هل من اختلاف بين عقل الرجل وعقــــل المــــرأة؟
مرسل: الثلاثاء ديسمبر 18, 2012 10:25 pm
بقلمسارة منصور
مثلما لا يفهم الرجل المرأة، ويعتقد أنها تنظر الى الأمور وفق منظوره هو، كذلك المرأة فهي تعتقد أنه من الطبيعي أن يفهم الرجل أن الأمور تسير وفق رؤيتها. غير أن سنة التطور أدت الى نشوء بنية مختلفة لعمل الدماغ بينهما، وبالتالي فهم الأمور.
ولمزيد من التوضيح أفادت الأبحاث، خلال الثلاثين سنة الماضية، أن الدماغ عند الرجل والمرأة تطورا في شكل مختلف عن بعضهما البعض. وهذه المعرفة فرضت الحاجة لتعامل مختلف عند معالجة الأمراض النفسية وعند الأمور التعليمية. كما بينت الأبحاث أن المرأة والرجل يكملان بعضهما بعضا، وأنها عززت المفاهيم عن قدرات المرأة المميزة التي لا تقل عن قدرات الرجل بأي حال من الأحوال.
وكان قيل سابقاً أن الرجل والمرأة يملكان دماغاً ذا قابليات متماثلة، وذلك على الرغم من أن العلماء كانوا يعرفون أن دماغ الرجل أكبر حجماً بنحو عشرة في المئة عن دماغ المرأة، ويملك نحو أربعة مليارات خلية دماغية اكثر مما في دماغ المرأة، غير أن لا أحد استطاع أن يوثق أن هذه الاختلافات تعطي أصحابها قدرات مختلفة عن الآخرين.
وعليه لم يعد السؤال فيما اذا كان هناك اختلاف في القدرات بين المرأة والرجل، وإنما السؤال هو ما هي طبيعة هذا الاختلاف، وفيما اذا كان من الممكن استغلال هذه الاختلافات في بنية الدماغ من أجل تحسين علاج الأمراض النفسية، وتحسين التعليم بطرق تتطابق مع مميزات التلقي بين الأولاد والبنات؟
وبعودة الى المقدمة، وفرضنا جدلاً أن احدى الزوجات تظن أن زوجها تغيرت مشاعره تجاهها، أو العكس، أي يظن الزوج أن زوجته تغيرت مشاعرها تجاهه وهذا ظن غير صحيح، والصحيح هو أن السبب الأساسي وراء ذلك هو أن الرجل بحاجة لأن يتصرف وفق طبيعته كرجل، كما تحتاج المرأة أن تتصرف وفق طبيعتها كامرأة، ومن الخطأ أن ينكر احدهما على الآخر هذا الحق، أو ننكر على أبنائنا أن يتصرفوا كأطفال، أو على كبار السن أن يتصرفوا ككبار سن، أو على الزعماء أن يتصرفوا كزعماء. ويحدث كثيراً أن يعجز الانسان عن الاستمرار في تمثيل النفاق فترة طويلة، فيعود للتصرف على طبيعته، فلا يفهم الطرف الآخر، فيظن أنه تغير، فتحدث مشكلة.
وتؤكد الدراسات أن الخلاف بين الرجل والمرأة خلاف في أصل التكوين، وانه لا يمكن علاجه، وإنما يجب التعامل معه بعد أن يفهم كل طرف خصائص الطرف الآخر، ودوافع سلوكه التي تبدو له غريبة وغير مبررة. وترى -أي الدراسات- أن نتائجها صحيحة في شكل عام، وأنها تنطبق في معظم الحالات على الجميع، بعيداً عن علاقتها بالمجتمع أو الثقافة أو التربية، مع اقرارها ببعض الاستثناءات.
صناديق الرجل وشباك المرأة
وقد شبه أحد الباحثين النفسيين عقل الرجل بصناديق محكمة الاغلاق ومنفصلة عن بعضها. فهناك صندوق السيارة وصندوق البيت وصندوق الأهل وصندوق الأولاد وصندوق الأصدقاء وصندوق المقهى..الخ.
وإذا أراد الرجل شيئاً، فإنه يذهب إلى هذا الصندوق ويفتحه ويركز فيه، وعندما يكون داخل هذا الصندوق فإنه لا يرى شيئاً خارجه. وإذا انتهى منه أغلقه بإحكام ثم شرع في فتح صندوق آخر وهكذا.
