- الجمعة ديسمبر 21, 2012 4:47 pm
#58829
. عبدالله خليفة الشايجيتبقى منطقة الشرق الأوسط بكل أقاليمها في واجهة الأحداث، من الخليج العربي في أقصى المشرق العربي، بحضوره السياسي وصعوده لقيادة العالم العربي وقوته الناعمة من نفط وغاز وغيرهما من مصادر تشكل مصدر الطاقة ومخزونها للعالم بأسره، إلى بلاد الرافدين والشام وتحدياتها الأمنية والسياسية، بما يعتمل فيها من مخاطر ظهور بلاد فاشلة، وبما يتفاعل داخلها من نزاعات كالصراع العربي الإسرائيلي والثورة السورية التي دخلت مراحلها الأخيرة بدموية ووحشية غير مسبوقتين بعد 21 شهراً من المجازر والموت المتنقل. هذا وصولاً إلى منطقة شمال أفريقيا التي شهدت مهد الثورات العربية وعرفت تغييرات في أنظمة الحكم خلال العامين الماضيين في ثورات بدأت تأكل أبناءها وتتعرض لاختطاف وثورات مضادة، وكذا جماعات الإسلام السياسي التي أصبح تحديها هي أيضاً بمثابة القاسم المشترك في المشهد الشرق أوسطي الطافح، بعد عقود من المواجهات والمتغيرات، بكثير من الأزمات، ولكن في المقابل بكثير من الآمال أيضاً.
وقد تعرضت الولايات المتحدة للكثير من النقد من قبل المحللين الجيو-استراتيجيين في حقبة ما بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001 وخلال العقد الماضي، بسبب انهماكها وتركيزها على منطقة محدودة في النظام العالمي تمتد من أفغانستان- باكستان إلى المتوسط مروراً بإيران والعراق ومنطقة الخليج العربي، بسبب الحروب الثلاث التي خاضتها، ولا تزال تخوض بعضها، من حربي أفغانستان والعراق، إلى تلك الأخرى التي يطلق عليها مصطلح «الحرب على الإرهاب»، أو مكافحة الإرهاب، في تعقب«القاعدة» والجماعات التي تصنفها الولايات المتحدة بالمنظمات الإرهابية.
وطبعاً ذلك الانهماك الأميركي أدمى الولايات المتحدة في وحول المنطقة وأولها أفغانستان «مقبرة الغزاة» حيث لا يبدو أن وضع واشنطن سيكون مختلفاً عن مصير الإنجليز والروس قبلهم. حيث أصبحت اليوم الحرب في أفغانستان هي أطول حرب تخوضها أميركا في تاريخها، بعد أن دخلت المواجهة عامها الثاني عشر. وكذلك حرب العراق التي تركت ندوباً وخسائر مالية وبشرية غير متوقعة وقد أرهقت بتكلفتها أميركا التي دخلت مرحلة الكساد بعد أن تكبدت حوالي 5000 قتيل و40000 جريح وألف مليار دولار... هذا بالإضافة إلى الإساءة لسمعة أميركا والتشكيك في قدرتها على حسم الحرب، أو حتى تحقيق الأهداف التي شنت الحرب لتحقيقها. وقد تحولت الحرب على الإرهاب أو مكافحة الإرهاب إلى حرب طائرات بدون طيار تستخدم بشكل مكثف في باكستان وأفغانستان واليمن والصومال... ولكنها حرب غير تقليدية... بل هي حرب غير متماثلة ولا يمكن للجيش النظامي حسمها وإعلان انتصار نهائي وحاسم فيها. لأن الطرف المستهدف -الجماعات الإرهابية لن ترفع الشارة البيضاء وتعلن هزيمتها... بل قد تستمر في المواجهة... لأن مكافحة الإرهاب بالدرجة الأولى هي معركة قوة ناعمة. وهي معركة فكر وإيديولوجية وتعاليم وغسل أدمغة أكثر منها مواجهة بطائرات بدون طيار أو توظيفاً للقوة الصلبة.
لقد استفاد خصوم أميركا، وقد يكون بعضهم تعمد أو يتعمد كما نرى الآن وخاصة روسيا والصين وغيرهما من خصوم دوليين للولايات المتحدة، حصرها وإنهاكها وإبقاءها في المنطقة المحدودة إقليمياً وجغرافياً من أفغانستان إلى المتوسط بكل أزماتها وحروبها.
