فصل الكلام في معاهدة السلام
مرسل: الأربعاء ديسمبر 19, 2012 10:27 am
بسم الله الرحمن الرحيم
إتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام
كثر الجدل في الآونة الأخيرة حول إتفاقية كامب ديفيد وتعالت الأصوات في الداخل والخارج ما بين معارض ومؤيد لها ومنذ قيام ثورة 25 يناير في مصر والتخلص من حلفاء إسرائيل وأصدقائها (مبارك وبعض أعوانه) سيطر القلق والخوف الشديد على اليهود من إحتمال تعديل أو إلغاء تلك الإتفاقية وخاصة بعد فوز الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ولذلك قررت البحث في هذا الموضوع وخلصت بالآتي:
زيارة السادات للقدس المحتلة
ولتكن البداية من انتهاء حرب أكتوبر وخروج قواتنا المسلحة منتصرة بالرغم من عدم تجاوزنا أكثر من كيلومترات معدودة داخل الضفة الشرقية للقناة وكان بإمكاننا تحقيق نتائج أفضل من ذلك بكثير لولا تباطؤ بعض القادة – وهذا ليس موضوعنا الآن – ولكن العالم كله يشهد أننا حققنا معجزة وانتصرنا على الجيش الذي لا يقهر وتمكنا من اجتياز كل الموانع المائية والبرية التي أنشأها العدو وألحقنا به خسائر فادحة في الأرواح والمعدات , ثم دخلنا بعد الحرب في مرحلة جديدة من مراحل الصراع مع اليهود الصهاينة وهي مرحلة المفاوضات , والمنطق العقلي والسياسي يقول أن الدولة المنتصرة في الحرب تدخل المفاوضات بعزة نفس وبروح الانتصار والدولة المنهزمة تدخل المفاوضات بإنكسار وبروح الهزيمة ولكن العكس تماما هو ما حدث حيث فاجأ السادات الجميع بزيارته للقدس المحتلة عام 1977م طالبا السلام لكي يثبت للعالم أننا نريد السلام العادل والشامل ولكن لم يفهم العدو ذلك وإنما كان لتلك الزيارة أكبر الأثر في نفوس المتفاوضين اليهود وخاصة مناحم بيجن رئيس وزراء الكيان الصهيوني حيث زاد غطرسة وكبرياء وتعنت وشعر بضعف الجانب المصري وأثر ذلك على مسار المفاوضات كما سنرى لاحقا
إتفاق منفرد وضياع تأييد الحلفاء العرب
وأصبح المفاوضون اليهود يدخلون في المفاوضات ليس من أجل الوصول للسلام وإنما ليحصولوا على مزيد من التنازلات من الجانب المصري وقالها بيجن صراحة ((إنني سأعطي السادات من سيناء بقدر ما يتنازل عنه من فلسطين))
وهكذا قبل اليهود التفاوض بشرط التنازل عن القضية الفلسطينية وبدون الوصول إلى حل حقيقي لسيناء وقد يتساءل البعض وما علاقتنا بفلسطين؟ المهم أن نسترد أرضنا المحتلة في سيناء , وأجيب عن هذا التساؤل وأقول إن هذا تفكير سطحي وضيق الأفق ولن أسرد واجبنا كمسلمين تجاه المسجد الأقصى والقدس ولكن سأتكلم من الناحية السياسية البحتة وأقول إن أهمية القضية الفلسطينية في ذلك الوقت ترجع إلى كسب تأييد ومساندة الدول العربية وهو دور لا يستهان به وخاصة بعد حرب 1973 م وما أثبته العرب من مساندة الجيش المصري أثناء الحرب حيث قامت دول الخليج بمنع البترول عن دول الاحتلال وإغلاق مضيق باب المندب وقامت المغرب بإرسال قوات للإشتراك في الحرب وقامت الجزائر بشراء 100 دبابة نقدا من الاتحاد السوفيتي وإرسالها إلى جبهة القتال فكان للعرب أفضل الأثر في انتصار الجيش المصري بعد توفيق الله ثم بسالة الجندي المصري , كما أن تأييد الدول العربية للمفاوض المصري والتعامل مع القضية بكاملها بما فيها سيناء وفلسطين وباقي الأراضي العربية المحتلة كان من شأنه إضعاف قوة الجانب اليهودي وهذا ما حاول بعض المفاوضين من الجانب المصري أن يشرحه للسادات ولكنه لم يستمع وتصرف برأي منفرد
