- الجمعة ديسمبر 21, 2012 8:59 pm
#58883
مقال ايلين عيسى في صحيفة الديار: أين وعود «الربيع العربي...» وأين مسيحيّو المشرق ؟!
21/12/2012
وصل قطار «الربيع العربي» الى سوريا وتوقف. هناك اندلعت حرب اهلية لا يعرف مداها. وقبل ذلك، دارت رحى الحرب في ليبيا. ولم يتوصل اي من بلدان «الربيع» الى الاستقرار. فحيث حسمت المعركة باسقاط الانظمة، جاءت السلفيات الدينية. والنموذج المصري خير دليل. واما النموذج العراقي فكان سباقا. هناك سقط نظام الرئيس صدام حسين ليترك السنة والشيعة في حرب خفية على السيطرة، فيما الاكراد يستعدون لتثبيت دويلتهم.
الا ان البارز في كل ذلك هو الوضع المسيحي. فالبابا الراحل يوحنا بولس الثاني قال عن لبنان انه اكبر من بلد انه رسالة. وفي أثناء السينودس في العام 1995، توجّه البابا يوحنّا بولس الثاني الى المشاركين: «تذكّروا أنّكم أبناء الارض التي مشى عليها المسيح وأظهر فيها معجزاته. تذكّروا أن أجدادكم كانوا بين الجموع في عرس قانا الجليل».
والبابا الحالي بنديكتوس السادس عشر جدد هذه المقولة. واكد البطريرك الاورثوذكسي الجديد يوحنا اليازجي ان المسيحيين هم اهل هذه الارض وانهم في بطريركية انطاكيا لن يغادروها كما لم يغادروها عبر التاريخ. وسبق للبطريرك الراحل اغناطيوس الرابع هزيم ان اكد هذه الثابتة.
لكن الاقوال والحقائق في مكان، وما يتجه اليه الحضور المسيحي في الشرق في مكان آخر. فهناك تقهقر ملحوظ في أعداد المسيحيين في المشرق، خصوصاً مع اندلاع احداث الربيع العربي. فالمسيحيون هم الأكثر رغبة في تحقيق الديموقراطية وتداول السلطة لكنهم خائفون من مستقبل الوضع في المشرق. وهذا ما عبر عنه البطريرك بشارة الراعي: اما سلفيات دينية لا تحترم الاقليات واما الحروب الاهلية التي لا تنتهي.
ولطالما جرى البحث في المجامع البطريركية المشرقية في هذه المسألة الخطرة، اي التقهقر المسيحي عن طريق الهجرة. وفي هذا المجال، ناقش مجلس البطاركة الكاثوليك في بزمّار في العام2006 ، تقارير من روحيين وعلمانيين عن هجرة المسيحيين من الشرق. وهذه التقارير كانت النواة التي عليها قام سينودس الأساقفة من أجل مسيحيي الشرق.
أرقام مخيفة
أظهرت التقارير أن عدد المسيحيين في الشرق لم يعد يتجاوز الـ 10 ملايين بين 300 مليون نسمة هم عدد السكان الاجمالي. ففي لبنان يقدّر أنّ 730 ألف مسيحي غادروا لبنان منذ العام 1975. وخلال حرب تموز 2006، ازدادت وتيرة الهجرة. وكانت نسبة المسيحيين العائدين بعد وقف القتال دون نسبة المسلمين. وتفيد تقارير دائرة الهجرة الأميركية أن مجموع المسيحيين في لبنان وسوريا والعراق معا بات يقارب الـ15 في المئة من مجموع السكّان في هذه الدول (نحو 100 مليون نسمة)، فيما السفارات الأميركية في الدول الثلاث تؤشر إلى أن نحو 50 في المئة من مجموع طلبات الحصول على تأشيرات الهجرة يتقدم بها مسيحيون. وتبيّن يومذاك أن نحو 30 ألف مسيحي غادروا بلدانهم في الأعوام الثلاثة السابقة.
