غفلة الغرب عن مخاطر الاسلام السياسي
مرسل: الأربعاء ديسمبر 19, 2012 11:56 am
توضيح لا بد منه
قدمتُ هذه المداخلة في مؤتمر روما "لإصلاح الإسلام" الذي نظمه مشروع "المصلح" البريطاني برئاسة المستشرق والباحث في الدراسات الإسلامية، الدكتور ستيفن أولف، والذي انعقد في جامعة الفاتيكان ما بين 7- 8 ديسمبر 2012، ودعي إليه عدد من المفكرين العرب والغربيين لوضع إستراتيجية من أجل مصالحة الإسلام مع الحرية والعلمانية والديمقراطية والمرأة والحداثة وما المطلوب من الغرب تقديمه لمساعدة المصلحين المسلمين في مجال الإصلاح. و في مداخلتي هذه، وبناءً على طلب من منظم ورئيس المؤتمر، لم أتطرق إلى الإصلاح، لأننا كنا نعرف مسبقاً، أن معظم أوراق الزملاء الآخرين، ستصب في هذا المجال، لذا طلب مني تركيز مداخلتي على تكتيكات الإسلاميين لتوظيف ما في الغرب من تسهيلات لصالحهم، وغفلة الغربيين عن مخاطر الإسلام السياسي.
ــــــــــــــــــ
مقدمة
يواجه العالم المتحضر اليوم خطر الإسلام السياسي المتطرف و"المعتدل". ولتحقيق أغراضهم سلك الإسلاميون عدة وسائل، وتظاهروا بعدة أشكال، منها عن طريق الإرهاب (القاعدة وفروعها)، ومنها بالوسائل السلمية بإدعاء الاعتدال (حزب الأخوان المسلمين وتفرعاته تحت مختلف الأسماء والواجهات)، وذلك بتوظيف ما وفرته لهم الدول الغربية من ديمقراطية وحقوق الإنسان...الخ، ولكن الغاية النهائية واحدة، وهي أسلمة العالم وفرض حكم الشريعة، وبالأخص على الغرب.
في البدء، أود التأكيد على أن مشكلتنا هي ليست مع الإسلام كدين، وإنما مع الإسلام السياسي فقط. فنحن، كعلمانيين وليبراليين، مع حرية الأديان والعبادة، نسعى لإنقاذ الإسلام الديني، والحضارة البشرية من الإسلام السياسي. فالإسلاميون يوظفون الدين لأغراضهم السياسية، ومصالحهم الشخصية لفرض سلطتهم الاستبدادية على الشعوب باسم الله والدين وإعادة مجتمعاتهم إلى الماضي البعيد. لذا، فغايتنا تحرير الدين من السياسة، وتحرير السياسة من الدين.
ولتحقيق أغراضهم، استغل الإسلاميون جميع الوسائل المتاحة لهم في الغرب بمنتهى الذكاء والدهاء، ولتوضيح ذلك نشير إلى النقاط التالية:
1- صراع الثقافات... ولماذا نحن هنا؟
لا شك أن السبب الرئيسي لهجرة معظم العرب والمسلمين إلى الغرب هو ظلم الحكام في بلدانهم الأصلية، وبؤس أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. وهذا الظلم والبؤس لم يأتيا من فراغ، بل هما نتاج ثقافاتهم الاجتماعية الموروثة (culture)، والذي يشمل الدين والمذهب أيضاً. فهناك حديث منسوب للنبي محمد: "اسمع وأطع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك". على الأغلب، هذا الحديث ملفق تمت فبركته من قبل وعاظ السلاطين لخدمة أولياء نعمتهم من الحكام الطغاة، ولكن، شئنا أم أبينا، صار هذا القول جزءً من الثقافة العربية- الإسلامية التي تطالب المواطنين "الرعايا" بالطاعة العمياء للحاكم ومهما كان جائراً، بمعنى أن هذه الثقافة هي سبب هجرتنا. وبالمقابل، فالقوة التي جذبتنا إلى الدول الغربية هي الثقافة الغربية وقيمها الحضارية الإنسانية النبيلة التي تشمل: الديمقراطية، والحرية، والتقدم، وحكم القانون، ...الخ، والتي وفرت لنا الحرية والعيش بكرامة.
ولكن المشكلة أنه ما أن يستقر المقام ببعض المسلمين المهاجرين في الغرب، حتى ويبدؤون بمحاربة الثقافة الغربية وقوانينها، والعمل على فرض ثقافتهم عليها، تلك الثقافة التي كانت السبب الرئيسي لفرارهم من بلدانهم، أي أنهم يعملون على أسلمة أوربا وفرض حكم الشريعة عليها.
وهنا أرى من المفيد التذكير بما قالته رئيسة وزراء أستراليا (جوليا غيلارد) للإسلاميين المطالبين بفرض الشريعة هناك، أنهم لم يأتوا إلى أستراليا بدعوة من أحد، وإنما جاؤوا برغبتهم، لذا يجب عليهم أن يحترموا ثقافات وقوانين وأعراف البلد الذي آواهم، لا أن يحاولوا فرض قوانينهم ودياناتهم على شعبنا. وكل من يريد حكم الشريعة عليه أن يرحل إلى البلد الذي يقبل بهذا الحكم.