لماذا تفوق اليهود سياسيا؟
كما أن هناك عامل آخر أثر على ضعف حجة المفاوضين المصريين وهو عامل عقائدي حيث أن المفاوضين اليهود يتفاوضون عن عقيدة راسخة – وإن كانت باطلة – فتجد مثلا أن مناحم بيجن رئيس وزراء إسرائيل وقد ازداد كبرا وغطرسة بعد زيارة السادات للقدس وكان لا يتنازل عن أي كلمة يرى أنها في صالح إسرائيل وكذلك شيمون بيريز زعيم حزب العمل كان يسعى ليكون رئيس وزراء ولذلك كان يستميت في التفاوض ولا يقبل بأي تنازل لكي يحظى برضاء شعبه وقيس على ذلك موشى ديان , وايز مان , جولدمان ، بيريز , رابين كلهم كان يعمل من أجل مصلحة اليهود وإرضاء بيجن وإلا تعرض للمحاكمة والعزل من منصبه
كما أن جيمي كارتر رئيس الولايات المتحدة الأمريكية , وإن كان يتظاهر بالحيادية إلا أنه في الواقع كان يتفاوض لمصلحة اليهود وكان يحاول أن يكسب تأييد الرأي العام اليهودي لكي يضمن حصد أصوات اليهود الأمريكيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 1980م
عقلية كبير العيلة تسيطر على السادات
وعلى العكس تماما كان المفاوض المصري لا يعنيه الأمر أكثر من تحقيق انتصار سياسي فتجد مثلا الرئيس المصري أنور السادات يتصرف في المفاوضات وكأن مصر ملك له وسيناء العزبة التي تركها له والده فتراه يتخذ قرارات فردية بدون تشاور مع أحد من مرافقيه فضلا عن نقاش هذه القرارات في مجلس الشعب مثل ما يحدث في الدول المحترمة
ولم يكن يجرؤ أحد على مناقشته أو معارضته وكان يقول دائما إن مفتاح نجاح المفاوضات في جيبي ويكشف لنا محمد إبراهيم كامل وزير الخارجية عن هذا المفتاح ويقول في مذكراته:
إن السادات كان قد عرض على وايزمان ثلاثة عطاءات أو منح لإسرائيل لكي توافق على المفاوضات وهي
- توصيل مياه النيل إلى إسرائيل لكي يستفيد منها اليهود في زراعة صحراء النقب بدلا من ضياعها في البحر المتوسط
- إعطاء 200 مليون متر مكعب من البترول الخام سنويا لإسرائيل بدون مقابل
- بناء مجمع حضارات للأديان السماوية الثلاث في سيناء
وأنا أتعجب كيف يتصرف السادات بهذا الشكل وهو من الممفترض أنه منتصر في الحرب؟
بل كيف يأخذ كل هذه القرارات التي تؤثر على الشعب المصري كله على مدى أجيال بدون مناقشتها في مجلس الشعب؟
وفي موضوع مشابه لهذه الاقتراحات أذكر أن السادات عرض على رئيس النمسا أن مصر مستعدة لإستقبال جميع المخلفات النووية النمساوية ودفنها في أراضيها وذلك على سبيل الشهامة والصداقة , ولكن الحمد لله أن مجلس الشعب النمساوي اعترض على فكرة المفاعل النووي من أساسه
هل هو ساذج أم خائن أم غُرر به؟
والجدير بالذكر أن السادات كان يسعى لنجاح مفاوضات كامب ديفيد خدمة للرئيس الأمريكي الذي كان مقدما على انتخابات رئاسية وكان يقول إن كارتر رجل طيب وعندما ينجح في الانتخابات سيرد الجميل لمصر ومع كل هذا لم ينجح كارتر في الانتخابات الأمريكية
ولعل موقف السادات هذا ذكره محمد إبراهيم كامل في مذكراته عندما ذكر الحوار الذي دار بينه وبين ومساعده أحمد ماهر حيث قال كامل (أنا لا أستطيع أن أفهم هذا الرجل , هل هو ساذج أحمق أم هو خائن لنفسه قبل أن يخون قضيته وقال ماهر إنه سؤال محير ولكن يخيل إلي أن كارتر خذله وغرر به فقد بنى عليه كل آماله ووثق في وعوده المعسولة أكثر مما يجب)
