- الجمعة ديسمبر 21, 2012 8:49 pm
#58879
فلسطين وأولويتها في الوجدان العربي حقيقة أم سراب؟
سامي الأخرس Thursday 21-04 -2011
سأبدأ على غير العادة بسؤال يفرض ذاته، ومستنبط من معظم الأحاديث التي خضتها مع اصدقاء وزملاء عرب في الفترة الأخيرة، وهي تتناول فلسطين وأوضاع فلسطين عامة، أو الأحداث المتلاحقة في الساحة العربية عامة، والعلاقة الترابطية بين فلسطين وما يجري في المنطقة.
السؤال هل فلسطين لا زالت القضية المركزية الأولى عربياً وإسلامياً؟ وتحتل مكانتها السابقة في الوجدان العربي والإسلامي؟
عجيب أمر هذا السؤال، ليس في صياغته اللغوية، أو الفرضية الأساسية التي يستند إليها، بل غرابته في مراحل تطوره، فكلما تعرضت المنطقة لإهتزازت سياسية، نعود لنفس المدخل ونطرح السؤال بنفس الصياغة، ونفس اللغة، ونشرح الحالة الوقتية بكل أبعادها وتجلياتها لنصل إلى إجابة شافية بهذا الصدد، تحاكي النفسية العربية والإسلامية، والمنطقة بحدودها الجيوسياسية.
فالأساس العلمي أن لكل معادلة طرفين يؤديا للنتيجة، ومعادلتنا العربية لها طرفين، أولهما: بكل تأكيد القضية الفلسطينية بما إنها جوهر الصراع والأزمات في المنطقة، وهذا الأساس قائم منذ أن بدات الهجرات اليهودية إلى فلسطين في عهد الخلافة العثمانية، مروراً بمراحل التاريخ المتعاقبة، فاصبح كل جيل يسلم راية فلسطين للجيل الآخر، ويلقنه الدرس التاريخي أن فلسطين عربية – إسلامية، إغتصبت من العصابات الصهيونية بدعم الدول الغربية وخاصة(بريطانيا) على وجه التحديد، وليس الحصر، ومساعدة الولايات المتحدة الأمركية، وهو الغرس الطيب في الأجيال المتتابعة لتستمر فلسطين حتمية وجدانية في العمق العربي – الإسلامي تتطلب التحرير، وهي حتمية مستنبطة من أحاديث متنوعة ومتتابعة أختتمتها صحفية يمنية عندما وجهت لها سؤال عن سر حبهم لفلسطين، فردت بلا تردد على مسامعى كلمة إننا لا نتعاطف مع فلسطين بل (نحبها) لأننا ومنذ أن كنا أطفال صغار كانت رحلاتنا تتجه إلى معسكرات الثورة الفلسطينية، فأنغرس وإمتزج هذا الشعور بحب، وتحول لحتمية وحقيقة في العمق الوجداني للمواطن العربي – والمسلم، ولا دلالة على ذلك أكبر من مقولة بومدين( مع فلسطين ظالمة أو مظلومة)، ومشهد صدام حسين وهو يردد من على مقصلته( عاشت فلسطين حرة عربية).
تلك الصورة الأقحوانية في مظهرها العام وصف مختزل للحتمية الطبيعية لفلسطين في خلجات الوجدان العربي والإسلامي، وتضع فلسطين في محلها الإعرابي الصحيح من موضع الإعراب العربي – المسلم لدى الشعوب عامة، بعدياً عن فقه المذهب، والعرق، واللون، والجنس، والدين، بل إن هذه الوجدانية تسللت للعديد من ثوار العالم فمنهم من قطع بحار ومحيطات ليلتحق بركب النضال لأجل فلسطين، ومنهم من سقط مدافعاً عن فلسطين، ومنهم من ضحى لأجل فلسطين بالروح والمال، وهنا نستشهد ونستذكر الفدائية الجميلة الشابة (راشيل كوري) أمريكية الأصل التي تحدث آلة الهدم الصهيونية بجسدها النحيف، لتروى ثرى فلسطين بقطرات دمائها الطاهرة الزكية، وتمتزج روحها بأرض فلسطين خلوداً أبدياً، وهو نفس المشهد الذي فارقنا بالأمس لروح المناضل (فيتوريو) وهو مسجى بعلم فلسطين، ذاك المناضل الذي هاجر أجمل بلاد الكون ويترك والداً مريضاً بالسرطان، ويقيم بين أطفال غزة، وصيادين غزة، وفقراء غزة، ويذهب ضحية حقد اسود لدوره الأممي.
