- الجمعة ديسمبر 21, 2012 4:44 pm
#58828
بيتر سباردينج
قلما شكلت الولايات المتحدة وأوروبا مصدر خبر سار بالنسبة للاقتصاد العالمي خلال السنوات القليلة الماضية. ذلك أنه إذا كان الانتعاش الأميركي الفتي ما زال هشاً وتحت تهديد مستمر من التصعيد السياسي في واشنطن، فإن أوروبا سقطت مرة أخرى في الركود نتيجة لأزمة ديونها السيادية. وبالنسبة لبعض المراقبين، فإن الأزمة ترمز إلى تراجع الاقتصاد عبر الأطلسي في وقت أخذت فيه اقتصادات صاعدة أخرى تطالب بنصيب أكبر من التجارة العالمية والاستثمار والنمو الاقتصادي. غير أن الولايات المتحدة وأوروبا لديهما اليوم فرصتان حقيقيتان لإعطاء اقتصاديهما -والعلاقة بين الاقتصادين- دفعة جديدة هما في أمسّ الحاجة إليها.
الفرصة الأولى تتمثل في نجاح كل واحد من جانبي الأطلسي في تجاوز التضاريس الوعرة لجبال الديون والهاويات المالية، وإزالة بعض من حالة عدم اليقين التي تكبح التوظيف والاستثمار. أما الثانية فهي الإمكانية الحقيقية المتمثلة في شروع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأعضائه السبعة والعشرين فعلياً، بعد مناقشة الفكرة لعقود، في التفاوض حول اتفاقية تجارة حرة شاملة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ وهو ما من شأنه ليس إعطاء الاقتصادين دفعة قوية فحسب، وإنما أيضاً تجديد العلاقة بين جانبي الأطلسي بشكل عام.
وبالطبع، فإن التركيز المباشر هو على واشنطن، التي يتفاوض فيها أوباما ورئيس مجلس النواب جون بوينر حالياً حول سبل تجنب «الهاوية المالية»، والمقصود بها سلسلة من الزيادات الضريبية وتخفيضات الإنفاق التي ستدخل حيز التنفيذ بشكل أوتوماتيكي في الأول من يناير المقبل. إلا أن اتفاقاً مبكراً وشاملاً يبدو مستبعداً بالنظر إلى الاستقطاب السياسي في واشنطن.
ومع ذلك، فإن حتى السقوط في الهاوية من غير المرجح أن يلحق ضرراً خطيراً بالاقتصاد الأميركي، شريطة أن يتسنى التوصل إلى اتفاق في غضون الأشهر القليلة المقبلة، لأن التأثيرات الناتجة عن عدم احترام المهلة المحددة ستبدأ بحلول ذلك التاريخ؛ وهذا الضغطُ سيجعل من التوصل إلى اتفاق أمراً أكثر احتمالاً.
وفي هذه الأثناء، أخذت أزمة الدين الأوروبي تبدو أقل دراماتيكية خلال الأسابيع الأخيرة بعد أن كثف البنك المركزي الأوروبي نشاطاته وهدأ المستثمرين مؤقتاً؛ حيث اتفق وزراء المالية أخيراً يوم الخميس الماضي على ضرورة أن يصبح البنك المركزي هو الهيئة المقننة لاتحاد جديد للبنوك الكبرى على صعيد الاتحاد الأوروبي. وتلك خطوة مهمة على طريق جلب إشراف موحد إلى القطاع البنكي، ومعالجة أنواع المشاكل البينوية التي تسببت في أزمة الديون أصلا.
وعلاوة على حل أزماتهما الداخلية الخاصة بهما، يمكن القول إن لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الفرصة أخيراً لكسب المزيد لاقتصاديهما عبر تقريبهما من بعضهما بعضاً بشكل أكثر من خلال اتفاقية تجارة حرة. ولذلك، فإن على الجانبين أن يتكاتفا وينكبّا على المحادثات.
والواقع أن فرص التوصل إلى اتفاق تعتبر الآن أقوى من أي وقت مضى؛ حيث تنكبّ حالياً مجموعة عمل تضم مسؤولين رفيعي المستوى من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على دراسة إمكانية مثل هذا الاتفاق، وهو ما من شأنه إزالة ما تبقى من عراقيل أمام تدفق التجارة والاستثمارات حيث يمكن خفض التعريفات الجمركية بشكل كبير، أو إلغاؤها كلياً. كما أن من شأن ذلك أيضاً أن يؤدي إلى تحقيق تطابق بين معايير ونظم الجانبين.
