أميركا : «صدمات النفط» و استقلال الطاقة
مرسل: الجمعة ديسمبر 21, 2012 4:42 pm
بول كنيدي
من الواضح الآن أن الولايات المتحدة قد باتت على وشك استعادة استقلال كان قد انتزع منها على مدى الأربعين عاماً الماضية، وتحديداً منذ ما يعرف بـ«صدمات النفط» عام 1973.
فالاكتشافات الأخيرة لاحتياطات ضخمة من الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة، مقرونة بالإمكانيات التقنية «لتكسير» أحواض بيولوجية هائلة من الغاز الصخري، من أجل توفير مصدر آخر للنفط، كانت سبباً في ظهور سلسلة من التقارير الصحفية المتفائلة تتنبأ بمستقبل أميركي خال من الابتزاز الذي تتعرض له على يد منتجي النفط الأجانب بمناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك القارة الأميركية التي تعد من مصدري الطاقة لا من مستورديها.
وكما هو الأمر مع كثير من الاختراقات المدعاة في أي مجال من المجالات، على القارئ التنقيب عميقاً في الحقائق المعروضة أمامه، ومساءلة نفسه إذا كان تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة، موجوداً في الأصل أم أنه مجرد ادعاء.
ولو شئنا استخدام التاريخ كدليل، سنجد أن الاعتماد على مصادر طاقة الكربون من جميع الأنواع قد فشل أمام اختبار القدرة على الاستمرار إلى ما لا نهاية، لسبب بسيط، أن تلك المصادر كانت تشمل في معظمها أنواعاً من الوقود غير قابلة للتجدد، أي تتناقص باستمرار نتيجة لزيادة الاستهلاك، مما دفع المستهلكين دوماً للبحث عن مصادر جديدة للطاقة(قابلة للتجدد).
والمثال الأبرز على ذلك هو بريطانيا، التي تمكنت من التحول إلى أعظم إمبراطورية في الأرض من خلال الاعتماد على مصادر عديدة من طاقة الكربون لما يزيد عن ثلاثة قرون. فبسبب موقعها كجزيرة لم يكن أمام بريطانيا سوى القليل من العوائق التي تحول بينها وبين توسيع تجارتها ونفوذها عبر المحيطات؛ إذ أن كل ما كانت تحتاج إليه هو الكثير من البحارة الماهرين، وعدد كبير من السفن، وهو ما كان متوافراً لها بكثرة.
من حسن حظ بريطانيا أن خروجها لما وراء البحار والمحيطات، تزامن مع مقدم الثورة الصناعية، وهو ما أتاح لها القدرة على استخدام المحركات البخارية المعتمدة على الفحم، الذي كانت مناجم جنوب «ويلز» تحتوي على كميات هائلة منه.
وخلال المئة عام التالية لظهور الثورة الصناعية، تمكنت بريطانيا من تشكيل شبكة عالمية من ما يطلق عليه «الدول المستهلكة للفحم»، كانت تسعى دوماً لجعل مصادر هذه المادة الحيوية في أيديها. وبحلول 1912 بدأ أدميرال البحرية البريطانية الشاب والديناميكي «وينستون تشرشل» في الدفع نحو تزويد السفن الحربية البريطانية بطاقة النفط، وهو ما كان يعني أنه قد بات يتعين على بريطانيا الانخراط بشكل أكبر في الشرق الأوسط وإيران.
وكان ذلك يعني شيئاً آخر أكثر أهمية، وهو أن الاستقلال الاستراتيجي الذي كانت تتمتع به الجزر البريطانية قد تأثر سلباً، وهو ما كان ينطبق أيضاً على جميع القوى العالمية الأخرى التي لم تكن تمتلك حقول نفط ضخمة على أراضيها.
لفترة طويلة من الوقت لم يتأثر استقلال الولايات المتحدة الاستراتيجي بذلك، حيث كانت تمتلك عدداً هائلاً من حقول النفط على أراضيها، كما كان في إمكانها في أي وقت الاستيراد من دول أميركا اللاتينية الغنية بالنفط مثل فنزويلا، وهو ما مكنها من الانخراط في نمط استهلاكي مسرف للطاقة كان يرمز إليه نوعية السيارات الضخمة التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود التي كانوا يفضلها الأميركيون على غيرها.
ولكن عندما ارتفعت أسعار النفط إلى مستويات عالية في عقد السبعينيات من القرن الماضي، فإن ذلك لم يكن له علاقة مع الإمكانية المتناقصة للوصول إلى مصادر النفط، بقدر ما كان له علاقة أكبر مع تزايد إمكانيات استبدال طاقة النفط بأنواع أخرى، ومصادر حديثة من مصادر الطاقة بسبب طبيعة الأسواق التي باتت أكثر عالمية.