2- محاولات أسلمة أوربا
هناك محاولات منظمة ومنسقة من الإسلام السياسي، وتحديداً (حزب الأخوان المسلمين) والمنظمات المتفرعة منه تحت مختلف الأسماء والواجهات، لتغيير الثقافة الغربية وفرض الثقافة الإسلامية محلها، أو ما يسمى بحكم الشريعة. تساعدهم في ذلك مجموعة من العوامل، والتي هي ضد المجتمعات الغربية: فمن جهة، كسبت الجهات الإسلامية خبرة فائقة في توظيف ما في الغرب من قيم الحضارة الحديثة مثل، الديمقراطية، وحرية التعبير، وحقوق الإنسان، وحرية العبادة، وتغيير الدين والمعتقد، والاعتراف بتعددية الثقافات multi-culturalism وغيرها من التسهيلات، يقابل ذلك، حسن نوايا الغربيين، وبيروقراطية إجراءاتهم الإدارية والقضائية، وغفلتهم عن مخاطر ما يبيته لهم الإسلاميون من مخططات على المدى المتوسط والبعيد. فالغربيون يسيرون نحو الهاوية معصوبي الأعين sleepwalking into abyss، وكما قيل: "الطريق إلى جهنم معبد بالنوايا الحسنة." إضافة إلى قدرة الإسلاميين على مخاطبة الغربيين باللغة التي يفهمونها وتسرهم. وسأوضح ذلك لاحقاً.
هناك أمثلة كثيرة تؤكد على بيروقراطية وغفلة الغربيين بما يحيق بهم من مخاطر الإسلاميين، فقد منحوا اللجوء إلى قادة الإسلام السياسي، وبعضهم إرهابيون، بغض النظر عن مخاطرهم على الغرب وعلى بلدانهم الأصلية ودورهم في الإرهاب. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أبو حمزة المصري الذي منح اللجوء في لندن، وكانت هناك أدلة كثيرة تثبت علاقته بتنظيم القاعدة، ودوره في تفجير البارجة الحربية الأمريكية (كول) في ميناء عدن، إضافة إلى مساهماته بأعمال إرهابية أخرى، وكان مطلوباً من قبل السلطات الأمريكية. هذه القضية كلفت الحكومة البريطانية ملايين الدولارات، واستغرقت نحو ثمان سنوات من المداولات والمحاكمات إلى أن أصدرت المحكمة قراراً نهائياً قبل شهرين بترحيله إلى واشنطن ليواجه العدالة. مثال آخر، أبو قتادة الأردني، وهو متهم بالإرهاب، وهارب من وجه العدالة في بلاده الأردن، وكان ومازال مقيماً مع عائلته في لندن. ترفض السلطات القضائية البريطانية ترحيله إلى الأردن خوفاً عليه من تعريضه إلى التعذيب هناك. والجدير بالذكر أن عائلته تقيم في سكن فخم يبلغ سعره في حدود مليون جنيه استرليني، أي نحو(مليون ونصف المليون دولار).
3 - قدرة الإسلاميين على التحدث بلسانين، وحتى الكذب
عامل آخر يساعد الإسلام السياسي على خدع الغربيين هو الازدواجية وقدرتهم على التحدث بلسانين، فقد تعمقوا في فهم الذهنية الغربية، وكيفية مخاطبة الغربيين بما يسرهم ويكسبوا رضاهم لتحقيق أغراضهم. فتمكن الإسلاميون من إيصال شخصيات أكاديمية إسلامية إلى منصب الأستاذية في أعرق الجامعات الغربية مثل جامعة أكسفورد الإنكليزية العريقة. وهؤلاء يستطيعون التحدث مع الغربيين بلغة ترضيهم مثل إدعائهم أنهم مع الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والمساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص...الخ
كما ولاحظتُ في بعض الندوات التي تنظمها مؤسسات ثقافية في الغرب، والتي تصلنا عن طريق اليوتيوب، أنهم يجلبون فتيات مسلمات سافرات (مودرن)، يشاركن في مناظرات تلفزيونية، يدافعن عن الإسلام السياسي بشكل غير مباشر، ويدعين أن القيم الغربية هي إسلامية. والمقصود هنا تجميل وجه الإسلام السياسي طبعاً. ولكن حينما يتحدثون إلى شعوبهم الإسلامية في بلدانهم الأصلية، عندئذ تتغير اللغة واللهجة، فيكشفون عن حقيقتهم، وعلى سبيل المثال: صرح مرة الشيخ مهدي عاكف، مرشد حزب الأخوان المسلمين السابق في مصر، أنه يفضل رجل ماليزي مسلم أن يكون رئيساً لمصر على القبطي المسيحي المصري. كذلك قيام الرئيس المصري، محمد مرسي، مؤخراً بتركيز السلطات الدستورية في يده متجاوزاً حتى السلطة القضائية.