وفي سوريا، كان المسيحيون في السبعينيات نحو 25 في المئة من مجموع السكّان، وباتوا قرابة 10 في المئة، وثمة توقعات بوصول النسبة الى 2 في المئة العام 2025. وفي العراق، غادر نصف المسيحيين في أثناء حرب الخليج الأولى العام1991، ومعظمهم استكمل هذا المسار بعد العام 2003.
وفي مصر، يقوم الأقباط بهجرة جماعية، ترتبط بوضع الدولة وتنامي الأصوليات. ومنذ أيام الرئيس حسني مبارك كان هناك إقصاء شبه كامل لهم عن الوظائف العليا والوزارات والهيئات الديبلوماسية الرفيعة وإدارة الجامعات والقضاء. وثمة قيود على الكنائس وهدم لأخرى ومنع ترميم احيانا. ويستوجب مثلا انتظار نحو عشر سنوات للحصول على ترخيص لبناء كنيسة.وأما اليوم فالوضع يبدو اشد خطورة في ظل تنامي النزعة السلفية.
وأما القدس، فلم يعد فيها سوى أقل من 5 آلاف مسيحي، بعدما كان عددهم في الأربعينيات 45 الفا.
ويقول البابا بنديكتوس إن الدواء الناجع لوقف هجرة المسيحيين في الشرق هو السلام في المنطقة. وأما الأمم المتحدة، وفي تقريرها الصادر عن برنامج التنمية العربية العام 2002، فتقول: إن غياب الديموقراطية في المنطقة اطاح الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي وحقوق الانسان دفعة واحدة.
لكن على الكنائس المحلية والعلمانيين مسؤولية تاريخية في تنفيذ بنود السينودس من اجل لبنان ومن اجل المشرق، حيث يوصي الفاتيكان بقيام مسيحيي المشرق بخطوات للتضامن في ما بينهم وللانفتاح على الاخرين. وهذا ما يدعم التجذر في الارض.
لكن مشكلة الكنائس والعلمانيين المسيحيين في المشرق هي انقساماتهم. ويبقى السؤال عما يمكن ان يأتي به الربيع العربي لشعوب المنطقة، ومسيحييها تحديدا، اذا ما اصبح الربيع شتاء للسلفيات الدينية والصراعات المذهبية والعرقية؟
عودة
21/12/2012
وصل قطار «الربيع العربي» الى سوريا وتوقف. هناك اندلعت حرب اهلية لا يعرف مداها. وقبل ذلك، دارت رحى الحرب في ليبيا. ولم يتوصل اي من بلدان «الربيع» الى الاستقرار. فحيث حسمت المعركة باسقاط الانظمة، جاءت السلفيات الدينية. والنموذج المصري خير دليل. واما النموذج العراقي فكان سباقا. هناك سقط نظام الرئيس صدام حسين ليترك السنة والشيعة في حرب خفية على السيطرة، فيما الاكراد يستعدون لتثبيت دويلتهم.
الا ان البارز في كل ذلك هو الوضع المسيحي. فالبابا الراحل يوحنا بولس الثاني قال عن لبنان انه اكبر من بلد انه رسالة. وفي أثناء السينودس في العام 1995، توجّه البابا يوحنّا بولس الثاني الى المشاركين: «تذكّروا أنّكم أبناء الارض التي مشى عليها المسيح وأظهر فيها معجزاته. تذكّروا أن أجدادكم كانوا بين الجموع في عرس قانا الجليل».
والبابا الحالي بنديكتوس السادس عشر جدد هذه المقولة. واكد البطريرك الاورثوذكسي الجديد يوحنا اليازجي ان المسيحيين هم اهل هذه الارض وانهم في بطريركية انطاكيا لن يغادروها كما لم يغادروها عبر التاريخ. وسبق للبطريرك الراحل اغناطيوس الرابع هزيم ان اكد هذه الثابتة.
لكن الاقوال والحقائق في مكان، وما يتجه اليه الحضور المسيحي في الشرق في مكان آخر. فهناك تقهقر ملحوظ في أعداد المسيحيين في المشرق، خصوصاً مع اندلاع احداث الربيع العربي. فالمسيحيون هم الأكثر رغبة في تحقيق الديموقراطية وتداول السلطة لكنهم خائفون من مستقبل الوضع في المشرق. وهذا ما عبر عنه البطريرك بشارة الراعي: اما سلفيات دينية لا تحترم الاقليات واما الحروب الاهلية التي لا تنتهي.
