كيف تشعل حروب مريرة وطويلة بكذبه اوخطاء
مرسل: الاثنين ديسمبر 17, 2012 10:56 pm
تاريخ من الأخطاء الاستخبارية الاميركية يجر العالم إلى ساحات صراع وتوتر من كوريا مرورا بأفغانستان والعراق وسوريا إلى كوبا.
بقلم: عمر نجيب
كثرت مع اقتراب العقد الأول من القرن الحادي والعشرين من نهايته وبالأخص منذ بداية 2010، التحذيرات الصادرة من جانب سياسيين ومحللين ومسؤولي استخبارات ومراكز بحث وغيرها، التي تنبه إلى أن الأخطاء الكثيرة التي تقع فيها أجهزة الرصد العالمية يمكن أن تقود إلى مواجهات كارثية وأزمات سياسية واقتصادية عالمية وقارية.
المحذرون أشاروا إلى أنه منذ انهيار الاتحاد السوفيتي خلال عقد التسعينات من القرن العشرين والنهاية المرحلية للحرب الباردة، أخذت أجهزة الرصد والتحليل في المعسكر الغربي وخاصة بالولايات المتحدة تشهد قدرا كبيرا من التراخي، وكذلك حالة من التبعية لما يريد أن يسمعه أصحاب القرار الذين عادة ما يبنوا اختياراتهم على ما يزودون به من معلومات واستنتاجات وتوقعات، وهكذا أخذت هذه الاجهزة في العديد من الحالات تنتج تقارير كاذبة ترتبت عنها حروب وتدخلات دامية، وخسائر فادحة للعديد من الأطراف.
بحكم أن الولايات المتحدة تعتبر نفسها القوة الأولى في العالم وقائدة المعسكر الغربي وموجهة جهازه العسكري أي حلف شمال الاطلسي "الناتو"، فإن تقارير أجهزة رصدها توجه بشكل أو بآخر غالبية حلفائها، وتؤثر بشكل أساسي على الاحداث العالمية. ومن هنا تبرز أهمية تتبعها خاصة على ضوء الاوضاع العالمية البالغة التوتر.
أجهزة الاستخبارات الأميركية
تنسق وكالة الاستخبارات الوطنية الأميركية عمل 16 وكالة حكومية تضم حوالي 320 ألف شخص وتتأرجح موازنتها المعلنة ما بين 70 و 80 مليار دولار.
يوم الثلاثاء 30 أكتوبر 2012 اعلنت الإدارة الأميركية انها انفقت 75 مليار دولار على جمع المعلومات الاستخباراتية خلال العام السابق، في انخفاض طفيف في الميزانية التي لا تزال تفوق كثيرا ما تنفقه الدول الاخرى على أجهزة الاستخبارات.
وقال مدير مكتب الاستخبارات القومية ان الكونغرس صادق على تخصيص مبلغ 53.9 مليار دولار للعام المالي 2012 الذي انتهى في سبتمبر، فيما كشفت وزارة الدفاع انها انفقت 21.5 مليار دولار على اجهزة الاستخبارات التابعة لها.
ووسط تزايد الضغوط المالية، انخفضت الميزانية الاجمالية بشكل طفيف لعامين على التوالي. وارتفعت ميزانية اجهزة الاستخبارات الى 80.1 مليار دولار في العام المالي 2010 وانخفضت الى 78.6 مليار دولار للعام المالي 2011.
وكان معظم الخفض في حصة وزارة الدفاع من ميزانية الاستخبارات، حيث انخفض الانفاق على أجهزة الاستخبارات التي تقع ضمن سلطة وزارة الدفاع من 27 مليار دولار في العام 2010 إلى 21 مليار دولار في 2012 طبقا لبيانات رسمية.
ويرجح ان يكون السبب في ذلك انسحاب أغلب القوات الأميركية من العراق وخفض عديدها في افغانستان، وهو ما يقلل الحاجة الى الحصول على المعلومات المكلفة من أرض المعركة.
وتغطي ميزانية الاستخبارات مجموعة من اقمار التجسس الاصطناعية والاجهزة المتطورة التي تغطي كل شبكات الاتصال العالمية إضافة إلى رواتب عشرات الاف الموظفين ومن بينهم محللون وخبراء لغويون وخبراء تفكيك شيفرات، وخبراء الانترنت والجواسيس الذين يجمعون المعلومات الاستخباراتية على الأرض بما يسمى الطرق القديمة.
ويقول خبراء ان ميزانية الاستخبارات الأميركية الكبيرة التي ازدادت بشكل كبير بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 هي أكبر بكثير من نفقات أية دولة خصم أخرى، بل قد تشكل عمليا دولة داخل دولة.
وينص قانون جديد على الكشف العلني عن ارقام الميزانية، الا ان اجهزة الاستخبارات الـ16 ليست مجبرة على الكشف عن مزيد من التفاصيل حول تمويل أعمالها التجسسية.
الإخفاقات التاريخية
نشرت مجلة "فورين بوليسي" في 2010 قراءة لأداء الاستخبارات الأميركية وضعها الباحث يوري فريدمان ردا على سلسلة مقالات حاولت التهوين من أخطاء الأجهزة الأميركية، مبرزا 10 أخطاء تاريخية "مخزية" للوكالة.
منها فشل عملية إنزال خليج الخنازير في أبريل 1961 ضد كوبا، وعدم توقع "هجوم تيت" في 31 ديسمبر 1968، الذي شكل المعركة الأكثر حسماً في فيتنام. وقد خلص تحقيق للحكومة الأميركية بعد ذلك إلى ان الولايات المتحدة وضباط الجيش الفيتنامي الجنوبي ومحللي الاستخبارات فشلوا تماما رغم التحذيرات.
واشار الباحث إلى فشل الأجهزة الأميركية في حرب رمضان 1973 التي يسميها حرب "يوم الغفران"، وذلك بعد ست سنوات فقط على تحليل وكالة الاستخبارات حرب الأيام الستة بين إسرائيل والدول العربية في العام 1967 الذي توقع استحالة نصر عربي.
وتحدث فريدمان بعد ذلك عن الاخفاقات خلال الثورة الإيرانية. في أغسطس 1978، أي قبل 6 أشهر من فرار الشاه رضا بهلوي.
ثم الغزو السوفياتي لأفغانستان الذي فاجأ الغرب سنة 1979، خصوصا أن الاستخبارات الأميركية كانت تعتبر آنذاك أن شبح الغرق في مستنقع مكلف يردع السوفيات من غزو أفغانستان.
وأشار الباحث إلى فشل توقع التجارب النووية الهندية والباكستانية. حيث لم تتمكن الـ"سي آي ايه" من كشف نية الهند القيام بتفجيرات نووية تحت الأرض، الأمر الذي وصفه رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي ريتشارد شيلبي، بـ"الفشل الضخم في جمع المعلومات الاستخباراتية".
وبعد أن تحدث الباحث عن الاخفاقات في أحداث 11 سبتمبر 2001، والتقرير الذي أصدره الكونغرس عن أن أجهزة الاستخبارات "المثقلة بعدد كبير جدا من الأولويات، والميزانيات المسطحة والمنافسات البيروقراطية" قد فشلت في إظهار التهديد الذي يشكله "الإرهاب عبر الحدود" منذ التسعينيات وحتى 11 سبتمبر 2001.
وأنتهى الباحث إلى حرب العراق في أبريل 2003، أي قبل حوالي شهر من غزو العراق، حيث أعلن وزير الخارجية الأميركي آنذاك، كولن باول، استنادا لـ"معلومات استخباراتية مؤكدة"، أن لدى العراق أسلحة للدمار الشامل.
وقد خلصت تقديرات الاستخبارات في أكتوبر 2002 إلى أن العراق يواصل برنامجه لأسلحة الدمار الشامل، ويمكن أن يصنع سلاحاً نوويا "في غضون عدة أشهر إلى سنة" اذا حصل على ما يكفي من المواد الانشطارية.
لكن الولايات المتحدة لم تعثر على أدلة لمثل هذا البرنامج بعد الغزو، وهو الفشل الاستخباراتي الذي إدعى الرئيس الأميركي جورج بوش انه يشعر إزاءه بـ"الأسف الكبير" وذلك بعد أن واجه خطر الهزيمة على يد المقاومة العراقية.
يوم 14 اكتوبر 2010 نقلت صحيفة الواشنطن تايمز عن نائب رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ أن وكالات الاستخبارات الأميركية أهدرت مليارات الدولارات بسبب سوء إدارة البرامج السرية العالية التقنية.
وذكر السناتور الجمهوري كريستوفر بوند إن الشعب الأميركي سيغضب إذا علم أن مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب قد أُهدرت، مشيرا إلى إنه لن يتمكن من تقديم تفاصيل أو أرقام مؤكدة نظرا لسرية البرامج. وأضاف أن مليارات كثيرة أُهدرت على برنامج واحد فقط كان قد تم إلغاؤه مؤخرا.