4- قبول الجامعات الغربية تبرعات بملايين الدولارات من قبل الدول الخليجية النفطية لإنشاء مراكز بها لدراسة الإسلام. هذه التبرعات حلت مشاكل مالية عديدة للجامعات، فردت الجامعات الجميل بأن جعلت نقد الإسلام في الحرم الجامعي نوعاً من التابو قد يؤدي إلى فقد الوظيفة. ومقابل هذا الدعم المالي، غضت الجامعات الطرف عن نشاطات الطلاب الإسلاميين في الحرم الجامعي واستعمال العنف اللفظي، وحتى البدني لترهيب وتهميش أية معارضة لهم. أحسن دليل على ذلك هو اعترافات طلاب إسلاميين سابقين كانوا ينتمون إلى حزب التحرير في بريطانيا، مثلاً Ed Hussein في كتابه الموسوم The Islamist
5- تخويف الليبراليين من نقد الإسلام عن طريق مكاتب محامين ورفع الدعاوى القضائية عليهم وجعلهم يتحملون مصروفات الدفاع عن أنفسهم وبالتالي تكبيلهم مادياً حتى لا يجرؤون مرة أخرى على نقد الإسلام السياسي. ولدينا أمثلة كثيرة على ذلك. (راجع مقالة المستشرقة الإيطالية الأستاذة فالانتينا كولومبو) (1)
6- النظرة التحقيرية للثقافة الغربية ولغير المسلمين
ينظر الإسلام السياسي لغير المسلمين، وحتى المسلمين الذين لا يسيرون على نهجهم، وبالأخص الليبراليين منهم، نظرة عدائية إلى حد إباحة قتلهم ما لم يعلنوا إسلامهم الذي يقره الجهاديون. كذلك نظرتهم التحقيرية للثقافة الغربية. ففي كتابه الموسوم: (جاهلية القرن العشرين) للشيخ محمد قطب (شقيق سيد قطب، وأستاذ بن لادن)، يعتبر كل ما أنتجه الغرب من معارف وثقافات وفلسفات وعلوم وتكنولوجيا وحضارة وحداثة...الخ، منذ ما قبل سقراط وإلى الآن، هو جهل في جهل، وأن الثقافة الحقيقية هي الإيمان بالقرآن والسنة فقط. ووفق نظرتهم هذه، فإن غير المسلمين، وحتى المسلمين الشيعة، يجب إنذارهم، ومنحهم مهلة ثلاثة أيام بأن يتحولوا إلى مسلمين سنة، وإلا يجب قتلهم، وسبي نساءهم وأطفالهم وبيعهم في أسواق النخاسة، تماماً كما كانوا يعملون قبل 14 قرناً من الزمان. هذا ما صرح به إمام مكة في مقابلة له مع تلفزيون بي بي سي العربية قبل أشهر. هذه الدعوة وفق معايير اليوم تعتبر فاشية تهدد الحضارة البشرية.
سئِلَ أبو حمزة المصري إذا كان يكره ويحتقر الغرب إلى هذا الحد، فلماذا هو مقيم في بريطانيا؟ فأجاب أن وجوده في الغرب مؤقت، و بريطانيا بالنسبة له عبارة عن مرحاض لقضاء الحاجة!!. هذا هو رده على الجميل البريطاني!
كما ويرددون قولاً لابن تيمية:"إذا اقمت في دار الكفر للتعلم أو التطبب أو التجارة، فأقم بينهم وأنت تضمر العداوة لهم". بالمناسبة، هذا القول يدرِّسون به أطفال المدارس في السعودية.
7- العداء للديمقراطية
الإسلام السياسي لا يعترف بالديمقراطية، وإذا ما أعلن قادتهم قبولهم بالديمقراطية وحقوق الإنسان، فهذا تكتيك مرحلي لكسب الغرب، ولكن ما ان يستلموا السلطة حتى ويتنكرون لجميع وعودهم.
فآية الله السيد روح الله الخميني، زعيم الثورة الإسلامية في إيران، عندما كان لاجئاً في باريس، سأله صحفي فرنسي في مقابلة معه عن النظام الذي يريد إقامته في إيران بعد إسقاط حكم الشاه، أجاب أنه نظام ديمقراطي يشبه تماماً النظام الموجود في فرنسا. وكلنا نعرف ما حصل فيما بعد من ديكتاتورية ثيوقراطية. كذلك سمعنا وقرأنا تصريحات الشيخ راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة التونسية عندما كان مقيماً في لندن، ونعرف ما حصل في تونس من مضايقات على النساء وطالبات المدارس والجامعات، ومحاولات فرض الحجاب، والعزل بين الطلاب والطالبات...الخ
فالإسلام السياسي لا يؤمن بالديمقراطية، ويعتبرها كفراً وإلحاداً حسب تصريحات الكثير من قادتهم وشيوخهم، فهم يتظاهرون بقبول الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة وغيرها من قيم الحضارة الغربية كتكتيك مرحلي حينما يكونون في المعارضة وفي حالة الضعف، ولكنهم ما أن يستلموا السلطة ويصبحوا في موقع القوة حتى ويتنكرون لجميع وعودهم وعهودهم السابقة.
فالإسلاميون، سنة وشيعة، يعتبرون الشعب جاهلاً، يعاملونهم كأطفال قاصرين لا يعرفون ما يفيدهم وما يضرهم، وأنهم غير مؤهلين لسن القوانين، وأن الله وحده المشرِّع، والقرآن هو كلام الله وهو الدستور.
فالإسلام السياسي الشيعي يؤمن بما يسمى بـ(حكم ولاية الفقيه) الذي اعتبره الخميني أهم ركن من أركان الإسلام، والذي يشبه مبدأ (الحاكمية لله) عند الإسلام السياسي السني، أي الأخوان المسلمين.
8- ممارسة العدوان لتحقيق الأغراض، أي الماكيافيلية (الغاية تبرر الوسيلة):
منذ ما يسمى بالربيع العربي والذي تحول إلى (الربيع الإسلامي) حيث اختطف الإسلاميون الثورة، وفازوا في الانتخابات في مصر وتونس، لأنهم كانوا أحسن تنظيماً وتنسيقاً وخبرة من منافسيهم العلمانيين الديمقراطيين، لاحظنا تصاعد موجة الاعتداءات على النساء السافرات بما فيها جرائم التحرش الجنسي في هذين البلدين. والغرض من هذه التجاوزات هو إرغام السافرات على الحجاب والزي الإسلامي.
مخاطر غفلة الغرب عن الإسلام السياسي
مشكلة الشعوب الغربية وحكوماتها أنهم لا يدركون حيل وأحابيل الإسلاميين. فكما ذكرتُ آنفاً، الإسلاميون يستغلون جميع الوسائل والقوانين، والقيم الحضارية الغربية وأنظمتها، بما فيها الديمقراطية، وجمعيات حقوق الإنسان، وحرية التعبير والنشر...الخ، يوظفونها لمصالحهم في رفد منظماتهم، ونشر التطرف الإسلامي.
