By سعد المزيد 1 - الأربعاء ديسمبر 19, 2012 11:36 am
- الأربعاء ديسمبر 19, 2012 11:36 am
#58761
الأزمة السورية تحقق الرقم الأطول بين الثورات العربية من حيث بقاء السلطة في موقعها قبل السقوط؛ وذلك بسبب تداخل معقد في تقييم هذه الثورة بين الظروف السياسية في المنطقة والعالم، وكذلك الطبيعة العسكرية والاستخباراتية والطائفية الخاصة بالنظام نفسه، بقاء الأسد لم يكن مرتبطا بقدرات نظامه السياسية أو العسكرية بالدرجة الأولى فهناك الكثير من المؤشرات التي يجب الحديث عنها.
هناك مسارات مهمة ساهمت وبشكل كبير في انتظار الحسم إلى هذا اليوم أولها مساعدات مالية تأتيه من أربع دول تقريبا (العراق، إيران، روسيا، فنزويلا) هذا ما تقوله التقارير والصحف العالمية.. هذا المال يساند النظام أولا، وثانيها نظام استخباراتي متمرس في فنون المراقبة والتعذيب فكل السوريين الذين انشقوا لا يعلنون انشقاقهم إلا بعد تأمين أسرهم وإخراجها من سورية لمعرفتهم التامة بهذا النظام وأساليبه.
المسار الآخر هو ذلك الصراع الطويل الذي تشهده سورية بين الغرب وروسيا حيث يحاول الغرب أن يعيد تأهيل سورية وفقا للأجندة الغربية كشرط رئيس لتقديم المزيد من الدعم وفي ذات الوقت الغرب لا يثق كثيرا بقدرة سورية والسوريين على تقبل برنامج التأهيل السياسي لسورية لتصبح صديقا متعاهدا مع إسرائيل.
كما أن الإسلاميين الذين يصعب ترويضهم سياسيا يشكلون الأزمة الكبرى أمام الغرب الذي يتيح الفرصة لمزيد من الاقتتال الداخلي في عملية تصفية ثورية فعندما تصل الثورة إلى نهايتها وقبل سقوط النظام بقليل تكون قد أنهكت وبذلك تكون قابلة للتأهيل بشكل ميسر وسريع وقابلة للتحول إلى مسار براغماتي على الطريقة الغربية.
المسار الأخير هو المسار الروسي الذي يحاول أن يكسب معاركه السياسية الدولية على حساب الشعب السوري فالانهزام الروسي في زمن الحرب الباردة لازال عقدة سياسية لدى روسيا، كما أن الضربات المتتالية التي يوجهها الغرب للروس في المنطقة العربية ترسخ تلك المحاولات المستميتة من جانب الروس للبقاء في المنطقة وعدم خسارة سورية كآخر المواقع (الجيوستراتيجية).
على الجانب الشعبي كان السلوك الاستخبارتي المتمادي ومراقبة الشعب السوري وعد أنفاسه سببا رئيسا للسيطرة على هذا الشعب وإخضاعه لكل أنواع العذاب والمراقبة وفي ذات الوقت تحول هذا النظام الاستخباراتي ليكون هو ذاته السبب الأول في شرارة الثورة السورية فمصدر القوة لدى النظام تحول إلى مصدر انهيار وضعف ولكن السؤال كيف حدث هذا..؟
روت لي شخصياً الأخت سميرة المسالمة رئيسة تحرير صحيفة تشرين السورية وهي من أوائل المنشقين عن النظام وهي أتت من وسط النظام ومن أركانه الثقافية والعالمية أنه عندما سقط النظام المصري تلقت الدكتورة عائشة المسالمة مكالمة تليفونية من مصر من أحد أصدقائها وقالت بالحرف الواحد "عقبال عندنا" في مباركة على تنحي الرئيس المصري.
