توصيات لمرضى القلب: اهتموا بصحتكم في فصل الشتاء
مرسل: الثلاثاء ديسمبر 18, 2012 11:13 pm
بقلم حسن محمد صندقجي
"على الناس أن يُدركوا احتمالات أن يكون من الصعب ضبط مقدار قراءات قياس ضغط الدم لديهم خلال فصل الشتاء، ولذا عليهم أن يكونوا حذرين أكثر خلال تلك الفترة من السنة". بهذه الكلمات لخص الدكتور روس فلتشر نتائج دراسته التي طرحها في المؤتمر السنوي لرابطة القلب الأميركية العام 2008.
ويظل العنوان الأبرز، بالنسبة لأطباء ومرضى القلب، هو أن فصل الشتاء فترة زمنية من السنة تتطلب العناية الخاصة بصحة القلب والأوعية الدموية. وإن قلل البعض من أهمية ما يجري طرحه في اللقاءات العالمية لطب القلب باعتبار أن من الطبيعي أن تستدعي فترة الشتاء الاهتمام الصحي من قبل كل الناس، أطفالاً ومتوسطي عمر وبالغين فيه، ذكوراً وإناثاً، وذلك للوقاية من ميكروبات الشتاء الموسمية ومن التقلبات البيئية في المحيط الذي نعيش فيه، كالمناخ وغيره، إلا أن ما يُطرح علمياً، من أجل التطبيق العملي المباشر، هو أن ثمة تغيرات فسيولوجية حيوية في الجسم تجعل القلب والأوعية الدموية أكثر عرضة للتأثر السلبي بمجموعة هذه الميكروبات والتقلبات البيئية المُصاحبة لفصل الشتاء.
ولئن كان البعض يعتقد أن تأثيرات فصل الشتاء على صحة الجسم، خصوصاً القلب والأوعية الدموية، مرتبطة بشكل وثيق بمدى الانخفاض في درجات حرارة الجو فقط، أو بمدى هطول الأمطار والثلوج وغيرها، فهو مخطئ ومجاف لحقيقة ما يجري من تأثر في الجسم بموسم الشتاء كفترة زمنية.
والسبب أن الدراسات الطبية، التي تتبعت على سبيل المثال مدى احتمالات عدم انضباط مقدار ضغط الدم خلال الشتاء مقارنة بالصيف، لم تلحظ أن التأثيرات السلبية تلك للشتاء على الناس لها علاقة بمدى تدني درجة الحرارة الخارجية بين المدن المختلفة جغرافياً على مستويات خطوط العرض. بل الأمر أوسع ومرتبط بفترة الشتاء كفصل مستقل من فصول السنة في كافة مناطق شمالي الكرة الأرضية.
وضمن فعاليات اللقاء السنوي لرابطة القلب الأميركية، قال الباحثون في واشنطن إن ضبط قراءات قياس ضغط الدم لدى المرضى أصعب في الشتاء. وأضافوا أنهم لاحظوا أن احتمالات نجاح العلاج في تحقيق خفض مقدار ضغط الدم لدى المرضى، والوصول به بالتالي إلى الأرقام الطبيعية، كانت أضعف في الشتاء، مقارنة بما يتم لهم تحقيقه في الصيف.
وهي الدراسة التي علق عليها الدكتور جوناثان هالبرين، الناطق باسم رابطة القلب الأميركية وطبيب القلب في مركز ماونت ساناي الطبي بنيويورك، بقوله: “لكن على حد علمي هذه الدراسة هي الأولى التي وضحت لنا التغيرات الفصلية، في ضغط الدم. ضغط الدم وتشخيصه. وكما هو معلوم أن ارتفاع ضغط الدم لا يتسبب غالباً في ظهور أية أعراض يشكو منها المريض، كي تدل على وجود ارتفاع فيه”.
لكنه مع ذلك قد يتسبب في مشاكل صحية كبيرة وعالية في أهمية التأثير على سلامة حياة المرضى، نتيجة المُضاعفات التي تؤدي الى فشل القلب وجلطات الشرايين القلبية والسكتة الدماغية والفشل الكلوي.
والطبيعي أن تكون قراءة ضغط الدم أقل من 120 للضغط الانقباضي، على أقل من 80 للضغط الانبساطي، أي بالجملة يُقال أقل من 120/80 ملليمتر زئبق. وحينما يكون الضغط الانقباضي بين 120 و 139، أو الضغط الانبساطي بين 80 إلى 89، فإن قراءة ضغط الدم لا تُعتبر لدى أطباء القلب طبيعية، كما أنها في نفس الوقت لا تُعتبر دلالة على وجود مرض ارتفاع ضغط الدم، بل تُصنف على أنها مرحلة ما قبل ارتفاع ضغط الدم prehypertension. أما إن كانت قراءة الضغط الانقباضي 140 وما فوق، أو الضغط الانبساطي 90 وما فوق، ويتم تكرار رصدها في ثلاثة أيام متفرقة، فيتم تشخيص الإصابة بحالة ارتفاع ضغط الدم.