وهذا ما يفسر أن الرجل عندما يكون في عمله، فإنه لا ينشغل كثيراً بما تقوله زوجته عما حدث للأولاد، وإذا كان يصلح سيارته فهو أقل اهتماماً بما يحدث لأقاربه، وعندما يشاهد مباراة لكرة القدم فهو لا يهتم كثيراً بأن الأكل على النار يحترق، أو أن عامل التليفون يقف على الباب منذ دقائق ينتظر إذنا بالدخول.
أما عقل المرأة فشيء آخر، إنه مجموعة من النقاط الشبكية المتقاطعة والمتصلة جميعاً في نفس الوقت والنشطة دائماً. كل نقطة متصلة بجميع النقاط الأخرى، مثل صفحة مليئة بالروابط على شبكة الإنترنت.
وبالتالي فهي يمكن أن تطبخ وترضع صغيرها وتتحدث في التليفون وتشاهد مسلسلاً في وقت واحد. ويستحيل على الرجل أن يفعل ذلك.
كما أنها يمكن أن تنتقل من حالة إلى حالة بسرعة ودقة ودون خسائر كبيرة. ويبدو هذا واضحاً في حديثها، فهي تتحدث عما فعلته بها جارتها والمسلسل التركي وما قالته لها حماتها ومستوى الأولاد الدراسي ولون ومواصفات الفستان الذي سترتديه في حفلة الغد، ورأيها في الحلقة الأخيرة لمسلسل ما، وعدد البيضات في "الكيكة" ضمن مكالمة تليفونية واحدة، أو ربما في جملة واحدة بسلاسة متناهية، وبدون أي إرهاق عقلي، وهو ما لا يستطيعه أكثر الرجال احترافاً وتدريباً.
والأخطر أن هذه الشبكة المتناهية التعقيد تعمل دائماً، ولا تتوقف عن العمل حتى أثناء النوم، ولذلك نجد أحلام المرأة أكثر تفصيلاً من أحلام الرجال.
والمثير في أمر صناديق الرجل أن لديه صندوقاً اسمه: "صندوق اللاشيء"، فهو يستطيع أن يفتح هذا الصندوق ثم يختفي فيه عقلياً، ولو بقي موجوداً بجسده وسلوكه. ويمكن للرجل أن يفتح التليفزيون ويبقى أمامه ساعات يقلب بين القنوات في بلاهة، وهو في الحقيقة يصنع لا شيء. ويمكنه أن يفعل الشيء نفسه أمام الإنترنت، ويمكنه أن يذهب ليصطاد فيضع الصنارة في الماء عدة ساعات، ثم يعود كما ذهب. تسأله زوجته ماذا اصطدت؟ فيقول: لا شيء، لأنه لم يكن يصطاد وإنما كان يصنع لا شيء.
وفي جامعة بنسلفانيا أثبتت دراسة حديثة هذه الحقيقة بتصوير نشاط المخ، (حيث تبين لها أن الرجل يمكن أن يقضي ساعات لا يصنع شيئاً تقريباً، أما المرأة فصورة المخ لديها تبدي نشاطاً وحركة لا تنقطع).
وتبرز المشكلة عندما تحدث الزوجة الشبكية زوجها الصندوقي فلا يرد عليها، وهي تفعل ذلك وسط أشياء كثيرة أخرى تفعلها، وهو لا يفهم هذا، لأنه، كرجل، يفهم أنه إذا أردنا أن نتحدث فعلينا أن ندخل صندوق الكلام وهي لم تفعل. وتقع الكارثة عندما يصادف هذا الحديث في الوقت الذي يكون الرجل فيه في صندوق اللاشيء، فهو حينها لا يسمع كلمة واحدة مما قالت، حتى لو كان يرد عليها.
ويحدث كثيراً أن تقسم الزوجة أنها قالت لزوجها خبراً أو معلومة، ويقسم هو أيضاً أنه أول مرة يسمع بهذا الموضوع، وكلاهما صادق، لأنها شبكية وهو صندوقي.