ويذكر أنه في عام 2009 كشف الأدميرال البحري المتقاعد دينيس بلير، مدير الاستخبارات الوطنية آنذاك، لأول مرة أن الولايات المتحدة تنفق على برامج الاستخبارات العسكرية والمدنية نحو 75 مليار دولار.
كما تم الكشف عن سلسلة واسعة من المشاريع الفاشلة مثل برنامج أسلوب بناء الصور المستقبلية التابع لمكتب الاستطلاع الوطني الذي اعتبر على نطاق واسع أكبر إخفاق مكلف في مجال الاستخبارات، وتقنية الحاسوب "مثل مودم" لوكالة الأمن القومي الذي أقر مسؤولون علنا بأنه كلف مئات الملايين من الدولارات خارج الميزانية واستغرق عدة سنوات وراء الجدول الزمني المحدد.
آخر الإخفاقات
يوم الاربعاء 12 ديسمبر 2012 جاء في تقرير لوكالة الانباء الفرنسية نقلا عن عدد من كبار الخبراء: فاجأت كوريا الشمالية المعروفة بتكتمها الشديد اعداءها الأربعاء بعملية إطلاق ناجحة لصاروخ إلى الفضاء، مخالفة بذلك جميع التوقعات ومحبطة تحاليل أجهزة الاستخبارات الأكثر تطورا في العالم.
وكانت وسائل الاعلام الكورية الجنوبية قد اوردت الثلاثاء ان بيونغ يانغ تواجه صعوبات مثل اشعال فتيل الاطلاق وذلك بالاستناد إلى صور بالاقمار الاصطناعية عرضت على محللين عسكريين ودبلوماسيين.
والاسوأ من ذلك أن وكالة الانباء الكورية الجنوبية (يونهاب) ذكرت بناء على تقارير استخبارية منها أميركية ان صاروخ الاطلاق من طراز اونها 3 والمؤلف من ثلاث طبقات تم انزاله واعيد الى مركز التجميع.
ولم تورد شبكات التلفزة والاذاعة التي نقلت عنها كل وسائل الاعلام في العالم أي معلومات اخرى، حتى ان بعضها المح إلى إمكان تفكيك الصاروخ.
وقال يانغ موجي الاستاذ في جامعة الدراسات الكورية الشمالية في سيول "من الصعب طبعا التكهن بما يحصل على منصة الاطلاق من خلال الاطلاع فقط على صور بالاقمار الاصطناعية. لكن ما هو الخيار الثاني للعالم؟".
لكن يبدو ان النظام الشيوعي قام بالتضليل عمدا. فقد قرر الاثنين تمديد مهلة الاطلاق لاسبوع حتى 29 ديسمبر بعد ان كانت بين 10 و22 منه، لاجراء اصلاحات.
وقبل بضع ساعات على اشعال فتيل الاطلاق، اعتبر المعهد الأميركي الكوري في جامعة جونز هوبكنز استنادا الى صور بالاقمار الاصطناعية ان الاطلاق لن يتم على الارجح قبل عشرة ايام.
واقر المعهد في بيان نشر على موقعه "38 نورث" الاربعاء "افترضنا ان الطبقة الاولى من الصاروخ ستنقل الى مركز التجميع لاجراء اعمال تصليح. من الواضح ان الأمر لم يكن كذلك، لكن لا يمكننا أن نفسر ذلك بعد".
ومع ان الولايات المتحدة هي القوة العسكرية الاولى في العالم، لكنها لا تملك على ما يبدو وسيلة لاختراق الستار الحديدي في كوريا الشمالية.
وقال يانغ مو جين "انها الدولة الاكثر انغلاقا في العالم وسيظل بامكانها ان تفاجئنا على هذا النحو طالما الشمال معزول عن الاسرة الدولية والعلاقات الحدودية بين الكوريتين لا تزال باردة".
وتمكنت كوريا الشمالية من الاحتفاظ بالسرية التامة طيلة يومين بعد وفاة زعيمها كيم جونغ ايل في ديسمبر،2011 قبل الاعلان عنها دون تسرب الخبر ابدا.
ووجهت كوريا الجنوبية عندها انتقادات شديدة لاجهزة الاستخبارات التابعة لها على عدم كفاءتها المفترضة.
وحتى اليابان، القوة الاستعمارية السابقة التي لا تزال علاقاتها متوترة مع شبه الجزيرة الكورية، سبقتها الأحداث خصوصا وأن الصاروخ الكوري حلق فوق اراضيها على ارتفاع عال جدا.
واضطر وزير الدفاع الياباني ساتوشي موريموتو إلى الاقرار خلال مؤتمر صحافي بأن حكومته أكدت أنزال الصاروخ من على منصة الاطلاق وكانت على خطأ.
واعتبر يانغ مو جي ان "السبيل الوحيد لتوقع ما ستقوم به كوريا الشمالية بشكل أفضل هو بالتعاون معها لكن ذلك يبدو مستبعدا تماما على ضوء ما قامت به كوريا الشمالية اليوم".
المحللون أشاروا إلى أن صاروخ الاطلاق هو من طراز تايبودونغ 2 الذي يتراوح مداه بين ستة وتسعة الاف كلم وهو بذلك يمكن أن يصيب أي هدف في الولايات المتحدة إذا زود برأس حربي.
معركة بلاد الشام
بعيدا إلى الغرب بآلاف الكيلومترات من شبه الجزيرة الكورية تتصارع أجهزة الرصد والمخابرات في المواجهة الأساسية الدائرة حاليا على الساحة السورية وما جاورها في منطقة الشرق الأوسط الكبير.
التقديرات الخاطئة أو المفصلة على أهواء هذا النظام أو ذاك يمكن أن تقود إلى كوارث كبرى أو كما حذر عدد من المحللين إلى حرب عالمية ثالثة لأنها ستدفع بطرف ما لركوب مغامرة مبنية على أسس غير صحيحة.
خلال شهر ديسمبر 2012 صرح ميخائيل بوغدانوف، وكيل الخارجية الروسية، لوكالة ايتار تاس بأن روسيا على استعداد لتوفير المساعدة لأي من مواطنيها الذين يرغبون في مغادرة سوريا. مشيرا إلى أن هناك مئات الالاف من الروس يعيشون في سوريا، وخاصة النسوة اللائي تزوجن من سوريين وقال ان السبيل الى ذلك في افضل الأحوال سيكون بطريق الجو.
يوم الخميس 13 ديسمبر 2012 ضجت وسائل الاعلام الغربية ومعها عدد من السياسيين بخبر مفاده أن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف نفسه قال إنه لا يمكن تجاهل احتمال انتصار معارضي الرئيس الاسد.
مباشرة جاء رد واشنطن حيث رحبت بتصريحات بوغدانوف، وقالت فكتوريا نولاند الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركي إن "روسيا قد استفاقت أخيرا واستوعبت الواقع"، "نريد ان نشيد بالحكومة الروسية لأنها تنبهت اخيرا للحقيقة واعترفت بأن أيام النظام السوري باتت معدودة". وبدأ الحديث عن أنه لن تمضي سوى أيام قليلة وتنهار الحكومة القائمة في دمشق.
روسيا تخيب آمال الغرب
بعد مرور أقل من 24 ساعة جاء في تقرير لوكالة الانباء الفرنسية: ما زال الموقف الرسمي لروسيا على حاله في النزاع في سوريا على الرغم من آمال الغربيين الذين اعتقدوا ان هذه الدولة الحليفة منذ فترة طويلة مع نظام بشار الأسد لينت موقفها.
لم تتأخر موسكو في اعادة تصريحات بوغدانوف إلى اطارها، حيث أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية الكسندر لوكاشيفيتش "أننا لم ولن نبدل موقفنا".
وأضاف لوكاشيفيتش "رأيت كيف قالت الناطقة بإسم وزارة الخارجية الأميركية بحماس أن موسكو استيقظت أخيرا وتغير موقفها"، "لم نكن نائمين ولم نغير يوما موقفنا".
وأشار إلى أن "بوغدانوف كرر موقفنا المبدئي المؤيد لتطبيق اتفاق جنيف في أسرع وقت ممكن، وغير ذلك ليس مقبولا إطلاقا".
وقد عرقلت روسيا مع الصين كل مشاريع القرارات في مجلس الأمن الدولي التي تسعى إلى تمرير التدخل العسكري الغربي في سوريا.
وذكر بوريس دولغوف من معهد الدراسات حول الشرق في اكاديمية العلوم بموسكو، "القول أن روسيا تلين موقفها أمر خاطئ". ورأى هذا الخبير أن "الغرب هو الذي حاول تغيير موقف روسيا والضغط عليها".
وتابع زميله الكسندر فيلونيك من المعهد نفسه إن "الحديث عن وقائع لا يمكن أن يفسر على أنه تراجع في الموقف الروسي".