ويُمكن العمل على تحقيق نجاح ضبط قراءاته لتُصبح ضمن المعدلات الطبيعية باتباع سلوكيات صحية في نمط الحياة، وبتناول الأدوية الخافضة لارتفاعه، وبالمتابعة الدقيقة لأي تغيرات في قراءة قياسه، أو لأي من الآثار الجانبية لأدوية علاجه، أو ظهور أي بوادر لوجود مضاعفات في الأعضاء المستهدفة بالضرر منه.
ضغط الدم والشتاء
وشملت دراسة الباحثين في المركز الطبي، لقدامى المُحاربين في واشنطن، شريحة واسعة من أولئك المُحاربين القدامى المُصابين بارتفاع ضغط الدم، بلغت نحو 444 ألف شخص، ممن متوسط أعمارهم نحو 66 سنة. وتمت في الدراسة متابعة قراءات قياس مقدار ضغط الدم لهم خلال خمس سنوات متواصلة. وتنوعت مناطق سكنهم، لتشمل 15 مدينة موزعة على طول البلاد وعرضها، وتحديداً ضم توزيع المدن تلك الموجودة في أقاصي المناطق الباردة من الولايات المتحدة مثل أنشوراج Anchorage في ولاية ألاسكا، ومدناً موجودة في مناطق دافئة تحت سلطتها مثل سان خوان San Juan في بورتاريكو.
وتوصل الباحثون إلى نتيجة مفادها أنه مهما كانت المدينة التي يسكن فيها أولئك المرضى، وبغض النظر عن مقدار درجة حرارة الجو فيها خلال فصل الشتاء، وكذلك بغض النظر عن جنس المرضى أو عرقهم، فإن عدد من يتم ضبط قياس ضغط الدم لديهم بالعلاج، كان أقل في أشهر الشتاء مقارنة بذلك في الصيف.
وقال الدكتور روس فلتشر، الباحث الرئيس في الدراسة: “إننا لاحظنا اختلافاً، في مقدار ضغط الدم، فيما بين فصول السنة، وذلك لدى السكان في كل المدن”. وأضاف انه مهما كان موقع المدينة، التي يسكنها المريض فإنه، في كل صيف يتحسن ضغط الدم، وفي كل شتاء يسوء. وتحديداً قال الباحثون: إن لا فرق في هذا بين مدن ألاسكا ومدن مناطق دافئة في الكاريبي. وأنهم لم يجدوا الفرق بين ضغط الدم في الشتاء وفي الصيف أعلى فقط في المدن الشديدة البرودة.
وما تتحدث عنه الدراسة الواسعة، من ناحيتي عدد المشمولين فيها وطول أمد المتابعة، هو أعلى مما كان يُظن في السابق، لأن الباحثين لاحظوا أن التغيرات في مقدار ضغط الدم خلال الشتاء، بالمقارنة مع الصيف، طالت أكثر من 60% من المرضى. ووصف الدكتور فلتشر مقدار ذلك التغير في نتائج قياس الضغط بأنه "تغير واضح" marked change.
وقال الباحثون إن نتائجهم تقترح أن معالجة منْ لديهم مرض ارتفاع ضغط الدم قد تتطلب تناول جرعات أعلى من الأدوية التي يتناولونها عادة، وربما عليهم إضافة تناول أنواع أخرى منها خلال شهور الشتاء. وما يبدو هو أنه لو أراد المرء ضبط أي ارتفاع في ضغط الدم لديه، فإن حالة "السقوط الشتوي" winter dip في نجاح السيطرة على أي ارتفاعات فيه يجب أن يُنظر إليها باهتمام. وعلى الناس أن يُدركوا احتمالات أن يكون من الصعب ضبط مقدار قراءات قياس ضغط الدم لديهم خلال فصل الشتاء، ولذا عليهم أن يكونوا حذرين أكثر خلال تلك الفترة من السنة.
الوزن والحركة
وعلى الرغم من اعتراف الباحثين أنهم لم يكونوا بصدد بحث أسباب تلك الاختلافات لضغط الدم عبر فصول السنة، وعلى الرغم أيضاً مما يُطرح عادة من تعليلات فولكلورية طبية شتى، إلا أن الباحثين صرحوا بأن ما يعتقدون أنه أسباب ذلك هو ربما مجرد تلك التغيرات في حرارة الجو، بغض النظر عن مقدارها، أو في ضوء النهار، التي تُصاحب فصل الشتاء عادة. وهو ما يدل على أن الباحثين أضافوا إلى الأسباب التي تُذكر تقليدياً لتعليل الأمر، طرح جوانب مناخية وفيزيائية يتميز بها الشتاء من دون الصيف، وتُؤثر في فسيولوجيا وأنظمة القلب والأوعية الدموية.