هذه هي فلسطين الصورة الأساسية ولوحة الفسيفساء التي تنقش عليها ملامح النضال والتضحية، وسرها الرابض في صدور الأجيال جيل تلو جيل، بسلسلة يتم تدوالها بإطراد لا تتاثر بعوامل التعرية، أو عوامل الطبيعة والأحداث.
وما بعد؛ هل فعلاً هي الصورة المكتملة في ظل الأزمات العربية والإسلامية؟
للتاريخ وللأحداث قول فصل، أو حكاية ثابتة ورأي صائب في تحديد مسار البوصلة المتأرجحة بين الأزمة الأساسية في المعادلة، وبين الطرف الآخر منها، والتاريخ شاهد فاصل في مراحل الحتمية للعودة إلى جاذبية الحلول كلما أراد الطرف الآخر الحياد عن جادة اصلواب.
فاليوم وباللحظة هناك إحداثيات مستجدة في المنطقة، وأهم وأخطر هذه الإحداثيات المسألة(القضية) العراقية، وهي العاصمة العربية الثالثة التي قصفت تحت وقع الإحتلال منذ إستقلال الدويلات العربية الحديثة، فبغداد اليوم هي في التعداد الإحصائي تحتل رقم ثلاثة في عداد عواصم العرب التي داستها لعنات الإحتلال بعد القدس وبيروت، ولذلك فهي إحدى الإحداثيات التي يمكن لها أن تؤثر في المشهد الفلسطيني كصورة عامة وأولوية أولى تمتزج بها الوان الاستنهاض الوطني، والشجون النضالية المميزة لهذه الوجدانية لدى أمتنا العربية، وعالمنا الإسلامي.
وأصبح هنا أغصان للجذور، ولم يعد الجذر جاف في صحراء الإغنصاب المفرد، والوحيد، فنبت له غصن وفرع إسمه بغداد، فهل بغداد تضاهي القدس في الأولوية؟
العفوية البلاغية والخطابية تقود للتلقائية، والتقائية لن تخرج عن طور الإجابة بنعم بكل تأكيد تضاهيها بالأولوية وبالأهمية، نفس المسار ونفس الإتجاه، وهي تلقائية لن تنصف العاصمتين بأي حال من الأحوال، فلا طريق تحرير القدس يمر عبر بغداد، ولا طريق تحرير بغداد يمر عبر القدس، وإنما هناك مسلمة رئيسية أن ترحير كل بلاد العرب والإسلام يمر عبر طريق واحد (القدس)، والسبب؟
نعود من حيث بدأنا في مقدمة ذاك لامقال، لنحدد ملامح الصراع الأساسي في منطقتنا، لنستخلص أن معظم الأزمات هي وليدة الرحم الفلسطيني، ومن إنتاج القضية الفلسطينية، ونتيجة حتمية للصراع الدائم والمستمر في فلسطين .
ففلسطين مسبب رئيسي، لسقوط بيروت في عقد الثمانينان من القرن الماضي، ولو عدنا للخلف فإنها كذلك سبب رئيسي في احتلال سيناء، والجولان، وكذلك هي المسبب الرئيس لإحتلال بغداد، والمسبب الأساسي لتهاوي الأنظمة العربية الحالية التي تتحطم على صهوة الغضب الشعبي، بالرغم من أن ما يبدو أنه باطن الأمور، لكنه مسبب أساسي وموضوعي وفتيل أزمات المنطقة، والسبب أن المواطن العربي يكظم غيظه المستعر تجاه ما يحدث في فلسطين.
إذن فالمعضلة ليست تحديد الأولويات، بل المعضلة في تحديد معانِ وملامح الأولويات المنبثقة من الأساس القاعدي للتركيبة السياسية في المنطقة، وهي تركيبة قائمة على الكل، والجزء قائم ومرتبط بالكل كذلك، لذلك فإن الأولوية الأساسية هي المحور الإرتكازي الأساسي للمداخل الثانوية.