وأكد بوغدانوف ان "موسكو ستصر على تطبيق اتفاق جنيف" الذي تضمن مبادئ العملية الانتقالية في سوريا وتم اقراره في 30 يونيو 2012 وبالتالي "التوصل إلى حل سلمي للنزاع".
وحذر من أنه حتى إذا انتصرت المعارضة السورية فإن النزاع يمكن ان يستمر اشهرا ويسبب سقوط آلاف الضحايا، معتبرا أنه "أمر غير مقبول اطلاقا".
يوم الخميس 14 ديسمبر كذلك وبهدف إعطاء ثقل أكبر لتصريحات الكرملين، أكد رئيس أكاديمية القضايا الجيوسياسية ليونيد إيفاشوف الذي يقدم مشورات للقيادة الروسية في مقابلة مع قناة "روسيا اليوم" أن المخابرات الأميركية لعبت دورا كبيرا في تنظيم الأزمة السورية وجر دول المنطقة فيها. وأضاف أن الحديث عن خطورة استخدام دمشق للأسلحة الكيميائية والتهديد السوري لجيرانها هدفه تشديد الضغط على الحكومة السورية.
وأضاف ان الأميركيين خططوا لهذه الأزمة، ونظمتها أجهزتهم الاستخباراتية، وجروا إليها تركيا وعددا من البلدان العربية. بالطبع هم يريدون أن يبدأ طرف ما التدخل علنا في سوريا. هكذا هم يتصرفون في السنوات الأخيرة. لذلك يمكن توقع نزاع بين سوريا وتركيا، وبين سوريا ودولة خليجية، وعندها تتدخل الولايات المتحدة. إذا لم ينجح هذا المخطط يبتكر الأميركيون شيئا مثل السلاح الكيميائي، على نمط تصرفهم مع العراق، أو شيئا مثل المؤتمر الإنساني. إنهم يريدون القضاء على الدولة التي لا تخضع للسياسة الأميركية، ولا تخضع للمافيا المالية الأميركية. الأميركيون يقضون على دول كهذه. ويصنعون ما يسمى بالفوضى الخلاقة الكبيرة كي تفقد الدول إمكانيات التطور. الدول تتراجع في تطورها وتحتاج باستمرار إلى القروض وتقع في تبعية للولايات المتحدة.
وبشأن نشر صواريخ "باتريوت" في تركيا والحديث حول الاستعداد السوري لاستخدام السلاح الكيميائي، قال: هذه الابتكارات مجرد كذب. القيادة السورية معنية بالتسوية السياسية، وبالاستقرار، ومن السخافة مهاجمة أحد ما، لاسيما على أراضيها واستخدام السلاح الكيميائي. العسكريون السوريون يتخذون تدابير كي لا يقع السلاح الكيميائي بيد المقاتلين المعارضين، وفي هذا الأمر يجب تقديم المساعدة لسوريا. لكن للأسف هذا لا يجري. أما التهديد الجوي لتركيا من قبل سوريا، فهذا غباء كبير. الجيش التركي أكبر من مقدرات سوريا العسكرية بعدة مرات، والقيادة السورية مشغولة بمشاكلها الداخلية، هذه سخافة لكن لتدمير الدولة السورية يبدو أن كل الحيل الخسيسة ملائمة.
وقال: ان "الناتو" يحاول تطبيق السيناريو الليبي، وهذا هو السيناريو الممكن والوحيد عمليا. تم تدمير دولة يوغسلافيا وتدمير العراق وتدمير ليبيا. سوريا هي الضحية التالية، وأصبحت ضحية لأنها تحاول ممارسة سياسة مستقلة، لكن الغرب والولايات المتحدة بالدرجة الأولى لا تقبل بسياسة كهذه، يريدون أن تخضع كل دول العالم لإملاءاتهم. وإملاءات الاحتكارات المالية. يريدون أن تكون كل الحكومات بمستوى الموظفين لديهم.
أدوات حرب عالمية
يوم الخميس 22 نوفمبر 2012 اعلنت وزارة الدفاع الروسية ان مجموعة سفن حربية روسية سوف ترسو في مرفأ طرطوس السوري، القاعدة السورية التي تملك فيها روسيا تسهيلات بحرية والوحيدة لها في المتوسط، وذلك قبل الانضمام إلى مهمة مكافحة القراصنة قبالة سواحل الصومال.
وتضم مجموعة السفن هذه التابعة لاسطول البحر الاسود خصوصا الطراد "موسكفا" والسفينة سميتليفيي وسفينتي الانزال نوفوتشيركاسك وساراتوف وكلها مزودة بأسلحة نووية.
يوم 8 ديسمبر 2012 أفاد مصدر في هيئة الاركان العامة للقوات الروسية، أنه تم تأجيل عودة السفن الحربية الروسية التابعة لاسطول البحر الاسود، الى حين صدور اوامر خاصة من الهيئة.
ونقلت وكالة الأنباء الروسية "ايتار تاس" للانباء استنادا لمصدر من هيئة الاركان العامة للقوات الروسية قوله، "بسبب تغير الأوضاع العملياتية في المنطقة، فإن السفن الحربية الروسية استلمت أمرا بالبقاء في بحر ايجة أمام منطقة المضائق لحين صدور أوامر جديدة من هيئة الأركان العامة".
وأوضح المصدر ذاته، "ان قرار بقاء السفن في هذه المنطقة مرتبط بعدم استقرار الاوضاع العملياتية في البحر الابيض المتوسط بحيث من المحتمل ان تصدر اوامر جديدة الى هذه السفن، التي ستبقى مرابطة في بحر ايجة، ولا يستبعد ان تعود هذه السفن الى المنطقة التي كانت ترابط فيها سابقا".
وذكر المتحدث، كان على الطراد الصاروخي الرائد "موسكفا" ان يعبر مضائق البحر الاسود ويتوجه الى سيفاستوبول، على أن تتبعه بقية السفن الحربية والمساعدة، "الا ان الطراد استلم أمرا بالبقاء في بحر ايجة، بعد ذلك صدرت أوامر مماثلة بالنسبة لبقية السفن".
سيناريوهات واشنطن
على الجانب الآخر من الصراع الذي يدور على الساحة السورية والذي أصبح دوليا، جاء في تقرير نشر قبل أيام من 14 ديسمبر: ارتفعت في واشنطن مع نهاية سنة 2012 وتيرة الحديث عن سقوط مفاجئ لنظام الرئيس السوري، وذلك بموازاة دراسة مخططي السياسة الأميركية مختلف السيناريوهات المحتملة لهذه النهاية وتبعاتها.
وتتراوح هذه النهاية بين معركة حاسمة وحامية تطيح بالنظام بعد إطلاق رصاصته الأخيرة، وانشقاق واسع لعشرات الآلاف من جنوده وسياسييه في اللحظة الأخيرة، وانضمامهم إلى قوى المعارضة التي فقدت تقريبا هويتها السياسية داخل البلاد بالكامل، ولم يبق لها إلا الهوية المليشياتية، وفقا لمحللين أميركيين.
واشنطن بمراكز أبحاثها المتعددة مولعة برسم السيناريوهات المختلفة، العسكرية والسياسية. ويتعاون خبراء هذه المراكز مع أجهزة الدولة من "البنتاغون" و"السي. آي.إيه"، والخارجية، والبيت الأبيض، ومجلس الأمن القومي، من أجل التوصل لمفهوم معقول ومتماسك لاحتمالات "اليوم التالي" لسقوط الأسد، وإمكانيات "التحول الديمقراطي"، تحت وطأة المئات من المجموعات المسلحة التي تفرخ المزيد من هذه المجموعات كل يوم، بعضها يتكون من حفنة وآخرون بالمئات، بعضها مترابطة عقائديا ودينيا وتحظى بثقة ودعم دول الخليج الغنية، وآخرون مغامرون متطرفون يصطادون أسلحتهم وطعامهم وأفكارهم ومبررات ضلوعهم في تدمير سوريا من تركة الحروب والثورات التي أنهكت المنطقة وأغرقتها تحت طوفان من الأسلحة في السنوات العشر الماضية.
ويستنتج العاملون في مضمار هذه السيناريوهات، أن سوريا تعيش حربا أهلية ضروسا، تفقد فيها يوميا المزيد من أبنائها وتاريخها، ستزداد دموية، وأن سقوط النظام لن يضع حدا لهذه الحرب، بل سيدفع بها نحو المزيد من التدهور.
ويرى هؤلاء من مقاعدهم ونوافذ مكاتبهم المطلة على نهر "باتوماك" أن كل المؤشرات تنذر بتحول سوريا إلى دولة فاشلة، مع ازدياد المساحات التي تفقدها الحكومة المركزية في الشمال الغربي والشرق لصالح مجموعات عسكرية هلامية الانتماء، تتسلل عبر الحدود الطويلة بين سوريا ودول الجوار التي تكن لها العداء والحفيظة، عازمة على مواصلة القتال والتفجيرات في دمشق وحلب وحماة وحمص وأريافها لأشهر طويلة مقبلة، الآن مع نظام الأسد وفي المستقبل مع بعضها البعض.