وبالإضافة إلى ارتفاع ضغط الدم، تحصل في فصل الشتاء تغيرات في الجسم ناتجة عن أسباب عدة. وهي ما تتسبب أيضاً بتغيرات في ضغط الدم. وأعطى الدكتور فلتشر، كما صرح بذلك العديد من المصادر الطبية من قبل، مثالاً بزيادة الوزن، حيث تظهر على غالب الناس زيادة نسبية في الوزن نتيجة تغيرات عادات ومكونات تناول وجبات الطعام، ونتيجة قلة الحركة والمجهود البدني، خلال فصل الشتاء مقارنة بالصيف. وكما علق الدكتور هالبرين، في رابطة القلب الأميركية، ضغط الدم يرتفع مع زيادة الوزن، وينخفض بانخفاضه.
ولاحظ الباحثون في دراستهم هذا الأمر على منْ شملتهم الدراسة الأخيرة الواسعة. وقالوا إنهم لا يعتقدون بأن ارتفاع ضغط الدم أدى إلى زيادة الوزن، بل ربما زيادة الوزن هي التي أسهمت في رفع ضغط الدم. كما قالوا بأن الناس في فصل الشتاء ربما يتناولون أطعمة عالية المحتوى من الملح، ما يُؤدي هو الآخر إلى رفع مقدار ضغط الدم.
كما ذكر الباحثون أن ثمة نقصا في مقدار الحركة البدنية وممارسة الرياضة خلال فصل الشتاء، مقارنة بالصيف. وهو ما قد يكون عاملاً آخر يُساهم في تفاقم مشكلة ارتفاع الضغط الدموي خلال الشتاء.
عناصر أخرى
واضافة الى احتمالات ارتفاع ضغط الدم في فصل الشتاء نتيجة لعوامل زيادة الوزن وقلة الحركة البدنية، فإن ثمة عوامل أخرى. ولعل من أهمها تلك الآثار الجانبية للأدوية المستخدمة في معالجة احتقان نزلات البرد والانفلونزا، والأدوية المستخدمة لتخفيف آلام المفاصل من الأنواع غير الستيرويدية كالفولتارين أو البروفين، وأدوية الكورتيزون وغيرها. وكذلك الاضطرابات العاطفية الموسمية Seasonal affective disorder، وما يتبعها من تغيرات نفسية مثل الاكتئاب وتدني مستوى المزاج وغيره. وهي التي تتفاقم في فصل الشتاء لدى الكثيرين بفعل عوامل شتى، أهمها اختلاف تعرض الجسم لكمية الضوء.
وتشير المصادر الطبية إلى أن برودة الجو أو طول ليل الشتاء وحدهما ليسا السبب الرئيس في نشوء الاضطرابات النفسية هذه. ويستدلون على أن نسبة الإصابة بها ليست عالية بالمقارنة بمناطق سيبيريا وآيسلاندا. والواقع أن علاقة الشتاء بالقلب أوسع من مجرد ارتفاع ضغط الدم، ومن العوامل الشتوية المؤدية لذلك. لأن الشتاء يرفع من احتمالات الإصابة بفيروسات نزلات البرد وفيروسات الانفلونزا الموسمية، ويرفع أيضاً من احتمالات الإصابة بالالتهابات البكتيرية في الجهاز التنفسي العلوي، مثل الأنف والجيوب الأنفية والحلق والقصبة الهوائية، والجهاز التنفسي السفلي، مثل الشعب الهوائية وأنسجة الرئة نفسها.
كما أن انخفاض درجة حرارة الجو في الشتاء يرفع من احتمالات التسبب بحالات انخفاض حرارة الجسم Hypothermia ، كما يؤدي إلى انقباض الأوعية الدموية في الجلد، ليرتفع مقدار ضغط الدم ويزيد جراء ذلك العبء على القلب. وبالتالي ترتفع احتمالات الإصابة بالجلطات القلبية والسكتة الدماغية. وهو ما أكده الدكتور روبرت بوناو، في رابطة القلب الأميركية، بقوله ان هناك عدة نتائج بحثت في التغيرات الفصلية لنوبات الجلطات القلبية والسكتة الدماغية، وأكدت على أن الإصابات بأي منهما ترتفع أيضاً في فصل الشتاء.
