- الجمعة ديسمبر 21, 2012 6:26 pm
#58847
في مايسمى " صدام الحضارات "
د.فواز الجابري
- جدة - المملكة العربية السعودية
لفت نظري منذ فترة تنوف عن عامين, وفي غمرة استعدادات الدولة الاكبر في العالم ل"محاربة الارهاب" في أفغانستان , عنوان كتاب ل"صموئيل هتنغتون" وهو من مثقفي هذه الدولة يدعى" صدام الحضارات". بدأ,لم يثر العنوان اهتماما في , حيث انه كان مذكورا بأيجاز شديد في صفحةداخلية لصحيفة عربية تصدر في أوروبا. لكن تطورات الاحداث آنئذ في أفغانستان ثم العراق وبقاع أخرى من العالم, مع مارافقها من ظهور عالمي لتنظيمات جديدة أخذت تشرّع نفسها بلغة سياسية-دينية أسوة بالقوة الاكبر , جعل الريط بينها-أي الاحداث- وبين محتوى الكتاب أمرا لامناص منه. وجاءت قناعتي بكتابة هذا المقال بعد أن أرسل صديق لي عبر البريد الالكتروني مقتطفات باللغة الانكليزية من الكتاب المذكور مشفوعة باعجابه الشديد بالكتاب فكرة وموضوعا ومحتوى مع قناعته باحتوائه(أي الكتاب) على كثير من الحقائق. هنا, كان لابد من وقفة لوضع نقاط على حروف ولاستيضاح بعضا من تعريفات ضاع معناها الحقيقي في زحام الحرب الاعلامية المستعرة حاليا:
أولا: في تعريف الحضارة:
1- الحضارة civilization : يقصد بالحضارة أو التمدن(الترجمة الحرفية للمصطلح اللاتيني) الانتاج الفكري والمادي والسلوك العام لمجموعة معينة من الناس في حقبة زمنية معينة. يشمل الانتاج الفكري كافة النشاطات العلمية والادبية والفلسفية بينما يشمل المادي انشاء البنى التحتية والفوقية والثراء المادي للفرد والمجتمع, أما السلوك العام فيمثل العادات والتقاليد والقيم الفكرية والاخلاقية والمفاهيم الاجتماعية للمجتمع والسلطة الحاكمة لهذا المجتمع.
2- منابع الحضارةresources : يستنتج من التعريف السابق ضرورة وجود مصادر مادية وفكرية لتكوين وبناء الحضارة في بلد ما . بالنسبة للمصادر المادية تمثل الثروات الطبيعية كالماء بكافة أشكا! له الطبيعية والنفط والمعادن والتربة الصالحة للزراعة أهمها بالاضافة للقوى البشرية الضرورية لاستثمار تلك الثروات في انشاء البنى التحتية والفوقية وفي التبادل التجاري. اما المصادر الفكرية فيمثل الدين والفلسفة والعلوم التجريبية والترجمة أهمها بالاضافة - بالطبع - الى العقول البشرية اللازمة لحفظ وتطوير ونشر تلك المصادر في المجتمع وفي المجتمعات المجاورة.
3 - نرى اذا - وبداهة - ان العنصر البشري هو العامل الاساسبي والمشترك لبناء كافة أشكال الحضارة مادة وفكرا. ومن هنا تبرزأهمية المحافظة عليه وتربيته وتنشئته بطريقة صحيحة جسما وعقلا ليؤد دوره كاملا في بناء المجتمع وتكوين الحضارة والارتقاء بها.
4- محطات للحضارة: عرفت البشرية على مر تاريخها الطويل الذي يقدر بملايين السنين أشكالا مختلفة من الحضارة, لكن كانت هنالك محطات رئيسية ومفصلية في مسيرة قطارها حيث أحدثت تلك المحطات تغييرات جذرية في الحضارة الانسانية واعطتها دفعات كبيرة الى الامام كما ونوعا. اهم هذه المحطات هي:
اكتشاف النار, اكتشاف وتصنيع أدوات الصيد, أكتشاف الزراعة والري ,أكتشاف العجلة, أكتشاف الكتابة وتطور أدواتها وأسلوبها, أكتشاف الرقم صفر والكشوفات الرياضية والفيزيائية والكيميائية الاخرى,الكشوفات الجغرافية والفلكية الكبرى, الثورة الفكرية فالصناعية وأخيرا-وليس آخرا-المعلوماتية.
هذا غيض من فيض من فترات حاسمة أعطت للنتاج الحضاري الانساني دفعات كبيرة للأمام,وبنظرة سريعة وشاملة لسلّم تطوّر الحضارة نلاحظ انّ شعوبا وأمما عدّة ساهمت في صنعها وأدلت بدلوها فيها بغضّ النظر عن انتمائها الجغرافي أو العرقي أو الطائفي.