والحقيقة أنه لا يمكن للمرأة أن تدخل صندوق اللاشيء مع الرجل، لأنها بمجرد دخوله ستصبح شيئاً .. هذا أولاً، وثانياً أنها بمجرد دخولها ستبدأ في طرح الأسئلة: ماذا تفعل يا حبيبي؟ هل تريد مساعدة؟ هل هذا أفضل؟ ما هذا الشيء؟ كيف حدث هذا؟ وهنا يثور الرجل، ويطرد المرأة… لأنه يعلم أنها إن بقيت فلن تصمت، وهي تعلم أنها إن وعدت بالصمت، ففطرتها تمنعها من الوفاء به.
وفي حالات الإجهاد والضغط العصبي، يفضل الرجل أن يدخل صندوق اللاشيء، وتفضل المرأة أن تفعّل شبكتها فتتحدث في الموضوع مع أي أحد ولأطول فترة ممكنة. وإذا لم تتحدث عما يسبب لها الضغط والتوتر فيمكن لعقلها أن ينفجر، مثل ماكينة السيارة التي تعمل بأقصى طاقتها رغم أن الفرامل مكبوحة. والمرأة عندما تحدث زوجها فيما يخص أسباب عصبيتها لا تطلب من الرجل النصيحة أو الرأي، ويخطئ الرجل إذا بادر بتقديمهما، وكل ما تطلبه المرأة من الرجل هو أن يصمت و يستمع ويستمع ويستمع وفقط.
الرجل الصندوقي بسيط والمرأة الشبكية مركبة، واحتياجات الرجل الصندوقي محددة وبسيطة وممكنة وفي الأغلب مادية، وهي تتركز في أن يملأ أشياء ويفرغ أخرى.
أما احتياجات المرأة الشبكية فهي صعبة التحديد وهي مركبة ومتغيرة. قد ترضيها كلمة في احدى المرات، ولا تقنع بأقل من عقد ثمين مرة أخرى. وفي الحالتين فإن ما أرضاها ليس الكلمة ولا العقد وإنما الحالة التي تمت فيها صياغة الكلمة وتقديم العقد.
والرجل بطبيعته ليس مهيأ لعقد الكثير من هذه الصفقات المعقدة التي لا تستند لمنطق، والمرأة لا تستطيع أن تحدد طلباتها بوضوح ليستجيب لها الرجل مباشرة… وهكذا يرهق الرجل، ولا ترضى المرأة.
والرجل الصندوقي لا يحتفظ إلا بأقل التفاصيل في صناديقه، وإذا حدثته عن شيء سابق فهو يبحث عنه في الصناديق، فإذا كان الحديث مثلاً عن رحلة في الاجازة، فغالباً ما يكون في ركن خفي من صندوق العمل، فإذا لم يعثر عليه هناك فلن يعثر عليه أبداً. أما المرأة الشبكية فأغلب ما يمر على شبكتها فإن ذاكرتها تحتفظ بنسخة منه ويتم استدعاؤها بسهولة لأنها على السطح وليس في الصناديق. والمرأة لديها ذاكرة اقوى كثيراً من الرجل على عكس ما يعتقده الرجل.
ووفقاً لأحد التحاليل النفسية، فإن الرجل الصندوقي مصمم على الأخذ، والمرأة الشبكية مصممة على العطاء. ولذلك فعندما تطلب المرأة من الرجل شيئاً فإنه ينساه، لأنه لم يتعود أن يعطي وإنما تعود أن يأخذ. يأخذ في العمل، يأخذ في الطريق، يأخذ في المطعم، بينما اعتادت المرأة على العطاء، ولولا هذه الفطرة لما تمكنت من العناية بأبنائها.
وإذا سألت المرأة الرجل شيئاً، فأول رد يخطر على باله: ولماذا لا تفعلي ذلك بنفسك؟ وتظن الزوجة أن زوجها لم يلب طلبها لأنه يريد أن يحرجها، أو يريد أن يظهر تفوقه عليها، أو يريد أن يؤكد احتياجها له، أو التشفي فيها أو إهمالها، وهي تظن ذلك لأنها شخصية مركبة، وهو لم يستجب لطلبها لأنه نسيه، وهو نسيه لأنه شخصية بسيطة، ولأنها حين طلبت هذا الطلب كان داخل صندوق اللاشيء أو أنه عجز عن استقباله في الصندوق المناسب فضاع الطلب، أو أنه دخل في صندوق لم يفتحه الرجل من فترة طويلة.