تعامل مرضى القلب مع التهابات
الجهاز التنفسي ومضادات الاحتقان
تحت عنوان “الطقس البارد يرفع خطورة أمراض القلب” تقول رابطة القلب الأميركية إن “عضة الصقيع” Frostbite والانزلاق على الجليد ليسا وحدهما ما يُشكلان الخطورة نتيجة طقس الشتاء، بل ان الشتاء أيضاً هو الفترة التي يجب أن يحتاط المرء فيها لحماية قلبه، خاصة إن كان لديه أحد أمراض القلب والأوعية الدموية.
وعرضت عدة جوانب مرضية تحتاج إلى اهتمام خاص ازاءها بالقلب. وقالت إن إحصاءات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) تشير إلى أنه في كل عام، في الولايات المتحدة فقط، يموت أكثر من 36 ألف شخص نتيجة الإصابة بالانفلونزا الموسمية، ويتم إدخال أكثر من 200 ألف شخص إلى المستشفيات لتلقي المعالجة نتيجة الإصابة بها. وان الدراسات العلمية أظهرت أن الوفيات بسبب الانفلونزا أعلى لدى مرضى القلب، مقارنة بالمُصابين بأي أمراض مزمنة أخرى.
وبينما يتم حث مرضى القلب على تلقي لقاح الانفلونزا الموسمية بمجرد توفر لقاحها، الذي يُنتج في كل عام نوع جديد منه ويتوفر في فترة شهر أكتوبر من كل عام، فإنه لا يُستحسن ثني منْ لم يتمكنوا من تلقي اللقاح في أول الموسم على تلقيه متى ما سنحت لهم الفرصة بذلك، بل حتى تلقي اللقاح في أواخر شهر ديسمبر أو أوائل يناير يظل مفيداً، لأن موسم الانفلونزا، في المناطق الباردة، يمتد حتى شهر مارس.
واستطردت بالقول إن على مرضى القلب، الذين يُصابون إما بنزلات البرد أو الانفلونزا، أن يتنبهوا إلى ما يتناولونه من أدوية لتخفيف الأعراض التي تبدو عليهم جراء أ ي من عدوى الفيروسات تلك. وغالبية ما هو متوفر من أدوية تُباع دونما الحاجة إلى وصفة طبية over-the-counter لمعالجة أعراض نزلات البرد أو الأنفلونزا تحتوي على مواد مُضادة للاحتقان decongestants. والمُصابون بمرض ارتفاع ضغط الدم يجب أن يعلموا أن استخدام مُضادات الاحتقان يُمكن أن يُؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم لديهم، كما يُمكن أن يُقلل من فاعلية أدوية علاج ارتفاع ضغط الدم التي يتناولونها، لأن مُضادات الاحتقان الشائعة الاستخدام في إنتاج هذه الأدوية، التي تباع دونما الحاجة إلى وصفة طبية، هي إما مادة زودوإفيدرين pseudoephedrine أو فينايلفرين phenylephrine.
ولو كنت ممن لديه ارتفاع ضغط الدم، فعليك استشارة الطبيب قبل تناول أي من هذه الأدوية المتوفرة دونما وصفة طبية. وشددت عباراتها بالقول قد تكون، بجهل منك، تضع نفسك في خطر كل مرة تصل فيها إلى خزانة الأدوية لتتناول أحد مضادات الاحتقان لعلاج أعراض نزلات البرد أو الانفلونزا.
ويقول الباحثون في جامعة هارفارد الأمريكية إن قلة ممن يتناولون أدوية معالجة احتقان نزلات البرد والانفلونزا يلتفتون إلى الملصق التحذيري عليها، والقائل: “لا تتناول هذا المُنتج لو كان لديك مرض في القلب أو ارتفاع ضغط الدم أو أمراض في الغدة الدرقية أو مرض السكري أو صعوبات في التبول نتيجة تضخم البروستاتة، ما لم تستشر طبيبك”.
وقالوا إن مضادات الاحتقان المحتوية على مادة زودوإفيدرين ترفع مقدار ضغط الدم. وبالرغم من أنها تتسبب بارتفاع طفيف في ضغط الدم، ويتناولها الملايين عبر السنين دونما أية مشاكل، إلا أن ثمة تقارير، لا يُمكن إهمالها، عن تسبب ذلك التناول في الإصابة بالجلطات القلبية والسكتة الدماغية واضطرابات إيقاع نبض القلب وغيرها من المُضاعفات في القلب والأوعية الدموية.
وأضافوا، نتيجة صدور العديد من القوانين الضابطة لتوفير مادة زودوإفيدرين، فإن العديد من شركات إنتاج الأدوية المضادة للاحتقان اتجه نحو إضافة مادة فينايلفرين بدل مادة زودوإفيدرين. لكن القليل من الدراسات الطبية فحص تأثير حتى هذه المادة على القلب، ما يتطلب المزيد من البحث.