5- مفاهيم مشتركة للحضارة: كالأبنية المتماثلة حجما وتصميما في شارع واحد والمختلفة والمتنوعة محتوى , هي المظاهر الحضارية عند مختلف الامم والشعوب,فقد تطابقت الأمم في أسس تكوين الحضارة من بنى تحتية وفوقية ولغة وقوانين وأنظمة حكم وأنتا! ج علمي وأدبي وفنّي بفروعه المختلفة, وتنوعت في مظاهرها, فالادب-على سبيل المثال- مفهومه واحد لم يتغيّر بتغيّر الزمان والمكان لكن اختلفت لغته واختلف شكله وأسلوبه واتّخذ خصوصية تدل على الامة التي انتجته وكذلك بالنسبة للموسيقى ولجميع فروع الآداب الاخرى.
أما الانتاج العلمي فلا خصوصية له, فهو مشترك بين جميع الامم البائدة والحاضرة تقريبا, ويمكن تشبيهه بكرة الثلج التي تكبر عندما تتدحرج من مكان الى مكان, حيث يغتني عبر الازمنة والامكنة بمفاهيم جديدة وتتعدل أخرى وذلك يمساهمة كل شعب وكل أمة بنصيب في ذلك الاغناء. اما طرق هذا النقل فهي عديدة وتشمل الحروب بين الامم والممالك, طرق التجارة, السفارات بين الامم والبعثات العلمية والتجارية, الكتابة والكتب وأخيرا وسائل الاعلام والمعلوماتية المعاصرة.
6- نتائج مهمة: يجب ذكرها قبل أن نورد أسباب نفي صدام الحضارات وهو الهدف من مقالنا هذا:
أ- لايستطيع أي شعب أو أية أمة أو جماعة في أي! زمان أو مكان الادعاء باحتكار أي أنتاج حضاري
أيا كان نوعه أوهدفه وبالتالي ادعاء التفوق على أقرانهم من باقي الشعوب والامم, اذا فالحضارة
والعنصرية لايجتمعان وهما يتاقضان بعضهما تماما.
ب- أن الصراعات بين الامم والدول - وهي احدى وسائل الاحتكاك بين الشوب كما تقدم - هي التي تسهل
انتقال واغناء الانتاج الحضاري وليس العكس كما ذكر هذا الكاتب المرموق(الحروب الصليبية,حملة
نابليون على مصر,الفتوحات العربية الاسلامية, غزوات البرابرة للامبراطورية الرومانية).
د.فواز الجابري
- جدة - المملكة العربية السعودية
لفت نظري منذ فترة تنوف عن عامين, وفي غمرة استعدادات الدولة الاكبر في العالم ل"محاربة الارهاب" في أفغانستان , عنوان كتاب ل"صموئيل هتنغتون" وهو من مثقفي هذه الدولة يدعى" صدام الحضارات". بدأ,لم يثر العنوان اهتماما في , حيث انه كان مذكورا بأيجاز شديد في صفحةداخلية لصحيفة عربية تصدر في أوروبا. لكن تطورات الاحداث آنئذ في أفغانستان ثم العراق وبقاع أخرى من العالم, مع مارافقها من ظهور عالمي لتنظيمات جديدة أخذت تشرّع نفسها بلغة سياسية-دينية أسوة بالقوة الاكبر , جعل الريط بينها-أي الاحداث- وبين محتوى الكتاب أمرا لامناص منه. وجاءت قناعتي بكتابة هذا المقال بعد أن أرسل صديق لي عبر البريد الالكتروني مقتطفات باللغة الانكليزية من الكتاب المذكور مشفوعة باعجابه الشديد بالكتاب فكرة وموضوعا ومحتوى مع قناعته باحتوائه(أي الكتاب) على كثير من الحقائق. هنا, كان لابد من وقفة لوضع نقاط على حروف ولاستيضاح بعضا من تعريفات ضاع معناها الحقيقي في زحام الحرب الاعلامية المستعرة حاليا:
أولا: في تعريف الحضارة:
1- الحضارة civilization : يقصد بالحضارة أو التمدن(الترجمة الحرفية للمصطلح اللاتيني) الانتاج الفكري والمادي والسلوك العام لمجموعة معينة من الناس في حقبة زمنية معينة. يشمل الانتاج الفكري كافة النشاطات العلمية والادبية والفلسفية بينما يشمل المادي انشاء البنى التحتية والفوقية والثراء المادي للفرد والمجتمع, أما السلوك العام فيمثل العادات والتقاليد والقيم الفكرية والاخلاقية والمفاهيم الاجتماعية للمجتمع والسلطة الحاكمة لهذا المجتمع.