ويؤكد بعض الخبراء الذين شاركوا في لعبة المناورات هذه، أن التشاؤم يغلب على معظم التوقعات المستقبلية التي لا ترى في المدى المنظور أي تغيير في حال حافظ النظام على الحكم في دمشق أو إنزوى إلى المناطق الشمالية الغربية الساحلية من البلاد، أو سقط في دمشق وفقد السيطرة على كامل البلاد.
وتتراوح توقعاتهم بين انزلاق البلاد إلى أتون حرب أهلية تجمع بين خليط عجيب من فسيفسائها الاجتماعية المعقدة وتداخلها مع مكونات الحرب الأهلية اللبنانية والعراقية، واحتمال صوملة أو أفغنة لصراع يمتد لعقود قادمة.
وينصح بعض هؤلاء الخبراء الإدارة الأميركية بأن تنظر جديا لاحتمال لجوء الرئيس الأسد إلى منطقة الساحل لإقامة جيب علوي، ويعتقدون أنه نظريا على الأقل يمكن لإيران أن تدعم هذا الخيار من أجل المحافظة على نفوذ لها في منطقة البحر المتوسط، وضمان التواصل مع حزب الله في لبنان، كما يمكن ان تعيش "الدويلة الجيب" على رسوم الترانزيت والشحن من مينائي طرطوس واللاذقية.
وفي المقابل فإن "الواقعيين" منهم يشككون في حيوية احتمال كهذا وصعوبة استمرار مثل هذا الخيار أصلاً، انطلاقا من ان التجربة التاريخية تؤكد أنه لا يمكن للساحل الشامي مهما بلغت ديناميكيته ورباطة جأشه أن تتحكم بعمق جغرافي في الداخل، علاوة على أن ذلك سيطلق حرب تطهير طائفية وعرقية عبر البلاد، تنذر باشتعال الجبهة طولا وعرضا وتقسمها على أساس طائفي عرقي.
وفي حال قيام حكم شبه مركزي يملأ الفراغ الهائل الذي سيتركه حكم البعث في المستقبل، فإن من المؤكد أن يجد هذا الحكم المستقبلي نفسه أمام صعوبة بالغة في التعامل مع القضية الكردية، حيث أن الأكراد السوريين الذين عانوا طويلاً من النظام القومي العربي في سوريا كما إخوانهم في العراق وجدوا في الصراع القائم، وضعف الدولة المركزية، متنفسا لهم، وينظرون بغيرة وإعجاب إلى انجازات إقليم كردستان العراق ويتطلعون إليه كنموذج يحتذي به، لتوسيع الحقوق الثقافية وتحقيق المساواة على أساس المواطنة وربما الحكم الذاتي.
بل أن فكرة وجود فرصة سانحة للحديث عن تحالف الأكراد في سوريا والعراق وتركيا لإنشاء وطن كردي ينهي مرة وإلى الأبد مظالم اتفاق سايكس بيكو، أصبحت مستساغة وربما ممكنة، على الرغم من أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي يناصر نظام الرئيس الأسد الآن، ولكنه يستعد، ويعمل بجدية إلى مستقبل بدون الأسد، وشكل لهذا الهدف العشرات من اللجان التي تساهم في إدارة شؤون المناطق الكردية بعيدا عن وصاية الدولة المركزية.
وذهبت واشنطن التي اخترعت "أصدقاء سوريا" إلى اجتماع الأربعاء 12 ديسمبر، وقد أخذت قرارها بتسليح المعارضة والاعتراف "بالائتلاف الوطني" كحكومة انتقالية تحت ذريعة أنه "كلما أسرعنا في الإطاحة ببشار الأسد، كلما ارتفعت حظوظنا بضمان انتقال السلطة للقوى الأقل تطرفا، والأكثر صداقة للغرب والولايات المتحدة، وإلى الذين يؤمنون بالديمقراطية وحكم القانون" بحسب قول أحد الذين يشاركون في تنسيق السيناريوهات المختلفة المتصلة بمصير النظام السوري.
وفي المقابل فان آخرين، من الذي يعرفون المنطقة عن كثب، واختبروا تجربة العراق المأساوية، ويلمون بتعقيدات الوضع الاجتماعي الطائفي العرقي في سوريا، مثقلين بالشكوك إزاء "سلاسة التحول نحو الديمقراطية" كونهم يدركون أن سقوط الأسد لن يحل الأزمة السورية، ولن يشكل غيابه عن المسرح قعر الهاوية بالنسبة لهذه الأزمة.
ومن الأحرى بواشنطن أن تلقي نظرة ثانية على كل السيناريوهات الممكنة، كونها إن فعلت ذلك ستجد أن ما يجري في سوريا هو حرب أهلية، وإن اتخاذها طرفا او جانبا ضد آخر سيحمل تداعيات وخيمة على المنطقة، يصعب الخلاص من نتائجها كما علمتها التجربة الأفغانية في ثمانينات القرن الماضي التي أغرقتها في مستنقع حرب طويلة لا تزال تخوضها.
مرة أخرى مع التقديرات
في تناقض مع توقعات أجهزة الرصد الأميركية وتلك التابعة لحلف "الناتو" نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية يوم الجمعة 15 ديسمبر تحليلا كتبه بيتر بومونت أحد كبار معلقيها على شؤون الشرق الأوسط تحت عنوان "الأسد يخفق لكن لا تعلنوا نهايته بعد". وقد جاء في التحليل:
"الحروب، حتى تلك التي تقترب من نهايتها، معتادة على اتباع جدولها الزمني الخاص بها. وحتى اذا كان الصراع في سوريا يقترب من بداية نهايته، كما يدعي الأمين العام لحلف شمال الاطلسي اندريس فوغ راسموسن، الذي قال ان انهيار النظام هو الآن "مسألة وقت" وقبلها تحدث آخرون عن أيام، فإن ما هو أقل تأكيدا هو السرعة التي قد يتم بها ذلك. وأيضا بأي درجة من البؤس، وسفك الدماء وزعزعة الاستقرار".
ووفقاً لتقديرات حديثة وضعت في بلدان مجاورة، لم يعد لدى سوريا الآن سوى ما بين 3 مليارات و4 مليارات دولار نقدا متاحة لحرب تكلف ما يقدر بمليار دولار في الشهر. وبهذا المعدل، ستكون الخزائن قد صارت فارغة بحلول اواخر الشتاء او اوائل الربيع، بالرغم من ان ايران وروسيا، كما تقول ادعاءات، ترسلان اموالا.
وبالرغم من الضغط المتزايد على نظام دمشق فان وجهة النظر، وفقا لشخصية رفيعة المستوى في المنطقة المتاخمة مباشرة، هي ان الاسد ما زال ممسكا بزمام القيادة وما زالت قواته قوية. وما صار أكثر صعوبةً هو قدرة النظام على نقل واردات النفط والطعام من الشريط الساحلي. وأدى ذلك بدوره الى قلق خطير بشأن ما قد يحدث اذا ما تم تعطيل محطة توليد الكهرباء الرئيسية الى الجنوب من دمشق. ويعتمد عليها اكثر من 8 ملايين نسمة في الحصول على التيار وامدادات المياه.
وقال مصدر عربي رفيع المستوى في المنطقة "موقف الأسد صعب جدا، ولكن لديه الكثير من القوة. ما زال يحصل على اسلحة وتمويل وما زالت قدرته العسكرية كبيرة".
السوريون شهدوا ما حدث للعراق بعد غزو سنة 2003 وهم يقاومون الأن سواء كانوا مع النظام الحالي أو ضده حتى لا تتكرر المأساة.
إسرائيل
يوم 2 أبريل 2012 ذكرت وكالة "يو بي اي" الدولية للأنباء في خبر لها من تل أبيب:
إعتبر الرئيس الأسبق للموساد الإسرائيلي أفراييم هليفي، أنه في حال الموافقة على تطبيق خطة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان لحل الأزمة السورية، وبقي الرئيس بشار الأسد في منصبه، فإن إسرائيل ستمنى بأكبر هزيمة استراتيجية منذ قيامها.
وكتب هليفي في مقال نشره في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أنه "في حال نجاح أنان بخطواته، وإذا أحل السلام داخل سوريا، ووافق العالم على استمرار حكم الأسد، وإذا وافقت تركيا وروسيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا على تطبيق خطة أنان، فإننا سنشهد أصعب هزيمة إستراتيجية لإسرائيل في الشرق الأوسط منذ أن أصبحنا دولة".
وأضاف أنه "إذا تحقق كل هذا من دون أن يأخذنا أنان بالحسبان، فإن الهزيمة ستكون مضاعفة، وهذا هو التحدي السياسي الأمني الآني الماثل أمام حكومة إسرائيل".
ورأى هليفي أن خطة التسوية حولت الأسد من "لب المشكلة" إلى "شريك هام للتوصل إلى حل" للأزمة السورية.