- كذلك قام الإسلاميون بفرض حكم الشريعة على بعض المناطق في لندن كتب عليها (شريعة زون)، والسلطات ساكتة عن هذه التجاوزات.
- قبل سنوات قامت الحكومة البريطانية بتعيين عدد من رجال دين مسلمين برواتب سخية من أجل إصلاح وتأهيل السجناء الجنائيين المسلمين في السجون، وأغلبهم من الشباب. فقام عدد من رجال الدين المسلمين بنشر ثقافة التطرف بين هؤلاء السجناء، ونجحوا في تحويل عدد منهم إلى إرهابيين.
- كذلك يطالب بعض الإسلاميين بعدم الترويج لاحتفالات كرسمس لأن هذه الاحتفالات تؤذي مشاعر المسلمين!! حسب رأيهم.
- وهناك من طالب بتأسيس مدارس خاصة بأطفال المسلمين تمولها الدولة. لا شك أن فتح هكذا مدارس يؤدي إلى عزل الأطفال المسلمين عن بقية مكونات المجتمعات الغربية وعدم اندماجهم بها، ونشر ثقافة الكراهية، وبالتالي عزلهم في غيتوات شبيهة بغيتوات اليهود في أوربا في الماضي، تلك السياسة التي أدت إلى تصاعد العداء ضد اليهود انتهت بالهولوكست.
أما قيام المتطرفين الإسلاميين بعمليات إرهابية مثل أحداث 11 سبتمبر 2001 في أمريكا، وتفجيرات قطارات الأنفاق في لندن، وقطار في مدريد، وذبح المخرج الهولندي ثيو فان جوخ في هولندا، وغيرها من الأعمال الإرهابية، أدت إلى ردود أفعال عنيفة لدى مواطني هذه البلدان، كان من نتائجها تصاعد شعبية الأحزاب اليمينية العنصرية المتطرفة ضد المهاجرين وبالأخص ضد المسلمين بمن فيهم الليبراليون، فمن ملامح الوجه والاسم يكفي لتعريض المسلمين جميعاً إلى خطر اليمين المتطرف.
ما العمل لدرء خطر الإسلاميين على الغرب؟
أولاً، العمل على تحقيق برنامج (المصلح) في الإصلاح الديني، والذي قدمه عدد من الإصلاحيين المسلمين الليبراليين وبمساعدة زملائهم المثقفين الغربيين في مؤتمر روما 8-9 ديسمبر 2012، وتوصياته.
ثانياً، يجب علينا، كمثقفين علمانيين مسلمين، مد الجسور مع زملائنا الغربيين العاملين في المؤسسات الإعلامية والثقافية، لشن حملة إعلامية وتثقيفية لإيقاظ الشعوب الغربيىة وحكوماتها من غفلتهم، وتنبيههم بما يحيق بهم من مخاطر الأسلمة. فالإسلام السياسي هو نسخة متطرفة من الفاشية والنازية، بل هو أسوأ وأخطر منهما، لأن الجهاديين يطمحون في ثواب الآخرة أي المكافئة بجنة الخلد وحور العين.
ثالثاً، يجب وقف إنتاج التطرف في بلد المنبع، إذ لا يكفي مواجهة التطرف الإسلامي في الغرب فقط، بينما تأتي موجات جديدة من المهاجرين يحملون معهم التطرف من بلدانهم الإسلامية، وهذا يتطلب مساعدة التيارات الديمقراطية العلمانية الليبرالية في العالمين، العربي والإسلامي، على نشر أفكارهم التنويرية في تلك البلدان، ومطالبة الحكومات الغربية، وخاصة أمريكا ودول الوحدة الأوربية، بربط المساعدات الاقتصادية لهذه الحكومات باحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير والتفكير، وعدم ترك القوى الإسلامية تصول وتجول كما تريد في اضطهاد القوى العلمانية، ونشر ثقافة التطرف والتعصب والكراهية ضد الآخر، والتجاوز على حقوق الإنسان وبالأخص حقوق المرأة في البلدان الإسلامية.
رابعاً، هناك دراسات، وأدلة كثيرة تؤكد أن للمملكة العربية السعودية الدور الأكبر في نشر التطرف الديني والإسلام السياسي في العالم. ففي دراسة للسفير الأمريكي السابق في كوستاريكا (Curtin Winsor, Jr.)، أشار إلى (شهادة أحد الخبراء أثناء جلسة الاستماع أمام لجنة العدل التابعة لمجلس الشيوخ في 26 يونيو 2003 م بأن "السعودية أنفقت 87 بليون دولار خلال العقدين الماضيين لنشر الوهابية في العالم"، وأنه يعتقد أن مستوى التمويل قد ارتفع في العامين الماضيين نظرا لارتفاع أسعار النفط). ويقارن الباحث ذلك بما أنفقه الاتحاد السوفيتي والبالغ سبعة مليار دولار على نشر الأيديولوجيا الشيوعية خلال 70 سنة. (2)
لذلك أكاد أجزم أنه لولا الدعم السعودي لأحزاب الإسلام السياسي ونشر التطرف الديني الوهابي، لما كان العالم يواجه اليوم هذا الخطر الداهم. وعليه يجب مطالبة الحكومات الغربية بفرض الضغوط على السعودية لوقف الدعم المالي لنشر التطرف الديني والإسلام السياسي.