عودة إلى الحتمية الفلسطينية السياسية التي تطرح نفسها على ساحة الفكر المنصهر بكله العام، والإستناد إلى معانيه الذائبة والمنصهرة في بوتقة التفصيل لمجريات الأحداث، يتمحور الأساس الوجداني لسؤالنا الأهم والمطروح في مقدمة هذه المقالة، ليتم صياغة الإجابة بمنطق العقل وروح الوجدانبآن واحد، أن فلسطين وقضيتها هي في سلم الأولويات العربية- الإسلامية، مع إحداث إرباكات إهتزازية في ترتيب هذه الأولوية وتقديمها أو تأخيرها في بعض الحقب الوقتية والموضوعية نتيجة عاملين مؤثرين في حدود المسافة اللحظية.
العامل الأول/ مجموعة الإحداثيات والمتغيرات المحلية الفلسطينية التي ساهمت في إحباط الحماسة العربية – الإسلامية تجاه فلسطين، القضية الأكثر أهمية في الجانب الوجداني، والتي تأثرت بجملة من الإرباكات المتعلقة بمجريات الأحداث وتسلسلها في مجرة الأحداث المركبة منذ تسعينات القرن الماضي، فالطفل الذي كان يرى الفلسطيني يقارع المحتل الصهيوني بالحجر والمقلاع، ويلتحف الكوفية، ليس ذاك الطفل الذي شاهد الفلسطيني ما بعد أوسلو 1993م، وسيادة قانون صراع اللصوص والفاسدون، كما أنه ليس الطفل الذي شاهد الفلسطيني يقتل الفلسطيني لأجل سلطة وهمية. وهو ما أحدث إهتزاز وتشوه وجداني كان يتبلور تلقائياً بإيمان موسومبعشق الجهاد والإستشهاد، فسحر الفدائي الأسمر الجميل لم تعد قائمة بذهن الطفل العربي والمسلم، وجلها دلالات كررها بعض الشبان العرب بالقول، ما شاهدناه بصراعكم كرهنا بالجهاد، وكلمات تتناثر هنا وهناك مثل" خذلتمونا".
إنها تشوهات اساءت للتكوين الوجداني العربي والإسلامي تجاه فلسطين، وشوهت الصورة في ذهن المواطن المفتون بفلسطين ونضالها وقضيتها، ولم يعد يمسك قلمه ويرسم مجسم الاقصى وعلم فلسطين في مدرستة، ولم يعد يكتب بعفوية وتلقائية " فلسطين حرة"، فاليوم بالكاد يدرك ما هي فلسطين.
العامل الثاني/ الأزمات المتواترة في المنطقة اضعفت من الاحساس الوجداني العام، للأمتين العربية والإسلامية، وهيأت جانب وجداني خاص في منطقة قطرية معينة تحت طائلة الظروف الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، فمثلا العراقي اليوم لم يعد وجدانياً يرسم فلسطين قبل أن يرسم العراق، فأصبح يرسم الخاص ثم يفكر بالعام، وبغداد لم تعد بعد القدس، وكذلك ما رأيناه في تونس فالتونسي رفع شعار العدالة والحرية ومن ثم رفع فلسطين كشعار، وهو ما ينطبق على المصري، وعلى الجميع.
فالوعي العام إنحصر في قطرية ذات جذور محصورة بين أزمات سياسية، واقتصادية، واجتماعية، فسادت لغة الخاص على لغة العام.
هي ذات الحدود التي رسمنا بها حدود الإنطلاق في إجابتنا الأكثر منطقية في حدود الوعي المستحدث من المتغيرات والتحولات المتواترة في المنطقة، والتي فرضت علينا إعادة طرح السؤال من جديد وإفساح القلب والعقل يخاطبا المجيب بتلقائية عفوية في خضم رحلة افبحار بمحيط الهموم الخاصة.
فهل فلسطين وقضيتها صاحبة الأولوية الأولى للعالمين العربي والإسلامي؟ بعد هذا الإستعراض.