والواقع أن حتى هذه الدراسات القليلة لا تزال تشير إلى أن لها تأثيرات ترفع من ضغط الدم.
"على الناس أن يُدركوا احتمالات أن يكون من الصعب ضبط مقدار قراءات قياس ضغط الدم لديهم خلال فصل الشتاء، ولذا عليهم أن يكونوا حذرين أكثر خلال تلك الفترة من السنة". بهذه الكلمات لخص الدكتور روس فلتشر نتائج دراسته التي طرحها في المؤتمر السنوي لرابطة القلب الأميركية العام 2008.
ويظل العنوان الأبرز، بالنسبة لأطباء ومرضى القلب، هو أن فصل الشتاء فترة زمنية من السنة تتطلب العناية الخاصة بصحة القلب والأوعية الدموية. وإن قلل البعض من أهمية ما يجري طرحه في اللقاءات العالمية لطب القلب باعتبار أن من الطبيعي أن تستدعي فترة الشتاء الاهتمام الصحي من قبل كل الناس، أطفالاً ومتوسطي عمر وبالغين فيه، ذكوراً وإناثاً، وذلك للوقاية من ميكروبات الشتاء الموسمية ومن التقلبات البيئية في المحيط الذي نعيش فيه، كالمناخ وغيره، إلا أن ما يُطرح علمياً، من أجل التطبيق العملي المباشر، هو أن ثمة تغيرات فسيولوجية حيوية في الجسم تجعل القلب والأوعية الدموية أكثر عرضة للتأثر السلبي بمجموعة هذه الميكروبات والتقلبات البيئية المُصاحبة لفصل الشتاء.
ولئن كان البعض يعتقد أن تأثيرات فصل الشتاء على صحة الجسم، خصوصاً القلب والأوعية الدموية، مرتبطة بشكل وثيق بمدى الانخفاض في درجات حرارة الجو فقط، أو بمدى هطول الأمطار والثلوج وغيرها، فهو مخطئ ومجاف لحقيقة ما يجري من تأثر في الجسم بموسم الشتاء كفترة زمنية.
والسبب أن الدراسات الطبية، التي تتبعت على سبيل المثال مدى احتمالات عدم انضباط مقدار ضغط الدم خلال الشتاء مقارنة بالصيف، لم تلحظ أن التأثيرات السلبية تلك للشتاء على الناس لها علاقة بمدى تدني درجة الحرارة الخارجية بين المدن المختلفة جغرافياً على مستويات خطوط العرض. بل الأمر أوسع ومرتبط بفترة الشتاء كفصل مستقل من فصول السنة في كافة مناطق شمالي الكرة الأرضية.
وضمن فعاليات اللقاء السنوي لرابطة القلب الأميركية، قال الباحثون في واشنطن إن ضبط قراءات قياس ضغط الدم لدى المرضى أصعب في الشتاء. وأضافوا أنهم لاحظوا أن احتمالات نجاح العلاج في تحقيق خفض مقدار ضغط الدم لدى المرضى، والوصول به بالتالي إلى الأرقام الطبيعية، كانت أضعف في الشتاء، مقارنة بما يتم لهم تحقيقه في الصيف.
وهي الدراسة التي علق عليها الدكتور جوناثان هالبرين، الناطق باسم رابطة القلب الأميركية وطبيب القلب في مركز ماونت ساناي الطبي بنيويورك، بقوله: “لكن على حد علمي هذه الدراسة هي الأولى التي وضحت لنا التغيرات الفصلية، في ضغط الدم. ضغط الدم وتشخيصه. وكما هو معلوم أن ارتفاع ضغط الدم لا يتسبب غالباً في ظهور أية أعراض يشكو منها المريض، كي تدل على وجود ارتفاع فيه”.
لكنه مع ذلك قد يتسبب في مشاكل صحية كبيرة وعالية في أهمية التأثير على سلامة حياة المرضى، نتيجة المُضاعفات التي تؤدي الى فشل القلب وجلطات الشرايين القلبية والسكتة الدماغية والفشل الكلوي.
والطبيعي أن تكون قراءة ضغط الدم أقل من 120 للضغط الانقباضي، على أقل من 80 للضغط الانبساطي، أي بالجملة يُقال أقل من 120/80 ملليمتر زئبق. وحينما يكون الضغط الانقباضي بين 120 و 139، أو الضغط الانبساطي بين 80 إلى 89، فإن قراءة ضغط الدم لا تُعتبر لدى أطباء القلب طبيعية، كما أنها في نفس الوقت لا تُعتبر دلالة على وجود مرض ارتفاع ضغط الدم، بل تُصنف على أنها مرحلة ما قبل ارتفاع ضغط الدم prehypertension. أما إن كانت قراءة الضغط الانقباضي 140 وما فوق، أو الضغط الانبساطي 90 وما فوق، ويتم تكرار رصدها في ثلاثة أيام متفرقة، فيتم تشخيص الإصابة بحالة ارتفاع ضغط الدم.