يشير مراقبون أن خطة عنان هي أساس اتفاق جنيف الذي تتمسك به كل من موسكو وبكين.
بقلم: عمر نجيب
كثرت مع اقتراب العقد الأول من القرن الحادي والعشرين من نهايته وبالأخص منذ بداية 2010، التحذيرات الصادرة من جانب سياسيين ومحللين ومسؤولي استخبارات ومراكز بحث وغيرها، التي تنبه إلى أن الأخطاء الكثيرة التي تقع فيها أجهزة الرصد العالمية يمكن أن تقود إلى مواجهات كارثية وأزمات سياسية واقتصادية عالمية وقارية.
المحذرون أشاروا إلى أنه منذ انهيار الاتحاد السوفيتي خلال عقد التسعينات من القرن العشرين والنهاية المرحلية للحرب الباردة، أخذت أجهزة الرصد والتحليل في المعسكر الغربي وخاصة بالولايات المتحدة تشهد قدرا كبيرا من التراخي، وكذلك حالة من التبعية لما يريد أن يسمعه أصحاب القرار الذين عادة ما يبنوا اختياراتهم على ما يزودون به من معلومات واستنتاجات وتوقعات، وهكذا أخذت هذه الاجهزة في العديد من الحالات تنتج تقارير كاذبة ترتبت عنها حروب وتدخلات دامية، وخسائر فادحة للعديد من الأطراف.
بحكم أن الولايات المتحدة تعتبر نفسها القوة الأولى في العالم وقائدة المعسكر الغربي وموجهة جهازه العسكري أي حلف شمال الاطلسي "الناتو"، فإن تقارير أجهزة رصدها توجه بشكل أو بآخر غالبية حلفائها، وتؤثر بشكل أساسي على الاحداث العالمية. ومن هنا تبرز أهمية تتبعها خاصة على ضوء الاوضاع العالمية البالغة التوتر.
أجهزة الاستخبارات الأميركية
تنسق وكالة الاستخبارات الوطنية الأميركية عمل 16 وكالة حكومية تضم حوالي 320 ألف شخص وتتأرجح موازنتها المعلنة ما بين 70 و 80 مليار دولار.
يوم الثلاثاء 30 أكتوبر 2012 اعلنت الإدارة الأميركية انها انفقت 75 مليار دولار على جمع المعلومات الاستخباراتية خلال العام السابق، في انخفاض طفيف في الميزانية التي لا تزال تفوق كثيرا ما تنفقه الدول الاخرى على أجهزة الاستخبارات.
وقال مدير مكتب الاستخبارات القومية ان الكونغرس صادق على تخصيص مبلغ 53.9 مليار دولار للعام المالي 2012 الذي انتهى في سبتمبر، فيما كشفت وزارة الدفاع انها انفقت 21.5 مليار دولار على اجهزة الاستخبارات التابعة لها.
ووسط تزايد الضغوط المالية، انخفضت الميزانية الاجمالية بشكل طفيف لعامين على التوالي. وارتفعت ميزانية اجهزة الاستخبارات الى 80.1 مليار دولار في العام المالي 2010 وانخفضت الى 78.6 مليار دولار للعام المالي 2011.
وكان معظم الخفض في حصة وزارة الدفاع من ميزانية الاستخبارات، حيث انخفض الانفاق على أجهزة الاستخبارات التي تقع ضمن سلطة وزارة الدفاع من 27 مليار دولار في العام 2010 إلى 21 مليار دولار في 2012 طبقا لبيانات رسمية.
ويرجح ان يكون السبب في ذلك انسحاب أغلب القوات الأميركية من العراق وخفض عديدها في افغانستان، وهو ما يقلل الحاجة الى الحصول على المعلومات المكلفة من أرض المعركة.
وتغطي ميزانية الاستخبارات مجموعة من اقمار التجسس الاصطناعية والاجهزة المتطورة التي تغطي كل شبكات الاتصال العالمية إضافة إلى رواتب عشرات الاف الموظفين ومن بينهم محللون وخبراء لغويون وخبراء تفكيك شيفرات، وخبراء الانترنت والجواسيس الذين يجمعون المعلومات الاستخباراتية على الأرض بما يسمى الطرق القديمة.
ويقول خبراء ان ميزانية الاستخبارات الأميركية الكبيرة التي ازدادت بشكل كبير بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 هي أكبر بكثير من نفقات أية دولة خصم أخرى، بل قد تشكل عمليا دولة داخل دولة.
وينص قانون جديد على الكشف العلني عن ارقام الميزانية، الا ان اجهزة الاستخبارات الـ16 ليست مجبرة على الكشف عن مزيد من التفاصيل حول تمويل أعمالها التجسسية.
الإخفاقات التاريخية
نشرت مجلة "فورين بوليسي" في 2010 قراءة لأداء الاستخبارات الأميركية وضعها الباحث يوري فريدمان ردا على سلسلة مقالات حاولت التهوين من أخطاء الأجهزة الأميركية، مبرزا 10 أخطاء تاريخية "مخزية" للوكالة.
منها فشل عملية إنزال خليج الخنازير في أبريل 1961 ضد كوبا، وعدم توقع "هجوم تيت" في 31 ديسمبر 1968، الذي شكل المعركة الأكثر حسماً في فيتنام. وقد خلص تحقيق للحكومة الأميركية بعد ذلك إلى ان الولايات المتحدة وضباط الجيش الفيتنامي الجنوبي ومحللي الاستخبارات فشلوا تماما رغم التحذيرات.
واشار الباحث إلى فشل الأجهزة الأميركية في حرب رمضان 1973 التي يسميها حرب "يوم الغفران"، وذلك بعد ست سنوات فقط على تحليل وكالة الاستخبارات حرب الأيام الستة بين إسرائيل والدول العربية في العام 1967 الذي توقع استحالة نصر عربي.
وتحدث فريدمان بعد ذلك عن الاخفاقات خلال الثورة الإيرانية. في أغسطس 1978، أي قبل 6 أشهر من فرار الشاه رضا بهلوي.
ثم الغزو السوفياتي لأفغانستان الذي فاجأ الغرب سنة 1979، خصوصا أن الاستخبارات الأميركية كانت تعتبر آنذاك أن شبح الغرق في مستنقع مكلف يردع السوفيات من غزو أفغانستان.
وأشار الباحث إلى فشل توقع التجارب النووية الهندية والباكستانية. حيث لم تتمكن الـ"سي آي ايه" من كشف نية الهند القيام بتفجيرات نووية تحت الأرض، الأمر الذي وصفه رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي ريتشارد شيلبي، بـ"الفشل الضخم في جمع المعلومات الاستخباراتية".
وبعد أن تحدث الباحث عن الاخفاقات في أحداث 11 سبتمبر 2001، والتقرير الذي أصدره الكونغرس عن أن أجهزة الاستخبارات "المثقلة بعدد كبير جدا من الأولويات، والميزانيات المسطحة والمنافسات البيروقراطية" قد فشلت في إظهار التهديد الذي يشكله "الإرهاب عبر الحدود" منذ التسعينيات وحتى 11 سبتمبر 2001.
وأنتهى الباحث إلى حرب العراق في أبريل 2003، أي قبل حوالي شهر من غزو العراق، حيث أعلن وزير الخارجية الأميركي آنذاك، كولن باول، استنادا لـ"معلومات استخباراتية مؤكدة"، أن لدى العراق أسلحة للدمار الشامل.
وقد خلصت تقديرات الاستخبارات في أكتوبر 2002 إلى أن العراق يواصل برنامجه لأسلحة الدمار الشامل، ويمكن أن يصنع سلاحاً نوويا "في غضون عدة أشهر إلى سنة" اذا حصل على ما يكفي من المواد الانشطارية.
لكن الولايات المتحدة لم تعثر على أدلة لمثل هذا البرنامج بعد الغزو، وهو الفشل الاستخباراتي الذي إدعى الرئيس الأميركي جورج بوش انه يشعر إزاءه بـ"الأسف الكبير" وذلك بعد أن واجه خطر الهزيمة على يد المقاومة العراقية.
يوم 14 اكتوبر 2010 نقلت صحيفة الواشنطن تايمز عن نائب رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ أن وكالات الاستخبارات الأميركية أهدرت مليارات الدولارات بسبب سوء إدارة البرامج السرية العالية التقنية.
وذكر السناتور الجمهوري كريستوفر بوند إن الشعب الأميركي سيغضب إذا علم أن مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب قد أُهدرت، مشيرا إلى إنه لن يتمكن من تقديم تفاصيل أو أرقام مؤكدة نظرا لسرية البرامج. وأضاف أن مليارات كثيرة أُهدرت على برنامج واحد فقط كان قد تم إلغاؤه مؤخرا.
ويذكر أنه في عام 2009 كشف الأدميرال البحري المتقاعد دينيس بلير، مدير الاستخبارات الوطنية آنذاك، لأول مرة أن الولايات المتحدة تنفق على برامج الاستخبارات العسكرية والمدنية نحو 75 مليار دولار.
