولون: إن الأوضاع الحياتية للجنود تردّت بشكل مريع ما انعكس ضعفًا في أداء القوات المسلحة؛ إذ لم تستطع أن تضع حدًا للجماعات المسلحة في دارفور، وقد بلغ التمرد عشر سنوات، ولم تستطع حسم معارك جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، بل تقدمت قوات الجيش الشعبي التابع لحكومة جنوب السودان واحتلت منطقة هجليج النفطية في إبريل/نيسان الماضي(2012). وازدادت حالات السخط والرفض بين الجنود بالرغم من تخصيص أكبر نسب الميزانية للأمن والدفاع، يقدرها البعض بـ70% من الميزانية، وارتبط ذلك بشعور من الضعف والإهانة الوطنية نتيجة اختراق سلاح الجو الإسرائيلي الأجواء السودانية أكثر من ثلاث مرات، وتنفيذ عمليات على الأرض آخرها ضرب مصنع اليرموك للتصنيع الحربي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي(2012)، دون تمكن رادارات المراقبة السودانية من رصد العملية، بل صحب العملية حالة من الارتباك بين المسؤولين الذين لم يتبينوا ما حدث، ما ولًّد شعورًا بالضعف المسئ لشرف الجندية السودانية كما عبّر عن ذلك كثيرون، ونتج عن ذلك احتجاجات وصلت مرارًا إلى قمة الدولة، تنتقد طريقة إدارة وزارة الدفاع وتطالب صراحة بإقالة وزير الدفاع الذي يحمّلونه الفشل الذي تعاني منه القوات المسلحة؛ بالإضافة لحالة الإرهاق العسكري لجيش ظل يخوض المعارك لعشرات السنين دون أن تلوح في الأفق نهاية قريبة.
المؤتمر الثامن: اسناد النظام

صاحب المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية الحاكمة كثير من الجدل حول التأثيرات المحتملة لنتائجه في مسيرة الحكم، وقد استشعر كثيرون أن هذه آخر الفرص لإحداث إصلاح يمكن به إنقاذ الحركة من تجربتها الخائبة، وإنقاذ البلاد من حصاد مرير رمى بها في أتون الاضطراب الأمني، والاحتقان السياسي، وضيق المعيشة الذي استعصت معه أدنى درجات الكفاف، ولكن المؤتمر كشف عما هو مختلف تمامًا؛ فالذي جرى في أروقته خالف تلك التوقعات:

كشف المؤتمر عن صراع محموم بين جناحين: أولهما إصلاحي مدرك للمأزق الذي وصلت إليه الأمور في الدولة والحركة الإسلامية التي تقف خلفها، والآخر محافظ وهو جناح أعضاء الحركة المتنفذين في إدارة الدولة منذ حدوث انقلاب الإنقاذ في الـ30 من يونيو/حزيران1989؛ فالجناح الأول يسعى لاستعادة الحركة التي قال: إن إرادتها خُطفت واتُّخذت غطاء للدولة دون أن تتمكن بمؤسساتها من الحكم بالرغم من أنها تتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية للحكم؛ والجناح الثاني الذي يسعى لمزيد من إدماج الحركة وتذويبها داخل التيار العريض للدولة بما فيه من مؤسسات سياسية وتنفيذية وبرلمانية وغيرها، ولذلك جاء الصراع داخل الحركة على شكل تململ عبّر عنه أعضاء الحركة بالمذكرات والاجتماعات وأشكال أخرى، وفحوى كل ذلك أن ما يجرى لا يعبّر عن المبادئ والقيم الإسلامية التي تحملها الحركة، وأن التجربة التي خاضتها الحركة لم تحقق مشروعها السياسي.

الصراع عبّر عن نفسه بتباين وجهات النظر حول انتخاب الأمين العام للحركة الإسلامية؛ حيث يطالب الإصلاحيون بأن يتم ذلك من أعضاء المؤتمر البالغين (أربعة آلاف)، وأن تتمتع الحركة باستقلال نسبي عن الدولة وحزبها الحاكم، بينما يخالف المحافظون ذلك ويرون أن انتخاب الأمين العام يكون من أعضاء مجلس الشورى الـ(400) المنتخبين من المؤتمر، كما يرفض الإصلاحيون مقترح دستور الحركة الذي يخضعها لهيئة قيادية تتكون من مسؤولي الدولة والحزب الحاكم وبمشاركة أمينها العام ونوابه ورئيس مجلس الشورى فيها، ويرأسها رئيس الجمهورية.