كان معنى ذلك أن أسواق الطاقة العالمية بمختلف أنواعها قد باتت أقل احتراماً لرغبات وإمكانيات المستهلكين المحليين، وهو ما كان يحدث بطريقتين:
الأولى: أن عملية تسعير النفط قد باتت ذات طبيعة أكثر عالمية، فباستثناء الدول المحظوظة التي تمتلك مصادر هائلة للنفط، فإن الغالبية العظمى من باقي الدول أصبحت تعاني من ارتفاع أسعار النفط، التي باتت أكثر عرضة للتأثر بالأحداث العالمية، التي تتم خارج أسواق الاستهلاك الكبرى في العالم، مثل وقوع صراع في الخليج العربي على سبيل المثال. فمثل ذلك الصراع كان من المحتم أن يؤدي إلى تقليص تدفق النفط إلى الأسواق الخارجية بواسطة ناقلات النفط الضخمة وارتفاع أسعار النفط بالتالي لمستويات عالية، كما كان بمقدور شتاء شديد البرودة وأحوال جوية قاسية في أميركا الشمالية أن تحدث تأثيراً مماثلاً.
الطريقة الثانية، التي يمكن من خلالها إدراك التأثير المتبادل بين أسواق الطاقة العالمية، تتمثل في التداعيات التي يؤدي بها ارتفاع سعر سلعة إلى إحداث تأثير مباشر على باقي السلع. فحدوث ارتفاع مفاجئ في أسعار زيوت التدفئة على سبيل المثال، قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، لأن المستهلكين في هذه الحالة يتحولون من مصدر الطاقة الذي ارتفع سعره، إلى مصدر آخر أرخص سعراً، مما يؤدي إلى ارتفاع سعر الأخير في نهاية المطاف.
والحالة الحالية- والمستقبلية- للعجز في الميزانية الأميركية يجعل من غير المحتمل تقليص الضرائب على الوقود. والحقيقة الواضحة التي ستتمثل أمامنا نتيجة ذلك هي أن تقلب أسعار النفط(وغيره من مصادر الطاقة) للعجوزات، سيكون هو الاحتمال الأكبر. ومن هنا يمكن لنا القول باختصار إنه على الرغم من أن اكتشاف مصادر جديدة للطاقة داخل الولايات المتحدة، يمكن أن يؤدي لتغيير القوة الاستراتيجية للولايات المتحدة، إلا أنه لن يؤدي بالضرورة إلى وضع المزيد من النقود في جيوب المواطن الأميركي العادي.
كل ذلك يجب أن يدعونا للنظر إلى التقارير المتعلقة بزيادات الطاقة المستقبلية في الولايات المتحدة وزيادة قدرتها على الاستقلال عن مصدري الطاقة الخارجيين، بقدر كبير من الحرص.
من الواضح الآن أن الولايات المتحدة قد باتت على وشك استعادة استقلال كان قد انتزع منها على مدى الأربعين عاماً الماضية، وتحديداً منذ ما يعرف بـ«صدمات النفط» عام 1973.
فالاكتشافات الأخيرة لاحتياطات ضخمة من الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة، مقرونة بالإمكانيات التقنية «لتكسير» أحواض بيولوجية هائلة من الغاز الصخري، من أجل توفير مصدر آخر للنفط، كانت سبباً في ظهور سلسلة من التقارير الصحفية المتفائلة تتنبأ بمستقبل أميركي خال من الابتزاز الذي تتعرض له على يد منتجي النفط الأجانب بمناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك القارة الأميركية التي تعد من مصدري الطاقة لا من مستورديها.
وكما هو الأمر مع كثير من الاختراقات المدعاة في أي مجال من المجالات، على القارئ التنقيب عميقاً في الحقائق المعروضة أمامه، ومساءلة نفسه إذا كان تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة، موجوداً في الأصل أم أنه مجرد ادعاء.
ولو شئنا استخدام التاريخ كدليل، سنجد أن الاعتماد على مصادر طاقة الكربون من جميع الأنواع قد فشل أمام اختبار القدرة على الاستمرار إلى ما لا نهاية، لسبب بسيط، أن تلك المصادر كانت تشمل في معظمها أنواعاً من الوقود غير قابلة للتجدد، أي تتناقص باستمرار نتيجة لزيادة الاستهلاك، مما دفع المستهلكين دوماً للبحث عن مصادر جديدة للطاقة(قابلة للتجدد).
والمثال الأبرز على ذلك هو بريطانيا، التي تمكنت من التحول إلى أعظم إمبراطورية في الأرض من خلال الاعتماد على مصادر عديدة من طاقة الكربون لما يزيد عن ثلاثة قرون. فبسبب موقعها كجزيرة لم يكن أمام بريطانيا سوى القليل من العوائق التي تحول بينها وبين توسيع تجارتها ونفوذها عبر المحيطات؛ إذ أن كل ما كانت تحتاج إليه هو الكثير من البحارة الماهرين، وعدد كبير من السفن، وهو ما كان متوافراً لها بكثرة.