بداية الاستسلام
وبعد كثير من المفاوضات بين الجانبين شهدت كثير من الإصرار من جانب اليهود وكثير من التنازل من الجانب المصري تم التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد في أواخر عام 1978م وتم الإتفاق على إطار عام لتوقيع معاهدة سلام شامل بين مصر وإسرائيل وتم توقيع معاهدة السلام بالفعل عام 1979م وبذلك المعاهدة انتهى الصراع المصري الإسرائيلي عسكريا وسياسيا - باستثناء قضية التحكيم عام 1989 – وكانت هذه المعاهدة من وجهة نظري بمثابة حقنة المخدر التي أصابت الدبلوماسية المصرية والتي لم نفوق منها إلى الآن وأطاحت بمصر تماما خارج حدود الملعب السياسي وترتب عليها الآتي:
1- إعتراف مصر الكامل بدولة إسرائيل وهو ما أدى إلى تطبيع العلاقات بين مصر وإسرائيل ومعاملة دولة إسرائيل كأي دولة في العالم من حيث أن أصبح لها الحق في المرور من خلال قناة السويس من خلال جميع مداخلها واعتبار مضيق تيران وخليج العقبة من الممرات المائية المفتوحة أمام السفن الإسرائيلية
2- تقليل عدد الجنود المصريين داخل سيناء وأصبحت مرتعا لزراعة وتجارة المخدرات وتمرد البدو من وقت لآخر لقلة التواجد الأمني بها
3- إلغاء دور مصر في حل جميع القضايا العربية وإنتهاء الحروب العربية الإسرائيلية وأصبحت حرب 1948 هي آخر ثمار العمل العسكري العربي المشترك
4- مقاطعة الدول العربية لمصر ونقل مقر جامعة الدول العربية إلى تونس وفقدت مصر دورها العربي وريادتها بالمنطقة وتسبب ذلك في اجتياح اليهود بيروت عام 1982 م وارتكاب مذبحة صبرا وشاتيلا بعد أن اطمأن اليهود تماما من عدم وجود أي مقاومة عربية بعد إقصاء مصر من ساحة النزاع
5- تقلد المفاوضون المصريون أعلى المناصب والأوسمة بعد توقيع هذه الاتفاقية فنجد مثلا أن بطرس غالي أصبح الأمين العام للأمم المتحدة وعصمت عبد المجيد تولى منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية وعلاوة على ذلك فقد حصل السادات على جائزة نوبل للسلام وداخليا شهدت الحكومة تغييرات كثيرة حيث قام السادات بإقالة حكومة ممدوح سالم وتشكيل حكومة جديدة برئاسة مصطفى خليل وعمل تغييرات وزارية واسعة وعزل رئيس مجلس الشعب وعين رئيسا جديدا وكذلك أنهى خدمة المشير محمد عبد الغني الجمسي كوزير الحربية ونائب رئيس مجلس الوزراء ومن المعلوم أن المشير الجمسي كان قائد هيئة العمليات في حرب أكتوبر وكان له دور كبير في الانتصار
6- تغيير اسم وزارة الحربية المصرية ليصبح اسمها وزارة الدفاع وهذا الحدث وإن يبدو بسيطا ولكن يحمل في طياته معاني كثيرة
خاتمــــــــــــة
ويتضح من خلال هذه النتائج السابق ذكرها أنها لم تكن معاهدة سلام ولكن يجب أن نسميها معاهدة الاستسلام
وأخيرا وبعد استعراض هذه المقتطفات لإتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل نتساءل هل من مصلحة مصر حاليا وبعد قيام ثورة 25 يناير إلغاء هذه الإتفاقية أو تعديلها؟؟؟؟؟؟
وأعتقد أن هذا السؤال يجب الإجابة عليه من خلال أعضاء مجلس الشعب المنتخبين الذين نثق في وطنيتهم جميعا على اختلاف توجهاتهم السياسية ونثق في عملهم جميعا من أجل مصلحة هذا الشعب الذي اختارهم
إتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام
كثر الجدل في الآونة الأخيرة حول إتفاقية كامب ديفيد وتعالت الأصوات في الداخل والخارج ما بين معارض ومؤيد لها ومنذ قيام ثورة 25 يناير في مصر والتخلص من حلفاء إسرائيل وأصدقائها (مبارك وبعض أعوانه) سيطر القلق والخوف الشديد على اليهود من إحتمال تعديل أو إلغاء تلك الإتفاقية وخاصة بعد فوز الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ولذلك قررت البحث في هذا الموضوع وخلصت بالآتي:
زيارة السادات للقدس المحتلة
ولتكن البداية من انتهاء حرب أكتوبر وخروج قواتنا المسلحة منتصرة بالرغم من عدم تجاوزنا أكثر من كيلومترات معدودة داخل الضفة الشرقية للقناة وكان بإمكاننا تحقيق نتائج أفضل من ذلك بكثير لولا تباطؤ بعض القادة – وهذا ليس موضوعنا الآن – ولكن العالم كله يشهد أننا حققنا معجزة وانتصرنا على الجيش الذي لا يقهر وتمكنا من اجتياز كل الموانع المائية والبرية التي أنشأها العدو وألحقنا به خسائر فادحة في الأرواح والمعدات , ثم دخلنا بعد الحرب في مرحلة جديدة من مراحل الصراع مع اليهود الصهاينة وهي مرحلة المفاوضات , والمنطق العقلي والسياسي يقول أن الدولة المنتصرة في الحرب تدخل المفاوضات بعزة نفس وبروح الانتصار والدولة المنهزمة تدخل المفاوضات بإنكسار وبروح الهزيمة ولكن العكس تماما هو ما حدث حيث فاجأ السادات الجميع بزيارته للقدس المحتلة عام 1977م طالبا السلام لكي يثبت للعالم أننا نريد السلام العادل والشامل ولكن لم يفهم العدو ذلك وإنما كان لتلك الزيارة أكبر الأثر في نفوس المتفاوضين اليهود وخاصة مناحم بيجن رئيس وزراء الكيان الصهيوني حيث زاد غطرسة وكبرياء وتعنت وشعر بضعف الجانب المصري وأثر ذلك على مسار المفاوضات كما سنرى لاحقا
إتفاق منفرد وضياع تأييد الحلفاء العرب
وأصبح المفاوضون اليهود يدخلون في المفاوضات ليس من أجل الوصول للسلام وإنما ليحصولوا على مزيد من التنازلات من الجانب المصري وقالها بيجن صراحة ((إنني سأعطي السادات من سيناء بقدر ما يتنازل عنه من فلسطين))
وهكذا قبل اليهود التفاوض بشرط التنازل عن القضية الفلسطينية وبدون الوصول إلى حل حقيقي لسيناء وقد يتساءل البعض وما علاقتنا بفلسطين؟ المهم أن نسترد أرضنا المحتلة في سيناء , وأجيب عن هذا التساؤل وأقول إن هذا تفكير سطحي وضيق الأفق ولن أسرد واجبنا كمسلمين تجاه المسجد الأقصى والقدس ولكن سأتكلم من الناحية السياسية البحتة وأقول إن أهمية القضية الفلسطينية في ذلك الوقت ترجع إلى كسب تأييد ومساندة الدول العربية وهو دور لا يستهان به وخاصة بعد حرب 1973 م وما أثبته العرب من مساندة الجيش المصري أثناء الحرب حيث قامت دول الخليج بمنع البترول عن دول الاحتلال وإغلاق مضيق باب المندب وقامت المغرب بإرسال قوات للإشتراك في الحرب وقامت الجزائر بشراء 100 دبابة نقدا من الاتحاد السوفيتي وإرسالها إلى جبهة القتال فكان للعرب أفضل الأثر في انتصار الجيش المصري بعد توفيق الله ثم بسالة الجندي المصري , كما أن تأييد الدول العربية للمفاوض المصري والتعامل مع القضية بكاملها بما فيها سيناء وفلسطين وباقي الأراضي العربية المحتلة كان من شأنه إضعاف قوة الجانب اليهودي وهذا ما حاول بعض المفاوضين من الجانب المصري أن يشرحه للسادات ولكنه لم يستمع وتصرف برأي منفرد