رصدت الاستخبارات السورية بدرعا هذه المكالمة وقامت باستدعاء الدكتورة عائشة والتحفظ عليها ونظرا لانتمائها إلى عشيرة معروفة فقد كان شباب العشيرة وصغارها أكثر تفاعلًا مع قريبتهم فكتبوا على جدار مدرستهم تلك العبارات الداعية إلى إسقاط النظام وهكذا حدثت قصة استدعاء الأطفال وانطلاق شرارة الثورة من درعا فالخطأ الاستخباراتي باستعداء صاحبة المكالمة التلفونية هو الذي فجر ثورة سورية.
الشعب السوري ونتيجة للمراقبة الأمنية اللصيقة والتي استمرت لعقود قد شكلت هذا الشعب بطابع الفردية وأصبح التفاعل الفردي هو مسار هذا المجتمع حيث عمل النظام السوري استخباراتياً على تجزئة هذا المجتمع ليسهل السيطرة عليه وهذا هو الخطأ المشترك بين دول الثورات العربية فبعلاقة طردية ثبت أنه كلما تضاعفت المراقبة الأمنية والاستخباراتية بشكل كبير للشعوب كانت فرصة تمرد هذه الشعوب اكبر والعكس صحيح كما يبدو تاريخيا.
ضعف الرئيس بشار الأسد الشخصي له دور بارز أيضا في تأجيل الحسم ففي كتاب "سورية الاقتراع ام الرصاص" يظهر الضعف السياسي والشخصي للأسد الابن كما قال عنه احد الصحفيين حيث يقول إن بشار الأسد "يعتنق رأي آخر شخص يتحدث إليه" وهذا يفسر حالة الارتباك وظهور ممارسات عسكرية وأمنية تعكس بشكل جلي أن الرئيس الأسد ليس سوى دمية في يد أطراف عديدة في الداخل السوري وخارجه تحركه بحسب المصالح، بل ظل يتفرج على الشعب السوري وهو تُقطع أطرافه ويقتل من جانب الشبيحة الذين ثبت أنهم من خارج سورية ولديهم الرغبة في شرب الدماء تسوقهم أيديولوجيات سهلت عليهم شرب الدماء السورية.
اليوم ونحن أمام أطول ثورة عربية حتى اليوم ولا أعتقد انه سيكون هناك ثورة عربية أطول من هذه نطرح السؤال المهم الذي يقول كيف تأخرت نهاية الأسد.. ولماذا فشلت السياسة الروسية..؟
القومية المفرطة التي تبنتها سورية خلال العقود الماضية بالإضافة إلى الاعتماد المطلق عسكرياً على الحليف الروسي الذي انتهى دوره العالمي والنظام الاستخباراتي الصارم بالإضافة إلى إستراتيجية إيران في منطقة الشام والعراق ثم أخيرا قربها من إسرائيل ورغبة الغرب في ترويضها سياسيا وتهيئتها قبل انتصار الثورة.. كل هذه الأسباب ساهمت في تأخر الحسم هذا من الجانب السياسي.
على الجانب الشعبي سورية افتقدت لفترات طويلة منهجية المعارضة حيث لم يوجد فيها خلال العقود الماضية معارضة بالمعنى السياسي فكانت كل أنشطة المعارضة هي أنشطة ثقافية من خلال المحاضرات والروايات والكتب وهذا ما جعل هناك فراغاً كبيراً في كيفية قيادة الثورة بل ساهم وبشكل فاعل في عدم الوحدة بين الأطراف الثائرة كما أن المجتمع السوري مفرغ من الأنشطة المدنية عدا تلك الأنشطة المقرونة بحزب البعث.
روسيا التي تستميت في سبيل مصالحها وتستخدم الدم السوري كدرع لصمودها في المعركة من خلال دعم الأسد تصل اليوم إلى مرحلة الفشل الذريع والسبب هو قدرة الثوار على المقاومة لفترات أطول، وكسب الخبرة السياسية والعسكرية مع أن النظام السوري تُرك يقصفهم بالطائرات منذ قيام الثورة وحتى اليوم ولكن هذه المعادلة أعادت بناء الثورة السورية وتشكلت بطريقة استراتيجية ازداد تركيزها وتعاونها ولذلك سوف تخرج روسيا كما تشير التوقعات خروجا نهائيا من المنطقة بسقوط الأسد، ولن يكون لها عودة وسوف تختفي من كل نشرات الأخبار العربية ولن يشابه fخروجها من المنطقة سوى خروج المسلمين من الأندلس.