ويُمكن العمل على تحقيق نجاح ضبط قراءاته لتُصبح ضمن المعدلات الطبيعية باتباع سلوكيات صحية في نمط الحياة، وبتناول الأدوية الخافضة لارتفاعه، وبالمتابعة الدقيقة لأي تغيرات في قراءة قياسه، أو لأي من الآثار الجانبية لأدوية علاجه، أو ظهور أي بوادر لوجود مضاعفات في الأعضاء المستهدفة بالضرر منه.
ضغط الدم والشتاء
وشملت دراسة الباحثين في المركز الطبي، لقدامى المُحاربين في واشنطن، شريحة واسعة من أولئك المُحاربين القدامى المُصابين بارتفاع ضغط الدم، بلغت نحو 444 ألف شخص، ممن متوسط أعمارهم نحو 66 سنة. وتمت في الدراسة متابعة قراءات قياس مقدار ضغط الدم لهم خلال خمس سنوات متواصلة. وتنوعت مناطق سكنهم، لتشمل 15 مدينة موزعة على طول البلاد وعرضها، وتحديداً ضم توزيع المدن تلك الموجودة في أقاصي المناطق الباردة من الولايات المتحدة مثل أنشوراج Anchorage في ولاية ألاسكا، ومدناً موجودة في مناطق دافئة تحت سلطتها مثل سان خوان San Juan في بورتاريكو.
وتوصل الباحثون إلى نتيجة مفادها أنه مهما كانت المدينة التي يسكن فيها أولئك المرضى، وبغض النظر عن مقدار درجة حرارة الجو فيها خلال فصل الشتاء، وكذلك بغض النظر عن جنس المرضى أو عرقهم، فإن عدد من يتم ضبط قياس ضغط الدم لديهم بالعلاج، كان أقل في أشهر الشتاء مقارنة بذلك في الصيف.
وقال الدكتور روس فلتشر، الباحث الرئيس في الدراسة: “إننا لاحظنا اختلافاً، في مقدار ضغط الدم، فيما بين فصول السنة، وذلك لدى السكان في كل المدن”. وأضاف انه مهما كان موقع المدينة، التي يسكنها المريض فإنه، في كل صيف يتحسن ضغط الدم، وفي كل شتاء يسوء. وتحديداً قال الباحثون: إن لا فرق في هذا بين مدن ألاسكا ومدن مناطق دافئة في الكاريبي. وأنهم لم يجدوا الفرق بين ضغط الدم في الشتاء وفي الصيف أعلى فقط في المدن الشديدة البرودة.
وما تتحدث عنه الدراسة الواسعة، من ناحيتي عدد المشمولين فيها وطول أمد المتابعة، هو أعلى مما كان يُظن في السابق، لأن الباحثين لاحظوا أن التغيرات في مقدار ضغط الدم خلال الشتاء، بالمقارنة مع الصيف، طالت أكثر من 60% من المرضى. ووصف الدكتور فلتشر مقدار ذلك التغير في نتائج قياس الضغط بأنه "تغير واضح" marked change.
وقال الباحثون إن نتائجهم تقترح أن معالجة منْ لديهم مرض ارتفاع ضغط الدم قد تتطلب تناول جرعات أعلى من الأدوية التي يتناولونها عادة، وربما عليهم إضافة تناول أنواع أخرى منها خلال شهور الشتاء. وما يبدو هو أنه لو أراد المرء ضبط أي ارتفاع في ضغط الدم لديه، فإن حالة "السقوط الشتوي" winter dip في نجاح السيطرة على أي ارتفاعات فيه يجب أن يُنظر إليها باهتمام. وعلى الناس أن يُدركوا احتمالات أن يكون من الصعب ضبط مقدار قراءات قياس ضغط الدم لديهم خلال فصل الشتاء، ولذا عليهم أن يكونوا حذرين أكثر خلال تلك الفترة من السنة.
الوزن والحركة
وعلى الرغم من اعتراف الباحثين أنهم لم يكونوا بصدد بحث أسباب تلك الاختلافات لضغط الدم عبر فصول السنة، وعلى الرغم أيضاً مما يُطرح عادة من تعليلات فولكلورية طبية شتى، إلا أن الباحثين صرحوا بأن ما يعتقدون أنه أسباب ذلك هو ربما مجرد تلك التغيرات في حرارة الجو، بغض النظر عن مقدارها، أو في ضوء النهار، التي تُصاحب فصل الشتاء عادة. وهو ما يدل على أن الباحثين أضافوا إلى الأسباب التي تُذكر تقليدياً لتعليل الأمر، طرح جوانب مناخية وفيزيائية يتميز بها الشتاء من دون الصيف، وتُؤثر في فسيولوجيا وأنظمة القلب والأوعية الدموية.