كما تم الكشف عن سلسلة واسعة من المشاريع الفاشلة مثل برنامج أسلوب بناء الصور المستقبلية التابع لمكتب الاستطلاع الوطني الذي اعتبر على نطاق واسع أكبر إخفاق مكلف في مجال الاستخبارات، وتقنية الحاسوب "مثل مودم" لوكالة الأمن القومي الذي أقر مسؤولون علنا بأنه كلف مئات الملايين من الدولارات خارج الميزانية واستغرق عدة سنوات وراء الجدول الزمني المحدد.
آخر الإخفاقات
يوم الاربعاء 12 ديسمبر 2012 جاء في تقرير لوكالة الانباء الفرنسية نقلا عن عدد من كبار الخبراء: فاجأت كوريا الشمالية المعروفة بتكتمها الشديد اعداءها الأربعاء بعملية إطلاق ناجحة لصاروخ إلى الفضاء، مخالفة بذلك جميع التوقعات ومحبطة تحاليل أجهزة الاستخبارات الأكثر تطورا في العالم.
وكانت وسائل الاعلام الكورية الجنوبية قد اوردت الثلاثاء ان بيونغ يانغ تواجه صعوبات مثل اشعال فتيل الاطلاق وذلك بالاستناد إلى صور بالاقمار الاصطناعية عرضت على محللين عسكريين ودبلوماسيين.
والاسوأ من ذلك أن وكالة الانباء الكورية الجنوبية (يونهاب) ذكرت بناء على تقارير استخبارية منها أميركية ان صاروخ الاطلاق من طراز اونها 3 والمؤلف من ثلاث طبقات تم انزاله واعيد الى مركز التجميع.
ولم تورد شبكات التلفزة والاذاعة التي نقلت عنها كل وسائل الاعلام في العالم أي معلومات اخرى، حتى ان بعضها المح إلى إمكان تفكيك الصاروخ.
وقال يانغ موجي الاستاذ في جامعة الدراسات الكورية الشمالية في سيول "من الصعب طبعا التكهن بما يحصل على منصة الاطلاق من خلال الاطلاع فقط على صور بالاقمار الاصطناعية. لكن ما هو الخيار الثاني للعالم؟".
لكن يبدو ان النظام الشيوعي قام بالتضليل عمدا. فقد قرر الاثنين تمديد مهلة الاطلاق لاسبوع حتى 29 ديسمبر بعد ان كانت بين 10 و22 منه، لاجراء اصلاحات.
وقبل بضع ساعات على اشعال فتيل الاطلاق، اعتبر المعهد الأميركي الكوري في جامعة جونز هوبكنز استنادا الى صور بالاقمار الاصطناعية ان الاطلاق لن يتم على الارجح قبل عشرة ايام.
واقر المعهد في بيان نشر على موقعه "38 نورث" الاربعاء "افترضنا ان الطبقة الاولى من الصاروخ ستنقل الى مركز التجميع لاجراء اعمال تصليح. من الواضح ان الأمر لم يكن كذلك، لكن لا يمكننا أن نفسر ذلك بعد".
ومع ان الولايات المتحدة هي القوة العسكرية الاولى في العالم، لكنها لا تملك على ما يبدو وسيلة لاختراق الستار الحديدي في كوريا الشمالية.
وقال يانغ مو جين "انها الدولة الاكثر انغلاقا في العالم وسيظل بامكانها ان تفاجئنا على هذا النحو طالما الشمال معزول عن الاسرة الدولية والعلاقات الحدودية بين الكوريتين لا تزال باردة".
وتمكنت كوريا الشمالية من الاحتفاظ بالسرية التامة طيلة يومين بعد وفاة زعيمها كيم جونغ ايل في ديسمبر،2011 قبل الاعلان عنها دون تسرب الخبر ابدا.
ووجهت كوريا الجنوبية عندها انتقادات شديدة لاجهزة الاستخبارات التابعة لها على عدم كفاءتها المفترضة.
وحتى اليابان، القوة الاستعمارية السابقة التي لا تزال علاقاتها متوترة مع شبه الجزيرة الكورية، سبقتها الأحداث خصوصا وأن الصاروخ الكوري حلق فوق اراضيها على ارتفاع عال جدا.
واضطر وزير الدفاع الياباني ساتوشي موريموتو إلى الاقرار خلال مؤتمر صحافي بأن حكومته أكدت أنزال الصاروخ من على منصة الاطلاق وكانت على خطأ.
واعتبر يانغ مو جي ان "السبيل الوحيد لتوقع ما ستقوم به كوريا الشمالية بشكل أفضل هو بالتعاون معها لكن ذلك يبدو مستبعدا تماما على ضوء ما قامت به كوريا الشمالية اليوم".
المحللون أشاروا إلى أن صاروخ الاطلاق هو من طراز تايبودونغ 2 الذي يتراوح مداه بين ستة وتسعة الاف كلم وهو بذلك يمكن أن يصيب أي هدف في الولايات المتحدة إذا زود برأس حربي.
معركة بلاد الشام
بعيدا إلى الغرب بآلاف الكيلومترات من شبه الجزيرة الكورية تتصارع أجهزة الرصد والمخابرات في المواجهة الأساسية الدائرة حاليا على الساحة السورية وما جاورها في منطقة الشرق الأوسط الكبير.
التقديرات الخاطئة أو المفصلة على أهواء هذا النظام أو ذاك يمكن أن تقود إلى كوارث كبرى أو كما حذر عدد من المحللين إلى حرب عالمية ثالثة لأنها ستدفع بطرف ما لركوب مغامرة مبنية على أسس غير صحيحة.
خلال شهر ديسمبر 2012 صرح ميخائيل بوغدانوف، وكيل الخارجية الروسية، لوكالة ايتار تاس بأن روسيا على استعداد لتوفير المساعدة لأي من مواطنيها الذين يرغبون في مغادرة سوريا. مشيرا إلى أن هناك مئات الالاف من الروس يعيشون في سوريا، وخاصة النسوة اللائي تزوجن من سوريين وقال ان السبيل الى ذلك في افضل الأحوال سيكون بطريق الجو.
يوم الخميس 13 ديسمبر 2012 ضجت وسائل الاعلام الغربية ومعها عدد من السياسيين بخبر مفاده أن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف نفسه قال إنه لا يمكن تجاهل احتمال انتصار معارضي الرئيس الاسد.
مباشرة جاء رد واشنطن حيث رحبت بتصريحات بوغدانوف، وقالت فكتوريا نولاند الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركي إن "روسيا قد استفاقت أخيرا واستوعبت الواقع"، "نريد ان نشيد بالحكومة الروسية لأنها تنبهت اخيرا للحقيقة واعترفت بأن أيام النظام السوري باتت معدودة". وبدأ الحديث عن أنه لن تمضي سوى أيام قليلة وتنهار الحكومة القائمة في دمشق.
روسيا تخيب آمال الغرب
بعد مرور أقل من 24 ساعة جاء في تقرير لوكالة الانباء الفرنسية: ما زال الموقف الرسمي لروسيا على حاله في النزاع في سوريا على الرغم من آمال الغربيين الذين اعتقدوا ان هذه الدولة الحليفة منذ فترة طويلة مع نظام بشار الأسد لينت موقفها.
لم تتأخر موسكو في اعادة تصريحات بوغدانوف إلى اطارها، حيث أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية الكسندر لوكاشيفيتش "أننا لم ولن نبدل موقفنا".
وأضاف لوكاشيفيتش "رأيت كيف قالت الناطقة بإسم وزارة الخارجية الأميركية بحماس أن موسكو استيقظت أخيرا وتغير موقفها"، "لم نكن نائمين ولم نغير يوما موقفنا".
وأشار إلى أن "بوغدانوف كرر موقفنا المبدئي المؤيد لتطبيق اتفاق جنيف في أسرع وقت ممكن، وغير ذلك ليس مقبولا إطلاقا".
وقد عرقلت روسيا مع الصين كل مشاريع القرارات في مجلس الأمن الدولي التي تسعى إلى تمرير التدخل العسكري الغربي في سوريا.
وذكر بوريس دولغوف من معهد الدراسات حول الشرق في اكاديمية العلوم بموسكو، "القول أن روسيا تلين موقفها أمر خاطئ". ورأى هذا الخبير أن "الغرب هو الذي حاول تغيير موقف روسيا والضغط عليها".
وتابع زميله الكسندر فيلونيك من المعهد نفسه إن "الحديث عن وقائع لا يمكن أن يفسر على أنه تراجع في الموقف الروسي".
وأكد بوغدانوف ان "موسكو ستصر على تطبيق اتفاق جنيف" الذي تضمن مبادئ العملية الانتقالية في سوريا وتم اقراره في 30 يونيو 2012 وبالتالي "التوصل إلى حل سلمي للنزاع".