مثلما لا يفهم الرجل المرأة، ويعتقد أنها تنظر الى الأمور وفق منظوره هو، كذلك المرأة فهي تعتقد أنه من الطبيعي أن يفهم الرجل أن الأمور تسير وفق رؤيتها. غير أن سنة التطور أدت الى نشوء بنية مختلفة لعمل الدماغ بينهما، وبالتالي فهم الأمور.
ولمزيد من التوضيح أفادت الأبحاث، خلال الثلاثين سنة الماضية، أن الدماغ عند الرجل والمرأة تطورا في شكل مختلف عن بعضهما البعض. وهذه المعرفة فرضت الحاجة لتعامل مختلف عند معالجة الأمراض النفسية وعند الأمور التعليمية. كما بينت الأبحاث أن المرأة والرجل يكملان بعضهما بعضا، وأنها عززت المفاهيم عن قدرات المرأة المميزة التي لا تقل عن قدرات الرجل بأي حال من الأحوال.
وكان قيل سابقاً أن الرجل والمرأة يملكان دماغاً ذا قابليات متماثلة، وذلك على الرغم من أن العلماء كانوا يعرفون أن دماغ الرجل أكبر حجماً بنحو عشرة في المئة عن دماغ المرأة، ويملك نحو أربعة مليارات خلية دماغية اكثر مما في دماغ المرأة، غير أن لا أحد استطاع أن يوثق أن هذه الاختلافات تعطي أصحابها قدرات مختلفة عن الآخرين.
وعليه لم يعد السؤال فيما اذا كان هناك اختلاف في القدرات بين المرأة والرجل، وإنما السؤال هو ما هي طبيعة هذا الاختلاف، وفيما اذا كان من الممكن استغلال هذه الاختلافات في بنية الدماغ من أجل تحسين علاج الأمراض النفسية، وتحسين التعليم بطرق تتطابق مع مميزات التلقي بين الأولاد والبنات؟
وبعودة الى المقدمة، وفرضنا جدلاً أن احدى الزوجات تظن أن زوجها تغيرت مشاعره تجاهها، أو العكس، أي يظن الزوج أن زوجته تغيرت مشاعرها تجاهه وهذا ظن غير صحيح، والصحيح هو أن السبب الأساسي وراء ذلك هو أن الرجل بحاجة لأن يتصرف وفق طبيعته كرجل، كما تحتاج المرأة أن تتصرف وفق طبيعتها كامرأة، ومن الخطأ أن ينكر احدهما على الآخر هذا الحق، أو ننكر على أبنائنا أن يتصرفوا كأطفال، أو على كبار السن أن يتصرفوا ككبار سن، أو على الزعماء أن يتصرفوا كزعماء. ويحدث كثيراً أن يعجز الانسان عن الاستمرار في تمثيل النفاق فترة طويلة، فيعود للتصرف على طبيعته، فلا يفهم الطرف الآخر، فيظن أنه تغير، فتحدث مشكلة.
وتؤكد الدراسات أن الخلاف بين الرجل والمرأة خلاف في أصل التكوين، وانه لا يمكن علاجه، وإنما يجب التعامل معه بعد أن يفهم كل طرف خصائص الطرف الآخر، ودوافع سلوكه التي تبدو له غريبة وغير مبررة. وترى -أي الدراسات- أن نتائجها صحيحة في شكل عام، وأنها تنطبق في معظم الحالات على الجميع، بعيداً عن علاقتها بالمجتمع أو الثقافة أو التربية، مع اقرارها ببعض الاستثناءات.
صناديق الرجل وشباك المرأة
وقد شبه أحد الباحثين النفسيين عقل الرجل بصناديق محكمة الاغلاق ومنفصلة عن بعضها. فهناك صندوق السيارة وصندوق البيت وصندوق الأهل وصندوق الأولاد وصندوق الأصدقاء وصندوق المقهى..الخ.
وإذا أراد الرجل شيئاً، فإنه يذهب إلى هذا الصندوق ويفتحه ويركز فيه، وعندما يكون داخل هذا الصندوق فإنه لا يرى شيئاً خارجه. وإذا انتهى منه أغلقه بإحكام ثم شرع في فتح صندوق آخر وهكذا.