الخاتمة
إذا ترك الوضع على هذه الحالة ولم نتخذ، نحن من خلفيات إسلامية، إجراءات لوقف هذا الجنون، فصبر الغرب محدود، وربما سيؤدي في المستقبل إلى انفجار الوضع، وظهور أحزاب نازية وفاشية تستلم السلطة مثلما حصل في النصف الأول من القرن العشرين، ويحصل لنا تماماً كما حصل ليهود أوربا، يكون العرب والمسلمون المقيمون في الغرب هم حطباً لمحارق الهولوكوست القادمة
قدمتُ هذه المداخلة في مؤتمر روما "لإصلاح الإسلام" الذي نظمه مشروع "المصلح" البريطاني برئاسة المستشرق والباحث في الدراسات الإسلامية، الدكتور ستيفن أولف، والذي انعقد في جامعة الفاتيكان ما بين 7- 8 ديسمبر 2012، ودعي إليه عدد من المفكرين العرب والغربيين لوضع إستراتيجية من أجل مصالحة الإسلام مع الحرية والعلمانية والديمقراطية والمرأة والحداثة وما المطلوب من الغرب تقديمه لمساعدة المصلحين المسلمين في مجال الإصلاح. و في مداخلتي هذه، وبناءً على طلب من منظم ورئيس المؤتمر، لم أتطرق إلى الإصلاح، لأننا كنا نعرف مسبقاً، أن معظم أوراق الزملاء الآخرين، ستصب في هذا المجال، لذا طلب مني تركيز مداخلتي على تكتيكات الإسلاميين لتوظيف ما في الغرب من تسهيلات لصالحهم، وغفلة الغربيين عن مخاطر الإسلام السياسي.
ــــــــــــــــــ
مقدمة
يواجه العالم المتحضر اليوم خطر الإسلام السياسي المتطرف و"المعتدل". ولتحقيق أغراضهم سلك الإسلاميون عدة وسائل، وتظاهروا بعدة أشكال، منها عن طريق الإرهاب (القاعدة وفروعها)، ومنها بالوسائل السلمية بإدعاء الاعتدال (حزب الأخوان المسلمين وتفرعاته تحت مختلف الأسماء والواجهات)، وذلك بتوظيف ما وفرته لهم الدول الغربية من ديمقراطية وحقوق الإنسان...الخ، ولكن الغاية النهائية واحدة، وهي أسلمة العالم وفرض حكم الشريعة، وبالأخص على الغرب.
في البدء، أود التأكيد على أن مشكلتنا هي ليست مع الإسلام كدين، وإنما مع الإسلام السياسي فقط. فنحن، كعلمانيين وليبراليين، مع حرية الأديان والعبادة، نسعى لإنقاذ الإسلام الديني، والحضارة البشرية من الإسلام السياسي. فالإسلاميون يوظفون الدين لأغراضهم السياسية، ومصالحهم الشخصية لفرض سلطتهم الاستبدادية على الشعوب باسم الله والدين وإعادة مجتمعاتهم إلى الماضي البعيد. لذا، فغايتنا تحرير الدين من السياسة، وتحرير السياسة من الدين.
ولتحقيق أغراضهم، استغل الإسلاميون جميع الوسائل المتاحة لهم في الغرب بمنتهى الذكاء والدهاء، ولتوضيح ذلك نشير إلى النقاط التالية:
1- صراع الثقافات... ولماذا نحن هنا؟
لا شك أن السبب الرئيسي لهجرة معظم العرب والمسلمين إلى الغرب هو ظلم الحكام في بلدانهم الأصلية، وبؤس أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. وهذا الظلم والبؤس لم يأتيا من فراغ، بل هما نتاج ثقافاتهم الاجتماعية الموروثة (culture)، والذي يشمل الدين والمذهب أيضاً. فهناك حديث منسوب للنبي محمد: "اسمع وأطع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك". على الأغلب، هذا الحديث ملفق تمت فبركته من قبل وعاظ السلاطين لخدمة أولياء نعمتهم من الحكام الطغاة، ولكن، شئنا أم أبينا، صار هذا القول جزءً من الثقافة العربية- الإسلامية التي تطالب المواطنين "الرعايا" بالطاعة العمياء للحاكم ومهما كان جائراً، بمعنى أن هذه الثقافة هي سبب هجرتنا. وبالمقابل، فالقوة التي جذبتنا إلى الدول الغربية هي الثقافة الغربية وقيمها الحضارية الإنسانية النبيلة التي تشمل: الديمقراطية، والحرية، والتقدم، وحكم القانون، ...الخ، والتي وفرت لنا الحرية والعيش بكرامة.
ولكن المشكلة أنه ما أن يستقر المقام ببعض المسلمين المهاجرين في الغرب، حتى ويبدؤون بمحاربة الثقافة الغربية وقوانينها، والعمل على فرض ثقافتهم عليها، تلك الثقافة التي كانت السبب الرئيسي لفرارهم من بلدانهم، أي أنهم يعملون على أسلمة أوربا وفرض حكم الشريعة عليها.
وهنا أرى من المفيد التذكير بما قالته رئيسة وزراء أستراليا (جوليا غيلارد) للإسلاميين المطالبين بفرض الشريعة هناك، أنهم لم يأتوا إلى أستراليا بدعوة من أحد، وإنما جاؤوا برغبتهم، لذا يجب عليهم أن يحترموا ثقافات وقوانين وأعراف البلد الذي آواهم، لا أن يحاولوا فرض قوانينهم ودياناتهم على شعبنا. وكل من يريد حكم الشريعة عليه أن يرحل إلى البلد الذي يقبل بهذا الحكم.
