منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
By يزيد الدريهم9
#58244
تعيين الدكتورة موضي الخلف مساعداً للملحق الثقافي السعودي بالولايات المتحدة الأميركية قرار شجاع وصائب، هذا المنصب الرفيع، في ملحقية رفيعة، في دولة رفيعة، ولدولة رفيعة مثل السعودية، خطوة عملية ومستقبلية، إذن نحن أمام قرار : شجاع، وصائب، وعملي، ومستقبلي... ملك الشجاعة، من دون أدنى منازع، هو الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي مكّن المرأة السعودية لكي تتبوأ مكانتها اللائقة من دون النظر إلى المزايدات الاجتماعية، فعين أول امرأة بمرتبة وزير، وهي الدكتورة نورة الفايز، وأسس جامعة من أحدث وأكبر الجامعات في العالم للمرأة سماها «جامعة الأميرة نورة»، وألحق ذلك بأن أمر أن تُعين المرأة في مجلس الشورى ... الشجاعة الثانية تقف عند وزير التعليم العالي، الدكتور خالد العنقري، الذي دعم القرار وأيده وشجعه، بصرف النظر عما يمكن أن يُقال أو يتردد في أوساط استطابت وأد المرأة... الشجاعة الثالثة، تُحسب للملحق التعليمي / الثقافي في الولايات المتحدة، الدكتور محمد العيسى، الذي استند إلى العقل والمنطق والحكمة، وكفاءة المرشحة، في اتخاذ قرار كهذا، جاعلاً نصب عينيه المصلحة العليا، وضارباً «بنمنمات المنممين وهمهمات المهمهمين» عرض الحائط، متخذاً من الآية الكريمة (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) دليلاً وهادياً وسراجاً منيراً... أما الشجاعة الرابعة، فبالتأكيد تجير لمصلحة الدكتورة موضي الخلف، التي ستقف تحت الأضواء الكاشفة، واللاسعة أيضاً
تدرك موضي الخلف –مع حفظ الألقاب– أي مسؤولية تنتظرها، ليس في العمل، فقد كانت مسؤولة عن الشؤون الثقافية والاجتماعية لأكثر من «٧٠ ألف» سعودي وسعودية في الولايات المتحدة لخمسة أعوام خلت، بل المسؤولة لإثبات الذات بأن المرأة السعودية لا تقل كفاءة عن أي امرأة في العالم، في أعظم دولة في العالم .
يتجلى الصواب في تمكين المرأة السعودية، ليس لأنها تشكل نصف المجتمع فحسب، بل لأنها درست وتعلمت وأثبتت نجاحاً وتفوقاً على الرجال في التعليم وحسن الأداء... هل نسينا العالمة حياة سندي؟ وهل يمكن أن ننسى الدكتورة خولة الكريع، التي منحها الملك عبدالله وسام الملك عبدالعزيز لتحقيقها إنجازات عدة بحثية مميزة؟ أو ننسى الدكتورة هدى العميل، التي ترأس أكبر وأحدث جامعات العالم؟ عملت المرأة في مجالات التعليم ومجالات الإدارة والتجارة فأثبتت قدرتها.. هل ننسى المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة للسكان الدكتورة ثريا عبيد؟ أو الدكتورة لمى السليمان نائب رئيس غرفة جدة؟ وإن تناسينا كل الأسماء السابقة فلا يمكن أن ننسى الدكتورة بدرية البشر، الزميلة في هذه الصحيفة، التي دأبت على كشف عورات فكر الرجل/ الذكر تجاه المرأة / الأنثى..الأسماء عدة والنساء كثر، ولا نحتاج إلا للابتعاد بأنفسنا عن حال «الإنكار» التي نعيشها لأنها لا تزيدنا إلا خبالاً..الصواب هو أن نستفيد من تلك الطاقات البشرية النسائية التي تعلمت وعملت فأحسنت وأجادت

تمكين المرأة في مناصب عليا أمر عملي في معظم المجالات..في التربية والتعليم، إذ إن عدد الطلبة والطالبات متقارب، وفي العمل، إذ تشكل المرأة أكثر من ٨٣ في المئة من المسجلين في برنامج «حافز»، وفي الشؤون الاجتماعية والصحة، كذلك، فالوزارتان تتعاملان مع مواطنين يشكل النساء النسبة الأكبر والأعقد، كما أن وزارة الداخلية بحاجة إلى عدد كبير من النساء في أقسام الشُرط، وفي إمارات المناطق... وزارة العدل، أيضاً، بحاجة إلى نساء متعلمات في المحاكم الخاصة بالعلاقات الأسرية، ولا ننسى وزارة البلديات التي يجب أن تُمكن المرأة في العمل في الأمانات - أحسنت أمانة جدة بأن سمحت للمرأة بأن تتبوأ مكانة عالية لما تملكه من علم وكفاءة - كل وزارة وكل إدارة لها علاقة بالمجتمع والمواطن تحتاج إلى تعيين امرأة في قمة هرمها وتشكيلها الإداري، ولا يُكتفى بقسم نسائي بباب خلفي يقطن حوله المتسولون والمتسكعون، وترتع القطط وتنساب أمامه مياه الصرف الصحي