سامي الأخرس
20 نيسان 2011م
سامي الأخرس Thursday 21-04 -2011
سأبدأ على غير العادة بسؤال يفرض ذاته، ومستنبط من معظم الأحاديث التي خضتها مع اصدقاء وزملاء عرب في الفترة الأخيرة، وهي تتناول فلسطين وأوضاع فلسطين عامة، أو الأحداث المتلاحقة في الساحة العربية عامة، والعلاقة الترابطية بين فلسطين وما يجري في المنطقة.
السؤال هل فلسطين لا زالت القضية المركزية الأولى عربياً وإسلامياً؟ وتحتل مكانتها السابقة في الوجدان العربي والإسلامي؟
عجيب أمر هذا السؤال، ليس في صياغته اللغوية، أو الفرضية الأساسية التي يستند إليها، بل غرابته في مراحل تطوره، فكلما تعرضت المنطقة لإهتزازت سياسية، نعود لنفس المدخل ونطرح السؤال بنفس الصياغة، ونفس اللغة، ونشرح الحالة الوقتية بكل أبعادها وتجلياتها لنصل إلى إجابة شافية بهذا الصدد، تحاكي النفسية العربية والإسلامية، والمنطقة بحدودها الجيوسياسية.
فالأساس العلمي أن لكل معادلة طرفين يؤديا للنتيجة، ومعادلتنا العربية لها طرفين، أولهما: بكل تأكيد القضية الفلسطينية بما إنها جوهر الصراع والأزمات في المنطقة، وهذا الأساس قائم منذ أن بدات الهجرات اليهودية إلى فلسطين في عهد الخلافة العثمانية، مروراً بمراحل التاريخ المتعاقبة، فاصبح كل جيل يسلم راية فلسطين للجيل الآخر، ويلقنه الدرس التاريخي أن فلسطين عربية – إسلامية، إغتصبت من العصابات الصهيونية بدعم الدول الغربية وخاصة(بريطانيا) على وجه التحديد، وليس الحصر، ومساعدة الولايات المتحدة الأمركية، وهو الغرس الطيب في الأجيال المتتابعة لتستمر فلسطين حتمية وجدانية في العمق العربي – الإسلامي تتطلب التحرير، وهي حتمية مستنبطة من أحاديث متنوعة ومتتابعة أختتمتها صحفية يمنية عندما وجهت لها سؤال عن سر حبهم لفلسطين، فردت بلا تردد على مسامعى كلمة إننا لا نتعاطف مع فلسطين بل (نحبها) لأننا ومنذ أن كنا أطفال صغار كانت رحلاتنا تتجه إلى معسكرات الثورة الفلسطينية، فأنغرس وإمتزج هذا الشعور بحب، وتحول لحتمية وحقيقة في العمق الوجداني للمواطن العربي – والمسلم، ولا دلالة على ذلك أكبر من مقولة بومدين( مع فلسطين ظالمة أو مظلومة)، ومشهد صدام حسين وهو يردد من على مقصلته( عاشت فلسطين حرة عربية).
تلك الصورة الأقحوانية في مظهرها العام وصف مختزل للحتمية الطبيعية لفلسطين في خلجات الوجدان العربي والإسلامي، وتضع فلسطين في محلها الإعرابي الصحيح من موضع الإعراب العربي – المسلم لدى الشعوب عامة، بعدياً عن فقه المذهب، والعرق، واللون، والجنس، والدين، بل إن هذه الوجدانية تسللت للعديد من ثوار العالم فمنهم من قطع بحار ومحيطات ليلتحق بركب النضال لأجل فلسطين، ومنهم من سقط مدافعاً عن فلسطين، ومنهم من ضحى لأجل فلسطين بالروح والمال، وهنا نستشهد ونستذكر الفدائية الجميلة الشابة (راشيل كوري) أمريكية الأصل التي تحدث آلة الهدم الصهيونية بجسدها النحيف، لتروى ثرى فلسطين بقطرات دمائها الطاهرة الزكية، وتمتزج روحها بأرض فلسطين خلوداً أبدياً، وهو نفس المشهد الذي فارقنا بالأمس لروح المناضل (فيتوريو) وهو مسجى بعلم فلسطين، ذاك المناضل الذي هاجر أجمل بلاد الكون ويترك والداً مريضاً بالسرطان، ويقيم بين أطفال غزة، وصيادين غزة، وفقراء غزة، ويذهب ضحية حقد اسود لدوره الأممي.