وهذا ما يفسر أن الرجل عندما يكون في عمله، فإنه لا ينشغل كثيراً بما تقوله زوجته عما حدث للأولاد، وإذا كان يصلح سيارته فهو أقل اهتماماً بما يحدث لأقاربه، وعندما يشاهد مباراة لكرة القدم فهو لا يهتم كثيراً بأن الأكل على النار يحترق، أو أن عامل التليفون يقف على الباب منذ دقائق ينتظر إذنا بالدخول.
أما عقل المرأة فشيء آخر، إنه مجموعة من النقاط الشبكية المتقاطعة والمتصلة جميعاً في نفس الوقت والنشطة دائماً. كل نقطة متصلة بجميع النقاط الأخرى، مثل صفحة مليئة بالروابط على شبكة الإنترنت.
وبالتالي فهي يمكن أن تطبخ وترضع صغيرها وتتحدث في التليفون وتشاهد مسلسلاً في وقت واحد. ويستحيل على الرجل أن يفعل ذلك.
كما أنها يمكن أن تنتقل من حالة إلى حالة بسرعة ودقة ودون خسائر كبيرة. ويبدو هذا واضحاً في حديثها، فهي تتحدث عما فعلته بها جارتها والمسلسل التركي وما قالته لها حماتها ومستوى الأولاد الدراسي ولون ومواصفات الفستان الذي سترتديه في حفلة الغد، ورأيها في الحلقة الأخيرة لمسلسل ما، وعدد البيضات في "الكيكة" ضمن مكالمة تليفونية واحدة، أو ربما في جملة واحدة بسلاسة متناهية، وبدون أي إرهاق عقلي، وهو ما لا يستطيعه أكثر الرجال احترافاً وتدريباً.
والأخطر أن هذه الشبكة المتناهية التعقيد تعمل دائماً، ولا تتوقف عن العمل حتى أثناء النوم، ولذلك نجد أحلام المرأة أكثر تفصيلاً من أحلام الرجال.
والمثير في أمر صناديق الرجل أن لديه صندوقاً اسمه: "صندوق اللاشيء"، فهو يستطيع أن يفتح هذا الصندوق ثم يختفي فيه عقلياً، ولو بقي موجوداً بجسده وسلوكه. ويمكن للرجل أن يفتح التليفزيون ويبقى أمامه ساعات يقلب بين القنوات في بلاهة، وهو في الحقيقة يصنع لا شيء. ويمكنه أن يفعل الشيء نفسه أمام الإنترنت، ويمكنه أن يذهب ليصطاد فيضع الصنارة في الماء عدة ساعات، ثم يعود كما ذهب. تسأله زوجته ماذا اصطدت؟ فيقول: لا شيء، لأنه لم يكن يصطاد وإنما كان يصنع لا شيء.
وفي جامعة بنسلفانيا أثبتت دراسة حديثة هذه الحقيقة بتصوير نشاط المخ، (حيث تبين لها أن الرجل يمكن أن يقضي ساعات لا يصنع شيئاً تقريباً، أما المرأة فصورة المخ لديها تبدي نشاطاً وحركة لا تنقطع).
وتبرز المشكلة عندما تحدث الزوجة الشبكية زوجها الصندوقي فلا يرد عليها، وهي تفعل ذلك وسط أشياء كثيرة أخرى تفعلها، وهو لا يفهم هذا، لأنه، كرجل، يفهم أنه إذا أردنا أن نتحدث فعلينا أن ندخل صندوق الكلام وهي لم تفعل. وتقع الكارثة عندما يصادف هذا الحديث في الوقت الذي يكون الرجل فيه في صندوق اللاشيء، فهو حينها لا يسمع كلمة واحدة مما قالت، حتى لو كان يرد عليها.
ويحدث كثيراً أن تقسم الزوجة أنها قالت لزوجها خبراً أو معلومة، ويقسم هو أيضاً أنه أول مرة يسمع بهذا الموضوع، وكلاهما صادق، لأنها شبكية وهو صندوقي.