ولطالما جرى البحث في المجامع البطريركية المشرقية في هذه المسألة الخطرة، اي التقهقر المسيحي عن طريق الهجرة. وفي هذا المجال، ناقش مجلس البطاركة الكاثوليك في بزمّار في العام2006 ، تقارير من روحيين وعلمانيين عن هجرة المسيحيين من الشرق. وهذه التقارير كانت النواة التي عليها قام سينودس الأساقفة من أجل مسيحيي الشرق.
أرقام مخيفة
أظهرت التقارير أن عدد المسيحيين في الشرق لم يعد يتجاوز الـ 10 ملايين بين 300 مليون نسمة هم عدد السكان الاجمالي. ففي لبنان يقدّر أنّ 730 ألف مسيحي غادروا لبنان منذ العام 1975. وخلال حرب تموز 2006، ازدادت وتيرة الهجرة. وكانت نسبة المسيحيين العائدين بعد وقف القتال دون نسبة المسلمين. وتفيد تقارير دائرة الهجرة الأميركية أن مجموع المسيحيين في لبنان وسوريا والعراق معا بات يقارب الـ15 في المئة من مجموع السكّان في هذه الدول (نحو 100 مليون نسمة)، فيما السفارات الأميركية في الدول الثلاث تؤشر إلى أن نحو 50 في المئة من مجموع طلبات الحصول على تأشيرات الهجرة يتقدم بها مسيحيون. وتبيّن يومذاك أن نحو 30 ألف مسيحي غادروا بلدانهم في الأعوام الثلاثة السابقة.
وفي سوريا، كان المسيحيون في السبعينيات نحو 25 في المئة من مجموع السكّان، وباتوا قرابة 10 في المئة، وثمة توقعات بوصول النسبة الى 2 في المئة العام 2025. وفي العراق، غادر نصف المسيحيين في أثناء حرب الخليج الأولى العام1991، ومعظمهم استكمل هذا المسار بعد العام 2003.
وفي مصر، يقوم الأقباط بهجرة جماعية، ترتبط بوضع الدولة وتنامي الأصوليات. ومنذ أيام الرئيس حسني مبارك كان هناك إقصاء شبه كامل لهم عن الوظائف العليا والوزارات والهيئات الديبلوماسية الرفيعة وإدارة الجامعات والقضاء. وثمة قيود على الكنائس وهدم لأخرى ومنع ترميم احيانا. ويستوجب مثلا انتظار نحو عشر سنوات للحصول على ترخيص لبناء كنيسة.وأما اليوم فالوضع يبدو اشد خطورة في ظل تنامي النزعة السلفية.
وأما القدس، فلم يعد فيها سوى أقل من 5 آلاف مسيحي، بعدما كان عددهم في الأربعينيات 45 الفا.
ويقول البابا بنديكتوس إن الدواء الناجع لوقف هجرة المسيحيين في الشرق هو السلام في المنطقة. وأما الأمم المتحدة، وفي تقريرها الصادر عن برنامج التنمية العربية العام 2002، فتقول: إن غياب الديموقراطية في المنطقة اطاح الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي وحقوق الانسان دفعة واحدة.
لكن على الكنائس المحلية والعلمانيين مسؤولية تاريخية في تنفيذ بنود السينودس من اجل لبنان ومن اجل المشرق، حيث يوصي الفاتيكان بقيام مسيحيي المشرق بخطوات للتضامن في ما بينهم وللانفتاح على الاخرين. وهذا ما يدعم التجذر في الارض.
لكن مشكلة الكنائس والعلمانيين المسيحيين في المشرق هي انقساماتهم. ويبقى السؤال عما يمكن ان يأتي به الربيع العربي لشعوب المنطقة، ومسيحييها تحديدا، اذا ما اصبح الربيع شتاء للسلفيات الدينية والصراعات المذهبية والعرقية؟
عودة