لماذا تفوق اليهود سياسيا؟
كما أن هناك عامل آخر أثر على ضعف حجة المفاوضين المصريين وهو عامل عقائدي حيث أن المفاوضين اليهود يتفاوضون عن عقيدة راسخة – وإن كانت باطلة – فتجد مثلا أن مناحم بيجن رئيس وزراء إسرائيل وقد ازداد كبرا وغطرسة بعد زيارة السادات للقدس وكان لا يتنازل عن أي كلمة يرى أنها في صالح إسرائيل وكذلك شيمون بيريز زعيم حزب العمل كان يسعى ليكون رئيس وزراء ولذلك كان يستميت في التفاوض ولا يقبل بأي تنازل لكي يحظى برضاء شعبه وقيس على ذلك موشى ديان , وايز مان , جولدمان ، بيريز , رابين كلهم كان يعمل من أجل مصلحة اليهود وإرضاء بيجن وإلا تعرض للمحاكمة والعزل من منصبه
كما أن جيمي كارتر رئيس الولايات المتحدة الأمريكية , وإن كان يتظاهر بالحيادية إلا أنه في الواقع كان يتفاوض لمصلحة اليهود وكان يحاول أن يكسب تأييد الرأي العام اليهودي لكي يضمن حصد أصوات اليهود الأمريكيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 1980م
عقلية كبير العيلة تسيطر على السادات
وعلى العكس تماما كان المفاوض المصري لا يعنيه الأمر أكثر من تحقيق انتصار سياسي فتجد مثلا الرئيس المصري أنور السادات يتصرف في المفاوضات وكأن مصر ملك له وسيناء العزبة التي تركها له والده فتراه يتخذ قرارات فردية بدون تشاور مع أحد من مرافقيه فضلا عن نقاش هذه القرارات في مجلس الشعب مثل ما يحدث في الدول المحترمة
ولم يكن يجرؤ أحد على مناقشته أو معارضته وكان يقول دائما إن مفتاح نجاح المفاوضات في جيبي ويكشف لنا محمد إبراهيم كامل وزير الخارجية عن هذا المفتاح ويقول في مذكراته:
إن السادات كان قد عرض على وايزمان ثلاثة عطاءات أو منح لإسرائيل لكي توافق على المفاوضات وهي
- توصيل مياه النيل إلى إسرائيل لكي يستفيد منها اليهود في زراعة صحراء النقب بدلا من ضياعها في البحر المتوسط
- إعطاء 200 مليون متر مكعب من البترول الخام سنويا لإسرائيل بدون مقابل
- بناء مجمع حضارات للأديان السماوية الثلاث في سيناء
وأنا أتعجب كيف يتصرف السادات بهذا الشكل وهو من الممفترض أنه منتصر في الحرب؟
بل كيف يأخذ كل هذه القرارات التي تؤثر على الشعب المصري كله على مدى أجيال بدون مناقشتها في مجلس الشعب؟
وفي موضوع مشابه لهذه الاقتراحات أذكر أن السادات عرض على رئيس النمسا أن مصر مستعدة لإستقبال جميع المخلفات النووية النمساوية ودفنها في أراضيها وذلك على سبيل الشهامة والصداقة , ولكن الحمد لله أن مجلس الشعب النمساوي اعترض على فكرة المفاعل النووي من أساسه
هل هو ساذج أم خائن أم غُرر به؟
والجدير بالذكر أن السادات كان يسعى لنجاح مفاوضات كامب ديفيد خدمة للرئيس الأمريكي الذي كان مقدما على انتخابات رئاسية وكان يقول إن كارتر رجل طيب وعندما ينجح في الانتخابات سيرد الجميل لمصر ومع كل هذا لم ينجح كارتر في الانتخابات الأمريكية
ولعل موقف السادات هذا ذكره محمد إبراهيم كامل في مذكراته عندما ذكر الحوار الذي دار بينه وبين ومساعده أحمد ماهر حيث قال كامل (أنا لا أستطيع أن أفهم هذا الرجل , هل هو ساذج أحمق أم هو خائن لنفسه قبل أن يخون قضيته وقال ماهر إنه سؤال محير ولكن يخيل إلي أن كارتر خذله وغرر به فقد بنى عليه كل آماله ووثق في وعوده المعسولة أكثر مما يجب)