2- منابع الحضارةresources : يستنتج من التعريف السابق ضرورة وجود مصادر مادية وفكرية لتكوين وبناء الحضارة في بلد ما . بالنسبة للمصادر المادية تمثل الثروات الطبيعية كالماء بكافة أشكا! له الطبيعية والنفط والمعادن والتربة الصالحة للزراعة أهمها بالاضافة للقوى البشرية الضرورية لاستثمار تلك الثروات في انشاء البنى التحتية والفوقية وفي التبادل التجاري. اما المصادر الفكرية فيمثل الدين والفلسفة والعلوم التجريبية والترجمة أهمها بالاضافة - بالطبع - الى العقول البشرية اللازمة لحفظ وتطوير ونشر تلك المصادر في المجتمع وفي المجتمعات المجاورة.
3 - نرى اذا - وبداهة - ان العنصر البشري هو العامل الاساسبي والمشترك لبناء كافة أشكال الحضارة مادة وفكرا. ومن هنا تبرزأهمية المحافظة عليه وتربيته وتنشئته بطريقة صحيحة جسما وعقلا ليؤد دوره كاملا في بناء المجتمع وتكوين الحضارة والارتقاء بها.
4- محطات للحضارة: عرفت البشرية على مر تاريخها الطويل الذي يقدر بملايين السنين أشكالا مختلفة من الحضارة, لكن كانت هنالك محطات رئيسية ومفصلية في مسيرة قطارها حيث أحدثت تلك المحطات تغييرات جذرية في الحضارة الانسانية واعطتها دفعات كبيرة الى الامام كما ونوعا. اهم هذه المحطات هي:
اكتشاف النار, اكتشاف وتصنيع أدوات الصيد, أكتشاف الزراعة والري ,أكتشاف العجلة, أكتشاف الكتابة وتطور أدواتها وأسلوبها, أكتشاف الرقم صفر والكشوفات الرياضية والفيزيائية والكيميائية الاخرى,الكشوفات الجغرافية والفلكية الكبرى, الثورة الفكرية فالصناعية وأخيرا-وليس آخرا-المعلوماتية.
هذا غيض من فيض من فترات حاسمة أعطت للنتاج الحضاري الانساني دفعات كبيرة للأمام,وبنظرة سريعة وشاملة لسلّم تطوّر الحضارة نلاحظ انّ شعوبا وأمما عدّة ساهمت في صنعها وأدلت بدلوها فيها بغضّ النظر عن انتمائها الجغرافي أو العرقي أو الطائفي.
5- مفاهيم مشتركة للحضارة: كالأبنية المتماثلة حجما وتصميما في شارع واحد والمختلفة والمتنوعة محتوى , هي المظاهر الحضارية عند مختلف الامم والشعوب,فقد تطابقت الأمم في أسس تكوين الحضارة من بنى تحتية وفوقية ولغة وقوانين وأنظمة حكم وأنتا! ج علمي وأدبي وفنّي بفروعه المختلفة, وتنوعت في مظاهرها, فالادب-على سبيل المثال- مفهومه واحد لم يتغيّر بتغيّر الزمان والمكان لكن اختلفت لغته واختلف شكله وأسلوبه واتّخذ خصوصية تدل على الامة التي انتجته وكذلك بالنسبة للموسيقى ولجميع فروع الآداب الاخرى.
أما الانتاج العلمي فلا خصوصية له, فهو مشترك بين جميع الامم البائدة والحاضرة تقريبا, ويمكن تشبيهه بكرة الثلج التي تكبر عندما تتدحرج من مكان الى مكان, حيث يغتني عبر الازمنة والامكنة بمفاهيم جديدة وتتعدل أخرى وذلك يمساهمة كل شعب وكل أمة بنصيب في ذلك الاغناء. اما طرق هذا النقل فهي عديدة وتشمل الحروب بين الامم والممالك, طرق التجارة, السفارات بين الامم والبعثات العلمية والتجارية, الكتابة والكتب وأخيرا وسائل الاعلام والمعلوماتية المعاصرة.
6- نتائج مهمة: يجب ذكرها قبل أن نورد أسباب نفي صدام الحضارات وهو الهدف من مقالنا هذا:
أ- لايستطيع أي شعب أو أية أمة أو جماعة في أي! زمان أو مكان الادعاء باحتكار أي أنتاج حضاري
أيا كان نوعه أوهدفه وبالتالي ادعاء التفوق على أقرانهم من باقي الشعوب والامم, اذا فالحضارة
والعنصرية لايجتمعان وهما يتاقضان بعضهما تماما.
ب- أن الصراعات بين الامم والدول - وهي احدى وسائل الاحتكاك بين الشوب كما تقدم - هي التي تسهل
انتقال واغناء الانتاج الحضاري وليس العكس كما ذكر هذا الكاتب المرموق(الحروب الصليبية,حملة
نابليون على مصر,الفتوحات العربية الاسلامية, غزوات البرابرة للامبراطورية الرومانية).