وحذر من أنه حتى إذا انتصرت المعارضة السورية فإن النزاع يمكن ان يستمر اشهرا ويسبب سقوط آلاف الضحايا، معتبرا أنه "أمر غير مقبول اطلاقا".
يوم الخميس 14 ديسمبر كذلك وبهدف إعطاء ثقل أكبر لتصريحات الكرملين، أكد رئيس أكاديمية القضايا الجيوسياسية ليونيد إيفاشوف الذي يقدم مشورات للقيادة الروسية في مقابلة مع قناة "روسيا اليوم" أن المخابرات الأميركية لعبت دورا كبيرا في تنظيم الأزمة السورية وجر دول المنطقة فيها. وأضاف أن الحديث عن خطورة استخدام دمشق للأسلحة الكيميائية والتهديد السوري لجيرانها هدفه تشديد الضغط على الحكومة السورية.
وأضاف ان الأميركيين خططوا لهذه الأزمة، ونظمتها أجهزتهم الاستخباراتية، وجروا إليها تركيا وعددا من البلدان العربية. بالطبع هم يريدون أن يبدأ طرف ما التدخل علنا في سوريا. هكذا هم يتصرفون في السنوات الأخيرة. لذلك يمكن توقع نزاع بين سوريا وتركيا، وبين سوريا ودولة خليجية، وعندها تتدخل الولايات المتحدة. إذا لم ينجح هذا المخطط يبتكر الأميركيون شيئا مثل السلاح الكيميائي، على نمط تصرفهم مع العراق، أو شيئا مثل المؤتمر الإنساني. إنهم يريدون القضاء على الدولة التي لا تخضع للسياسة الأميركية، ولا تخضع للمافيا المالية الأميركية. الأميركيون يقضون على دول كهذه. ويصنعون ما يسمى بالفوضى الخلاقة الكبيرة كي تفقد الدول إمكانيات التطور. الدول تتراجع في تطورها وتحتاج باستمرار إلى القروض وتقع في تبعية للولايات المتحدة.
وبشأن نشر صواريخ "باتريوت" في تركيا والحديث حول الاستعداد السوري لاستخدام السلاح الكيميائي، قال: هذه الابتكارات مجرد كذب. القيادة السورية معنية بالتسوية السياسية، وبالاستقرار، ومن السخافة مهاجمة أحد ما، لاسيما على أراضيها واستخدام السلاح الكيميائي. العسكريون السوريون يتخذون تدابير كي لا يقع السلاح الكيميائي بيد المقاتلين المعارضين، وفي هذا الأمر يجب تقديم المساعدة لسوريا. لكن للأسف هذا لا يجري. أما التهديد الجوي لتركيا من قبل سوريا، فهذا غباء كبير. الجيش التركي أكبر من مقدرات سوريا العسكرية بعدة مرات، والقيادة السورية مشغولة بمشاكلها الداخلية، هذه سخافة لكن لتدمير الدولة السورية يبدو أن كل الحيل الخسيسة ملائمة.
وقال: ان "الناتو" يحاول تطبيق السيناريو الليبي، وهذا هو السيناريو الممكن والوحيد عمليا. تم تدمير دولة يوغسلافيا وتدمير العراق وتدمير ليبيا. سوريا هي الضحية التالية، وأصبحت ضحية لأنها تحاول ممارسة سياسة مستقلة، لكن الغرب والولايات المتحدة بالدرجة الأولى لا تقبل بسياسة كهذه، يريدون أن تخضع كل دول العالم لإملاءاتهم. وإملاءات الاحتكارات المالية. يريدون أن تكون كل الحكومات بمستوى الموظفين لديهم.
أدوات حرب عالمية
يوم الخميس 22 نوفمبر 2012 اعلنت وزارة الدفاع الروسية ان مجموعة سفن حربية روسية سوف ترسو في مرفأ طرطوس السوري، القاعدة السورية التي تملك فيها روسيا تسهيلات بحرية والوحيدة لها في المتوسط، وذلك قبل الانضمام إلى مهمة مكافحة القراصنة قبالة سواحل الصومال.
وتضم مجموعة السفن هذه التابعة لاسطول البحر الاسود خصوصا الطراد "موسكفا" والسفينة سميتليفيي وسفينتي الانزال نوفوتشيركاسك وساراتوف وكلها مزودة بأسلحة نووية.
يوم 8 ديسمبر 2012 أفاد مصدر في هيئة الاركان العامة للقوات الروسية، أنه تم تأجيل عودة السفن الحربية الروسية التابعة لاسطول البحر الاسود، الى حين صدور اوامر خاصة من الهيئة.
ونقلت وكالة الأنباء الروسية "ايتار تاس" للانباء استنادا لمصدر من هيئة الاركان العامة للقوات الروسية قوله، "بسبب تغير الأوضاع العملياتية في المنطقة، فإن السفن الحربية الروسية استلمت أمرا بالبقاء في بحر ايجة أمام منطقة المضائق لحين صدور أوامر جديدة من هيئة الأركان العامة".
وأوضح المصدر ذاته، "ان قرار بقاء السفن في هذه المنطقة مرتبط بعدم استقرار الاوضاع العملياتية في البحر الابيض المتوسط بحيث من المحتمل ان تصدر اوامر جديدة الى هذه السفن، التي ستبقى مرابطة في بحر ايجة، ولا يستبعد ان تعود هذه السفن الى المنطقة التي كانت ترابط فيها سابقا".
وذكر المتحدث، كان على الطراد الصاروخي الرائد "موسكفا" ان يعبر مضائق البحر الاسود ويتوجه الى سيفاستوبول، على أن تتبعه بقية السفن الحربية والمساعدة، "الا ان الطراد استلم أمرا بالبقاء في بحر ايجة، بعد ذلك صدرت أوامر مماثلة بالنسبة لبقية السفن".
سيناريوهات واشنطن
على الجانب الآخر من الصراع الذي يدور على الساحة السورية والذي أصبح دوليا، جاء في تقرير نشر قبل أيام من 14 ديسمبر: ارتفعت في واشنطن مع نهاية سنة 2012 وتيرة الحديث عن سقوط مفاجئ لنظام الرئيس السوري، وذلك بموازاة دراسة مخططي السياسة الأميركية مختلف السيناريوهات المحتملة لهذه النهاية وتبعاتها.
وتتراوح هذه النهاية بين معركة حاسمة وحامية تطيح بالنظام بعد إطلاق رصاصته الأخيرة، وانشقاق واسع لعشرات الآلاف من جنوده وسياسييه في اللحظة الأخيرة، وانضمامهم إلى قوى المعارضة التي فقدت تقريبا هويتها السياسية داخل البلاد بالكامل، ولم يبق لها إلا الهوية المليشياتية، وفقا لمحللين أميركيين.
واشنطن بمراكز أبحاثها المتعددة مولعة برسم السيناريوهات المختلفة، العسكرية والسياسية. ويتعاون خبراء هذه المراكز مع أجهزة الدولة من "البنتاغون" و"السي. آي.إيه"، والخارجية، والبيت الأبيض، ومجلس الأمن القومي، من أجل التوصل لمفهوم معقول ومتماسك لاحتمالات "اليوم التالي" لسقوط الأسد، وإمكانيات "التحول الديمقراطي"، تحت وطأة المئات من المجموعات المسلحة التي تفرخ المزيد من هذه المجموعات كل يوم، بعضها يتكون من حفنة وآخرون بالمئات، بعضها مترابطة عقائديا ودينيا وتحظى بثقة ودعم دول الخليج الغنية، وآخرون مغامرون متطرفون يصطادون أسلحتهم وطعامهم وأفكارهم ومبررات ضلوعهم في تدمير سوريا من تركة الحروب والثورات التي أنهكت المنطقة وأغرقتها تحت طوفان من الأسلحة في السنوات العشر الماضية.
ويستنتج العاملون في مضمار هذه السيناريوهات، أن سوريا تعيش حربا أهلية ضروسا، تفقد فيها يوميا المزيد من أبنائها وتاريخها، ستزداد دموية، وأن سقوط النظام لن يضع حدا لهذه الحرب، بل سيدفع بها نحو المزيد من التدهور.
ويرى هؤلاء من مقاعدهم ونوافذ مكاتبهم المطلة على نهر "باتوماك" أن كل المؤشرات تنذر بتحول سوريا إلى دولة فاشلة، مع ازدياد المساحات التي تفقدها الحكومة المركزية في الشمال الغربي والشرق لصالح مجموعات عسكرية هلامية الانتماء، تتسلل عبر الحدود الطويلة بين سوريا ودول الجوار التي تكن لها العداء والحفيظة، عازمة على مواصلة القتال والتفجيرات في دمشق وحلب وحماة وحمص وأريافها لأشهر طويلة مقبلة، الآن مع نظام الأسد وفي المستقبل مع بعضها البعض.