هذه هي فلسطين الصورة الأساسية ولوحة الفسيفساء التي تنقش عليها ملامح النضال والتضحية، وسرها الرابض في صدور الأجيال جيل تلو جيل، بسلسلة يتم تدوالها بإطراد لا تتاثر بعوامل التعرية، أو عوامل الطبيعة والأحداث.
وما بعد؛ هل فعلاً هي الصورة المكتملة في ظل الأزمات العربية والإسلامية؟
للتاريخ وللأحداث قول فصل، أو حكاية ثابتة ورأي صائب في تحديد مسار البوصلة المتأرجحة بين الأزمة الأساسية في المعادلة، وبين الطرف الآخر منها، والتاريخ شاهد فاصل في مراحل الحتمية للعودة إلى جاذبية الحلول كلما أراد الطرف الآخر الحياد عن جادة اصلواب.
فاليوم وباللحظة هناك إحداثيات مستجدة في المنطقة، وأهم وأخطر هذه الإحداثيات المسألة(القضية) العراقية، وهي العاصمة العربية الثالثة التي قصفت تحت وقع الإحتلال منذ إستقلال الدويلات العربية الحديثة، فبغداد اليوم هي في التعداد الإحصائي تحتل رقم ثلاثة في عداد عواصم العرب التي داستها لعنات الإحتلال بعد القدس وبيروت، ولذلك فهي إحدى الإحداثيات التي يمكن لها أن تؤثر في المشهد الفلسطيني كصورة عامة وأولوية أولى تمتزج بها الوان الاستنهاض الوطني، والشجون النضالية المميزة لهذه الوجدانية لدى أمتنا العربية، وعالمنا الإسلامي.
وأصبح هنا أغصان للجذور، ولم يعد الجذر جاف في صحراء الإغنصاب المفرد، والوحيد، فنبت له غصن وفرع إسمه بغداد، فهل بغداد تضاهي القدس في الأولوية؟
العفوية البلاغية والخطابية تقود للتلقائية، والتقائية لن تخرج عن طور الإجابة بنعم بكل تأكيد تضاهيها بالأولوية وبالأهمية، نفس المسار ونفس الإتجاه، وهي تلقائية لن تنصف العاصمتين بأي حال من الأحوال، فلا طريق تحرير القدس يمر عبر بغداد، ولا طريق تحرير بغداد يمر عبر القدس، وإنما هناك مسلمة رئيسية أن ترحير كل بلاد العرب والإسلام يمر عبر طريق واحد (القدس)، والسبب؟
نعود من حيث بدأنا في مقدمة ذاك لامقال، لنحدد ملامح الصراع الأساسي في منطقتنا، لنستخلص أن معظم الأزمات هي وليدة الرحم الفلسطيني، ومن إنتاج القضية الفلسطينية، ونتيجة حتمية للصراع الدائم والمستمر في فلسطين .
ففلسطين مسبب رئيسي، لسقوط بيروت في عقد الثمانينان من القرن الماضي، ولو عدنا للخلف فإنها كذلك سبب رئيسي في احتلال سيناء، والجولان، وكذلك هي المسبب الرئيس لإحتلال بغداد، والمسبب الأساسي لتهاوي الأنظمة العربية الحالية التي تتحطم على صهوة الغضب الشعبي، بالرغم من أن ما يبدو أنه باطن الأمور، لكنه مسبب أساسي وموضوعي وفتيل أزمات المنطقة، والسبب أن المواطن العربي يكظم غيظه المستعر تجاه ما يحدث في فلسطين.
إذن فالمعضلة ليست تحديد الأولويات، بل المعضلة في تحديد معانِ وملامح الأولويات المنبثقة من الأساس القاعدي للتركيبة السياسية في المنطقة، وهي تركيبة قائمة على الكل، والجزء قائم ومرتبط بالكل كذلك، لذلك فإن الأولوية الأساسية هي المحور الإرتكازي الأساسي للمداخل الثانوية.