وبالإضافة إلى ارتفاع ضغط الدم، تحصل في فصل الشتاء تغيرات في الجسم ناتجة عن أسباب عدة. وهي ما تتسبب أيضاً بتغيرات في ضغط الدم. وأعطى الدكتور فلتشر، كما صرح بذلك العديد من المصادر الطبية من قبل، مثالاً بزيادة الوزن، حيث تظهر على غالب الناس زيادة نسبية في الوزن نتيجة تغيرات عادات ومكونات تناول وجبات الطعام، ونتيجة قلة الحركة والمجهود البدني، خلال فصل الشتاء مقارنة بالصيف. وكما علق الدكتور هالبرين، في رابطة القلب الأميركية، ضغط الدم يرتفع مع زيادة الوزن، وينخفض بانخفاضه.
ولاحظ الباحثون في دراستهم هذا الأمر على منْ شملتهم الدراسة الأخيرة الواسعة. وقالوا إنهم لا يعتقدون بأن ارتفاع ضغط الدم أدى إلى زيادة الوزن، بل ربما زيادة الوزن هي التي أسهمت في رفع ضغط الدم. كما قالوا بأن الناس في فصل الشتاء ربما يتناولون أطعمة عالية المحتوى من الملح، ما يُؤدي هو الآخر إلى رفع مقدار ضغط الدم.
كما ذكر الباحثون أن ثمة نقصا في مقدار الحركة البدنية وممارسة الرياضة خلال فصل الشتاء، مقارنة بالصيف. وهو ما قد يكون عاملاً آخر يُساهم في تفاقم مشكلة ارتفاع الضغط الدموي خلال الشتاء.
عناصر أخرى
واضافة الى احتمالات ارتفاع ضغط الدم في فصل الشتاء نتيجة لعوامل زيادة الوزن وقلة الحركة البدنية، فإن ثمة عوامل أخرى. ولعل من أهمها تلك الآثار الجانبية للأدوية المستخدمة في معالجة احتقان نزلات البرد والانفلونزا، والأدوية المستخدمة لتخفيف آلام المفاصل من الأنواع غير الستيرويدية كالفولتارين أو البروفين، وأدوية الكورتيزون وغيرها. وكذلك الاضطرابات العاطفية الموسمية Seasonal affective disorder، وما يتبعها من تغيرات نفسية مثل الاكتئاب وتدني مستوى المزاج وغيره. وهي التي تتفاقم في فصل الشتاء لدى الكثيرين بفعل عوامل شتى، أهمها اختلاف تعرض الجسم لكمية الضوء.
وتشير المصادر الطبية إلى أن برودة الجو أو طول ليل الشتاء وحدهما ليسا السبب الرئيس في نشوء الاضطرابات النفسية هذه. ويستدلون على أن نسبة الإصابة بها ليست عالية بالمقارنة بمناطق سيبيريا وآيسلاندا. والواقع أن علاقة الشتاء بالقلب أوسع من مجرد ارتفاع ضغط الدم، ومن العوامل الشتوية المؤدية لذلك. لأن الشتاء يرفع من احتمالات الإصابة بفيروسات نزلات البرد وفيروسات الانفلونزا الموسمية، ويرفع أيضاً من احتمالات الإصابة بالالتهابات البكتيرية في الجهاز التنفسي العلوي، مثل الأنف والجيوب الأنفية والحلق والقصبة الهوائية، والجهاز التنفسي السفلي، مثل الشعب الهوائية وأنسجة الرئة نفسها.
كما أن انخفاض درجة حرارة الجو في الشتاء يرفع من احتمالات التسبب بحالات انخفاض حرارة الجسم Hypothermia ، كما يؤدي إلى انقباض الأوعية الدموية في الجلد، ليرتفع مقدار ضغط الدم ويزيد جراء ذلك العبء على القلب. وبالتالي ترتفع احتمالات الإصابة بالجلطات القلبية والسكتة الدماغية. وهو ما أكده الدكتور روبرت بوناو، في رابطة القلب الأميركية، بقوله ان هناك عدة نتائج بحثت في التغيرات الفصلية لنوبات الجلطات القلبية والسكتة الدماغية، وأكدت على أن الإصابات بأي منهما ترتفع أيضاً في فصل الشتاء.
تعامل مرضى القلب مع التهابات
الجهاز التنفسي ومضادات الاحتقان
تحت عنوان “الطقس البارد يرفع خطورة أمراض القلب” تقول رابطة القلب الأميركية إن “عضة الصقيع” Frostbite والانزلاق على الجليد ليسا وحدهما ما يُشكلان الخطورة نتيجة طقس الشتاء، بل ان الشتاء أيضاً هو الفترة التي يجب أن يحتاط المرء فيها لحماية قلبه، خاصة إن كان لديه أحد أمراض القلب والأوعية الدموية.