2- محاولات أسلمة أوربا
هناك محاولات منظمة ومنسقة من الإسلام السياسي، وتحديداً (حزب الأخوان المسلمين) والمنظمات المتفرعة منه تحت مختلف الأسماء والواجهات، لتغيير الثقافة الغربية وفرض الثقافة الإسلامية محلها، أو ما يسمى بحكم الشريعة. تساعدهم في ذلك مجموعة من العوامل، والتي هي ضد المجتمعات الغربية: فمن جهة، كسبت الجهات الإسلامية خبرة فائقة في توظيف ما في الغرب من قيم الحضارة الحديثة مثل، الديمقراطية، وحرية التعبير، وحقوق الإنسان، وحرية العبادة، وتغيير الدين والمعتقد، والاعتراف بتعددية الثقافات multi-culturalism وغيرها من التسهيلات، يقابل ذلك، حسن نوايا الغربيين، وبيروقراطية إجراءاتهم الإدارية والقضائية، وغفلتهم عن مخاطر ما يبيته لهم الإسلاميون من مخططات على المدى المتوسط والبعيد. فالغربيون يسيرون نحو الهاوية معصوبي الأعين sleepwalking into abyss، وكما قيل: "الطريق إلى جهنم معبد بالنوايا الحسنة." إضافة إلى قدرة الإسلاميين على مخاطبة الغربيين باللغة التي يفهمونها وتسرهم. وسأوضح ذلك لاحقاً.
هناك أمثلة كثيرة تؤكد على بيروقراطية وغفلة الغربيين بما يحيق بهم من مخاطر الإسلاميين، فقد منحوا اللجوء إلى قادة الإسلام السياسي، وبعضهم إرهابيون، بغض النظر عن مخاطرهم على الغرب وعلى بلدانهم الأصلية ودورهم في الإرهاب. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أبو حمزة المصري الذي منح اللجوء في لندن، وكانت هناك أدلة كثيرة تثبت علاقته بتنظيم القاعدة، ودوره في تفجير البارجة الحربية الأمريكية (كول) في ميناء عدن، إضافة إلى مساهماته بأعمال إرهابية أخرى، وكان مطلوباً من قبل السلطات الأمريكية. هذه القضية كلفت الحكومة البريطانية ملايين الدولارات، واستغرقت نحو ثمان سنوات من المداولات والمحاكمات إلى أن أصدرت المحكمة قراراً نهائياً قبل شهرين بترحيله إلى واشنطن ليواجه العدالة. مثال آخر، أبو قتادة الأردني، وهو متهم بالإرهاب، وهارب من وجه العدالة في بلاده الأردن، وكان ومازال مقيماً مع عائلته في لندن. ترفض السلطات القضائية البريطانية ترحيله إلى الأردن خوفاً عليه من تعريضه إلى التعذيب هناك. والجدير بالذكر أن عائلته تقيم في سكن فخم يبلغ سعره في حدود مليون جنيه استرليني، أي نحو(مليون ونصف المليون دولار).
3 - قدرة الإسلاميين على التحدث بلسانين، وحتى الكذب
عامل آخر يساعد الإسلام السياسي على خدع الغربيين هو الازدواجية وقدرتهم على التحدث بلسانين، فقد تعمقوا في فهم الذهنية الغربية، وكيفية مخاطبة الغربيين بما يسرهم ويكسبوا رضاهم لتحقيق أغراضهم. فتمكن الإسلاميون من إيصال شخصيات أكاديمية إسلامية إلى منصب الأستاذية في أعرق الجامعات الغربية مثل جامعة أكسفورد الإنكليزية العريقة. وهؤلاء يستطيعون التحدث مع الغربيين بلغة ترضيهم مثل إدعائهم أنهم مع الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والمساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص...الخ
كما ولاحظتُ في بعض الندوات التي تنظمها مؤسسات ثقافية في الغرب، والتي تصلنا عن طريق اليوتيوب، أنهم يجلبون فتيات مسلمات سافرات (مودرن)، يشاركن في مناظرات تلفزيونية، يدافعن عن الإسلام السياسي بشكل غير مباشر، ويدعين أن القيم الغربية هي إسلامية. والمقصود هنا تجميل وجه الإسلام السياسي طبعاً. ولكن حينما يتحدثون إلى شعوبهم الإسلامية في بلدانهم الأصلية، عندئذ تتغير اللغة واللهجة، فيكشفون عن حقيقتهم، وعلى سبيل المثال: صرح مرة الشيخ مهدي عاكف، مرشد حزب الأخوان المسلمين السابق في مصر، أنه يفضل رجل ماليزي مسلم أن يكون رئيساً لمصر على القبطي المسيحي المصري. كذلك قيام الرئيس المصري، محمد مرسي، مؤخراً بتركيز السلطات الدستورية في يده متجاوزاً حتى السلطة القضائية.
4- قبول الجامعات الغربية تبرعات بملايين الدولارات من قبل الدول الخليجية النفطية لإنشاء مراكز بها لدراسة الإسلام. هذه التبرعات حلت مشاكل مالية عديدة للجامعات، فردت الجامعات الجميل بأن جعلت نقد الإسلام في الحرم الجامعي نوعاً من التابو قد يؤدي إلى فقد الوظيفة. ومقابل هذا الدعم المالي، غضت الجامعات الطرف عن نشاطات الطلاب الإسلاميين في الحرم الجامعي واستعمال العنف اللفظي، وحتى البدني لترهيب وتهميش أية معارضة لهم. أحسن دليل على ذلك هو اعترافات طلاب إسلاميين سابقين كانوا ينتمون إلى حزب التحرير في بريطانيا، مثلاً Ed Hussein في كتابه الموسوم The Islamist
5- تخويف الليبراليين من نقد الإسلام عن طريق مكاتب محامين ورفع الدعاوى القضائية عليهم وجعلهم يتحملون مصروفات الدفاع عن أنفسهم وبالتالي تكبيلهم مادياً حتى لا يجرؤون مرة أخرى على نقد الإسلام السياسي. ولدينا أمثلة كثيرة على ذلك. (راجع مقالة المستشرقة الإيطالية الأستاذة فالانتينا كولومبو) (1)
6- النظرة التحقيرية للثقافة الغربية ولغير المسلمين
ينظر الإسلام السياسي لغير المسلمين، وحتى المسلمين الذين لا يسيرون على نهجهم، وبالأخص الليبراليين منهم، نظرة عدائية إلى حد إباحة قتلهم ما لم يعلنوا إسلامهم الذي يقره الجهاديون. كذلك نظرتهم التحقيرية للثقافة الغربية. ففي كتابه الموسوم: (جاهلية القرن العشرين) للشيخ محمد قطب (شقيق سيد قطب، وأستاذ بن لادن)، يعتبر كل ما أنتجه الغرب من معارف وثقافات وفلسفات وعلوم وتكنولوجيا وحضارة وحداثة...الخ، منذ ما قبل سقراط وإلى الآن، هو جهل في جهل، وأن الثقافة الحقيقية هي الإيمان بالقرآن والسنة فقط. ووفق نظرتهم هذه، فإن غير المسلمين، وحتى المسلمين الشيعة، يجب إنذارهم، ومنحهم مهلة ثلاثة أيام بأن يتحولوا إلى مسلمين سنة، وإلا يجب قتلهم، وسبي نساءهم وأطفالهم وبيعهم في أسواق النخاسة، تماماً كما كانوا يعملون قبل 14 قرناً من الزمان. هذا ما صرح به إمام مكة في مقابلة له مع تلفزيون بي بي سي العربية قبل أشهر. هذه الدعوة وفق معايير اليوم تعتبر فاشية تهدد الحضارة البشرية.