ويؤكد بعض الخبراء الذين شاركوا في لعبة المناورات هذه، أن التشاؤم يغلب على معظم التوقعات المستقبلية التي لا ترى في المدى المنظور أي تغيير في حال حافظ النظام على الحكم في دمشق أو إنزوى إلى المناطق الشمالية الغربية الساحلية من البلاد، أو سقط في دمشق وفقد السيطرة على كامل البلاد.
وتتراوح توقعاتهم بين انزلاق البلاد إلى أتون حرب أهلية تجمع بين خليط عجيب من فسيفسائها الاجتماعية المعقدة وتداخلها مع مكونات الحرب الأهلية اللبنانية والعراقية، واحتمال صوملة أو أفغنة لصراع يمتد لعقود قادمة.
وينصح بعض هؤلاء الخبراء الإدارة الأميركية بأن تنظر جديا لاحتمال لجوء الرئيس الأسد إلى منطقة الساحل لإقامة جيب علوي، ويعتقدون أنه نظريا على الأقل يمكن لإيران أن تدعم هذا الخيار من أجل المحافظة على نفوذ لها في منطقة البحر المتوسط، وضمان التواصل مع حزب الله في لبنان، كما يمكن ان تعيش "الدويلة الجيب" على رسوم الترانزيت والشحن من مينائي طرطوس واللاذقية.
وفي المقابل فإن "الواقعيين" منهم يشككون في حيوية احتمال كهذا وصعوبة استمرار مثل هذا الخيار أصلاً، انطلاقا من ان التجربة التاريخية تؤكد أنه لا يمكن للساحل الشامي مهما بلغت ديناميكيته ورباطة جأشه أن تتحكم بعمق جغرافي في الداخل، علاوة على أن ذلك سيطلق حرب تطهير طائفية وعرقية عبر البلاد، تنذر باشتعال الجبهة طولا وعرضا وتقسمها على أساس طائفي عرقي.
وفي حال قيام حكم شبه مركزي يملأ الفراغ الهائل الذي سيتركه حكم البعث في المستقبل، فإن من المؤكد أن يجد هذا الحكم المستقبلي نفسه أمام صعوبة بالغة في التعامل مع القضية الكردية، حيث أن الأكراد السوريين الذين عانوا طويلاً من النظام القومي العربي في سوريا كما إخوانهم في العراق وجدوا في الصراع القائم، وضعف الدولة المركزية، متنفسا لهم، وينظرون بغيرة وإعجاب إلى انجازات إقليم كردستان العراق ويتطلعون إليه كنموذج يحتذي به، لتوسيع الحقوق الثقافية وتحقيق المساواة على أساس المواطنة وربما الحكم الذاتي.
بل أن فكرة وجود فرصة سانحة للحديث عن تحالف الأكراد في سوريا والعراق وتركيا لإنشاء وطن كردي ينهي مرة وإلى الأبد مظالم اتفاق سايكس بيكو، أصبحت مستساغة وربما ممكنة، على الرغم من أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي يناصر نظام الرئيس الأسد الآن، ولكنه يستعد، ويعمل بجدية إلى مستقبل بدون الأسد، وشكل لهذا الهدف العشرات من اللجان التي تساهم في إدارة شؤون المناطق الكردية بعيدا عن وصاية الدولة المركزية.
وذهبت واشنطن التي اخترعت "أصدقاء سوريا" إلى اجتماع الأربعاء 12 ديسمبر، وقد أخذت قرارها بتسليح المعارضة والاعتراف "بالائتلاف الوطني" كحكومة انتقالية تحت ذريعة أنه "كلما أسرعنا في الإطاحة ببشار الأسد، كلما ارتفعت حظوظنا بضمان انتقال السلطة للقوى الأقل تطرفا، والأكثر صداقة للغرب والولايات المتحدة، وإلى الذين يؤمنون بالديمقراطية وحكم القانون" بحسب قول أحد الذين يشاركون في تنسيق السيناريوهات المختلفة المتصلة بمصير النظام السوري.
وفي المقابل فان آخرين، من الذي يعرفون المنطقة عن كثب، واختبروا تجربة العراق المأساوية، ويلمون بتعقيدات الوضع الاجتماعي الطائفي العرقي في سوريا، مثقلين بالشكوك إزاء "سلاسة التحول نحو الديمقراطية" كونهم يدركون أن سقوط الأسد لن يحل الأزمة السورية، ولن يشكل غيابه عن المسرح قعر الهاوية بالنسبة لهذه الأزمة.
ومن الأحرى بواشنطن أن تلقي نظرة ثانية على كل السيناريوهات الممكنة، كونها إن فعلت ذلك ستجد أن ما يجري في سوريا هو حرب أهلية، وإن اتخاذها طرفا او جانبا ضد آخر سيحمل تداعيات وخيمة على المنطقة، يصعب الخلاص من نتائجها كما علمتها التجربة الأفغانية في ثمانينات القرن الماضي التي أغرقتها في مستنقع حرب طويلة لا تزال تخوضها.
مرة أخرى مع التقديرات
في تناقض مع توقعات أجهزة الرصد الأميركية وتلك التابعة لحلف "الناتو" نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية يوم الجمعة 15 ديسمبر تحليلا كتبه بيتر بومونت أحد كبار معلقيها على شؤون الشرق الأوسط تحت عنوان "الأسد يخفق لكن لا تعلنوا نهايته بعد". وقد جاء في التحليل:
"الحروب، حتى تلك التي تقترب من نهايتها، معتادة على اتباع جدولها الزمني الخاص بها. وحتى اذا كان الصراع في سوريا يقترب من بداية نهايته، كما يدعي الأمين العام لحلف شمال الاطلسي اندريس فوغ راسموسن، الذي قال ان انهيار النظام هو الآن "مسألة وقت" وقبلها تحدث آخرون عن أيام، فإن ما هو أقل تأكيدا هو السرعة التي قد يتم بها ذلك. وأيضا بأي درجة من البؤس، وسفك الدماء وزعزعة الاستقرار".
ووفقاً لتقديرات حديثة وضعت في بلدان مجاورة، لم يعد لدى سوريا الآن سوى ما بين 3 مليارات و4 مليارات دولار نقدا متاحة لحرب تكلف ما يقدر بمليار دولار في الشهر. وبهذا المعدل، ستكون الخزائن قد صارت فارغة بحلول اواخر الشتاء او اوائل الربيع، بالرغم من ان ايران وروسيا، كما تقول ادعاءات، ترسلان اموالا.
وبالرغم من الضغط المتزايد على نظام دمشق فان وجهة النظر، وفقا لشخصية رفيعة المستوى في المنطقة المتاخمة مباشرة، هي ان الاسد ما زال ممسكا بزمام القيادة وما زالت قواته قوية. وما صار أكثر صعوبةً هو قدرة النظام على نقل واردات النفط والطعام من الشريط الساحلي. وأدى ذلك بدوره الى قلق خطير بشأن ما قد يحدث اذا ما تم تعطيل محطة توليد الكهرباء الرئيسية الى الجنوب من دمشق. ويعتمد عليها اكثر من 8 ملايين نسمة في الحصول على التيار وامدادات المياه.
وقال مصدر عربي رفيع المستوى في المنطقة "موقف الأسد صعب جدا، ولكن لديه الكثير من القوة. ما زال يحصل على اسلحة وتمويل وما زالت قدرته العسكرية كبيرة".
السوريون شهدوا ما حدث للعراق بعد غزو سنة 2003 وهم يقاومون الأن سواء كانوا مع النظام الحالي أو ضده حتى لا تتكرر المأساة.
إسرائيل
يوم 2 أبريل 2012 ذكرت وكالة "يو بي اي" الدولية للأنباء في خبر لها من تل أبيب:
إعتبر الرئيس الأسبق للموساد الإسرائيلي أفراييم هليفي، أنه في حال الموافقة على تطبيق خطة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان لحل الأزمة السورية، وبقي الرئيس بشار الأسد في منصبه، فإن إسرائيل ستمنى بأكبر هزيمة استراتيجية منذ قيامها.
وكتب هليفي في مقال نشره في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أنه "في حال نجاح أنان بخطواته، وإذا أحل السلام داخل سوريا، ووافق العالم على استمرار حكم الأسد، وإذا وافقت تركيا وروسيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا على تطبيق خطة أنان، فإننا سنشهد أصعب هزيمة إستراتيجية لإسرائيل في الشرق الأوسط منذ أن أصبحنا دولة".
وأضاف أنه "إذا تحقق كل هذا من دون أن يأخذنا أنان بالحسبان، فإن الهزيمة ستكون مضاعفة، وهذا هو التحدي السياسي الأمني الآني الماثل أمام حكومة إسرائيل".
ورأى هليفي أن خطة التسوية حولت الأسد من "لب المشكلة" إلى "شريك هام للتوصل إلى حل" للأزمة السورية.
يشير مراقبون أن خطة عنان هي أساس اتفاق جنيف الذي تتمسك به كل من موسكو وبكين.