زاد من حدة الصراع حالة الغموض التي تعيشها البلاد؛ فالرؤية السياسية معتمة تمامًا، ولا أحد يستطيع التكهن بالمآلات التي تُساق إليها البلاد، كما أن المؤتمر تزامن مع مرض رئيس الجمهورية، علاوة على إعلان الرئيس في السابق عدم رغبته في الترشح لدورة قادمة.

فشل الإصلاحيون في إحداث أي اختراق في مشروع إصلاح الحركة الإسلامية حسب رؤيتهم؛ إذ تمكن المحافظون من تمرير أجنداتهم في المؤتمر؛ حيث انتُخب الأمين العام، الزبير أحمد الحسن، من مجلس الشورى، وأجاز المؤتمر تأسيس القيادة الجماعية التي يرأسها رئيس الجمهورية. والحقيقة أن مشروع الإصلاحين بدا مجرد أشواق لم يستطع معتنقوها تسويقها بمحتوى فكري وسياسي أوسع من الحركة الإسلامية، ليشمل الأزمة الوطنية حيث تراجعت الأجندة الوطنية العامة على أهميتها وإلحاحها، وقضى المؤتمرون الأيام الثلاثة للمؤتمر في جدل الاجراءات التي اكتست صراعًا حادًا.

ولكن الإصلاحيين وجهوا اتهامات لأجهزة الحركة الأمنية بخرق مبادئ الحياد والعدل بين أعضائها، مما أنتج واقعًا مزورًا، فقد طالب القائد الإصلاحي د. غازي صلاح الدين بالتحقيق في هذه الممارسات، وهي اتهامات كافية للتشكيك في كل ما نتج من المؤتمر.

شارك في المؤتمر حوالي (120) من قيادات التيارات الإسلامية، من كل القارات، منهم محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين، وراشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية، وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وأمير الجماعة الإسلامية في باكستان، وغير هؤلاء. والحقيقة أن حضور هؤلاء بدا دعمًا للحركة الإسلامية السودانية، وإحراجًا في ذات الوقت، حيث توالت عليهم بعد مغادرتهم الخرطوم مباشرة أخبار الانقلاب على حكم الحركة التي بدت لهم متماسكة وسوّقت لهم صورًا من النجاح تبين عدم دقتها.

على أن علاقة الحركة الإسلامية السودانية الحاكمة بحركات الإسلام السياسي، وخاصة التي استلمت السلطة في دول الربيع العربي، تتسم بكثير من الإشكال يمكن إيضاحه في الآتي:
الحركة القابضة على السلطة في السودان جاءت عبر انقلاب عسكري في 30يونيو/حزيران1989 بينما تستمد الحركات الاسلامية في عدة بلدان عربية الشرعية من صندوق الانتخاب. هذا التعارض بين الشرعيات يشكّل مصدر إحراج كبير للحركة الإسلامية السودانية وعبئًا يثقل حمله والدفاع عنه في مدٍّ ثوري جماهيري عريض.
الحركة الإسلامية الحاكمة تواجه أخرى معارضة، هي المؤتمر الشعبي بقيادة الزعيم التاريخي للحركة حسن الترابي حين كانت مجتمعة واستمرت حركة واحدة لعشر سنوات بعد تسلم السلطة في 30من يونيو/حزيران1989، وقد اتسع الخلاف وتباينت الرؤى والمواقف بين الحركتين في عام 1999، بحيث لم يستطع أحد الضيوف مجرد التفكير في توسط يجمع بين الفرقتين.
انسداد الأفق في السودان يهدد الوجود الوطني كله، فقد فقد السودان جنوبه، ويمكن أن تتكرر التجربة في مواقع أخرى تدور فيها الحرب الآن، وترك السودان وشأنه يمكن أن يكون مهددًا للأمن القومي العربي كله، ولأمن هذه البلدان خاصة، خاصة مصر وليبيا الجارتين للسودان. ولذلك تقتسم الحركة الاسلامية الدولية المسؤولية عما يجري في السودان.