سئِلَ أبو حمزة المصري إذا كان يكره ويحتقر الغرب إلى هذا الحد، فلماذا هو مقيم في بريطانيا؟ فأجاب أن وجوده في الغرب مؤقت، و بريطانيا بالنسبة له عبارة عن مرحاض لقضاء الحاجة!!. هذا هو رده على الجميل البريطاني!
كما ويرددون قولاً لابن تيمية:"إذا اقمت في دار الكفر للتعلم أو التطبب أو التجارة، فأقم بينهم وأنت تضمر العداوة لهم". بالمناسبة، هذا القول يدرِّسون به أطفال المدارس في السعودية.
7- العداء للديمقراطية
الإسلام السياسي لا يعترف بالديمقراطية، وإذا ما أعلن قادتهم قبولهم بالديمقراطية وحقوق الإنسان، فهذا تكتيك مرحلي لكسب الغرب، ولكن ما ان يستلموا السلطة حتى ويتنكرون لجميع وعودهم.
فآية الله السيد روح الله الخميني، زعيم الثورة الإسلامية في إيران، عندما كان لاجئاً في باريس، سأله صحفي فرنسي في مقابلة معه عن النظام الذي يريد إقامته في إيران بعد إسقاط حكم الشاه، أجاب أنه نظام ديمقراطي يشبه تماماً النظام الموجود في فرنسا. وكلنا نعرف ما حصل فيما بعد من ديكتاتورية ثيوقراطية. كذلك سمعنا وقرأنا تصريحات الشيخ راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة التونسية عندما كان مقيماً في لندن، ونعرف ما حصل في تونس من مضايقات على النساء وطالبات المدارس والجامعات، ومحاولات فرض الحجاب، والعزل بين الطلاب والطالبات...الخ
فالإسلام السياسي لا يؤمن بالديمقراطية، ويعتبرها كفراً وإلحاداً حسب تصريحات الكثير من قادتهم وشيوخهم، فهم يتظاهرون بقبول الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة وغيرها من قيم الحضارة الغربية كتكتيك مرحلي حينما يكونون في المعارضة وفي حالة الضعف، ولكنهم ما أن يستلموا السلطة ويصبحوا في موقع القوة حتى ويتنكرون لجميع وعودهم وعهودهم السابقة.
فالإسلاميون، سنة وشيعة، يعتبرون الشعب جاهلاً، يعاملونهم كأطفال قاصرين لا يعرفون ما يفيدهم وما يضرهم، وأنهم غير مؤهلين لسن القوانين، وأن الله وحده المشرِّع، والقرآن هو كلام الله وهو الدستور.
فالإسلام السياسي الشيعي يؤمن بما يسمى بـ(حكم ولاية الفقيه) الذي اعتبره الخميني أهم ركن من أركان الإسلام، والذي يشبه مبدأ (الحاكمية لله) عند الإسلام السياسي السني، أي الأخوان المسلمين.
8- ممارسة العدوان لتحقيق الأغراض، أي الماكيافيلية (الغاية تبرر الوسيلة):
منذ ما يسمى بالربيع العربي والذي تحول إلى (الربيع الإسلامي) حيث اختطف الإسلاميون الثورة، وفازوا في الانتخابات في مصر وتونس، لأنهم كانوا أحسن تنظيماً وتنسيقاً وخبرة من منافسيهم العلمانيين الديمقراطيين، لاحظنا تصاعد موجة الاعتداءات على النساء السافرات بما فيها جرائم التحرش الجنسي في هذين البلدين. والغرض من هذه التجاوزات هو إرغام السافرات على الحجاب والزي الإسلامي.
مخاطر غفلة الغرب عن الإسلام السياسي
مشكلة الشعوب الغربية وحكوماتها أنهم لا يدركون حيل وأحابيل الإسلاميين. فكما ذكرتُ آنفاً، الإسلاميون يستغلون جميع الوسائل والقوانين، والقيم الحضارية الغربية وأنظمتها، بما فيها الديمقراطية، وجمعيات حقوق الإنسان، وحرية التعبير والنشر...الخ، يوظفونها لمصالحهم في رفد منظماتهم، ونشر التطرف الإسلامي.
- كذلك قام الإسلاميون بفرض حكم الشريعة على بعض المناطق في لندن كتب عليها (شريعة زون)، والسلطات ساكتة عن هذه التجاوزات.