من حسن حظ بريطانيا أن خروجها لما وراء البحار والمحيطات، تزامن مع مقدم الثورة الصناعية، وهو ما أتاح لها القدرة على استخدام المحركات البخارية المعتمدة على الفحم، الذي كانت مناجم جنوب «ويلز» تحتوي على كميات هائلة منه.
وخلال المئة عام التالية لظهور الثورة الصناعية، تمكنت بريطانيا من تشكيل شبكة عالمية من ما يطلق عليه «الدول المستهلكة للفحم»، كانت تسعى دوماً لجعل مصادر هذه المادة الحيوية في أيديها. وبحلول 1912 بدأ أدميرال البحرية البريطانية الشاب والديناميكي «وينستون تشرشل» في الدفع نحو تزويد السفن الحربية البريطانية بطاقة النفط، وهو ما كان يعني أنه قد بات يتعين على بريطانيا الانخراط بشكل أكبر في الشرق الأوسط وإيران.
وكان ذلك يعني شيئاً آخر أكثر أهمية، وهو أن الاستقلال الاستراتيجي الذي كانت تتمتع به الجزر البريطانية قد تأثر سلباً، وهو ما كان ينطبق أيضاً على جميع القوى العالمية الأخرى التي لم تكن تمتلك حقول نفط ضخمة على أراضيها.
لفترة طويلة من الوقت لم يتأثر استقلال الولايات المتحدة الاستراتيجي بذلك، حيث كانت تمتلك عدداً هائلاً من حقول النفط على أراضيها، كما كان في إمكانها في أي وقت الاستيراد من دول أميركا اللاتينية الغنية بالنفط مثل فنزويلا، وهو ما مكنها من الانخراط في نمط استهلاكي مسرف للطاقة كان يرمز إليه نوعية السيارات الضخمة التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود التي كانوا يفضلها الأميركيون على غيرها.
ولكن عندما ارتفعت أسعار النفط إلى مستويات عالية في عقد السبعينيات من القرن الماضي، فإن ذلك لم يكن له علاقة مع الإمكانية المتناقصة للوصول إلى مصادر النفط، بقدر ما كان له علاقة أكبر مع تزايد إمكانيات استبدال طاقة النفط بأنواع أخرى، ومصادر حديثة من مصادر الطاقة بسبب طبيعة الأسواق التي باتت أكثر عالمية.
كان معنى ذلك أن أسواق الطاقة العالمية بمختلف أنواعها قد باتت أقل احتراماً لرغبات وإمكانيات المستهلكين المحليين، وهو ما كان يحدث بطريقتين:
الأولى: أن عملية تسعير النفط قد باتت ذات طبيعة أكثر عالمية، فباستثناء الدول المحظوظة التي تمتلك مصادر هائلة للنفط، فإن الغالبية العظمى من باقي الدول أصبحت تعاني من ارتفاع أسعار النفط، التي باتت أكثر عرضة للتأثر بالأحداث العالمية، التي تتم خارج أسواق الاستهلاك الكبرى في العالم، مثل وقوع صراع في الخليج العربي على سبيل المثال. فمثل ذلك الصراع كان من المحتم أن يؤدي إلى تقليص تدفق النفط إلى الأسواق الخارجية بواسطة ناقلات النفط الضخمة وارتفاع أسعار النفط بالتالي لمستويات عالية، كما كان بمقدور شتاء شديد البرودة وأحوال جوية قاسية في أميركا الشمالية أن تحدث تأثيراً مماثلاً.
الطريقة الثانية، التي يمكن من خلالها إدراك التأثير المتبادل بين أسواق الطاقة العالمية، تتمثل في التداعيات التي يؤدي بها ارتفاع سعر سلعة إلى إحداث تأثير مباشر على باقي السلع. فحدوث ارتفاع مفاجئ في أسعار زيوت التدفئة على سبيل المثال، قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، لأن المستهلكين في هذه الحالة يتحولون من مصدر الطاقة الذي ارتفع سعره، إلى مصدر آخر أرخص سعراً، مما يؤدي إلى ارتفاع سعر الأخير في نهاية المطاف.
والحالة الحالية- والمستقبلية- للعجز في الميزانية الأميركية يجعل من غير المحتمل تقليص الضرائب على الوقود. والحقيقة الواضحة التي ستتمثل أمامنا نتيجة ذلك هي أن تقلب أسعار النفط(وغيره من مصادر الطاقة) للعجوزات، سيكون هو الاحتمال الأكبر. ومن هنا يمكن لنا القول باختصار إنه على الرغم من أن اكتشاف مصادر جديدة للطاقة داخل الولايات المتحدة، يمكن أن يؤدي لتغيير القوة الاستراتيجية للولايات المتحدة، إلا أنه لن يؤدي بالضرورة إلى وضع المزيد من النقود في جيوب المواطن الأميركي العادي.
كل ذلك يجب أن يدعونا للنظر إلى التقارير المتعلقة بزيادات الطاقة المستقبلية في الولايات المتحدة وزيادة قدرتها على الاستقلال عن مصدري الطاقة الخارجيين، بقدر كبير من الحرص.