هناك مسارات مهمة ساهمت وبشكل كبير في انتظار الحسم إلى هذا اليوم أولها مساعدات مالية تأتيه من أربع دول تقريبا (العراق، إيران، روسيا، فنزويلا) هذا ما تقوله التقارير والصحف العالمية.. هذا المال يساند النظام أولا، وثانيها نظام استخباراتي متمرس في فنون المراقبة والتعذيب فكل السوريين الذين انشقوا لا يعلنون انشقاقهم إلا بعد تأمين أسرهم وإخراجها من سورية لمعرفتهم التامة بهذا النظام وأساليبه.
المسار الآخر هو ذلك الصراع الطويل الذي تشهده سورية بين الغرب وروسيا حيث يحاول الغرب أن يعيد تأهيل سورية وفقا للأجندة الغربية كشرط رئيس لتقديم المزيد من الدعم وفي ذات الوقت الغرب لا يثق كثيرا بقدرة سورية والسوريين على تقبل برنامج التأهيل السياسي لسورية لتصبح صديقا متعاهدا مع إسرائيل.
كما أن الإسلاميين الذين يصعب ترويضهم سياسيا يشكلون الأزمة الكبرى أمام الغرب الذي يتيح الفرصة لمزيد من الاقتتال الداخلي في عملية تصفية ثورية فعندما تصل الثورة إلى نهايتها وقبل سقوط النظام بقليل تكون قد أنهكت وبذلك تكون قابلة للتأهيل بشكل ميسر وسريع وقابلة للتحول إلى مسار براغماتي على الطريقة الغربية.
المسار الأخير هو المسار الروسي الذي يحاول أن يكسب معاركه السياسية الدولية على حساب الشعب السوري فالانهزام الروسي في زمن الحرب الباردة لازال عقدة سياسية لدى روسيا، كما أن الضربات المتتالية التي يوجهها الغرب للروس في المنطقة العربية ترسخ تلك المحاولات المستميتة من جانب الروس للبقاء في المنطقة وعدم خسارة سورية كآخر المواقع (الجيوستراتيجية).
على الجانب الشعبي كان السلوك الاستخبارتي المتمادي ومراقبة الشعب السوري وعد أنفاسه سببا رئيسا للسيطرة على هذا الشعب وإخضاعه لكل أنواع العذاب والمراقبة وفي ذات الوقت تحول هذا النظام الاستخباراتي ليكون هو ذاته السبب الأول في شرارة الثورة السورية فمصدر القوة لدى النظام تحول إلى مصدر انهيار وضعف ولكن السؤال كيف حدث هذا..؟
روت لي شخصياً الأخت سميرة المسالمة رئيسة تحرير صحيفة تشرين السورية وهي من أوائل المنشقين عن النظام وهي أتت من وسط النظام ومن أركانه الثقافية والعالمية أنه عندما سقط النظام المصري تلقت الدكتورة عائشة المسالمة مكالمة تليفونية من مصر من أحد أصدقائها وقالت بالحرف الواحد "عقبال عندنا" في مباركة على تنحي الرئيس المصري.
رصدت الاستخبارات السورية بدرعا هذه المكالمة وقامت باستدعاء الدكتورة عائشة والتحفظ عليها ونظرا لانتمائها إلى عشيرة معروفة فقد كان شباب العشيرة وصغارها أكثر تفاعلًا مع قريبتهم فكتبوا على جدار مدرستهم تلك العبارات الداعية إلى إسقاط النظام وهكذا حدثت قصة استدعاء الأطفال وانطلاق شرارة الثورة من درعا فالخطأ الاستخباراتي باستعداء صاحبة المكالمة التلفونية هو الذي فجر ثورة سورية.