ولكن اليوم تبرز خمسة ملفات أو تحديات مهمة لإدارة الرئيس أوباما الثانية، هي:
1- أمن الخليج ودعم حلفائها، وتطوير العلاقة مع بلدان مجلس التعاون من حلفاء إلى شركاء والالتزام «كالصخر بأمن دول مجلس التعاون الخليجي».
2- مواجهة واحتواء المشروع الإيراني الساعي للهيمنة والاستفادة من الفراغ الاستراتيجي الذي نجم عن إسقاط واشنطن للنظامين اللدودين لطهران «طالبان» وصدام حسين. وكيفية التعامل مع برنامج طهران النووي.
3- الصراع العربي الإسرائيلي والعجز الأميركي في ظل إدارة أوباما الذي تجلى في عدم قدرة واشنطن على الضغط أو التأثير على نتنياهو لكي يوقف بناء المستوطنات، أحرى تحريك عملية السلام، وصولا إلى تصويت واشنطن ضد عضوية فلسطين كمراقب غير دولة عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة. هذا على رغم تصويت 138 دولة أو حوالي 70 في المئة من دول العالم لصالح فلسطين، بينما وقفت مع إسرائيل فقط أميركا و7 دول أخرى عارضت ذلك.
4- أفغانستان التي تشكل مأزقاً حقيقياً للولايات المتحدة بعدما تقرر الانسحاب الكلي من هناك في عام 2014 وبذلك تكون أميركا قد خاضت حرباً طاحنة استمرت 13 عاماً... ولكن بدأت ترشح أيضاً معلومات أو مطالبات من القيادة العسكرية ببقاء 10 آلاف جندي بعد عام 2014. وستبقى أفغانستان جرحاً غائراً يبين، كما يقول كسينجر، «محدودية الهيمنة والقوة الأميركية» في عالم متعدد الأقطاب.
5- تعامل أميركا مع التغييرات السريعة وغير المسبوقة، واستعادة توازنها في المنطقة بعد موجات تغيير «الربيع العربي« ومجيء بعض حركات الإسلام السياسي... وكيفية تعاطي واشنطن مع هذا الواقع الإقليمي الجديد للحفاظ على مكانتها ومصالحها.
ولهذه الأسباب كان ملفتاً ما ذهب إليه «ويليام بيرنز» نائب وزيرة الخارجية الأميركية في الأسبوع الماضي في منتدى «حوار المنامة» السنوي، في العاصمة البحرينية، الذي ينظمه معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية -حيث أكد استمرار محورية الشرق الأوسط. وأنه لن يتراجع ضمن اهتمامات وأولويات واشنطن على رغم الإعلان عن استراتيجيتها الجديدة حول التوجه شرقاً. وفي جلسة علنية من جلسات المؤتمر، علق قائلاً: «على رغم كل ما يقال عن توجه الولايات المتحدة في استراتيجيتها الجديدة باتجاهات أخرى (آسيا والصين والمحيط الهادئ)، تبقى الحقيقة، أن أميركا لا يمكنها أن تتحمل إهمال أو إغفال أهمية ومحورية الشرق الأوسط... فالشرق الأوسط اليوم هو منطقة مليئة بالأزمات والآمال معاً». وإذن فإن الاهتمام ما زال منصباً على المنطقة من المنظور الأميركي على رغم من توجه بوصلة واشنطن الجديد الذي كتبت عنه مقالاً هنا في الاتحاد، في 15 أكتوبر الماضي، عنوانه «التوجه شرقاً... إنها الحقبة الآسيوية».
وبعد انسحاب أميركا من العراق وفي خضم الاستعداد بشكل متسرع، وقد يكون خاطئاً، للانسحاب أيضاً من أفغانستان، فقد صار بإمكانها التوجه شرقاً لاحتواء العملاق الصيني. وهذا ما أثار الكثير من التساؤلات حول تلك الاستراتيجية ومدى نجاحها، وكما تساءلت حينها... هل ستسمح تحديات الشرق الأوسط بذلك؟ وقد أتى الانتقاد الأبرز لتلك الاستراتيجية القاضية بالاتجاه شرقاً من عضو مجلس الشيوخ الأميركي ومرشح الرئاسة الأميركي عام 2008 جون ماكين وهو أحد صقور الجمهوريين -في الجلسة العلنية التي جمعته مع بيرنز في منتدى «حوار المنامة» حيث انتقد التذبذب وغياب القيادة الأميركية في المنطقة كما نراه اليوم في سوريا بسبب عدم تدخل الولايات المتحدة، وقد بلغ الوضع في سوريا إلى ما نراه اليوم وصولاً للتهديد باستخدام السلاح الكيميائي والبيولوجي. وقد علق قائلاً إن «فكرة تغيير الاستراتيجية الأميركية بعيداً عن الشرق الأوسط هي قمة الغباء».