- قبل سنوات قامت الحكومة البريطانية بتعيين عدد من رجال دين مسلمين برواتب سخية من أجل إصلاح وتأهيل السجناء الجنائيين المسلمين في السجون، وأغلبهم من الشباب. فقام عدد من رجال الدين المسلمين بنشر ثقافة التطرف بين هؤلاء السجناء، ونجحوا في تحويل عدد منهم إلى إرهابيين.
- كذلك يطالب بعض الإسلاميين بعدم الترويج لاحتفالات كرسمس لأن هذه الاحتفالات تؤذي مشاعر المسلمين!! حسب رأيهم.
- وهناك من طالب بتأسيس مدارس خاصة بأطفال المسلمين تمولها الدولة. لا شك أن فتح هكذا مدارس يؤدي إلى عزل الأطفال المسلمين عن بقية مكونات المجتمعات الغربية وعدم اندماجهم بها، ونشر ثقافة الكراهية، وبالتالي عزلهم في غيتوات شبيهة بغيتوات اليهود في أوربا في الماضي، تلك السياسة التي أدت إلى تصاعد العداء ضد اليهود انتهت بالهولوكست.
أما قيام المتطرفين الإسلاميين بعمليات إرهابية مثل أحداث 11 سبتمبر 2001 في أمريكا، وتفجيرات قطارات الأنفاق في لندن، وقطار في مدريد، وذبح المخرج الهولندي ثيو فان جوخ في هولندا، وغيرها من الأعمال الإرهابية، أدت إلى ردود أفعال عنيفة لدى مواطني هذه البلدان، كان من نتائجها تصاعد شعبية الأحزاب اليمينية العنصرية المتطرفة ضد المهاجرين وبالأخص ضد المسلمين بمن فيهم الليبراليون، فمن ملامح الوجه والاسم يكفي لتعريض المسلمين جميعاً إلى خطر اليمين المتطرف.
ما العمل لدرء خطر الإسلاميين على الغرب؟
أولاً، العمل على تحقيق برنامج (المصلح) في الإصلاح الديني، والذي قدمه عدد من الإصلاحيين المسلمين الليبراليين وبمساعدة زملائهم المثقفين الغربيين في مؤتمر روما 8-9 ديسمبر 2012، وتوصياته.
ثانياً، يجب علينا، كمثقفين علمانيين مسلمين، مد الجسور مع زملائنا الغربيين العاملين في المؤسسات الإعلامية والثقافية، لشن حملة إعلامية وتثقيفية لإيقاظ الشعوب الغربيىة وحكوماتها من غفلتهم، وتنبيههم بما يحيق بهم من مخاطر الأسلمة. فالإسلام السياسي هو نسخة متطرفة من الفاشية والنازية، بل هو أسوأ وأخطر منهما، لأن الجهاديين يطمحون في ثواب الآخرة أي المكافئة بجنة الخلد وحور العين.
ثالثاً، يجب وقف إنتاج التطرف في بلد المنبع، إذ لا يكفي مواجهة التطرف الإسلامي في الغرب فقط، بينما تأتي موجات جديدة من المهاجرين يحملون معهم التطرف من بلدانهم الإسلامية، وهذا يتطلب مساعدة التيارات الديمقراطية العلمانية الليبرالية في العالمين، العربي والإسلامي، على نشر أفكارهم التنويرية في تلك البلدان، ومطالبة الحكومات الغربية، وخاصة أمريكا ودول الوحدة الأوربية، بربط المساعدات الاقتصادية لهذه الحكومات باحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير والتفكير، وعدم ترك القوى الإسلامية تصول وتجول كما تريد في اضطهاد القوى العلمانية، ونشر ثقافة التطرف والتعصب والكراهية ضد الآخر، والتجاوز على حقوق الإنسان وبالأخص حقوق المرأة في البلدان الإسلامية.
رابعاً، هناك دراسات، وأدلة كثيرة تؤكد أن للمملكة العربية السعودية الدور الأكبر في نشر التطرف الديني والإسلام السياسي في العالم. ففي دراسة للسفير الأمريكي السابق في كوستاريكا (Curtin Winsor, Jr.)، أشار إلى (شهادة أحد الخبراء أثناء جلسة الاستماع أمام لجنة العدل التابعة لمجلس الشيوخ في 26 يونيو 2003 م بأن "السعودية أنفقت 87 بليون دولار خلال العقدين الماضيين لنشر الوهابية في العالم"، وأنه يعتقد أن مستوى التمويل قد ارتفع في العامين الماضيين نظرا لارتفاع أسعار النفط). ويقارن الباحث ذلك بما أنفقه الاتحاد السوفيتي والبالغ سبعة مليار دولار على نشر الأيديولوجيا الشيوعية خلال 70 سنة. (2)
لذلك أكاد أجزم أنه لولا الدعم السعودي لأحزاب الإسلام السياسي ونشر التطرف الديني الوهابي، لما كان العالم يواجه اليوم هذا الخطر الداهم. وعليه يجب مطالبة الحكومات الغربية بفرض الضغوط على السعودية لوقف الدعم المالي لنشر التطرف الديني والإسلام السياسي.
الخاتمة
إذا ترك الوضع على هذه الحالة ولم نتخذ، نحن من خلفيات إسلامية، إجراءات لوقف هذا الجنون، فصبر الغرب محدود، وربما سيؤدي في المستقبل إلى انفجار الوضع، وظهور أحزاب نازية وفاشية تستلم السلطة مثلما حصل في النصف الأول من القرن العشرين، ويحصل لنا تماماً كما حصل ليهود أوربا، يكون العرب والمسلمون المقيمون في الغرب هم حطباً لمحارق الهولوكوست القادمة