المستقبل واعد ومشرق بإذن الله، وتمكين المرأة جزء من ذلك المستقبل، يجب ألا نخاف من تعليم المرأة أو عملها أو تنصيبها في أعلى المناصب، أثبتت الدراسات أن المرأة أكثر جدية وإلتزاماً، وأقل هدراً للوقت وأندر فساداً في العمل الإداري... ديننا الحنيف وتاريخنا الإسلامي يتمحور حول نساء فاضلات، مثل خديجة وعائشة وحفصة وأم سلمة وفاطمة وأسماء، رضوان الله عليهم، أمرنا نبينا ورسولنا الأعظم محمد «عليه أفضل الصلاة والسلام»، واستوصانا بالنساء خيراً، فهل ما نقوله أو نفعله، سراً أو جهراً، يتوافق مع ما استوصانا به نبينا ورسولنا الكريم؟ كم حديثاً يحكي تفصيلاً عن أقوال وأفعال سيد الخلق حدثت به عائشة، رضي الله عنها، فحفظناه عن ظهر قلب، وكان من أسس التشريع؟ كم آيةً نزلت جواباً عن أسئلة سألتها أم سلمة، رضي الله عنها؟ أم أننا نحتج ونتحجج بأعراف وعادات وتقاليد سادت ثم بادت؟ أو أننا وجدنا آباءنا على ملة وإنا على آثارهم لمقتفون؟ كان أسلافنا في الجاهلية (إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم)، فوأدوا المرأة ودفنوها تحت أديم الأرض وأهالوا عليها غبار التراب، وجاء الإسلام العظيم، فكرّم المرأة وجرم ذلك العمل الشائن، (وإذا الموؤدة سُئلت، بأي ذنب قتلت)، فهل نستمر اليوم بؤادها فوق الأرض ونهيل عليها، تجملاً، قليلاً أو كثيراً من غبار المكياج؟

النساء شقائق الرجال، والمرأة مكون أساسي وأصيل في كل مجتمع، ونحن في السعودية لسنا نشازاً بين الأمم، لذا فإنه من المضني، ونحن مجتمع متعدد ومتجدد الثقافات، أن نحتكم لثقافة محددة ومحدودة في الجغرافيا والتاريخ والفكر والنظام المعرفي، لكي تقودنا تلك الثقافة إلى المستقبل، و«تتوحم» على ثقافاتنا المتعددة وأفكارنا المتجددة وما أدركناه بالمعرفة والممارسة، وما تصورناه للمستقبل، كما أنه من غير العدل والإنصاف، أن تتوقف مسيرة المجتمع بأكمله نحو المستقبل لحين إقتناع فئة محدودة عدداً وعدة بأن تمكين المرأة هو أمر حتمي يفرضه الواقع العملي والاستشراف المستقبلي وفيه كل الخير، دنيا ودين... تصوير مجتمعنا على أنه مجموعة من الذئاب البشرية تنقض على كل أنثى، وتطارد كل خمار أسود، فيه كثير من التجني على الرجل والمرأة سواء بسواء، بل فيه تأكيد على عدم فاعلية وفعالية خطاب ديني عشناه عقوداً عدة .
أخيراً، المرأة مقبلة، شئنا أم أبينا، وولاة الأمر متفهمون ومدركون وداعمون ومؤيدون ولله الحمد والمنة، فلنهنئ أنفسنا وعقولنا، ونفرش لهن الورد، ونقدم لهن الود، فخير البر عاجله، والمثل الشعبي يقول: «شيء لابد منه استقرب منه»..ا

نتمنى أن نشاهد، عن قريب بإذن الله، بنات الوطن في مناصب مهمة في وزارة الخارجية، سفيرات في أميركا وأوروبا وآسيا، ووزيرات في مجلس الوزراء في التعليم والعمل والشؤون الاجتماعية والصحة والاقتصاد والتخطيط والتجارة، وحتى المالية، وعضوات فاعلات في مجلس الشورى يشاركن في كل اللجان من دون استثناء. لِمَّ لا؟ فليست مارغريت ثاتشر، أو مادلين أولبرايت، أو كورازان أكينو، أو نانسو تشيلر أو بينزير بوتو، أو كونداليزا رايس أو حتى هيلاري كلينتون بأفضل منهن


في الختام، هنيئاً لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده بأبنائه وبناته، وهنيئاً لوزير التعليم العالي على الكفاءات الوطنية، رجالاً ونساءً، وهنيئاً وشكراً للدكتور محمد العيسى على حسن الإدارة والقرار، وتهنئة خاصة للدكتورة موضي بنت عبدالله الخلف، وشكراً أيضاً، على كفاءتها وشجاعتها وقبولها المنصب بكل ما فيه من غرم يفوق أضعاف ما فيه من غنم... حفظ الله الوطن .