وهكذا يبقى الشرق الأوسط بكل تعرجاته وأزماته المتشعبة والمتعددة والمتداخلة بمثابة حقول ألغام ومساحات للأحلام والآمال. ولذا فإن تلك الأزمات والأحلام قد لا تسمح لإدارة أوباما أو غيرها بترف الالتفات شرقاً باتجاه العملاق الصيني! ولنا عودة، إن شاء الله.
وقد تعرضت الولايات المتحدة للكثير من النقد من قبل المحللين الجيو-استراتيجيين في حقبة ما بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001 وخلال العقد الماضي، بسبب انهماكها وتركيزها على منطقة محدودة في النظام العالمي تمتد من أفغانستان- باكستان إلى المتوسط مروراً بإيران والعراق ومنطقة الخليج العربي، بسبب الحروب الثلاث التي خاضتها، ولا تزال تخوض بعضها، من حربي أفغانستان والعراق، إلى تلك الأخرى التي يطلق عليها مصطلح «الحرب على الإرهاب»، أو مكافحة الإرهاب، في تعقب«القاعدة» والجماعات التي تصنفها الولايات المتحدة بالمنظمات الإرهابية.
وطبعاً ذلك الانهماك الأميركي أدمى الولايات المتحدة في وحول المنطقة وأولها أفغانستان «مقبرة الغزاة» حيث لا يبدو أن وضع واشنطن سيكون مختلفاً عن مصير الإنجليز والروس قبلهم. حيث أصبحت اليوم الحرب في أفغانستان هي أطول حرب تخوضها أميركا في تاريخها، بعد أن دخلت المواجهة عامها الثاني عشر. وكذلك حرب العراق التي تركت ندوباً وخسائر مالية وبشرية غير متوقعة وقد أرهقت بتكلفتها أميركا التي دخلت مرحلة الكساد بعد أن تكبدت حوالي 5000 قتيل و40000 جريح وألف مليار دولار... هذا بالإضافة إلى الإساءة لسمعة أميركا والتشكيك في قدرتها على حسم الحرب، أو حتى تحقيق الأهداف التي شنت الحرب لتحقيقها. وقد تحولت الحرب على الإرهاب أو مكافحة الإرهاب إلى حرب طائرات بدون طيار تستخدم بشكل مكثف في باكستان وأفغانستان واليمن والصومال... ولكنها حرب غير تقليدية... بل هي حرب غير متماثلة ولا يمكن للجيش النظامي حسمها وإعلان انتصار نهائي وحاسم فيها. لأن الطرف المستهدف -الجماعات الإرهابية لن ترفع الشارة البيضاء وتعلن هزيمتها... بل قد تستمر في المواجهة... لأن مكافحة الإرهاب بالدرجة الأولى هي معركة قوة ناعمة. وهي معركة فكر وإيديولوجية وتعاليم وغسل أدمغة أكثر منها مواجهة بطائرات بدون طيار أو توظيفاً للقوة الصلبة.
لقد استفاد خصوم أميركا، وقد يكون بعضهم تعمد أو يتعمد كما نرى الآن وخاصة روسيا والصين وغيرهما من خصوم دوليين للولايات المتحدة، حصرها وإنهاكها وإبقاءها في المنطقة المحدودة إقليمياً وجغرافياً من أفغانستان إلى المتوسط بكل أزماتها وحروبها.
ولكن اليوم تبرز خمسة ملفات أو تحديات مهمة لإدارة الرئيس أوباما الثانية، هي:
1- أمن الخليج ودعم حلفائها، وتطوير العلاقة مع بلدان مجلس التعاون من حلفاء إلى شركاء والالتزام «كالصخر بأمن دول مجلس التعاون الخليجي».
2- مواجهة واحتواء المشروع الإيراني الساعي للهيمنة والاستفادة من الفراغ الاستراتيجي الذي نجم عن إسقاط واشنطن للنظامين اللدودين لطهران «طالبان» وصدام حسين. وكيفية التعامل مع برنامج طهران النووي.