عودة إلى الحتمية الفلسطينية السياسية التي تطرح نفسها على ساحة الفكر المنصهر بكله العام، والإستناد إلى معانيه الذائبة والمنصهرة في بوتقة التفصيل لمجريات الأحداث، يتمحور الأساس الوجداني لسؤالنا الأهم والمطروح في مقدمة هذه المقالة، ليتم صياغة الإجابة بمنطق العقل وروح الوجدانبآن واحد، أن فلسطين وقضيتها هي في سلم الأولويات العربية- الإسلامية، مع إحداث إرباكات إهتزازية في ترتيب هذه الأولوية وتقديمها أو تأخيرها في بعض الحقب الوقتية والموضوعية نتيجة عاملين مؤثرين في حدود المسافة اللحظية.
العامل الأول/ مجموعة الإحداثيات والمتغيرات المحلية الفلسطينية التي ساهمت في إحباط الحماسة العربية – الإسلامية تجاه فلسطين، القضية الأكثر أهمية في الجانب الوجداني، والتي تأثرت بجملة من الإرباكات المتعلقة بمجريات الأحداث وتسلسلها في مجرة الأحداث المركبة منذ تسعينات القرن الماضي، فالطفل الذي كان يرى الفلسطيني يقارع المحتل الصهيوني بالحجر والمقلاع، ويلتحف الكوفية، ليس ذاك الطفل الذي شاهد الفلسطيني ما بعد أوسلو 1993م، وسيادة قانون صراع اللصوص والفاسدون، كما أنه ليس الطفل الذي شاهد الفلسطيني يقتل الفلسطيني لأجل سلطة وهمية. وهو ما أحدث إهتزاز وتشوه وجداني كان يتبلور تلقائياً بإيمان موسومبعشق الجهاد والإستشهاد، فسحر الفدائي الأسمر الجميل لم تعد قائمة بذهن الطفل العربي والمسلم، وجلها دلالات كررها بعض الشبان العرب بالقول، ما شاهدناه بصراعكم كرهنا بالجهاد، وكلمات تتناثر هنا وهناك مثل" خذلتمونا".
إنها تشوهات اساءت للتكوين الوجداني العربي والإسلامي تجاه فلسطين، وشوهت الصورة في ذهن المواطن المفتون بفلسطين ونضالها وقضيتها، ولم يعد يمسك قلمه ويرسم مجسم الاقصى وعلم فلسطين في مدرستة، ولم يعد يكتب بعفوية وتلقائية " فلسطين حرة"، فاليوم بالكاد يدرك ما هي فلسطين.
العامل الثاني/ الأزمات المتواترة في المنطقة اضعفت من الاحساس الوجداني العام، للأمتين العربية والإسلامية، وهيأت جانب وجداني خاص في منطقة قطرية معينة تحت طائلة الظروف الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، فمثلا العراقي اليوم لم يعد وجدانياً يرسم فلسطين قبل أن يرسم العراق، فأصبح يرسم الخاص ثم يفكر بالعام، وبغداد لم تعد بعد القدس، وكذلك ما رأيناه في تونس فالتونسي رفع شعار العدالة والحرية ومن ثم رفع فلسطين كشعار، وهو ما ينطبق على المصري، وعلى الجميع.
فالوعي العام إنحصر في قطرية ذات جذور محصورة بين أزمات سياسية، واقتصادية، واجتماعية، فسادت لغة الخاص على لغة العام.
هي ذات الحدود التي رسمنا بها حدود الإنطلاق في إجابتنا الأكثر منطقية في حدود الوعي المستحدث من المتغيرات والتحولات المتواترة في المنطقة، والتي فرضت علينا إعادة طرح السؤال من جديد وإفساح القلب والعقل يخاطبا المجيب بتلقائية عفوية في خضم رحلة افبحار بمحيط الهموم الخاصة.
فهل فلسطين وقضيتها صاحبة الأولوية الأولى للعالمين العربي والإسلامي؟ بعد هذا الإستعراض.
سامي الأخرس
20 نيسان 2011م