غير أن هذا سيتطلب جهداً. ولنتأمل هنا على سبيل المثال الاختلافات بخصوص المعايير الزراعية للمحاصيل المعدلة جينياً، والشروط المتعلقة بسلامة المنتجات، والقيود على الاستثمارات الأجنبية. ولكن الأمر يستحق هذا الجهد. فعلى رغم أن العراقيل التي تقف أمام التجارة بين جانبي الأطلسي متدنية نسبياً أصلاً، إلا أن مجرد حجم هذه السوق -نصف الناتج المحلي الخام للعالم تقريباً- يضمن أن من شأن حتى أصغر التحسينات أن تؤدي إلى مكاسب مهمة. وعلى سبيل المثال، فقد وجدت دراسة أجريت لحساب المفوضية الأوروبية أن إزالة نصف كل القيود المتبقية غير المتعلقة بالتعريفات الجمركية على التجارة بين جانبي الأطلسي من شأنه أن يضيف 0,7 في المئة إلى حجم اقتصاد الاتحاد الأوروبي و0,3 في المئة إلى حجم اقتصاد أميركا بحلول 2018. كما أن من شأن خفض أو إزالة آخر التعريفات الجمركية أن يجلب أيضاً مزيداً من المزايا والفوائد.
ومقارنة مع التأثيرات الاقتصادية للهاوية المالية أو مفاوضات منطقة «اليورو»، قد تكون هذه الأرقام صغيرة نسبياً، إلا أنه لا ينبغي الاستهانة بها. كما أن من شأن اتفاقية تجارة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن توفر مزايا تتعدى المجال الاقتصادي المباشر.
وعلى غرار العلاقة العابرة للأطلسي نفسها، فإن العلاقات الاقتصادية بين القارتين كثيراً ما ينظر إليها على أنها من المسلمات في وقت ينتقل فيه التركيز تدريجياً إلى أسواق صاعدة مثل الهند والصين والبرازيل. ولكن، في الوقت الراهن على الأقل، ما زال كل من أوروبا والولايات المتحدة هو الشريك الاقتصادي الأهم بالنسبة لبعضهما بعضاً. وفي وقت ينتقل فيه تركيز أوروبا نحو الداخل واتجاه الولايات المتحدة نحو آسيا من جديد، فإن من شأن تجديد شراكة اقتصادية شاملة أن يمنح العلاقات الأميركية- الأوروبية هدفاً جديداً.
ولأن الاقتصادين يشكلان ثلث كل تدفقات التجارة العالمية، فإن اتفاقية تجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا ستكون لها تداعيات عالمية؛ حيث يمكنها أن تضع معياراً جديداً للاتفاقات التجارية المستقبلية -على سبيل المثال، عبر ممارسة الضغط على بلدان أخرى حتى تتبنى المعايير الأميركية- الأوروبية بخصوص حقوق الملكية الفكرية.
أما العراقيل المتبقية أمام المفاوضات حول اتفاقية تجارة حرة عابرة للأطلسي، فقد يكون من الصعب إزالتها، إلا أن هذا بكل تأكيد ليس مستحيلا. ومن الأكيد أنه قد آن الأوان لكي تصنع الولايات المتحدة وأوروبا أخيراً هذا الخبر السار.
قلما شكلت الولايات المتحدة وأوروبا مصدر خبر سار بالنسبة للاقتصاد العالمي خلال السنوات القليلة الماضية. ذلك أنه إذا كان الانتعاش الأميركي الفتي ما زال هشاً وتحت تهديد مستمر من التصعيد السياسي في واشنطن، فإن أوروبا سقطت مرة أخرى في الركود نتيجة لأزمة ديونها السيادية. وبالنسبة لبعض المراقبين، فإن الأزمة ترمز إلى تراجع الاقتصاد عبر الأطلسي في وقت أخذت فيه اقتصادات صاعدة أخرى تطالب بنصيب أكبر من التجارة العالمية والاستثمار والنمو الاقتصادي. غير أن الولايات المتحدة وأوروبا لديهما اليوم فرصتان حقيقيتان لإعطاء اقتصاديهما -والعلاقة بين الاقتصادين- دفعة جديدة هما في أمسّ الحاجة إليها.
الفرصة الأولى تتمثل في نجاح كل واحد من جانبي الأطلسي في تجاوز التضاريس الوعرة لجبال الديون والهاويات المالية، وإزالة بعض من حالة عدم اليقين التي تكبح التوظيف والاستثمار. أما الثانية فهي الإمكانية الحقيقية المتمثلة في شروع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأعضائه السبعة والعشرين فعلياً، بعد مناقشة الفكرة لعقود، في التفاوض حول اتفاقية تجارة حرة شاملة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ وهو ما من شأنه ليس إعطاء الاقتصادين دفعة قوية فحسب، وإنما أيضاً تجديد العلاقة بين جانبي الأطلسي بشكل عام.
وبالطبع، فإن التركيز المباشر هو على واشنطن، التي يتفاوض فيها أوباما ورئيس مجلس النواب جون بوينر حالياً حول سبل تجنب «الهاوية المالية»، والمقصود بها سلسلة من الزيادات الضريبية وتخفيضات الإنفاق التي ستدخل حيز التنفيذ بشكل أوتوماتيكي في الأول من يناير المقبل. إلا أن اتفاقاً مبكراً وشاملاً يبدو مستبعداً بالنظر إلى الاستقطاب السياسي في واشنطن.
ومع ذلك، فإن حتى السقوط في الهاوية من غير المرجح أن يلحق ضرراً خطيراً بالاقتصاد الأميركي، شريطة أن يتسنى التوصل إلى اتفاق في غضون الأشهر القليلة المقبلة، لأن التأثيرات الناتجة عن عدم احترام المهلة المحددة ستبدأ بحلول ذلك التاريخ؛ وهذا الضغطُ سيجعل من التوصل إلى اتفاق أمراً أكثر احتمالاً.