3- الصراع العربي الإسرائيلي والعجز الأميركي في ظل إدارة أوباما الذي تجلى في عدم قدرة واشنطن على الضغط أو التأثير على نتنياهو لكي يوقف بناء المستوطنات، أحرى تحريك عملية السلام، وصولا إلى تصويت واشنطن ضد عضوية فلسطين كمراقب غير دولة عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة. هذا على رغم تصويت 138 دولة أو حوالي 70 في المئة من دول العالم لصالح فلسطين، بينما وقفت مع إسرائيل فقط أميركا و7 دول أخرى عارضت ذلك.
4- أفغانستان التي تشكل مأزقاً حقيقياً للولايات المتحدة بعدما تقرر الانسحاب الكلي من هناك في عام 2014 وبذلك تكون أميركا قد خاضت حرباً طاحنة استمرت 13 عاماً... ولكن بدأت ترشح أيضاً معلومات أو مطالبات من القيادة العسكرية ببقاء 10 آلاف جندي بعد عام 2014. وستبقى أفغانستان جرحاً غائراً يبين، كما يقول كسينجر، «محدودية الهيمنة والقوة الأميركية» في عالم متعدد الأقطاب.
5- تعامل أميركا مع التغييرات السريعة وغير المسبوقة، واستعادة توازنها في المنطقة بعد موجات تغيير «الربيع العربي« ومجيء بعض حركات الإسلام السياسي... وكيفية تعاطي واشنطن مع هذا الواقع الإقليمي الجديد للحفاظ على مكانتها ومصالحها.
ولهذه الأسباب كان ملفتاً ما ذهب إليه «ويليام بيرنز» نائب وزيرة الخارجية الأميركية في الأسبوع الماضي في منتدى «حوار المنامة» السنوي، في العاصمة البحرينية، الذي ينظمه معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية -حيث أكد استمرار محورية الشرق الأوسط. وأنه لن يتراجع ضمن اهتمامات وأولويات واشنطن على رغم الإعلان عن استراتيجيتها الجديدة حول التوجه شرقاً. وفي جلسة علنية من جلسات المؤتمر، علق قائلاً: «على رغم كل ما يقال عن توجه الولايات المتحدة في استراتيجيتها الجديدة باتجاهات أخرى (آسيا والصين والمحيط الهادئ)، تبقى الحقيقة، أن أميركا لا يمكنها أن تتحمل إهمال أو إغفال أهمية ومحورية الشرق الأوسط... فالشرق الأوسط اليوم هو منطقة مليئة بالأزمات والآمال معاً». وإذن فإن الاهتمام ما زال منصباً على المنطقة من المنظور الأميركي على رغم من توجه بوصلة واشنطن الجديد الذي كتبت عنه مقالاً هنا في الاتحاد، في 15 أكتوبر الماضي، عنوانه «التوجه شرقاً... إنها الحقبة الآسيوية».
وبعد انسحاب أميركا من العراق وفي خضم الاستعداد بشكل متسرع، وقد يكون خاطئاً، للانسحاب أيضاً من أفغانستان، فقد صار بإمكانها التوجه شرقاً لاحتواء العملاق الصيني. وهذا ما أثار الكثير من التساؤلات حول تلك الاستراتيجية ومدى نجاحها، وكما تساءلت حينها... هل ستسمح تحديات الشرق الأوسط بذلك؟ وقد أتى الانتقاد الأبرز لتلك الاستراتيجية القاضية بالاتجاه شرقاً من عضو مجلس الشيوخ الأميركي ومرشح الرئاسة الأميركي عام 2008 جون ماكين وهو أحد صقور الجمهوريين -في الجلسة العلنية التي جمعته مع بيرنز في منتدى «حوار المنامة» حيث انتقد التذبذب وغياب القيادة الأميركية في المنطقة كما نراه اليوم في سوريا بسبب عدم تدخل الولايات المتحدة، وقد بلغ الوضع في سوريا إلى ما نراه اليوم وصولاً للتهديد باستخدام السلاح الكيميائي والبيولوجي. وقد علق قائلاً إن «فكرة تغيير الاستراتيجية الأميركية بعيداً عن الشرق الأوسط هي قمة الغباء».
وهكذا يبقى الشرق الأوسط بكل تعرجاته وأزماته المتشعبة والمتعددة والمتداخلة بمثابة حقول ألغام ومساحات للأحلام والآمال. ولذا فإن تلك الأزمات والأحلام قد لا تسمح لإدارة أوباما أو غيرها بترف الالتفات شرقاً باتجاه العملاق الصيني! ولنا عودة، إن شاء الله.