وعرضت عدة جوانب مرضية تحتاج إلى اهتمام خاص ازاءها بالقلب. وقالت إن إحصاءات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) تشير إلى أنه في كل عام، في الولايات المتحدة فقط، يموت أكثر من 36 ألف شخص نتيجة الإصابة بالانفلونزا الموسمية، ويتم إدخال أكثر من 200 ألف شخص إلى المستشفيات لتلقي المعالجة نتيجة الإصابة بها. وان الدراسات العلمية أظهرت أن الوفيات بسبب الانفلونزا أعلى لدى مرضى القلب، مقارنة بالمُصابين بأي أمراض مزمنة أخرى.
وبينما يتم حث مرضى القلب على تلقي لقاح الانفلونزا الموسمية بمجرد توفر لقاحها، الذي يُنتج في كل عام نوع جديد منه ويتوفر في فترة شهر أكتوبر من كل عام، فإنه لا يُستحسن ثني منْ لم يتمكنوا من تلقي اللقاح في أول الموسم على تلقيه متى ما سنحت لهم الفرصة بذلك، بل حتى تلقي اللقاح في أواخر شهر ديسمبر أو أوائل يناير يظل مفيداً، لأن موسم الانفلونزا، في المناطق الباردة، يمتد حتى شهر مارس.
واستطردت بالقول إن على مرضى القلب، الذين يُصابون إما بنزلات البرد أو الانفلونزا، أن يتنبهوا إلى ما يتناولونه من أدوية لتخفيف الأعراض التي تبدو عليهم جراء أ ي من عدوى الفيروسات تلك. وغالبية ما هو متوفر من أدوية تُباع دونما الحاجة إلى وصفة طبية over-the-counter لمعالجة أعراض نزلات البرد أو الأنفلونزا تحتوي على مواد مُضادة للاحتقان decongestants. والمُصابون بمرض ارتفاع ضغط الدم يجب أن يعلموا أن استخدام مُضادات الاحتقان يُمكن أن يُؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم لديهم، كما يُمكن أن يُقلل من فاعلية أدوية علاج ارتفاع ضغط الدم التي يتناولونها، لأن مُضادات الاحتقان الشائعة الاستخدام في إنتاج هذه الأدوية، التي تباع دونما الحاجة إلى وصفة طبية، هي إما مادة زودوإفيدرين pseudoephedrine أو فينايلفرين phenylephrine.
ولو كنت ممن لديه ارتفاع ضغط الدم، فعليك استشارة الطبيب قبل تناول أي من هذه الأدوية المتوفرة دونما وصفة طبية. وشددت عباراتها بالقول قد تكون، بجهل منك، تضع نفسك في خطر كل مرة تصل فيها إلى خزانة الأدوية لتتناول أحد مضادات الاحتقان لعلاج أعراض نزلات البرد أو الانفلونزا.
ويقول الباحثون في جامعة هارفارد الأمريكية إن قلة ممن يتناولون أدوية معالجة احتقان نزلات البرد والانفلونزا يلتفتون إلى الملصق التحذيري عليها، والقائل: “لا تتناول هذا المُنتج لو كان لديك مرض في القلب أو ارتفاع ضغط الدم أو أمراض في الغدة الدرقية أو مرض السكري أو صعوبات في التبول نتيجة تضخم البروستاتة، ما لم تستشر طبيبك”.
وقالوا إن مضادات الاحتقان المحتوية على مادة زودوإفيدرين ترفع مقدار ضغط الدم. وبالرغم من أنها تتسبب بارتفاع طفيف في ضغط الدم، ويتناولها الملايين عبر السنين دونما أية مشاكل، إلا أن ثمة تقارير، لا يُمكن إهمالها، عن تسبب ذلك التناول في الإصابة بالجلطات القلبية والسكتة الدماغية واضطرابات إيقاع نبض القلب وغيرها من المُضاعفات في القلب والأوعية الدموية.
وأضافوا، نتيجة صدور العديد من القوانين الضابطة لتوفير مادة زودوإفيدرين، فإن العديد من شركات إنتاج الأدوية المضادة للاحتقان اتجه نحو إضافة مادة فينايلفرين بدل مادة زودوإفيدرين. لكن القليل من الدراسات الطبية فحص تأثير حتى هذه المادة على القلب، ما يتطلب المزيد من البحث.
والواقع أن حتى هذه الدراسات القليلة لا تزال تشير إلى أن لها تأثيرات ترفع من ضغط الدم.