والحقيقة أنه لا يمكن للمرأة أن تدخل صندوق اللاشيء مع الرجل، لأنها بمجرد دخوله ستصبح شيئاً .. هذا أولاً، وثانياً أنها بمجرد دخولها ستبدأ في طرح الأسئلة: ماذا تفعل يا حبيبي؟ هل تريد مساعدة؟ هل هذا أفضل؟ ما هذا الشيء؟ كيف حدث هذا؟ وهنا يثور الرجل، ويطرد المرأة… لأنه يعلم أنها إن بقيت فلن تصمت، وهي تعلم أنها إن وعدت بالصمت، ففطرتها تمنعها من الوفاء به.
وفي حالات الإجهاد والضغط العصبي، يفضل الرجل أن يدخل صندوق اللاشيء، وتفضل المرأة أن تفعّل شبكتها فتتحدث في الموضوع مع أي أحد ولأطول فترة ممكنة. وإذا لم تتحدث عما يسبب لها الضغط والتوتر فيمكن لعقلها أن ينفجر، مثل ماكينة السيارة التي تعمل بأقصى طاقتها رغم أن الفرامل مكبوحة. والمرأة عندما تحدث زوجها فيما يخص أسباب عصبيتها لا تطلب من الرجل النصيحة أو الرأي، ويخطئ الرجل إذا بادر بتقديمهما، وكل ما تطلبه المرأة من الرجل هو أن يصمت و يستمع ويستمع ويستمع وفقط.
الرجل الصندوقي بسيط والمرأة الشبكية مركبة، واحتياجات الرجل الصندوقي محددة وبسيطة وممكنة وفي الأغلب مادية، وهي تتركز في أن يملأ أشياء ويفرغ أخرى.
أما احتياجات المرأة الشبكية فهي صعبة التحديد وهي مركبة ومتغيرة. قد ترضيها كلمة في احدى المرات، ولا تقنع بأقل من عقد ثمين مرة أخرى. وفي الحالتين فإن ما أرضاها ليس الكلمة ولا العقد وإنما الحالة التي تمت فيها صياغة الكلمة وتقديم العقد.
والرجل بطبيعته ليس مهيأ لعقد الكثير من هذه الصفقات المعقدة التي لا تستند لمنطق، والمرأة لا تستطيع أن تحدد طلباتها بوضوح ليستجيب لها الرجل مباشرة… وهكذا يرهق الرجل، ولا ترضى المرأة.
والرجل الصندوقي لا يحتفظ إلا بأقل التفاصيل في صناديقه، وإذا حدثته عن شيء سابق فهو يبحث عنه في الصناديق، فإذا كان الحديث مثلاً عن رحلة في الاجازة، فغالباً ما يكون في ركن خفي من صندوق العمل، فإذا لم يعثر عليه هناك فلن يعثر عليه أبداً. أما المرأة الشبكية فأغلب ما يمر على شبكتها فإن ذاكرتها تحتفظ بنسخة منه ويتم استدعاؤها بسهولة لأنها على السطح وليس في الصناديق. والمرأة لديها ذاكرة اقوى كثيراً من الرجل على عكس ما يعتقده الرجل.
ووفقاً لأحد التحاليل النفسية، فإن الرجل الصندوقي مصمم على الأخذ، والمرأة الشبكية مصممة على العطاء. ولذلك فعندما تطلب المرأة من الرجل شيئاً فإنه ينساه، لأنه لم يتعود أن يعطي وإنما تعود أن يأخذ. يأخذ في العمل، يأخذ في الطريق، يأخذ في المطعم، بينما اعتادت المرأة على العطاء، ولولا هذه الفطرة لما تمكنت من العناية بأبنائها.
وإذا سألت المرأة الرجل شيئاً، فأول رد يخطر على باله: ولماذا لا تفعلي ذلك بنفسك؟ وتظن الزوجة أن زوجها لم يلب طلبها لأنه يريد أن يحرجها، أو يريد أن يظهر تفوقه عليها، أو يريد أن يؤكد احتياجها له، أو التشفي فيها أو إهمالها، وهي تظن ذلك لأنها شخصية مركبة، وهو لم يستجب لطلبها لأنه نسيه، وهو نسيه لأنه شخصية بسيطة، ولأنها حين طلبت هذا الطلب كان داخل صندوق اللاشيء أو أنه عجز عن استقباله في الصندوق المناسب فضاع الطلب، أو أنه دخل في صندوق لم يفتحه الرجل من فترة طويلة.