وفي هذه الأثناء، أخذت أزمة الدين الأوروبي تبدو أقل دراماتيكية خلال الأسابيع الأخيرة بعد أن كثف البنك المركزي الأوروبي نشاطاته وهدأ المستثمرين مؤقتاً؛ حيث اتفق وزراء المالية أخيراً يوم الخميس الماضي على ضرورة أن يصبح البنك المركزي هو الهيئة المقننة لاتحاد جديد للبنوك الكبرى على صعيد الاتحاد الأوروبي. وتلك خطوة مهمة على طريق جلب إشراف موحد إلى القطاع البنكي، ومعالجة أنواع المشاكل البينوية التي تسببت في أزمة الديون أصلا.
وعلاوة على حل أزماتهما الداخلية الخاصة بهما، يمكن القول إن لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الفرصة أخيراً لكسب المزيد لاقتصاديهما عبر تقريبهما من بعضهما بعضاً بشكل أكثر من خلال اتفاقية تجارة حرة. ولذلك، فإن على الجانبين أن يتكاتفا وينكبّا على المحادثات.
والواقع أن فرص التوصل إلى اتفاق تعتبر الآن أقوى من أي وقت مضى؛ حيث تنكبّ حالياً مجموعة عمل تضم مسؤولين رفيعي المستوى من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على دراسة إمكانية مثل هذا الاتفاق، وهو ما من شأنه إزالة ما تبقى من عراقيل أمام تدفق التجارة والاستثمارات حيث يمكن خفض التعريفات الجمركية بشكل كبير، أو إلغاؤها كلياً. كما أن من شأن ذلك أيضاً أن يؤدي إلى تحقيق تطابق بين معايير ونظم الجانبين.
غير أن هذا سيتطلب جهداً. ولنتأمل هنا على سبيل المثال الاختلافات بخصوص المعايير الزراعية للمحاصيل المعدلة جينياً، والشروط المتعلقة بسلامة المنتجات، والقيود على الاستثمارات الأجنبية. ولكن الأمر يستحق هذا الجهد. فعلى رغم أن العراقيل التي تقف أمام التجارة بين جانبي الأطلسي متدنية نسبياً أصلاً، إلا أن مجرد حجم هذه السوق -نصف الناتج المحلي الخام للعالم تقريباً- يضمن أن من شأن حتى أصغر التحسينات أن تؤدي إلى مكاسب مهمة. وعلى سبيل المثال، فقد وجدت دراسة أجريت لحساب المفوضية الأوروبية أن إزالة نصف كل القيود المتبقية غير المتعلقة بالتعريفات الجمركية على التجارة بين جانبي الأطلسي من شأنه أن يضيف 0,7 في المئة إلى حجم اقتصاد الاتحاد الأوروبي و0,3 في المئة إلى حجم اقتصاد أميركا بحلول 2018. كما أن من شأن خفض أو إزالة آخر التعريفات الجمركية أن يجلب أيضاً مزيداً من المزايا والفوائد.
ومقارنة مع التأثيرات الاقتصادية للهاوية المالية أو مفاوضات منطقة «اليورو»، قد تكون هذه الأرقام صغيرة نسبياً، إلا أنه لا ينبغي الاستهانة بها. كما أن من شأن اتفاقية تجارة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن توفر مزايا تتعدى المجال الاقتصادي المباشر.
وعلى غرار العلاقة العابرة للأطلسي نفسها، فإن العلاقات الاقتصادية بين القارتين كثيراً ما ينظر إليها على أنها من المسلمات في وقت ينتقل فيه التركيز تدريجياً إلى أسواق صاعدة مثل الهند والصين والبرازيل. ولكن، في الوقت الراهن على الأقل، ما زال كل من أوروبا والولايات المتحدة هو الشريك الاقتصادي الأهم بالنسبة لبعضهما بعضاً. وفي وقت ينتقل فيه تركيز أوروبا نحو الداخل واتجاه الولايات المتحدة نحو آسيا من جديد، فإن من شأن تجديد شراكة اقتصادية شاملة أن يمنح العلاقات الأميركية- الأوروبية هدفاً جديداً.
ولأن الاقتصادين يشكلان ثلث كل تدفقات التجارة العالمية، فإن اتفاقية تجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا ستكون لها تداعيات عالمية؛ حيث يمكنها أن تضع معياراً جديداً للاتفاقات التجارية المستقبلية -على سبيل المثال، عبر ممارسة الضغط على بلدان أخرى حتى تتبنى المعايير الأميركية- الأوروبية بخصوص حقوق الملكية الفكرية.
أما العراقيل المتبقية أمام المفاوضات حول اتفاقية تجارة حرة عابرة للأطلسي، فقد يكون من الصعب إزالتها، إلا أن هذا بكل تأكيد ليس مستحيلا. ومن الأكيد أنه قد آن الأوان لكي تصنع الولايات المتحدة وأوروبا أخيراً هذا الخبر السار.