بداية الاستسلام
وبعد كثير من المفاوضات بين الجانبين شهدت كثير من الإصرار من جانب اليهود وكثير من التنازل من الجانب المصري تم التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد في أواخر عام 1978م وتم الإتفاق على إطار عام لتوقيع معاهدة سلام شامل بين مصر وإسرائيل وتم توقيع معاهدة السلام بالفعل عام 1979م وبذلك المعاهدة انتهى الصراع المصري الإسرائيلي عسكريا وسياسيا - باستثناء قضية التحكيم عام 1989 – وكانت هذه المعاهدة من وجهة نظري بمثابة حقنة المخدر التي أصابت الدبلوماسية المصرية والتي لم نفوق منها إلى الآن وأطاحت بمصر تماما خارج حدود الملعب السياسي وترتب عليها الآتي:
1- إعتراف مصر الكامل بدولة إسرائيل وهو ما أدى إلى تطبيع العلاقات بين مصر وإسرائيل ومعاملة دولة إسرائيل كأي دولة في العالم من حيث أن أصبح لها الحق في المرور من خلال قناة السويس من خلال جميع مداخلها واعتبار مضيق تيران وخليج العقبة من الممرات المائية المفتوحة أمام السفن الإسرائيلية
2- تقليل عدد الجنود المصريين داخل سيناء وأصبحت مرتعا لزراعة وتجارة المخدرات وتمرد البدو من وقت لآخر لقلة التواجد الأمني بها
3- إلغاء دور مصر في حل جميع القضايا العربية وإنتهاء الحروب العربية الإسرائيلية وأصبحت حرب 1948 هي آخر ثمار العمل العسكري العربي المشترك
4- مقاطعة الدول العربية لمصر ونقل مقر جامعة الدول العربية إلى تونس وفقدت مصر دورها العربي وريادتها بالمنطقة وتسبب ذلك في اجتياح اليهود بيروت عام 1982 م وارتكاب مذبحة صبرا وشاتيلا بعد أن اطمأن اليهود تماما من عدم وجود أي مقاومة عربية بعد إقصاء مصر من ساحة النزاع
5- تقلد المفاوضون المصريون أعلى المناصب والأوسمة بعد توقيع هذه الاتفاقية فنجد مثلا أن بطرس غالي أصبح الأمين العام للأمم المتحدة وعصمت عبد المجيد تولى منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية وعلاوة على ذلك فقد حصل السادات على جائزة نوبل للسلام وداخليا شهدت الحكومة تغييرات كثيرة حيث قام السادات بإقالة حكومة ممدوح سالم وتشكيل حكومة جديدة برئاسة مصطفى خليل وعمل تغييرات وزارية واسعة وعزل رئيس مجلس الشعب وعين رئيسا جديدا وكذلك أنهى خدمة المشير محمد عبد الغني الجمسي كوزير الحربية ونائب رئيس مجلس الوزراء ومن المعلوم أن المشير الجمسي كان قائد هيئة العمليات في حرب أكتوبر وكان له دور كبير في الانتصار
6- تغيير اسم وزارة الحربية المصرية ليصبح اسمها وزارة الدفاع وهذا الحدث وإن يبدو بسيطا ولكن يحمل في طياته معاني كثيرة
خاتمــــــــــــة
ويتضح من خلال هذه النتائج السابق ذكرها أنها لم تكن معاهدة سلام ولكن يجب أن نسميها معاهدة الاستسلام
وأخيرا وبعد استعراض هذه المقتطفات لإتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل نتساءل هل من مصلحة مصر حاليا وبعد قيام ثورة 25 يناير إلغاء هذه الإتفاقية أو تعديلها؟؟؟؟؟؟
وأعتقد أن هذا السؤال يجب الإجابة عليه من خلال أعضاء مجلس الشعب المنتخبين الذين نثق في وطنيتهم جميعا على اختلاف توجهاتهم السياسية ونثق في عملهم جميعا من أجل مصلحة هذا الشعب الذي اختارهم