الشعب السوري ونتيجة للمراقبة الأمنية اللصيقة والتي استمرت لعقود قد شكلت هذا الشعب بطابع الفردية وأصبح التفاعل الفردي هو مسار هذا المجتمع حيث عمل النظام السوري استخباراتياً على تجزئة هذا المجتمع ليسهل السيطرة عليه وهذا هو الخطأ المشترك بين دول الثورات العربية فبعلاقة طردية ثبت أنه كلما تضاعفت المراقبة الأمنية والاستخباراتية بشكل كبير للشعوب كانت فرصة تمرد هذه الشعوب اكبر والعكس صحيح كما يبدو تاريخيا.
ضعف الرئيس بشار الأسد الشخصي له دور بارز أيضا في تأجيل الحسم ففي كتاب "سورية الاقتراع ام الرصاص" يظهر الضعف السياسي والشخصي للأسد الابن كما قال عنه احد الصحفيين حيث يقول إن بشار الأسد "يعتنق رأي آخر شخص يتحدث إليه" وهذا يفسر حالة الارتباك وظهور ممارسات عسكرية وأمنية تعكس بشكل جلي أن الرئيس الأسد ليس سوى دمية في يد أطراف عديدة في الداخل السوري وخارجه تحركه بحسب المصالح، بل ظل يتفرج على الشعب السوري وهو تُقطع أطرافه ويقتل من جانب الشبيحة الذين ثبت أنهم من خارج سورية ولديهم الرغبة في شرب الدماء تسوقهم أيديولوجيات سهلت عليهم شرب الدماء السورية.
اليوم ونحن أمام أطول ثورة عربية حتى اليوم ولا أعتقد انه سيكون هناك ثورة عربية أطول من هذه نطرح السؤال المهم الذي يقول كيف تأخرت نهاية الأسد.. ولماذا فشلت السياسة الروسية..؟
القومية المفرطة التي تبنتها سورية خلال العقود الماضية بالإضافة إلى الاعتماد المطلق عسكرياً على الحليف الروسي الذي انتهى دوره العالمي والنظام الاستخباراتي الصارم بالإضافة إلى إستراتيجية إيران في منطقة الشام والعراق ثم أخيرا قربها من إسرائيل ورغبة الغرب في ترويضها سياسيا وتهيئتها قبل انتصار الثورة.. كل هذه الأسباب ساهمت في تأخر الحسم هذا من الجانب السياسي.
على الجانب الشعبي سورية افتقدت لفترات طويلة منهجية المعارضة حيث لم يوجد فيها خلال العقود الماضية معارضة بالمعنى السياسي فكانت كل أنشطة المعارضة هي أنشطة ثقافية من خلال المحاضرات والروايات والكتب وهذا ما جعل هناك فراغاً كبيراً في كيفية قيادة الثورة بل ساهم وبشكل فاعل في عدم الوحدة بين الأطراف الثائرة كما أن المجتمع السوري مفرغ من الأنشطة المدنية عدا تلك الأنشطة المقرونة بحزب البعث.
روسيا التي تستميت في سبيل مصالحها وتستخدم الدم السوري كدرع لصمودها في المعركة من خلال دعم الأسد تصل اليوم إلى مرحلة الفشل الذريع والسبب هو قدرة الثوار على المقاومة لفترات أطول، وكسب الخبرة السياسية والعسكرية مع أن النظام السوري تُرك يقصفهم بالطائرات منذ قيام الثورة وحتى اليوم ولكن هذه المعادلة أعادت بناء الثورة السورية وتشكلت بطريقة استراتيجية ازداد تركيزها وتعاونها ولذلك سوف تخرج روسيا كما تشير التوقعات خروجا نهائيا من المنطقة بسقوط الأسد، ولن يكون لها عودة وسوف تختفي من كل نشرات الأخبار العربية ولن يشابه fخروجها من المنطقة سوى خروج المسلمين من الأندلس.