يجري كل ذلك في سياق احتقان وطني ينسد فيه الأفق السياسي، وتعجز فيه القوى المعارضة عن الفعل السياسي الذي يمكن أن يسهم في إعادة التوازن، من خلال الدفع في اتجاه الإصلاح؛ فالمعارضة تعاني من ضعف ذاتي على مستوى وحداتها الحزبية، وعلى مستوى التنظيم الوطني الذي يجمع بينها، فهي عاجزة عن تحريك جماهيرها في فعل معارض، وعاجزة عن إقناع جماهيرها الواسعة بقدرتها على ملء فراغ السلطة.
الأفق السوداني

وبالرغم من عسر التنبؤ بمآلات الأوضاع في السودان إلا أن عددًا من الاحتمالات تحتشد في أفقه السياسي، منها:

التوقف عن المضي في ذات المسار دون والتأمل في التطورات التي وصفها بعض السياسين المشاركين في الحكم بـ(الصدمة) تجنبًا للمزيد من الصراع والمواجهة داخل الصف الإسلامي الحاكم مما يعجّل بالتآكل الذاتي، وبالتالي سقوط النظام من الداخل دون بروز بديل يملأ فراغ السلطة. هذا ما يحذر منه الكثيرون من مؤيدي النظام الذين يطالبون بمواجهة شجاعة وجادة للواقع ببرنامج عاجل لإنقاذ الحركة الإسلامية والحكومة التي تقف خلفها من السقوط الحتمي.

استمرار حالة ضعف الثقة بين أهل الحكم، واحتدام الصراع السياسي والعسكري داخل الصف الحاكم كما عبّر عنه مؤتمر الحركة الإسلامية والمحاولة الانقلابية التي أعلن عنها مؤخرًا، ومعنى ذلك انتظار تغلّب مجموعة على الأخرى، وخاصة إن نجحت محاولة الإطاحة العسكرية بالسلطة. ومعنى ذلك انتظار ما يفعل الانقلابيون بالسلطة وأن يبقي مستقبل البلاد مرتهنًا -إلى حين- إلى صراعات الإسلاميين الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة حصاد ما يقارب ربع قرن من الزمان في السلطة لم يُرضِ مطامحهم، بل تجسدت أمامهم وأمام الآخرين فشلاً محضًا.

نشوء حالة من الصحوة الوطنية تطول الحكومة والمعارضة تنتج اتفاقًا سياسيًا يُحدِث فترة انتقالية متوافَق عليها، تؤدي إلى انتخابات تحقق الرضا الشعبي وتقود إلى الاستقرار الضروري لمواجهة مشكلات البلاد المستعصية؛ وبالتأكيد سيكون للإسلاميين نصيب في قيادة هذا التحول.

أن تستطيع السلطة القائمة السيطرة على الأوضاع، وأن تستمر كما هي إلى حين حلول استحقاق الانتخابات البرلمانية والرئاسية في العام 2015، وبالطبع حينها سينظر ما إذا ترشح الرئيس البشير لرئاسة الجمهورية أو امتنع عن ذلك، وقدرة حزب المؤتمر الوطني على الشروع في إصلاح سياسي يقدمه بالتوافق مع آخرين يخرج البلاد من نفق التيه الذي دخلت فيه. غير أن هذا الاحتمال تضعفه حالة الضغط العسكري الذي تواجهه البلاد في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، مع اقتصاد يترنح تحت عوامل ضعف متزايدة، وصعوبات معيشية متصاعدة.
والحاصل، أن الأسبوعين الأخيرين من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي(2012)، كانت الأكثر شدة وقساوة على الحركة الإسلامية الحاكمة في السودان، حيث انخفض السقف من أفق الحديث عن مشروع الإحياء الحضاري الذى ينطلق من السودان إلى العالم إلى الصراع من أجل تحديات البقاء وتماسك قاعدتها في عين العاصفة التي تهدد باقتلاعها.
____________________________
المسلمي الكباشي - مدير مكتب الجزيرة بالخرطوم